كانت المحاضرة الأولى لكاتب هذه السطور، ومن قلة الذوق الأدبي، وسماجة النقد أن أكتب عنها تقريضاً أو قرضاً، وغيري أولى مني وأقدر على رؤية عيوب بحثي، فأرجو أن أجد من يقرأ محاضرتي بموضوعية شأني شأن أي مُحاضر قرأتُ محاضرته، ومن هنا سوف لن أتحدث عنها؛ بل سأضيف إليها هنا ما لم أذكره هناك تكملة وإضافة.
كانت محاضرة د. أحمد النهمي - وهي الثانية بعنوان «ثورة الدستور أسئلة على بوابة الذكرى» - واضحة الملامح، وقد توفق الدكتور فيما عرضه من آراء واقتراحات، وكان عنوانها -كما يقال- «براعة استهلال» لما تهدف إليه الاحتفالية من بداية دراسة جديدة كخطوة في الطريق الطويل.
تحت عنوان «الدور التنويري للأستاذ أحمد محمد نعمان» قدم الدكتور أنور عباس كمال محاضرته، فتحدث عن هذا الدور بزادٍ وافر، فهو الدور الأبرز والمفيد في حياة الأستاذ رحمه الله، إذ لا يختلف أحد معه أو عليه فيه، أما الجانب السياسي في حياته، فهو كغيره من السياسيين عرضة للأخذ والرد، والمدح والقدح، والاصابة هنا والخطأ هناك. لكن الذي لا خلاف معه فيه هو دعوته للتعليم وجهاده في إنشاء تكوين «كلية بلقيس» في عدن. والشيء الذي يشهد له أنه هو والسيد أحمد الشامي كانا شجاعين في نقد نفسيهما في مذكراتهما.وكان ممن فيها كل من: أ. زيد بن علي الوزير. د. أحمد صالح النهمي. د. أنور عباس الكمال. د. صفاء لطف عروة. أ. لطفي فؤاد نعمان.
محاضرة الدكتورة «صفاء لطف عروة» عن «موقف الجامعة العربية من ثورة 1948م». حيث كان رجال الثورة يعتمدون عليها ويؤملون فيها ويثقون بنجدتها، كما أن زعماء المقاومات العربية آنذاك كلهم يؤملون منها تأييداً حاسماً لنضالها ضد الاحتلال الخارجي، وضد الاستبداد الداخلي، ومن هؤلاء «دستوريو اليمن» في القاهرة. ولكن الحديث عن الجامعة العربية ومواقفها قديما وحدثا حديث ذو شجون.
المقالة تسلط الضوء على محاضرة للأستاذ لطفي نعمان بعنوان “قراءة جديدة لتفاصيل قديمة”، حيث تناول وقائع التاريخ بلطف وتحليل منطقي. أكد المحاضر أن لكل طرف في الأحداث التاريخية ظروفه وحججه، مشددًا على أهمية التوازن بين الرضا والسخط في دراسة الماضي. ركز على دراسة الطبائع ودوافعها بعيدًا عن إصدار الأحكام، مؤكدًا أن المؤرخ يجب أن يكون نزيهًا في استكشاف الحقائق وعرضها، مع دعوة للاعتبار والتعلم من العبر التاريخية.
قدّم القاسم الوزير في هذا المقال تحليلاً شاملاً وموجزًا، حيث أجاد في جمع الأحداث وتبسيطها بشكل واضح، مُظهرًا عمقًا سياسيًا واجتماعيًا. مقاله يُعد "متنًا جامعًا" لمن يرغب في فهم الثورة الدستورية، سواء كان متفقًا معه أم لا. النص صغير الحجم لكنه غني بالمحتوى ويصلح كقاعدة لبحوث وشروح تفصيلية. الكاتب يشير أيضًا إلى أن أخيه لم يتطرق لموضوع صياغة "الميثاق" ولكنه وعد بتناوله في المستقبل.
في مقاله «ثورة الدستور خطوات في الإصلاح السياسي»، تناول الأستاذ محمد عزان بإيجاز وتحليل موضوع الثورة الدستورية في اليمن، مُعترفًا بعدم معاصرته للأحداث، لكنه اعتمد على مصادر متنوعة. استخلص أن الحركة كانت إصلاحية تهدف لتحديث النظام اليمني، رغم غموض المعلومات وتشويشها. المقال تناول الموضوع بثلاثة أقسام، مبرزًا رؤية واضحة وسط التحديات.
في مقاله «لمحات خاطفة عن ثورة 48 الدستورية»، قدّم الأستاذ محمد عبد الله الفسيل رؤية مختصرة ومثيرة للحوار، مُعلناً أن مقاله ليس بحثاً موضوعياً بل لمحات سريعة. ورغم ذلك، دُعي لتوسيع النقاش بإضافات تُكمل الصورة وتوضح الغامض. المقال نُشر في أجواء انفتاح فكري، مما يعزز حواراً نقدياً بناءً للوصول إلى الحقائق.
يتناول الكتاب نص الميثاق الوطني المقدس، مشيرًا إلى أهميته كمصدر مباشر للباحثين والمؤرخين. النص نُشر كما ورد في كتاب «رياح التغيير» لأحمد محمد الشامي، الذي دونه بخط يده بعد اعتماده. يبرز النص فكر القيادات وتوجهاتها، ويُدعى لمزيد من الدراسة والتحليل لفهمه واستيعاب دلالاته بشكل أعمق.
في القسم الثالث من العدد، تناولت الوثائق البريطانية لعام 1947م، مترجمة بدقة من الأديب تيسير كاملة رحمه الله، الذي اشتهر بترجماته الأدبية والسياسية. ركّزت الوثائق على فترة الإعداد للثورة الدستورية، مع الحذر من اتهامات غير موثقة. شملت التصحيحات أسماء وأحداثاً والتواريخ بالهجري والميلادي، مع مراعاة الأمانة العلمية والنقل الدقيق لتعزيز فهم الهوية التاريخية.
من أهداف «مركز التراث والبحوث اليمني» عرض وجهتي النظر حول الثورة الدستورية. نُشر «البلاغ الرسمي» للحكومة المتوكلية، الذي يصف الأحداث من منظورها، لكنه ركز على شتم الثورة بدلاً من مناقشة طبيعة الحكم أو الرد على الميثاق الوطني. يُظهر البلاغ انفعالاً وعجزاً عن الدفاع الموضوعي، لكنه يكشف أسماء قادة الثورة الحقيقيين، مما يثري فهم الوقائع.
تناولت الوثائق نصوصاً تسلط الضوء على مراحل الثورة الدستورية: ما قبل قيامها، ومقتل الإمام يحيى من وجهة نظر رسمية معادية، وما أعقب سقوطها. النص الأخير يروي شهادات عالم مشارك عاش معاناة الثورة وأسر قادتها، وهم يُقادون بالسلاسل إلى السجون، حيث لقي بعضهم الشهادة، وعانى الباقون ويلات السجن والخوف في انتظار مصيرهم المجهول.