زيد بن علي الوزير

زيد بن على الفضيل

أزمة خطاب المثقفين الأسباب والمآلات

يعالج الأستاذ الدكتور زيد بن علي الفضيل «أزمة خطاب المثقفين»، من خلال الكشف عن أسباب انخراط المثقفين في مستنقع العنف، ودراسة منطلقات العنف وخلفياته الفكرية والسياسية، ومحورية معركة الوعي في ميادين التحدي المعرفي لإزالة أنواع من العوائق في طريق الحضارة التمدنية، لكيلا يبقى الطريق إليها صعب المسالك. وتطرق إلى المكونات البنيوية للعنف.

في المقال والأول من هذا العدد، يعالج الأستاذ الدكتور زيد بن علي الفضيل «أزمة خطاب المثقفين»، من خلال الكشف عن أسباب انخراط المثقفين في مستنقع العنف، ودراسة منطلقات العنف وخلفياته الفكرية والسياسية، ومحورية معركة الوعي في ميادين التحدي المعرفي لإزالة أنواع من العوائق في طريق الحضارة التمدنيّة، لكيلا يبقى الطريق إليها صعب المسالك.

بدأ الكاتب مقاله بمناقشة الدكتور يوسف زيدان، الذي يعتقد أن ما دار حوله من نقاش أيقظ في داخله هاجس التفكير من جديد في طبيعة تأثير العقل السلفي ذي التكوين السلطاني، على مفاصل مجتمعنا المعرفي، وهما ما أثقل كاهل الأستاذ الدكتور «من كثرة التفكير وإمعان النظر، متسائلًا وباحثًا عن بواطن الإشكال، وكيف يمكن للمثقف المعرفي أن يتحول في لحظة عابرة من الزمن إلى بوق من أبواق السلطة؟ وليس بالضرورة هنا أن تكون السلطة سياسية، بل أخطر منها سلطة الهوى والكيد المعرفي. تلك السلطة التي أهلكت الكثير من العلماء عبر العصور، ولم تتردد في استخدام سيف السلطان لتتخلص من منافسيها». ويرد أسباب ذلك إلى أن «أزمة وجودنا العقلي، ونزقه الانفعالي، ليست خاصة بتيار أصولي تقليدي ديني، وإنما هي ممتدة في تركيبتها بمختلف التيارات المادية الجدلية، التي قد نطلق عليها تنويرية أيضًا».

وأمام ذلك، قام الأستاذ الدكتور بالبحث «عن سبب انخراط جانب من زوايا مشهدنا الثقافي في مستنقع العنف وسلوك النزق إزاء الآخر»، ودرس بعمق «منطلقات العنف الذي دخل به ومعه العقل الجمعي في أزمة فكرية نتج عنها صور متنوعة من مظاهر وأشكال النزق والعنف الفكري والمادي على النطاق الفردي والرسمي، لا سيما مع استلهام غلاة أتباع العقل السلفي لثقافتهم الدينية»، ثم تناول بإدراك لعبة السياسة ودورها في العنف والنزق، وأن بدايته «كان سياسيًا وليس فكريًا، كما هو بادٍ في حادثتي قتل “الجعد بن درهم” و”غيلان الدمشقي”». وبعد أن فصل ذلك التاريخ المريب تفصيلًا، تحدث عن التحدي المعرفي، وعن معركة الوعي، ووصل إلى الحل المطلوب، وهو التجرد: «في حال قراءة موروثنا المعرفي، ومن ثم شجاعتنا في غربلة كثير من نتاجه، الذي اكتسب حالة من القداسة والحصانة، بوصفه ينتمي لحقب زمنية مباركة، أصبغنا عليها صفة الخيرية، ونعتنا علماءها إجمالًا بالسلف الصالح. ذلك هو مفتاح التحدي المعرفي الذي يجب أن نخوضه بكل تجرد وجرأة».

وبعد أن طاف على قضايا مختلفة، خَلُص إلى «أن جوهر أزمتنا الثقافية المعاصرة كامن في الانسياق وراء سمت معرفي قائم على ثقافة ذهنية الغالب والمغلوب، فكان أن عمل بعض المثقفين على أطـْر الناس على رأي واحد، وفكر واحد، وهو الفكر والرأي الذي يؤمنون به». وللخروج من هذا المأزق فإن علينا العبور «حتى يتمكن مشهدنا الثقافي من مواجهة ذلك التحدي بكل منهجية وصلابة، فإنه يحتاج إلى أن تؤمن أطيافه الثقافية المتنوعة، بحتمية رفض الاستبداد الثقافي، وضرورة تبني ثقافة المثاقفة، الهادف إلى استثمار ما لدى الثقافات الأخرى من قيم ومعطيات إنسانية وحضارية نبيلة، مما يؤدي إلى تنمية مختلف الكيانات الثقافية بشكل خلاق من جهة، وغير مضر بمقومات هوية وثوابت كلطيف على حدة».

ثم لخص الموضوع في أن «نجاح أي مشروع ثقافي يستلزم غياب أو ضعف سلطة ظاهرة التوجه الأيديولوجي، سواء في شقه السياسي أو الديني، ونماء مساحة الحرية بشكل مطلق وفق الضوابط الحقوقية» «وفي المقابل، فقد نتج عن سيطرة التوجه الأيديولوجي الأحادي، المؤمن باكتنازه لمفاصل الحقيقة، الرافع نبرة صوته بشكل حجب سماع غيره من الأصوات الأخرى، نتج عنه ضمور نمو وتيرة الحراك الثقافي بشكل عام»

وأشهد أن الأستاذ الدكتور قد ملأ بحثه بما يفيد وينفع، وبما يفكك العوائق في العودة إلى التمدن الحضاري الذي قام على القلم.