وفي المقال الرابع نصل إلى فن من فنون المعرفة، لم يعط حقه من البحث مع أهميته وجدارته، وأقصد بذلك موضوع «الإجازات» بمعناها العلمي والتوثيقي؛ فـ «الإجازة» – بمعنى من معانيها – هي ما يسمى اليوم بـ «الشهادة العلمية»، وبمعنى آخر السماح للمستجيز (التلميذ) برواية الكتب التي قرأها على المجيز (الأستاذ)، وبجانب الإجازة توجد الرواية التوثيقية، وهما متلازمان في تراثنا لا ينفصلان، وأعني به ما يرويه تلميذ مّا قرأ كتاباً مّا على شيخه وشيخه رواه عن شيخه حتى تصل الرواية إلى مؤلف الكتاب، ولست أرى – بعد هذه الرواية – توثيقاً أدق من هذا التوثيق.
حول هذا الموضوع غير المطروق تقدم الأستاذ «عادل بن محمد الحميري» بمقال ممتاز عن «الإجازات العلمية في مكتبة آل الورد»، التي حوت (480) عنواناً في مختلف الفنون. ولخص طريقته بقوله: «في هذه الدراسة تناولت الموضوع في قسمين: الأول للسماع، والثاني للإجازة. وختمت باستنتاجات توصلتُ إليها من خلال هذه الدراسة وتوصيات آمل أن يقف عليها الباحثون والمهتمون بالتراث الإنساني بشكل عام».
وكان في تناوله في هذا البحث رائداَ، وأعتقد أنه سيكون رائد هذا البحث لو والى الكتابة عنها بهذه الروح العلمية الدؤوبة.
وللمكاتب اليمنية حديث يطول أهم ما يقال فيها أنها كانت بمثابة “المكتبات الوطنية” في هذا العصر، وأنها أدّت أدواراً رائدة في مجال “الفكر” و “الفقه”، قبل أن تتراجع هي و”الهجر العلمية” الى الظل المجدوب، فيخفت إشعاع ويغمض نور.