ما زالت العاصفة محتدمةً فوق السماء العربية تمطرها لهبًا، وتفجر أرضها دمًا، وتحطم آثارها وتطمس تاريخها، وعندما تنطلق الأقلام والألسن والمنطق والخيال للبحث عن سببٍ فلا تجد إليه سبيلًا، عندئذ تستدعي هذه الحالة البحث والتنقيب، خارج أصوات الدعايات التبريرية القائمة على تغطية اللّهب والدم والدمار، ولو كانت الأسباب معروفةً لما احتاج الباحث إلى كل هذا العناء في التنقيب. قد يسهل للباحث أن يتكلم عن الأسباب الحاضرة لحربٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو مذهبيةٍ، لكن مثل هذه التحليلات لا تنسجم مع أمةٍ واحدةٍ، ذات لغةٍ واحدةٍ، وثقافةٍ واحدةٍ، ودينٍ واحدٍ، ومصيرٍ واحدٍ، بحجة أن تلك الأسباب تقع خارج إطارها، وأنها تنطبق على أممٍ متنافرةٍ مختلفةٍ، بخلاف القضية العربية التي لا تنافر بين عناصر تكونها وتكوينها. وقد يذهب البعض إلى العامل الخارجي فيتم استحضاره لمعرفة نجاحه في تسجير هذه المأساة، ولكن نجاح هذا العامل يعود إلى قابلية التنفيذ عند المتلقي، فلو لم تكن هناك قابلية عند المتلقي لتنفيذ خطط الآمر لما نجح هذا العامل بأية حال.
ولذا فلنوالِ البحث خلف هذه الصورة فربما وصلنا إلى رفع الستار عمّا وراءه أو عن بعضه.