هذه الافتتاحية واحد من المقالات في هذا العدد عن «الثورة الدستورية»، تتطلب من يقوّمها، لأنها قد احتوت على إضافات وتوضيحات قمت بها، ولا أدّعي أنما قمت به هو القول الفصل، وإنما هو قول قابل للنقاش عند من يقبل وقائع غير التي أوردتها، ولأني في هذه الافتتاحية علقت على ما قرأت لهم، وأضفت وناقشت، فلهم نفس الحق أن يقرؤوا ما كتبته في هذه الافتتاحية، وأن يردوا عليها أو يضيفوا إليها، وسيسعد «المسار» أن تفتح صفحاتها لكل من يعترض أو يضيف بكل ترحاب. ورأت «مجلة المسار» من ناحيتها أن تحتفل هي الأخرى بذكرى «الثورة الدستورية»، فتصدر عدداً خاصاً، تنقل فيه محاضرات احتفالية «مركز التراث»، وتضيف إليها عدة مقالات وأوراق من الوثائق التاريخية بغية منها في المشاركة في إبراز حقيقة «الثورة الدستورية» كما كانت وليس كما صورتها أقلام ذات هوى مبيّت، وغرض مقصود. فكان لها ما أرادت وكانت هذه الافتتاحية ومقالات أخرى: وهذا العدد يحتوي على ثلاثة أقسام: قسم المحاضرات، قسم المقالات، قسم الوثائق، وأرجو أن يجد فيه القراء ما يفيد.
أولاً: قراءة في محاضرات النّدوة
رأى «مركز التراث والبحوث اليمني» و «منتدى اليمنيات» إحياء ذكرى «الثورة الدستورية» بمناسبة مرور اثنين وسبعين عاماً هجرياً، وتسعة وستين عاماً ميلادياً، من أجل تقديم صورة موضوعية بعد أن كان التشويش والتشويه هو السائد في قراءتها زمناً شقياً.
وكان ممن اتصلت بهم لهذا الغرض: الصديق الباحث الأستاذ «لطفي نعمان» فرحب مشكوراً، ولبّى مسرعاً، واتصل بمن يحب المشاركة في الاحتفالية، وكان خير عون، فله الشكر على ما بذل من جهد.
وقد أردت أن يكون ما سيقدمه المحاضرون بعيداً عن أي تأثير أو توجيه أو أي احتمال من هذا القبيل، وعندما طلب المهذب «لطفي» مني أن يُرسل كلمته اليَّ قبل إلقائها، كما جرت عادة المراكز في قراءة ما سيذاع لإقراره، اعتذرت ولم أفعل، وقلت له: لا لن أطلع مسبقاً على أي محاضرة، لأنا نريد أن نرى «الثورة الدستورية» من جهات مختلفة، لتكون الصورة أكثر اتضاحاً مما لو كانت ترضي جهة مّا، ثم إن لكل كاتب الحق في إبداء رأيه بدون رقابة، ومبدأ «مركز التراث والبحوث اليمني» ضد أي رقابة مهما كان نوعها وعدم فرض أي توجه على الأخرين يوافق مفاهيم المركز، وإنما يريد أن يعرض كل مفاهيمه بدون تدخّل، وأن المطلوب منا جميعاً هو الالتزام بالموضوعية، وبالضمير التاريخي فقط.
وهكذا كان، فلم أقرأ المحاضرات إلا بعد أن أُلقيت وسُجلت، وكانت تجربة ناجحة، إذ التزم كلّ محاضر بالموضوعية على نحو جيد، سواء اتفقت على ما عرض، أو اختلفت مع ما قدّم.
عن محاضرتي «عوائق في طريق الدستور»
كانت المحاضرة الأولى لكاتب هذه السطور، ومن قلة الذوق الأدبي، وسماجة النقد أن أكتب عنها تقريضاً أو قرضاً، وغيري أولى مني وأقدر على رؤية عيوب بحثي، فأرجو أن أجد من يقرأ محاضرتي بموضوعية شأني شأن أي مُحاضر قرأتُ محاضرته، ومن هنا سوف لن أتحدث عنها؛ بل سأضيف إليها هنا ما لم أذكره هناك تكملة وإضافة.
أضاءت الثورة الدستورية يوم الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1367هـ/17 فبراير 1948م ظلمات ليل سياسي مُعتم، وفي يوم الجمعة مساء 2 جمادى الأولى 1367ه/12 مارس 1948م انطفأ الشعاع بعد 24 يوماً. ولكن شفقه الغارب بقي يرسل أضواءه على نحو مّا، فبقي الشعور بالثورة يتفاعل معبّراً عن نفسه في تحركات وتمردات وانقلابات، ولكن الشيء الذي أُعيق هو العمل لـ«لدستور المدني»، وذلك بفعل سببين رئيسيين ذكرتهما في محاضرتي، حيث تعرضت للتشويه الواسع، حتى خفيت معالمها أو كادت. ولهذا رأى «مركز التراث والبحوث اليمني» أن يبدأ في دراسة الثورة الدستورية دراسة جديدة موضوعية، من أجل فهم أفضل لمفاهيمها ومبادئها وحقيقة أمرها، وعلى أساس هذه الفكرة رأى المركز أن يختار لذكرى الاحتفال بها عنواناً يشير إلى بداية البحث والتنقيب عنها، فكان العنوان: «في الطريق إلى فهم موضوعي للثورة الدستورية» كخطوة أولى تتبعها خطوات، في شكل ندوات ومحاضرات و مقالات، بُغية الوصول لإظهارها على ما كانت عليه، بواسطة أبحاث موضوعية علمية، لا على ما كتبه الهوى السياسي أو سجلته الحزبية أو صاغته المذهبية كما حصل مع الأسف، ومن هنا فحقٌ على كلّ باحث منصف أن يرفع عنها أواصر تلك التحليلات المتجنّية، وأن يكتب عنها وعن محتوياتها بقدر ما أمده الجهد.
هذه الاحتفالية إذن هي الخطوة الأولى في طريق طويل، ويأمل المركز والمنتدى أن يتمكن العام القادم من إقامة ندوة تتحدث عن كل جوانبها، أو معظم جوانبها، فهذه الاحتفالية تمثل مقدمة مختصرة لـ «كتاب» يبدأ تأليفه في تلك الندوة الشاملة في ذكرى مرور 73 عاماً هجرياً/ 70 ميلادياً، بعد أن تمت كتابة المقدمة يوم الخميس 4 جمادى الأخرة 1438ه/ 5 مارس 2017م.
ومما لا شك فيه أن التعتيم على الثورة الدستورية قد استمر يواصل أستاره لأسباب كثيرة، ومع أنها تمكنت رغم الظلام الحاجب، ورغم المكائد الساترة، والأساليب المانعة من أن تفتح لشعاعها -وسط معاناة مرهقة – مسارب توسعت خطوة خطوة، إلاّ أن المحافظة على سماتها وخصائها وسط هجمات تضليلية واسعة- قد أعاق خطاها ورسالتها الدستورية بوجه خاص، وقد تولّت محاضرتي عنها حسب الجهد الكشف عن تلك العوائق بشكل تفصيلي نوعاً مّا.
إضافة إلى ما قلته في المحاضرة أريد هنا أن أضيف باختصار بعض الإعاقات التي حالت دون فهم وتفهّم الثورة الدستورية بغية تنقية الطريق إلى الوصول اليها، وقد أشرت في المحاضرة إلى أن من أشدّ الأضرار التي أُنزلت بها هي جملة تسميات سُميِّت بها قهراً، وتجرعتها مرّاً، كتسميتها «ثورة بني الوزير» و «ثورة الأسر» و «ثورة صراع الأئمة» الخ، ولو تتبعنا مصبّ هذه التسميات لوجدناها تنبع من حقل عرقي، أو مذهبي حاولا أن يفقداها مبرر وجودها، وحقيقية أمرها، وصحة تسميتها، ولو تخلّصنا من الهياج السياسي الذي أعقبها لوجدنا حتماً أن الثورة الدستورية من كلّ تلك التسميات براء؛ فليست ثورة أسر، ولا ثورة مذهب، ولا ثورة منطقة، وإنما هي ثورة فكر يتجدد على فقه سياسي يبلي، إنها استجابة حنين لدستور يرعى الحقوق، ويصون الواجبات، عبرت عنها صنعاء و تعز و حَيْس و الحديدة وغيرها، كما عبر عنه من في القاهرة و الحبشة و نيروبي و السودان و عدن و حضرموت و بريطانيا وفي كلّ وطن سكنه يمنيون على مختلف أشكالهم وألوانهم، فقيرهم وغنيّهم وعالمهم ومثقفهم. أنها أفق أمة جديدة، مكتوب على حواشيه الدستور، فما أغبي من حمّلها غير أسمها، وما أفظع من دعاها بغير أصلها.
ومن العوائق الحائلة تلك الطريقة التي اعتمدها كاتبوا المذكرات، ممن انتمى الى «حزب الأحرار» حيث اختزلوا عمل المعارضين الأخرين في هذا الحزب، مع أنه أنشئ متأخراً عن معارضات سابقة أو مستقلة، فهذا الحزب كما هو معروف أسس عام1363ه/1944م وتلك المذكرات وتلك المقالات تتحدث عنه، وكأنه الأصل والمنبع، وما سبقه من تاريخ طويل، إما تمّ التجاوز عنه، أو ضُم إليه، وأُلحق به، مع العلم أن تحركات «المحلوي» و«المطاع»، و«العزب» وغيرهم، كانت سابقة بزمن، وكذلك «حركة العلماء والقادة» في الداخل، ومثلها حركة المسمري وزبارة وعبد الله بن علي الوزير في القاهرة، ولا ينقص من نضال حزب الأحرار الذي أنشأه الأساتذة: نعمان والزبيري والشامي والموشكي وغيرهم أنه نشأ متأخراً، ويكفيه فخراً أنه بالفعل أول حزب سياسي- بينما المعارضات الأخرى شكلت تيارات بارزة – وأنه كان صوتاً إعلامياً جهيراً.
أما لماذا تأخر فقد كان زعيماه الأستاذ نعمان أولاً ثم الأستاذ الزبيري تالياً، والموشكي و الشامي قد خُدعوا بشخصية «ولي العهد» ولم ييأسوا منه الّا في هذا العام، أو بتعبير الزبيري «عندما بلغ لديهم وقتها اليقين الثوري»، صحيح أنه كان للزبيري ونعمان نشاط مع «مجموعة القاهرة» على نحوٍ ما فصله المرحوم يحيى زبارة في مذكراته[1]، إلا أن الأستاذ نعمان – وهو في القاهرة – كان يرى أن التغيير على يد ولي العهد أجدى[2]، وكان الزبيري مع عبد الله بن علي الوزير و المسمري ويحيى زبارة يومنون بتغيير النظام نفسه، وكان الزبيري معهم – في البداية – على هذا الرأي، إلا أنه بعد عودته من القاهرة وبعد سجنه في «الأهنوم» رأى في ولي العهد رجل الخلاص، فانضم الى الأستاذ نعمان، ورأى الزبيري في ولي العهد بطلاً أسطورياً يمكن أن تتحقق على يديه أهداف الشعب الوطنية[3] «وقد وجدنا في هذا الرجل العجيب فعلاً ما يخدع وما يغض وما يُذهل، وتعاظمت في نظرنا ظواهر تصرفاته ومطامع شخصيته وألغاز تصريحاته الرمزية التي توحي بالتذمّر من رجعية أبيه وفساد حكمه»[4] وبقي على هذا المنوال حتى ظهرت من ولي العهد نبرة تهديد للعصريين بسبب ملابسة أراد بها قوماً، فظن هؤلاء أنهم المقصودون، ففرّوا إلي عدن[5]، ومع ذلك يلاحظ أن «صوت اليمن» -الناطقة باسم حزب الأحرار – لم تكن تهدف إلى تغيير الحكم من خارجه؛ بل إلى إصلاحه من داخله، ولكن معظم علماء الداخل وجهود الدستوريين في صنعاء والقاهرة كانت ترى عكس ذلك.
على سبيل المثال ثمّة تيارات معارضة قوية هزّت نظام الحكم وقررت مصيره، وأذكر هنا – كمثال – جهد الأمير علي الوزير في هذا السبيل، فقد وصل عام 1352ه/ 1933 – قبل أن يؤسس حزب الأحرار – إلى القناعة بضرورة الخروج على الإمام، بعد أن ظل من عام 1342ه/1923ه يحاول الإصلاح ما استطاع إليه سبيلاً، ويمكن تسجيل وصول قناعته بالخروج على النظام بستة عشر عاماً من قيام الثورة الدستورية – كما قال مؤلف سيرته – إذ ذكر أنه وصل إلى القناعة بـالخروج عام 1352ه/ 1933م[6]، وقد قلت في مقدمة كتاب (زورق الحلوى) ما يلي: «لقد وصل [الأمير] عام 1352ه/1933م إلى قناعة تامة بضرورة الخروج على الإمام يحيى بسبب انحرافات جائرة حدثت منه، في وقت لم يكن قد ظهر على السطح أحد لا الشهيد الزبيري ولا الأستاذ المرحوم أحمد محمد نعمان»[7]
ويذكر الزبيري نفسه في كتاب (ثورة 1948م) أن الأمير عام1357ه/1938م – وكان هو شاهد عيان إذ كان موجوداً معه في تعز ومكة في ذلك العام – قرر: «أن يبقى في الخارج وأن يحمل راية النضال ضد آل حميد الدين، وبدأ رحلته إلى الحج، وقبل أن يغادر اليمن أرسل برقيات شديدة الى الإمام يحيى يحمل فيها على ابنه أحمد حملات جريئة، ورأينا السيد علي بن عبد الله الوزير في مكة بطلاً مغواراً، يتحفز لإثارة المشكلة اليمنية من أساسها»[8].
ومما يحسن بالمؤرخين التركيز عليه، وإعطائه حقه من البحث أيضاً، تفهّم ظهور مصطلح تردد لدى كلّ من كتب مذكرات، أو مقالات عن «قصة الثورة الدستورية» ممن بقي من رجالها، يمكن تسميته بـ «مصطلح الاختزال» حيث يختزل الكاتب كل الحركات المعارضة في الداخل وفي الخارج، في شخصه، أو في حزبه وتصبح كلمات: نحن فعلنا، نحن قمنا، نحن أقنعنا، نحن اخترنا، نحن سمّينا الخ.. ادعاءً عريضاً، وأهم من ذلك كونه عامل ضياع للمصدر، وسلب لجهد الآخر، وهي ظاهرة تسمى «تكبير الحجم الذاتي» في حين أن دور الكثيرين منهم – عند المتتبع – كان ثانوياً، ولم يكونوا يعلمون يقيناً بما يجري في الصفوف الأولى، إلّا عندما يقرر القادة ضخ ما يرغبون في نشره، وقد ساقهم تكبير الأحجام إلى تجاهل دور الأخر، وعندما لا يتحدثون عن أدوار للأخرين فهم إما يجهلونها أو يتجاهلونها، وفي كلا الحالتين هم يشاركون في إخفاء المعالم أو تشويهها، وبالإضافة إلى ذلك فهم إذاً شاركوا في عملٍ مّا لم يوافق المناخ السياسي السائد، فهم يتجاهلونه ويحاولون الابتعاد عنه، وتخذلهم شجاعتهم فلا يستطيعون نطقاً، وهذا التجاهل يلمس في كلّ المذكرات باستثناء «رياح التغيير» و«مذكرات نعمان»[9].
إن تكبير الحجم بهذا الشكل يحسب في علم النفس عقدة شعور بالنقص نتيجة افتقار صاحبه إلى المعلومات أو تعالٍ عنها أو تجاوزها؛ لأن الأمر يقيناً لا يتمثل في دور «نحن»، وإنما أيضاً في دور «هم»، وقد بقيت – كتاريخ مؤقت – «نحن» وضاعت «هم»، وكما هو معلوم وكما أشرنا، فهناك معارضة المثقفين السابقين: المطاع والعزب والمحلوي الخ، وهناك حركة العلماء الزيود الأقوى نفوذاً وتحركاً وتنفيذاً، والمتمثلة في علي بن عبد الله الوزير وقاسم العزي وغيرهم من القائلين بالخروج على الظالم، وكان بعض كبار العلماء وعلى رأسهم زيد الديلمي – رئيس الاستئناف – و عبد الله بن إبراهيم – الرئيس الثاني للاستئناف – وغيرهم قد تقدّموا بنصيحة شديدة اللهجة إلى الإمام[10] وهناك أخيراً حزب الأحرار نعمان والزبيري، وهناك مستقلون زيد الموشكي وأحمد الشامي ومطيع دماج وعبد الله أبو راس[11]، ولذلك فقول المرحوم عبد السلام صبرة مثلاً عن الأمير علي بن عبد الله الوزير إنه « قد برهن على ذلك من تعاونه مع حركة الأحرار بعد ذلك، حيث تولى هو والسيد حسين الكبسي مهمة إقناع عبد الله الوزير بالانضمام إلى الحركة». يقصد: حركة الأحرار، فهو قول يفتقر إلى الدقة، فـ «حركة الأحرار» متأخرة تاريخياً عن حركته هو و«حركة العلماء» و«حركة المثقفين» في الداخل، وقد يكون الأدق تعبيراً لو أنه قال: إنهما التقيا وتعاونا، أما أنهما انضما إلى الحركة، فقولٌ ينقصه الدقّة! ولعل العكس هو الصواب لو أنصفنا؛ فالمتأخر يلحق بالمتقدّم وليس العكس، وليس من شك أن حزب الأحرار قد كان الصوت الإعلامي القوي في الخارج، ولأنه الصوت الناطق والمعلن فقد استغل أو ظُن أنه كلّ حركات المعارضة[12].
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مبدأ «الخروج» هو مبدأ زيدي، أما الشافعية فتحرم الخروج على الإمام الظالم، وربما كان هذا السبب وراء ظهور علماء الزيدية في الواجهة، وعدم ظهور علماء الشافعية أو الحنفية بنفس الحجم، وقد يستجلب المؤرخ هذا المبدأ الشافعي في عدم جواز الخروج على الإمام الظالم أنه كان خلف رؤية الأستاذ نعمان بالذات، فيما ذهب إليه في أن التصحيح من داخل الحكم هو الأجدى، وقد قال المرحوم الأستاذ نعمان – وهو في عدن قبيل الثورة الدستورية -: «وكانت وجهة نظري تتلخص بمحاولة الاتصال بالحاكمين وإقناعهم بأن الإصلاح على يدهم أيسر وأقرب» [13] وقال في فترة متقدمة: «كنت أعتقد أنه لا يجوز لي أن أخرج على الإمام بأيّة حال من الأحوال»[14] و قال إن عقيدة الشافعية أنه «لا ينبغي أن يعترض عليهم أحد، وحتى الخروج عليهم غير جائز:
ولم يجز في غير محض الكفر خروجنا على ولي الأمر
ويخرج المسلم عن طاعة أميره إلا إذا كفر كفراً صريحاً»[15]. ولعل هذه الموقف يفسر لنا اندفاع «المثقف الشافعي» بكثرة في حركة الدستور عوضاً عن علمائه.
قد لا يخطئ من يقول: إن علماء الزيدية هم من أقرّ الميثاق ولو لم يقرّوه لما كان هناك ميثاق، بسبب أنهم القوة التي تملك التنفيذ، والذي وضعه هو العلامة السيد الفضيل، ويؤكد هذا قول المرحوم الأستاذ نعمان «صاغ الميثاق الوطني المقدس الفصيل الورتلاني وتدارسه مع السيد عبد الله بن أحمد الوزير وبعض الأخوة في صنعاء والقاهرة مثل الشيخ محمد صالح المسمري وأحمد الحورش ومحي الدين العنسي»[16]. وفي القاهرة ناقش «الميثاق» كل من العلامة المسمري ويحيى زيارة وفي صنعاء أبرزهم علامة اليمن حسين الكبسي وعبد الله بن علي الوزير والمطاع وجمال جميل والموشكي والشامي -ناسخ الميثاق بقلمه – وبعد أن أقر الميثاق أُرسل إلى عدن إلى الأستاذ نعمان والزبيري، وقد حرص الأستاذ نعمان على ألا يطلع عليه الزبيري حتى لا يفشيه بحسن نيّته بين الناس، «وقد دعاني الخادم غالب رحمه الله إلى منزله بمفردي، وأطلعني علي الميثاق[17] وعلى التعليمات بحصر الموضوع بيني وبينه وبين الأستاذ الزبيري فقلت له: من الرأي ألا يعرض الأن على الأستاذ الزبيري؛ لأنه لن يتمالك نفسه من الفرح بأن القوم جادون في الأمر بـصنعاء، وأنهم قد اتخذوا الترتيبات، وأعدّوا العدّة للقيام بحركة تطيح بالإمام يحيى ونظام حكمه ما داموا قد صاغوا هذا الميثاق وأعلنوا عن البديل وعن قيام حكم الشورى، وقلت للخادم أنا خبير بـالزبيري سيعتبر كتمان هذا الأمر عن بقية الاخوان خيانة وطنية وجريمة لا تغتفر، إنه طيب القلب، مسرفٌ في حسن الظن، سريع التصديق، وأنا أريد الاحتياط والحذر من أن ينتشر هذا لبشر، فتكون الطامة على الذين رُشِّحوا للحكم وصاغوا الميثاق وسجلت أسمائهم فيه لكن الخادم كان هو الأخر متزمّتاً يرى أن عدم إحاطة الزبيري خيانة للأمانة التي كلّف بها، وصمّم على اطلاعه»[18]. ومن هذا النص المهم أن الأمر كان بقيادة صنعاء حتى أن الأستاذ نعمان أحس من خلال التعيينات أن «السلطة كلّها بيد الزيدية»[19].
تلك إيماءات تاريخية فرضها البحث عن الجوانب الغائمة في الثورة الدستورية وهي بحاجة إلى دراسة متوسعة ومتعمقة لتجلو الغامض وتفكّ الملتبس، وهذه المحاضرات والمقالات هي بمثابة مقدمة لدراسة أشمل تقدم في الذكرى السبعين عاما على مرور الثورة الدستورية.
وبهذه المناسبة أرجو ممن يرغب في التعاون في هذه الأبحاث ليجلوها ويزيل غامضها أن يختار ما يريد من موضوع، وأن يبحث بكل حرية، ويذيع ما توصل إليه وما وجده سلباً وما تعرّف عليه إيجاباً، فالمطلوب هو هذا النوع من البحث، ونحن في «مركز التراث والبحوث» نحاول أن نضع مرادم الثورة الدستورية في مواضعها، حتى لا يبقى نتوء ظاهر ولا تجويف خفي.
وأخيراً أريد أن أقول: إن «مركز التراث والبحوث اليمني» و «منتدى اليمنيات» لما قرّرا إقامة هذه الاحتفالية فلكي يتمّ إبراز الثورة الدستورية على ماهي عليه لمعرفتها، وتقديم صورة حية خالصة لوجه التاريخ، لا دفاعاً عنها، ولا تقديراً لعملها، وإنما توصيفاً لحقيقة حالها، أنها ليست ملكاً لحزب واحد، ولا لقيادة واحدة، ولا هيئة واحدة، وإنما تضافر جهود متنوعة، اشترك فيها العلامة والمثقف والشيخ والنقيب والضابط الخ، ومن المؤكد ألا أحد يثبت ملكيتها، لأن مالكها الحقيقي هو التاريخ.
لقد قرأت محاضراتهم ومقالاتهم، فمن يقرأ محاضرتي ويبيّن لي عيوبي لأنشره في العدد القادم من «مجلة المسار» بكلّ ترحيب.
محاضرة الدكتور النهمي
كانت محاضرة د. أحمد النهمي – وهي الثانية بعنوان «ثورة الدستور أسئلة على بوابة الذكرى» – واضحة الملامح، وقد توفق الدكتور فيما عرضه من آراء واقتراحات، وكان عنوانها -كما يقال- «براعة استهلال» لما تهدف إليه الاحتفالية من بداية دراسة جديدة كخطوة في الطريق الطويل.
إن الوقوف أمام هذه البوابة في حدّ ذاته بمثابة قرع الباب للدخول إلى دراسة الثورة الدستورية دراسة موضوعية؛ لأن في دراسة التاريخ – والثورة الدستورية قد أصبحت تاريخاً – تفكيكٌ لشفرة قضايا الحاضر كما يقول الدكتور المحاضر بحق، وإنها لدعوة حقيقية وضرورية لفهم ما يجري اليوم، إذ أنه بدون معرفة الماضي لا يمكن معرفة الحاضر؛ لأن جذور الحاضر مغروسة في الماضي، ولا انفكاك بينهما.
لعل من أهم ما جاء به السيد الدكتور المحاضر هو الإشارة إلى «أن الأهداف التي رفعتها النخبة المستنيرة من أحرار ثورة الدستور ما تزال في أغلبها هي الأهداف التي تطالب بها النخب السياسية اليوم رغم مرور ما يقارب من سبعين عاماً، وهو أمر يكشف عن عدم إفادة الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم في اليمن من تراكم التجربة الثورية وصولاً إلى إنجاز بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، دولة الدستور، والنظام والقانون، والتبادل السلمي للسلطة». وأشار بحقّ إلى «أن الثورة الدستورية من أكثر الأحداث التاريخية التي يشوبها كثير من اللبس والغموض، في تاريخنا المعاصر» كما أشار إلى نقطة هامة وهي أنه «إذا كان هذا هو الحال مع الثورة الدستورية وما يحيط بها من أحداث وملابسات، بالنسبة لمعاصري رجال الثورة الدستورية، فإن حال جيلنا والأجيال اللاحقة لا شك أنه سيكون أكثر سوءاً»، كما أشار إلى ضرورة «الكشف عن حقائق ثورة الدستور، وإماطة اللثام عن أسرارها، وإنصاف رجالاتها» وأن ذلك «يحتاج إلى تضافر جهود علمية محضة لا يمكن بحال من الأحوال أن يقوم بها جهد فردي».
والحق أن هذه القضايا التي أشار اليها الدكتور المحاضر من أشد القضايا إلحاحاً للحديث عنها، لإزالة اللبس عنها.
محاضرة الدكتور أنور عباس الكمال
يأتي الدكتور أنور عباس الكمال ليلقي محاضرته تحت عنوان «الدور التنويري للأستاذ أحمد محمد نعمان» وقد سبق له أن نال درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر عن رسالته الموسومة بعنوان (أحمد محمد نعمان ودوره في حركة الأحرار اليمنيين دراسة تاريخية 1934م – 1962م) من جامعة صنعاء عام 2012م، فهو إذن يتحدث عن هذا الدور بزادٍ وافر. ولسوء حظي فلم أطلع على كتابه هذا، ولكن محاضرته هي نبتٌ من ذلك الغراس، وأعتقد أن اختياره لهذه العنوان كان موفقاً؛ لأنه الدور الأبرز والمفيد في حياة الأستاذ رحمه الله، إذ لا يختلف أحد معه أو عليه فيه، أما الجانب السياسي في حياته، فهو كغيره من السياسيين عرضة للأخذ والرد، والمدح والقدح، والاصابة هنا والخطأ هناك. وقد اختلف مع الكثيرين واختلف معه الكثيرون، حتى أصدقاؤه من مثل الزبيري والارياني والعمري، وقال فيهم وقالوا فيه، وتعرض لهم بلاذع النقد، كما تناولوه أيضاً بنفس السهام سراً وجهراً، لكن الذي لا خلاف معه فيه هو دعوته للتعليم وجهاده في إنشاء تكوين «كلية بلقيس» في عدن. والشيء الذي يشهد له أنه هو والسيد أحمد الشامي كانا شجاعين في نقد نفسيهما في مذكراتهما.
كانت بواكير عمل الأستاذ المرحوم هو الدرس والتدريس، وكانت خواتم أعماله هو الدعوة إلى التعليم. ولم أعرف ممن اهتم بهذه الناحية من زعمائنا كأثنين هما الأستاذ نعمان والأستاذ علي عبد العزيز نصر، وقد وصل النعمان إلى قناعته بأولوية التعليم نتيجة معاناة حريق العمل السياسي، وحرقة الاغتراب. ويذكر «الدكتور كمال» في محاضرته أن المرحوم توصل بعد الجهد السياسي الطويل إلى: «أن المعركة خارج الوطن قد تحولت إلى ثرثرة، وكراهية وبغضاء وإحنٍ وسباب وشتائم ومهاترات حطّمت معنوية المناضلين في الداخل، وأماتت عزائمهم؛ لأنهم كانوا قد عرفوا الأحرار في الخارج كتلة واحدة ورأياً واحداً. فأنا أكرر النصح وأدعو أحبابي في الخارج أن يغيّروا أساليبهم تماماً وأن يؤمنوا بأن العلم سلاح المعركة وزادها وأساسها».
يعيد المحاضر بداية التوجه إلى التعليم، إلى ما بعد فشل الثورة الدستورية، وقد يكون هذا صحيحاً، لكنه بحاجة إلى توثيق، ولعله يقصد بسابق ممارسته الوزارية في ظل عهدي «ولي العهد» و«الإمام» أحمد، ولكن التعليم مختلف والمقاصد مختلفة، ويمكن الاتفاق معه على القول بأن ميول المرحوم التعليمية موجودة في أعماقه، ولكن التعليم التقدمي لم يظهر عملياً، إلّا متأخراً، كما شرحه هو أنفاً.
والأمر الثاني الذي لا أتفق مع السيد المحاضر في توصيفه للثورة الدستورية بـ «الانقلاب»، وهو في رأيي توصيف مجحف بحقّها؛ لأن الثورة لم تقم إلّا بعد الاتفاق على «الميثاق مقدس» الذي نظّم أمور المستقبل بكلّ وضوح، وهل بعد ذلك الميثاق – بمحتوياته المتقدّمة – من ثورة؟
محاضرة الدكتورة صفاء لطف عروة
نأتي الأن لنصغي إلى محاضرة الدكتورة «صفاء لطف عروة» عن «موقف الجامعة العربية من ثورة 1948م» وهي حائزة على درجة الدكتوراه في «تاريخ اليمن الحديث والمعاصر»، من جامعة صنعاء 2016م. ولعله من التدابير الخفية أن ينعكس أسمها واسم أبيها واسم أسرتها على محاضرتها؛ فهي صافية الوضوح لطيفة العرض مشدودة العرى.
إن الحديث عن الجامعة العربية حديث ذو شجون وأسى، فهي قد تشكلت – كما قال عظيمها عبد الرحمن عزام رحمه الله -: «لتكون مرآة يرى العرب فيها عيوبهم». وصدق رحمه الله، فما من مرآة كشفت عيوبهم وعرّت سوأتهم كما فعلت مرآة الجامعة العربية، والمتتبع لسبب نشأتها يجد أنها حيلة بريطانية نسجتها أصابع «مستر ايدين» – وزير خارجية بريطانيا آنذاك – لتمنع قيام الوحدة العربية الحقيقية. ونجح في ذلك نجاحاً باهراً ليس بيديه، وانما بأيدي العرب أنفسهم، وكان الحال كما وصفها ووصفهم شاهد من أهلها هو الملك عبد الله بن الحسين الأول – ملك الأردن – أحسن الوصف: «جراب أدخلت فيه سبعة رؤوس -اليمن والعراق والشام ولبنان ومصر وشرقي الأردن – بسرعة عجيبة في وقت كانت فيه سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني والعراق ومصر تحت لمعاهدتين الساريتين إلى الأن. فالدول العربية كانت حينذاك في قيود انتدابية وعهدية، ماعدا اليمن ونجد، فإنهما كانتا حرّتين. وفي هذا يتجلّى للإمة العربية التسابق العجيب بين دولها السبع: تسابق بين مقيّد ومطلق؛ إما قيد احتلال وإما قيد عهد وإما قيد جهالة، وفي نظر الدول نفسها نعم الحجاب الساتر لما يريدون كتمه، ونعم التمدّح غير المجدي بما يريدون إذاعته، وظن الغريب الراضي عن هذه الجامعة أنها ستكون خيراً أداة لدوام الانتدابيات، ودوام الأحكام العهدية، وإنّي لتارك لغيري تفسير هذه الظنون» [20]
ومن الواضح أن هذا النص يعكس بدقة رؤية الحكام لا رؤية الشعوب، أما الشعوب والمقاومون لظلم حكامهم وللاحتلال، فلم يكتشفوا ما وراء الحجاب الساتر إلا بعد أن عصفت بها أعاصيرها. وهذه ما نشهده في قضية الثورة الدستورية، حيث كان رجالها يعتمدون عليها ويؤملون فيها ويثقون بنجدتها، كما أن زعماء المقاومات العربية آنذاك كلهم يؤملون منها تأييداً حاسماً لنضالها ضد الاحتلال الخارجي، وضد الاستبداد الداخلي، ومن هؤلاء «دستوريو اليمن» في القاهرة فقد تعرّف عبد الله بن علي الوزير على عبد الرحمن عزام وفي رسالة عبد الله بن علي الوزير إلى الحكيمي ما يوضح ذلك الموقف.
وأكتفي هنا بذكر وعد عزام له بالنصرة والتأييد «فكنت أكثر الاجتماع به بمناسبة الحفلات»، وذات يوم أرسل له عزام يطلبه، وأجريا جولة من الحديث انتهت إلى طلب من عبد الله بن علي الوزير تأييد الجامعة العربية للحركة الدستورية في اليمن فوعده عزام بالدعم، وقال: «أظنه الرأي الوحيد وهو الأصوب وأنا موافق عليه، فقلت له: هل أخبر من يهمهم الأمر في اليمن بذلك؟ فقال: نعم، وطَمْئنْهم. فودعته مع السلامة، وإلى اللقاء»
كذلك اجتمع السيد «الفضيل» بالزعيم عبد الرحمن عزام عند عود الفضيل من اليمن إلى القاهرة في المرة الأولى، من أجل التأكد منه فيما سبق له من دعم الثورة الدستورية أثناء الحديث الذي دار بيني وبينه وبين عبد الله بن علي الوزير، وأيضاً في نفس الوقت حرّر كل من عبد الله بن علي الوزير وحسين الكبسي رسالة إلى عزام مع الدكتور عبد العزيز «أكدّنا فيه ما قد وعدنا به فيما إذا مات الإمام فجأة»، وعندما عاد الفضيل «إلى صنعاء وكلّه ثقة وطمأنينة من عزام ومن العراق لا حد لها». ثم «وصل الدكتور عبد العزيز وأخبرنا أنه سلم الخطابين كلاً لمن هو له وأنه أتفق بعزام وعرف منه تصميمه على ما وعدني أولاً به.. ثم ما أكدّه للفضيل ثانياً وطمأننا كثيراً».
وعندما فشلت الثورة الدستورية ذهب رئيس الوفد الدستوري وأعضاؤه لمقابلة وفد الجامعة فقال لهم عزام – بعد حديث – بحزن بليغ: «أنا أعرف أنكم وقضيتكم على الحقّ، ولكني غُلبت على أمري، فماذا أصنع لكم؟»[21].
هناك قضية ما زلت متشككاً فيها، ولم أصل فيها إلى يقين، وهي مقولة أن الملك هاجم وفد الحكومة الدستورية، مندّداً بقتلهم الإمام يحيى، مع العلم أنه في لقائه بهم، كما سجلها رئيس الوفد الدستوري لم يهاجمهم؛ بل هاجم الإمام أحمد، وأظهر تعاطفه مع الحكومة الجديدة. وأغلب ظنّي أن ما رواه الدكتور عبد الوهاب عزام عند وصوله إلى الرياض يوم الخميس 15 جمادى الأولى1367 ه/ 25 مارس 1948م، أي بعد مصرع الثورة الدستورية بـ 11يوماً في زيارته الخاصة ما يعطي ضوءً جديداً. قال الدكتور عبد الوهاب عزام: إن الأمير سعود بن عبد العزيز دعاه إلى شرب الشاي في بستانه «الناصرية» بـالرياض «.. وتحدث الأمير بعد الشاي عن اليمن واشتد على ابن الوزير وجماعته وسماهم: «بغاة»، وتلا آيات من القرآن الكريم في البغي، وأنشد هذا البيت:
ولا ريب أن البغي يصرع أهله وأن على الباغي تدور الدوائر
وظل الحديث في هذا الشأن و استفظع قتل الإمام، وذكر وفد ابن الوزير (الورتلاني وابن الوزير والزبيري) وما قال جلالة الملك عبد العزيز للورتلاني، وخلاصتها – وكنت قد سمعتها من قبل – أن الورتلاني طلب أن يخلو بالملك فكلّمه في حال اليمن و استنجده لابن الوزير، وقال: إن الذين يهاجمون صنعاء لصوص يريدون كنوز صنعاء لا ينتصرون لأحمد بن يحيى ولا غيره – وكانت هذه دعوى عبد الله بن أحمد وأنصاره حين استنجد بـالجامعة العربية لترسل طائرات لتخويف المغيرين على صنعاء – فلما ردّ الملك هذا الطلب، قال الورتلاني: الجامعة العربية إذاً تحمي اللصوص، فغضب الملك وقال: بل أنتم اللصوص والقتلة»[22].
ولعل هذا هو الأقرب إلى دقّة ما حدث، فالملك قد غضب عندما وجد نفسه متهماً بأنه أحد اللصوص التي تحميهم الجامعة العربية.
هذا ما أردت إضافته على محاضرة الدكتورة، مساهمة منّي لما قدمته من خلال محاضرتها القيمة والمفيدة من صورة واضحة القسمات، وأشهد أنها أحسنت العرض، وأحسنت الأداء، وكان عرضاً صافياً كاسمها.
محاضرة الأستاذ لطفي نعمان
أصل الآن إلى ختام المحاضرات، وختامها لطفٌ ناعم، ألقاها «لطفي نعمان» بما عرف عنه من لطف، وكانت محاضرته تحت عنوان «قراءة جديدة لتفاصيل قديمة» والأستاذ لطفي فؤاد نعمان كاتب صحافي وباحث سياسي، ورئيس «منتدى النعمان الثقافي للشباب»، والانطباع الأول الذي خرجت به من قراءة محاضرته الممتازة أنه تناول وقائع التاريخ القاسية بلطفٍ كاسمه.
ويبدأ اللطف التاريخي بقوله مستشهداً بفقرة وردت في حوار «وراء الأسوار»، شخّصها الشهيد رجل الحوار الأستاذ محمد أحمد نعمان رحمه الله بقوله: «لقد كانوا طبيعيين في تصرفاتهم، متمشين مع منطقهم وتفكيرهم، منسجمين وعقلياتهم واعتقاداتهم، فأتوا ما أتوا من الأمر ولم يشذوا عن طبائعهم في شيء». فاعتمد محاضرنا الكريم على هذه المقولة التي أتفق معه فيها، وعلى ضوئها مضى في تحليل الحدث وانتهى إلى القول: «لعله من المفضل ألا تغفل عين الرضا عمّا تبديه عين السخط والعكس كذلك. وأن نتذكر أن لكل طرفٍ ظرفه ولكل خصمٍ حجته ولكل داعٍ بيانه الداعم لدعوته ولكل ثائرٍ موجب لثورته ومثير لسخطه وموجه لتحركه، فمثلاً: للإمام يحيى حجته ضد العثمانيين وإن بدت اضطراراً للالتزام بالقاعدة الزيدية: الخروج على الحاكم الظالم. وللإمام الدستوري حجته ضد الإمام يحيى اضطراراً للالتزام أيضاً بما سبق للإمام يحيى الاضطرار للالتزام به، علاوةً على المبادئ الدستورية والبيعة السابقة.. المتجددة.
وللإمام أحمد حجته ضد الإمام الدستوري اضطراراً للالتزام بما سبق سابقوه، متكئاً على البيعة السابقة له أيضاً، رافعاً قميص الإمام القتيل! بالتالي يكونوا جميعاً طبيعيين فيما اضطروا أن يذهبوا إليه، حتى انتهوا في ذمة التاريخ، مضيفين عِبرةً على العِبر، توجب الاعتبار، فهل من معتبر؟ ألا فليعتبر كل ذي لبٍ وعينين. ويرحم الله الجميع من معتبرين استثنائيين وغير معتبرين طبيعيين!»
لا أخالني أخالفه في أن كل واحد يعكس في أعماله عملاً صالحاً أو طالحاً، ماكراً أو مثالياً، فمن الطبيعي أن كل إنسان ينضح بما فيه، حتى لو تستر خلف كلمات معسولة، أما أن تكون هذه الخليقة الطبيعية قد عملت سيئاً وأخرى عملت حسناً، فهذا بالضبط مجال المؤرخ المنصف ليستكشف ويكشف، ثم يعرض ما استكشف وكشفَ بأمانة ونزاهة، وبدون أن يصدر حكماً، فدراسة هذه الطبائع جزء من دراسة التاريخ، والكشف عن طبيعتها هي نتيجة تلك الدراسة، وعليه فإن معرفة دوافع تلك الطبائع، ومن ثم معرفة حسن فعالها أو سوؤها، أمر تقتضيه طبيعة التاريخ، والّا فسيكون موقف أيّ مؤرخ موقف علماء السلطة: «قتل سيدنا معاوية رضي الله عنه، سيدنا حجر بن عدي رضي الله عنه» ويقفل البحث على فاجعة.
وأنا على يقين أن صديقنا الكريم الباحث الموضوعي ليس من هذه النوع، فهو لا يبرر عمل قاتل، ولا يتجاهل دم مقتول قط، ولا يذهب هذا المذهب قط، ولكن لطفه الغامر قد يظهر هذا القول بهذا المظهر الملتبس، فعلينا أن نقرأه بأسلوبه، مع أن للتاريخ مقالع قوية بها وحدها يستكشف الكنز المدفون، إن لم أقل له مخالب وأنياب تفري جسد الباطل، ولكن من دقّق ما في خلف الستار يدرك أن الأستاذ المحاضر يريد أن يقرر حقيقة – أتفق معه فيها تمام الاتفاق – وهي «لعله من المفضل ألا تغفل عين الرضا عمّا تبديه عين السخط والعكس كذلك» ومن خلال هذه الجملة تقرأ محاضرته بحفاوة.
وأتفق معه فيما ذهب اليه من «الأنة الأولى» وأضيف فقط أنها كانت إلى جانب ما ذكره السيد المحاضر ترى الحل من خلال «ولي العهد»، وتلك وجهة نظر رآها الأستاذ النعمان ومن بعده الزبيري وحملها زمناً، وليس من اعتراض على ما حمل؛ لأن هدفه كان إصلاح الوضع، كما كان غيره يهدف إلى التصحيح عبر طريق آخر، فالمؤرخ لا يُحاسِب على النوايا المستورة، ولكنه يُفتش على ما وقعت يداه، وما وقعت عليه يداه في قضية العمل للدستور هو أن جميع أجنحة المعارضة كانت تهدف إلى الإصلاح أو التغيير، وكان لكل جناحٍ رؤيته، والخطأ والصواب وارد عند الجميع.
وأتفق معه – كما ذكرت ذلك في محاضرتي – أن بعض أركان الدولة الأقوياء الذين كانوا داخل الحكم، كانت لهم مبادرات مبكرة، وأنها قبل أن تتبلور إلى قرار مبكر تعتبر في إطار النصائح غير المعلنة – كما أسمّيها – أو «المنشورات غير العلنية» كما يسميها خلاصة اللطف «لطفي»، أما مَن كان السابق الأول فما يزال موضع بحث وبحاجة إلى تدقيق وتوثيق.
باختصار لقد طرح محاضرنا «لطفي» بحثاً جميلاً، وأعطى جديداً، في أسلوب شيق أبرز الحدث من كل جوانبه من وجهة نظره، وكثيراً من التفاصيل التي تطرح لأول مرة، وهذا هو المطلوب من المؤرخين بالضبط.
ثانياً: المقالات
إلى جانب المحاضرات السابقة يتضمن هذا العدد ثلاثة مقالات تناولت ثورة الدستور من زوايا مختلفة، مما يجعل زاوية الإطلالة على الثورة الدستورية أكثر اتساعاً، ولنا مع كل مقال وقفة قصيرة، نبدأ بها حسب ترتيبها:
وأنا لا أقول هذا – عَلم الله – بدعوى قرابة أخوية، فما أنا كما أعتقد من أهل هذا التوجه، ولكنها الحقيقة التي وجدتها أمامي عند قراءة هذا المقال المفعم بحقائق واسعة، وربما يكون موقفي هنا كموقف جدّي «الهادي بن إبراهيم الوزير» عندما قال في ترجمة أبيه: «لا أقبح من ثناء الأبناء على الآباء وإن كنت لا أذكر إلّا حقاً»، وأنا أقول لا أقبِّح من العاطفة أن تخفي حقاً، وما قلته عن مقال أخي هو ما أعتقده صدقاً.
كم كنت أتمنى أن يوضح لنا رأيه فيمن صاغ «الميثاق» فربما أثرى البحث بضوء جديد، وربما أثار نقاشاً وحواراً وانتهى إلى إضافة جديدة، لكنه لم يفعل، ووعد أن سيفعل، وموعدنا إن شاء الله ملتقى الندوة القادمة.
وختم مقاله أيضاً بالقول: «على أننا – بُعد سبعة عقود من وقوع الحادثة – لا نعرف على وجه الدقّة حقيقة الملابسات السّياسية والدوافع الأمنية والمسوغات الدينية التي أدّت إلى ذلك، لا سيما أن بين أطراف الحادثة شخصيات لا يُستهان بها ديناً ومسؤولية وخُلقاً، وإنما نقرأ ما وُضع بين أيدينا من كتب التاريخ، ونسمع ما يُقص علينا من حوادث الصراع، ونَحكي ما يروى لنا من فصول المرحلة، ولم نُجر في ذلك بحثاً استقصائياً موسعاً ومعمَّقاً، حتى نقول في تلك الأحداث أكثر مما قُلنا هنا.. وعند الله تجتمع الخصوم».
وأشهد لقد وفق بهذه الفقرة القصيرة في استخلاص النتيجة، بالرغم من غموض المادة وعدم توفرها بالشّكل المطلوب، فمن المعلوم أن وقائع الثورة الدستورية قد ألقي عليها الكثير من الإخباريات والتلفيقات والتهم، حتى كادت تخفى معالمها أتختفي بين ركان التلبيس[23]، ومع ذلك تمكن شيخنا من العمق فيما وراء الصورة، فاستخلص منها رؤية حقيقية لواقع غامض. وقد وزّع مقاله في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: موجز تاريخي، والثاني عن ظروف الثورة وأبرز معالمها، والثالث دراسة لبعض جوانب الميثاق. فبالنسبة للقسم الأول فقد استشهد فيه بحق بما قاله أستاذنا الراحل الكبير «أحمد محمد الشامي» عن العبث بـ «النظرية السياسية الزيدية» فيما أطلق عليه أستاذنا الشامي: «ورثة النظرية» الذين سبّبوا الانحراف عن النظرية نفسها، ومع أني اتفق معه في المضمون، إلا أني خالفته في دقّة هذا المصطلح، وأنا أزعم لنفسي أني حريص على استخدام المصطلحات التي تتواءم على محتوياتها، لا على ما انحرفت عنه، وعُرفت به خطأ، وكنت قد كتبت في وقته مقالاً قصيراً أُبيّن رأيي في هذا المصطلح وعدم موائمته لمحتواه، وقلت: إن مصطلح «خلف النظرية» هو الأدق في التعبير، معتمداً على قوله تعالى ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] ولم يوافقني رحمه الله على رأيي هذا، فأنا أرى أن «خَلَف النظرية» هم من عبث بالنظرية، وليس من ورثها؛ لأن هناك في رأيي فرقاً بين الورث و التوريث، فالورث حقّ ليس فيه خلاف، أما التوريث فهو اغتصاب للورث وعبث به، ومن هنا فأنا أفضل كلمة «خَلَف النظرية» على ما استخدمه أستاذي باسم «ورثة النظرية»؛ لأنها أوضح دلالة على الانحراف، و للناس بعد هذا التوضيح أن يأخذوا بما يرونه صواباً.
وفي القسم الثاني من المقال تمكن من إبراز نقاط لم يمسسها أحد قبله فجلّاها. وأتفق معه في أن الاقدام على اغتيال الإمام يحيى حميد الدين كان خطأ، ولكني أذهب إلى أنه خطأ سياسيً، لاديني؛ لأن كل المعارضة باختلاف رؤاها اتفقت على سوء الحكم واتفقت على ضرورة التخلّص منه، ووافقت على قتل الإمام بما فيهم علماء زيدية ومثقفو من في القاهرة ومن في عدن ومن في صنعاء، واعتمد علماء الزيدية – الذين اشتركوا في الميثاق – على نظرية وجوب الخروج على الإمام الظالم وقتله.
وحتى الآن فلم نعرف أحداً عارض الاغتيال سياسياً إلا الأمير علي الوزير والأستاذ أحمد نعمان فقد رأيا أن الاغتيال سيشكل عملية ارتدادية لزلزال الاغتيال، ومن المؤكد أنهم كانوا جميعاً ينتظرون موت الإمام يحيى ثم يعلنون الثورة الدستورية مع إقرارهم بحق قتله، إلّا أن الميثاق وقائمة موظفي الدولة انكشف وانكشف رجاله وأصبح الأمام يحيى يعرفهم فرداً فرداً، وهنا أصبح السباق على من يتغدى بالثاني.
يشرح القاضي عبد الرحمن الارياني في مذكراته انفضاح الأمر على الشكل التالي «في هذه الأثناء ارتكب الأخوة العاملون في عدن ضد الحكم الامامي .. تلك الغلطة التي وقى الله شرّها، وكانت حَريّةً بأن تطيح برؤوس، أو تملأ السجون بخيرة رجال اليمن قبل أن يتم شيء مما كان مدبراً، فقد كان الاخوان في عدن ينتظرون قيام الثورة، وكانوا قد اتفقوا مع من في صنعاء على إشعارهم ببرقية من التاجر «الشهيد الخادم غالي» إلى وكيله في عدن بصيغةٍ متفق عليها، ولم تأت هذه البرقية، وإنما جاءت برقية من وكيل بريطانيا التجاري في الحديدة عن تواطئ بينه وبين أمير اللواء القاضي حسين الحلالي بتكليف من ولي العهد، جاءت البرقية لتقول أن الإمام يحيى قد مات ميتة مشبوهة، وبموجبها أرسل والي عدن مندوباً إلى الأمير إبراهيم يعزّيه بوفاة أبيه، وقبل أن يتثّبت الاخوان وينتظروا وصول البرقية المتفق عليها تسرعوا واعتمدوا على برقية الوكيل التجاري الذي كان مدفوعاً من القاضي حسين الحلالي، بحجة أن الاخوان قد أنساهم الارتباك عن تبليغهم، فتسرعوا بنشر الميثاق المقدس وفيه أسماء كل العاملين في الحقل الوطني ودعاة الإصلاح، وفيه تشكيل الحكومة الجديدة ومجلس الشورى، وإعلان السيد عبد الله بن أحمد الوزير إماماً دستورياً»[24]
فالحكم بتخطئة الإقدام على الاغتيال ينبغي أن يوضع في أطار معرفة دوافع الإقدام عليه أيضاً، مما قد يوفر كمية من التبرير لتخفيف الخطأ الذي حصل بسببه سباق بين الطرفين، فإما أن يتغدى بهم الإمام، أو أن يتغدوا به وبولي عهده، وكان أن تغدوا بالإمام، وتعشّى بهم «ولي العهد».
وفي القسم الثالث: استعرض أهم مرتكزات التغيير فيما تضمنه نص «الميثاق الوطني المقدس» في مجالات الإصلاح في نظرية الحكم ومؤسساتها وفي المجال الإداري والتنموي، فأجاد؛ لأن التعرّف على الشيء من خلا صورته هو وبواسطة أثره المباشر أدق وأصدق في توصيفه والتَّعرف به.
كان الصديق الأستاذ محمد الفسيل في مقاله محدّداً هدفه من مقاله، وأنه ليس بحثاً موضوعياً وإنما هو لمحات سريعة، ولأنها لمحات، فقد يكون من المفيد توسيع المختص بإضافات تكميلية من أجل اكتمال الصورة، واستكمالاً للفائدة، وتوضيحاً للغائم منها، ومزيداً من النقاش بقصد الإثراء.
من الواضح أن الصديق «الفسيل» أراد بالتركيز على «الأحرار» كل أجنحة المعارضة، ولا أختلف معه، فكلهم كانوا أحراراً، إلا أن الزمن اليوم أصبح زمن المصطلحات «الحاصرة» فـمصطلح «الأحرار» في تاريخ اليمن المعاصر يسرع بالذهن تلقائيا إلى حزب الأحرار الذي أسس قبيل قيام الثورة الدستورية بأربع سنوات، وهذا التوضيح ضروري حتى لا يُظن أن الأستاذ «الفسيل» ركّز لمحاته على جناح واحد من أجنحة المعارضة الدستورية، التي نبت ريشها في الداخل أيضاً؛ لأن كلمة الأحرار قد التصقت بقوة بهذا الحزب الذي سمي حزب الأحرار؛ ومن الجليّ فالمتأخر لا يطغى على حركات المتقدم، ومن ثم يقضي التخصص بتمييز الأدوار.
ويعجبني في الصديق الزميل محمد عبد الله الفسيل أنه يثير بآرائه قضاياً تتطلب بحثاً، وتستدعي نقاشاً، ومن ثمّ فهو يطرح آراء يستوجب الدخول معها في حوار إن لم يكن في جدل.
وأول ما أجدني في نقاش معه هو – من أجل احتفاظ المصطلحات بمضامينها ووقائعها – أن ما ذهب إليه من وصف العمليات العسكرية التي قام بها بعض قادة الإمام يحيى: ضد المناطق التي تمردت بعد خروج الأتراك بأنها من أجل طاعته، يبدو لي أنها بحاجة إلى تقويم، فهذه التسمية قد تكون صحيحة بالنسبة لتمردات «اليمن الأعلى» ولبعض الحالات وليس كل الحالات، فبالنسبة لعمليات «اليمن الأسفل» فإن التعبير الأدق – فيما أعتقد – هو توحيدها؛ لأنه من الثابت الأن وبالوثائق أن اليمن الأسفل كان على وشك الانفصال، فلم يعد الأمر أمر طاعة، وإنما بترٌ وتجزئة، وكذلك عملية «تهامة» واسترداد الحديدة من قوات الإمام «الإدريسي». ومن هنا تبدو أهمية التفاصيل.
أيضا طرح الأستاذ الفسيّل فكرة جديدة لم يسبقه إليها أحد فيما قرأت، وهو أن تسمية «الميثاق» – بدلاً من «الدستور»، كان نتيجة لتجنب ما قد أثاره الإمام يحيى من تشويه لكلمة الدستور وهو رأي مهم فعلاً وأحترمه، لكنه يحتاج إلى توثيق، لأني وجدت في نصوص الميثاق نفسه ما يتعارض مع هذا الرأي، فـ (المادة 3) تنص على «أن يكون نظام الحكم شوروياً (دستورياً) بما لا يخالف الشريعة السمحة الصحيحة من كتاب الله وسنة رسوله» كما نصت (المادة 4) «يقوم على وضع «الدستور اليمني»، لجنة خاصة يعينها مجلس الشورى من أهل الكفاءة والصلاح علماً وعملاً، ويجب أن تستعين في ذلك بـ الجامعة العربية وحكوماتها والعبقريين من رجالاتها، ثم يعرض على الإمام ما يقررونه، ليحيله حالاً إلى الجمعية التأسيسية» وتنص (المادة 5) «بعدما تضع اللجنة هيكل «الدستور» – بمواده المفصلة يجب أن يرفع إلى الإمام ليحيله على الجمعية التأسيسية لتنظر فيه وتناقشه..» الخ.
فهذه النصوص تثبت أن واضعي «الميثاق» كانوا على علم بأن الميثاق غير الدستور وأن الدستور يجب أن يكمل بأناةٍ ودراسة معمقة، وعن طريق الجمعية التأسيسية، وليسوا هم من يصيغه، ومن ثم فقد يُفهم بقوة أنهم لم يخافوا إطلاق اسم «الدستور» تجنباً لدعاية الإمام، ومع ذلك فالمرجو من الصديق الأستاذ الفسيل المزيد من التوضيح، أما الميثاق، فهو ما اتفق عليه للعمل به كنظام لهم قبل تطبيق الدستور، فهو بمثابة المقدمة للدستور، أو أنه مبادئ للثورة الدستورية في خطوطه العريضة، إذ تنص (المادة 39) على أن النظام الذي يحكمون في ظله «يُسمى هذا النظام: الميثاق الوطني المقدس، ويوافق الجميع على أن من خان أو يحاول أن يخون معنى من معانيه بنية سيئة يكون خائناً لله والمسلمين وتجري عليه الأحكام اللائقة به»[25]
وهذا الميثاق كما سبق القول قد صاغه السيد الفضيل مع خبراء من علماء القاهرة وتدارسه مع المسمري ويحيى زبارة وغيرهما، ثم صحبه معه إلى صنعاء، فدرسه العلماء دراسة معمقة، ثم أرسل إلى عدن، وأُقرّ من قبلهم، إلّا من اعتراض على الوظائف، كما ذكر ذلك الأستاذ نعمان رحمه الله، كما تقدم.
وأريد هنا أن أضيف إلى ما ذكره من «كتيبة الشباب» – واسمها الحقيقي «الكتيبة الأولى» – ما رواه أحد صانعيها، لمزيد من اتضاح الرؤية وتوفير كمية من المواد المفيدة – وهو الأستاذ يحيى زبارة قال: «وبدأنا نفكر بإنشاء نادٍ أو جمعية تضم اليمنيين، ولم يكن لنا مكان نجتمع فيه أو نعقد فيه الندوة، فاجتمعنا في حديقة الأندلس: «عبد الله بن علي الوزير، محمد محمود الزبيري، الشيخ أحمد محمد نعمان، محمد صالح المسمري، يحيى زبارة، محمد الجفري من حضرموت، من الجنوب، أحمد الجفري أيضاً، حسين الصافي». وسميناها «الكتيبة الأولى»؛ سميناها الكتيبة الأولى، واجتمعنا في حديقة الأندلس، وعملنا تلك الوثيقة واحتفظ بها الشيخ أحمد محمد النعمان عنده كما هو دأبه، فهو يحتفظ بكل شيء، وهي عنده، تلك الوثيقة التاريخية. وسميناها الكتيبة الأولى. ثم بدأنا ننشر ونكتب ونتكلم عن أوضاعنا في اليمن وعمّا فيه من تخلف .. » الخ.
ويضيف: «كانت هناك جريدة اسمها «الشورى» لصاحبها المسلم المجاهد محمد على الطاهر، وكان ينشر لنا بعض الأشياء عن اليمن، وكانت صداقته أكبر مع الشيخ أحمد محمد نعمان. وهكذا بدأنا نشاطنا في القاهرة، وبدأنا في تاريخ، أو في تكوين الكتيبة الأولى والتي تمثل الوحدة اليمنية جنوباً وشمالاً، واستمرينا على هذا المنوال حتى تخرّجنا من كلياتنا ومن جامعاتنا، وبدأنا نطبع المناشير وبعض الكتيبات عن اليمن وأوضاعها».
وأثار الأستاذ الفسيّل موضوعاً آخر يستحق النقاش من أجل إثرائه وهو رأي جديد لم يطرحه غيره، وهو أن الثورة الدستورية سقط أشخاصها، ولم تسقط فكرة الدستور وأنها بقيت حتى تحققت بإعلان «الجمهورية»، وأجدني – مع احترامي لرأيه – غير متّفق معه حول ما ذهب إليه إلّا من ناحية الشكل، أما المضمون فقد تم سحق الدستور تحت جنازير الدبابات العسكرية و«صميل» المشايخ الأقوياء، وتم في ظلها إلغاء الدساتير المدنية، وإلغاء الأحزاب، وتكميم الصحف، ووضع دستور عسكري قام على أنقاض دساتير مدنية، وكان الحال شبيه بما حدث في تاريخ الإسلام المبكر، عندما خلق الحكمُ الملكي الفردي الوراثي اسمَ الخلافة الإسلامية ليعمل هدماً في ظلها لـ «نظام الشورى والانتخاب والعقد الاجتماعي» الذي كان قائماً. وهذا ما حدث بالفعل للدستور المدني، ولهذا فأنا لا أعتبر قيام «الجمهورية العسكرية» امتداداً للثورة الدستورية، وإنما ترديداً للانقلاب العسكري في مصر بقيادة الرئيس الذائع الصيت «عبد الناصر»، وبشكل باهت.
كذلك رأيه الذي ذهب فيه إلى أن الثورة الدستورية قد تحولت إلى «انقلاب»، فهذا أولاً رأي أحترمه كرأي، ولكنه بحاجة إلى توثيق لأقتنع به، ما لم فسيظل رأياً، ولن يكون تاريخاً، ويكفي القول في عدم تقبّله بسهولة أن «الثورة الدستورية» كلّها لم تعش سوى 24 يوماً؛ أي أن الزمن لم يسمح لها بهذا التحوّل المقيت؛ لأن الواقع أنها تحولت ضحية شهيدة.
وثمة رأي آخر أختلف معه فيه، ولا أحتكر صوابه، فهو قد أرجع سبب سقوط الثورة الدستورية إلى أن أصحابها، لم يكونوا على مستوى فكرتها.
وهو رأي أقدره كذلك ولا أتفق معه، «الدستوريون» هم من صنع الفكرة وهم من نمّاها وهم من صاغها وناقشها وتعب في نقاشها، فهم في مستواها، وأقدر على حملها، لكني أفهم هذا التعليل لو كانت الفكرة نفسها سقيمة، أما وهي بهذا السمو فمن الصعب قبولها.
وأخيراً .. أثار موضوعاً كثر فيه التداول، وخلاصته أن عدم ثقة وجدت بين الإمام الدستوري وبين أعضاء حزب الأحرار، وهو بحاجة إلى بحث أيضاً من كل الجوانب من الجانب التاريخ كيف وقع، ومن الجانب السياسي لماذا وقع، وكل من أثار هذه الموضوع استند إلى مقولة منسوبة للشهيد «عزيز يعني». بدون أن نعرف من كلّمه بالضبط، وأنا لا أدافع عن هذا أو ذاك ولكني أبتغي وجه الحقيقة المجردة.
تلك إذا مجمل قضايا أثارها الصديق الكريم وله الشكر على ما تقدم به من آراء أثارت نقاشاً وتساؤلات، ودعت إلى أن تُبحث القضايا بمناظير علمية خالصة، ولا يحسن ردّها أو قبولها، إلا بنتيجة ما تفرزه المناظير العلمية.
ثالثاُ: الوثائق التاريخية
في إطار سعيها لاستكمال صورة المشهد تقدم «مجلة المسار» أربع وثائق تاريخية مهمة، لها علاقة مباشرة بالثورة الدستورية، سيساعد نشرها على الإحاطة بالصورة من مختلف جوانبها، وتلك الوثائق هي:
وها نحن ننشر نصه هنا كما جاء في (كتاب رياح التغيير) لأستاذنا «أحمد محمد الشامي» رحمه الله وهو الذي كتبه بخطه بعد إقراره وتداول القيادات فيه، وقد نبّه عقب ذكره على ما طرأ على ملحقه المتضمن أسماء أعضاء الحكومة ومستشاريها من تغييرات في الأسماء والمناصب، وليس في نص الميثاق نفسه.
آملين أن ينال مزيداً من الدراسة والتحليل، فهو نص ميثاقي يعبر عن نفسه ويعكس – أكثر من أي شيء آخر – مستوى وتوجه تفكير القائمين عليه.
قام بترجمة هذه الوثائق، المرحوم الأستاذ الأديب الواسع الاطلاع «تيسير كاملة» الذي عرفته «مجلة المسار» من أبرز كُتَّابها، في أكثر من مقال، وهو ضليع في اللغتين العربية والإنكليزية، وحسبك ذكراً أنه ترجم قصيدة الشاعر البريطاني الكبير «شللي»[26] «ثورة الإسلام» التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية، كما ألف كتاباً شهيراً عن الأدب الإنكليزي. وإلى جانب اهتمامه بدراسة الشعر الإنكليزي اهتم بالجانب السياسي، فترجم رحمه الله كثيراً من الوثائق البريطانية والإيطالية عن اليمن والحجاز ونجد وفلسطين والبحرين، وبقي يكافح ويناضل رغم ما حلّ به من «مرض السرطان» وأوجاعه ومتاعبه، ومع ذلك لم يكف قلمه عن النشاط رغم كل تلك الأوجاع حتى انطفأ سراج حياته رحمه الله يوم السبت 16 جمادى الأخرة 1431ه/29 مايو 2010م. فجف القلم المبدع.
وقد سبق لـ «مجلة المسار» أن نشرت عدداً ممتازاً عن الثورة الدستورية ضم الوثائق البريطانية والامريكية باللغتين العربية والإنكليزية بترجمة المرحوم «تيسير كاملة»[27].
وفي هذا العدد ننشر ما جاء في هذه الوثائق البريطانية عن فترة الإعداد للثورة الدستورية قبل عام من قيامها، وقد قمت بسلّها منها من ضمن ما جاء فيها من أخبار ليس لها صلة بـ الثورة الدستورية في ذلك العام؛ لأن وثائق ذلك العام الكامل سوف تنشر عندما نصل إليها، علماً بأن مجلة المسار قد بدأت بنشر الوثائق البريطانية عن اليمن منذ عام 17-1318ه/1900م.
وأحب أن أُلفت النظر إلى أن ما جاء في هذه الوثائق من اتهامات تعرضت لسلوك بعض الأمراء الشخصية السياسية، تظل اتهامات لم تقم على توثيق، وكذلك اتهامات الرشوة لبعض السياسيين فإنها قامت على أساس كلمة: يقال، ولم تتعزز من مصدر أخر، ولولا الأمانة العلمية في ضرورة النقل كاملاً ودقيقاً لأضربت صفحاً عنها، وانتقاء الأخبار – كما هو ثابت – مرفوض في لغة العلم أيضاً ومجانب للأمانة التاريخية.
وقد ألحقت بعض الحواشي على النص توضيحاً لما رأيته غائماً أو ملتبساً، أو تصحيحاً لما رأيت فيه خطأ، كما صحّحت بعض الأسماء التي كانت تلتبس على المترجم رحمه الله نتيجة كتابتها بـ الحروف “الإنكليزية كـ تصحيح مدينة «اللهية» بـ : «اللحية»، وكـ مدينة «قعطبة» عندما تكتب «قاطبة» الخ
كما قمت بإدخال التقويم الهجري عند كلّ تاريخ ميلادي، لأني أعتقد أن الاكتفاء بالتاريخ الميلادي هو ابتعاد عن الهوية التاريخية؛ بل انسلاخ عنها، وقد اعتمدت على معرفة التاريخ المقارن في هذا العدد على برنامج Islami City، وكان معرفة اسم اليوم خير عون في ضبط التاريخ الميلادي؛ لأن اليوم في أي شهر لا يختلف وتاريخه لا يختلف، وهذا يقربني من فهم موقع التاريخ الهجري. وكما نعرف فثمة خلافات في حساب بداية الشهر القمري مما صعّب دقّة المجانسة بين التاريخين، وأعتقد أن هذا يعود إلى واضعي الحساب المقارن بالعربية قد اتبعوا مذاهبهم بسبب اختلافها في تنزيل منازل القمر التي عليه الاعتماد الكامل في التاريخ الهجري.
وكم كنت أتمنى أن يعلق عليه غيري، وما يزال الباب مفتوحاً؛ لأني أنتمي إلى وجهة نظر “الدستوريين” مما قد يبعدني عن الحيادية، ولكني على يقين من صحة الوقائع التي أوردتها، مما لا يجوز أن يكون عليها خلاف، أما الرأي فإن الخلاف وارد على كل حال. ولكن ذلك لا يمنعني من التعليق عليه؛ لأني فعلاً أسعى مخلصاً إلى فهم الوقائع وتجليسها على حقيقتها، والإعلان الرسمي يعكس وجهة نظر الحكومة المنتصرة، وفي رأيي أن الإعلان الرسمي لم يقترب من التهم الموجهة إلى حكومة الإمام يحيى ولا إلى نظامه، وإنما ركز علي الاغتيال ليثير مشاعر الناس بدون أن يتعرض لتهمة واحدة للنظام، أو يذكر الميثاق المقدس بحرف، ثم إن من يقرأ «البلاغ الرسمي» فسيقرأ فيه انفعالاً ممضّاً وتوتراً سائلاً، وكمية من الشتائم والسباب، تعكس نفسية عاجزة عن الدفاع عن صلاحية الحكم ومقارعة الحجة بالحجة.
على أن أهم ما في البلاغ الرسمي هو أنه قدّم – ولو بصيغة مملؤة بالشتائم – رجال الثورة الحقيقيين والمهمّين الذي قاموا بتفجير الثورة الدستورية.
وبهذا النص نصل الى خاتمة المطاف لهذا العدد الممتاز.
الهوامش:
[1]. انظر مذكرات يحيى زبارة في مجلة المسار العدد 16-17. وسنرمز إليه: يحيى زبارة، مذكرات؛ وانظر أحمد محمد نعمان، مذكرات أحمد محمد نعمان، مراجعة وتحقيق ج. علي محمد زيد، القاهرة: مطبعة متبولي الطبعة الأولى 2003، ص 35، 156) وسنرمز إليه: نعمان، مذكرات.
[2]. وحتى عندما كان في عدن قبيل الثورة كان ما يزال على هذا الرأي ( ص39، 40) كما سيأتي.
[3]. الزبيري، ثورة الشعر، الطبعة الأولى 1962، ص 28؛ وانظر ما كتبته عنه في كتابي دراسات في الشعر اليمني الحديث – القديم -الجديد، مركز التراث والبحوث اليمني: الطبعة الثانية بدون تاريخ، ص204.
[4]. الزبيري ديوان ثورة الشعر، ص 29، –
[5]. أحمد بن محمد الشامي، رياح التغيير، الطبعة الأولى 1405ه/ 1984، ص 112 وما بعدها؛ نعمان؛ مذكرات ص135وما بعدها
[6]. أحمد الوزير حياة الأمير علي بن عبد الله الوزير كما سمعت ورأيت، منشورات العصر الحديث الطبعة الأولى 1408هـ/ 1987 ص 297-303. وسنرمز له: أحمد، حياة الأمير
[7]. حمود بن محمد الدولة، زورق الحلوى في سيرة أمير الجيش أمير اللواء، تحقيق زيد بن علي الوزير، منشورات العصر الحديث، الطبعة الأولى 1409هـ/1988، ص20، وسنرمز له: الدولة، زورق.
[8]. مركز الدراسات والبحوث اليمني، ثورة 1948 – الميلاد والمسيرة والمؤثرات، بيروت: دار العودة الطبعة الأولى 1982 ص 87. وسنرمز له: ثورة 1948.
[9]. بالنسبة لإخفاء مالا يرغبون في إظهاره اشتركت كل المذكرات في ذلك باستثناء «رياح التغيير» وبالنسبة للشجاعة يأتي الأستاذ نعمان على رأس القائمة أن لم يكن الوحيد الذي أبدى أراءه بشجاعة.
[10]. انظر هذه المذكرة في ثورة 1948 ص61 – 568.
[11]. مع العلم، أن مطيع دماج وأبو راس كانا قد سبقا نعمان والزبيري إلى عدن، وبدأ ينقدان الحكم في الصحف العدنية.
[12]. ما ذهب إليه المرحوم صبرة من أن علي الوزير والكبسي أقنعا عبد الله الوزير، فقد يكون صحيحاً، لكن ليس قبل شهر، لأنه أي عبد الله الوزير هو أكثر من ناقش الميثاق المقدس الذي وضعه السيد الفضيل، مما يُحتم القول إنه قد اقتنع قبل تلك الفترة.
[13]. نعمان، مذكرات، ص 248
[14]. نعمان، مذكرات، ص 54
[15]. نعمان، مذكرات، ص 161
[16]. نعمان، مذكرات، ص 254.
[17]. ذكر الأستاذ نعمان في مذكراته عن أعداد مشروع الدستور، (توجد بعض الكلمات مصححة بقلم السيد عبد الله بن أحمد الوزير وإبدال بعض الأسماء أيضاً (ص 255).
[18]. نعمان، مذكرات، ص 254.
[19]. نعمان، مذكرات، ص 155. والموجود في قائمة المسؤولين يظهر أن السادة «آل نعمان» قد حصدوا خمسة مقاعد في الحكم الدستوري وحصد «آل الوزبر» أربعة بما فيهم الإمام، ولست أدري هل أعيد تشكيل القائمة بعد احتجاجات الأستاذ نعمان والتي عبر عنها الأستاذ الزبيري (نعمان، مذكرات، ص 254) أم أنها لم تغير والقائمة التي نشرت هي التي أرسلت إلى المسمري وزبارة، ولا أعرف أن الميثاق أُرسل مرتين أو أن قراراً من صنعاء وصل إلى القاهرة بالتبديل. وعلى كلٍّ فالقضية بحاجة إلى مزيد من البحث.
[20]. أثار الكاملة للملك عبد الله بن الحسين، بيروت، الدار المتحدة للنشر، بدون اسم المصنف ومقدمة بقلم عمر المدني، الطبعة الثانية 1979، ص 238.
[21] . ثورة 1948م؛ رسالة عبد الله بن علي الوزير إلى الحكيمي، بيروت: دار العودة، الطبعة الأولى 1982، ص85-486.
[22]. عبد الوهاب عزام، رحلات عبد الوهاب عزام – الرحلات الثلاث القاهرة: مطبعة الرسالة 1370 /1951، ص، 236-237. أما الوثيقة التي اعتمدت عليها الدكتورة فليتها توسعت فيها وذكرت نصها، فقد يكون فيها ما يوضح ويبين. وأتمني على الصديق لطفي نشرها لنستفيد مما جاء فيها، والقضية بحاجة إلى مزيد من البحث.
[23]. انظر في ذلك كتابي غيوم حول الثورة الدستورية – تحت الطبع
[24]. عبد الرحمن الارياني، مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الارياني، الطبعة الأولى 2013م، ص 133، يحيى أحمد زبارة، مذكرات يحيى بن أحمد زبارة، مجلة المسار العدد 16- 17، ص132-133.
[25]. انظر نص الميثاق المقدس وملحقه في رياح التغيير ص208-214؛ مذكرات الرئيس القاضي، ج 1 ص 54-156؛ وانظره مع القَسَم في ثورة 1948م، للزبيري ص47- 558.
[26]. وُلد في16 الحجة 1206ه/4 أغسطس 1792 وتوفي في 19 شوال 1337ه/8 يوليو 1822م).
[27]. انظر مجلة المسار العدد العاشر الممتاز، صدر عام 1424ه/ 2003م.