افتتاحية العدد الثاني والستين

رئيس التحرير

يوافق صدور العدد الثاني والستين من «مجلة المسار» شهر محرم عام 1441هـ. وكم لهذا الشهر من حديث؛ حديث يلهج -ثناءً- بانتصار الإسلام، وحديث ينوح -حزناً- بفاجعة الإسلام، فهو شهر ينطق فرحاً، وشهر يبكي قرحاً.
شهر انتصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على الوثنية المتمكنة، بهجرته الظافرة إلى المدينة المنورة، ووصوله إليها سالماً مظفراً، ليقيم في ربوعها دولة من طراز جديد وفريد لم تعرفه الإنسانية من قبل، دولة الأمة الآمرة بالمعروف، والناهية على المنكر.

وشهر فجيعة الإسلام باستشهاد الحسين بن علي عليه السلام، في كربلاء يوم 10 محرم 61هـ/ 10 أكتوبر 680م، على نحو لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد، لا من حيث عدد الشهداء الذين سقطوا في سبيل الله ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: 170]، ولكن من حيث ظن قاتلوه – ظن الجاهلية – أنهم أجهزوا على المُثل العليا المجسدة  فيه وفي شهدائه، ولم يعرفوا – بسبب خلو قلوبهم من الإيمان – أن المثل العليا لا تُنحر، وأنها تظل تحمي وتدافع، وتبقى قذىً في كل عين ظالم وشجى في قلبه.

لم يلبت يزيد بن معاوية أن توفاه الموت يوم الثلاثاء في 14 ربيع الأول 64هـ/ 20 يوليو 647م، أي بعد ثلاث سنوات وشهرين من استشهاد الحسين بن علي وصحبه، ليخلفه البيت المرواني، ولم يلبث هذا البيت أن تقوض في وقت قصير، لقد انقرضوا، وماتزال تلك المثل تدافع عن كل مظلوم مقهور، وتقاوم كل ظالم جسور.

وفي هذا العدد ثلاث ضميمات متشابهة تتوزع على ثلاثة انتماءات متقاربة ومتجانسة ومشدودة إلى بعضها بعضاً.

 
 

1

يستهل العدد بمقال له صلة بتلك المثل العليا التي أورثها الحسين بن علي أبو الشهداء لأتباعه، والسائرين على منهجه، في مقاومة الظلم والظالمين، وليس من المصادفة في شيء أن تبدأ محنة الشهيد الفيلسوف محمد بن صالح السماوي، الملقب بـ «ابن حريوة» في نفس الشهر الذي استشهد فيه أبو الشهداء عليه السلام، والذي أثبت أن دمه الزكي بقي مشعاً يضيء الدرب لكل من آنس في نفسه الغيرة على دين المساواة والإخاء والعدالة، فيرفع سيفه أو يشرع قلمه أو ينطق لسانه فيدافع عن مظالم وينتصر لكل حق مسلوب. وللسان والقلم – كالسيف – دور معلوم يدافع به عن المظلوم.

كان ابن حريوة متشبعاً بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مؤمناً بالخروج على الظالم إذا لم يرجع عن غيّه، وكان يدعو إلى ذاك، فهو -كما وُصف- «لا يخشى في الله لومة لائم»، وإن الإنسان ليعجب من جرأته في وقت بلغت فيه صولة إمام وقته «المهدي عبد الله» ذروتها، فخافه القوي الشديد، ووصلت فيه مكانة العلماء دركها، فاجتبه كبار العلماء، فلم يأمره أحد بمعروف، ولم ينهه أحد عن منكر إلا ابن حريوة، فقد رفع صوته قوياً ضد المهدي، وسط ذلك الصمت المنعقد، فقتله المهدي وعذبه عذاباً نكراً، ونحره نحراً بشعاً، وصلبه، فكان صلبه كما قال شاعر الإسلام أحمد شوقي في الشهيد الكبير عمر المختار:

نصبوا رفاتك في الرمال لواء * يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبو مناراً من دم * يوحي إلى جيل الغد البغضاء

جرح يصيح على المدى * وضحية تتلمس الحرية الحمراء

وكان أول نتائج شهادته أن تحول دمه نوراً أضاء الطريق للإمامين: أحمد بن علي السراجي (1250هـ/1834م) والحسين بن علي المؤيدي (1251هـ/1835م)، وأسقط نظام المهدي وأبيه وجده. وأثبت الدم الشهيد أنه المنتصر في نهاية المطاف، وأن مُثل الحسين بن علي لم تنطف ولن تنطفي.


2

وفي يوم عاشورا يصوم بعض المسلمين ويعيشون في روحانية خاشعة بين صلاة ودعاء، وفي هذا المناخ يقدم العلامة الأستاذ” محمد يحيى عزان “بحثه عن «الصلاة في القرآن.. تسابيح الكون وتزكية الأرواح»، وفي محراب القرآن الكريم ندرس معه: المدلول العبادي، ونخشع في صلاة الكون تسبيح وسجود، ثم نسمع الصلاة في شرائع الأنبياء وما لها من أثر في تزكية الأرواح.

هذه المنظومة الكونية الشاملة عَبر عنها القرآن بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور: 41]. وقد أجاد أستاذنا العلامة في اختيار عنوانه الحاصر، حيث تحدث بعمق عن شمولية الصلاة للكون كله،  ومع أننا كبشر لم نسمع صلاة الكون وتسابيحه، كما اعتدنا نحن أن نسمع، إلا أن أشكال الصلاة المتصلة بالله متنوعة لها تسابيحها الشجية ولها صلواتها الخاشعة، ودعاؤها الضارع؛ تقْنُت لله بمختلف الأصوات والتعابير ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: 26]، ولكنا لا نفقه رائع تسابيحها ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: 44]، والذي يلفت النظر أن الله لم يقل: ألم تسمع، بل قال: ﴿ألم تر﴾ أي وجوب التفكير بما نراه أمامنا وإن لم نفقه معاني تسابيحهم الناطقة ببديع صنع الله الذي أتقن كل شيء.

أحاط العلامة في مقاله هذا بموضوعه إحاطة تامة «بعيداً عن ضغط ملصقات المختلفين، وتشويش جدل المتمذهبين»، فتناول «المعنى اللغوي والمدلول العبادي»، و«صلاة الكون: تسبيح وسجود»، ثم تحدث عن «الصلاة في رسالة السابقين»، وأتبعه بـ «الأثر الروحي للصلاة قي حياتنا»، ثم تحدث عن «أحكام الصلاة في القرآن» وما يتعلق بذلك من «إخلاص الصلاة لله وحده، وحضور القلب وطهارة البدن وأوقات الصلاة وأسمائها وأماكن أداء الصلاة»، واتجاه قبلة الصلاة، ومعنى القيام والركوع والسجود، وخصوصية صلاة الجمعة وصلاة الخوف. والصلاة على الميت.

لقد أحاط أستاذنا العلامة بموضوعه من كل جانب، وأحصى كل ما يتصل بالصلاة والتسابيح من فوائد روحية، وجعل من الصلاة وتسابيح الكون أنشودة خالدة تسبح بحمد الله.


3

وإلى جانب تسابيح الكون، أنتقل إلى مقال الدكتور ”عبد الله صالح القيسي“: «الربا والبنوك في قراءة النص الديني»، أي إلى الجانب المادي المقابل للروحي، فتكون «المسار» قد جمعت بين جانبي الصورة، أو بين المتناقضين الروحي والمادي، ولكن القرآن الكريم يوازن بدقة بينهما، ويدعو إلى الاستفادة من كليهما؛ قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص : 77]. فهذه الآية الكريمة تصالحٌ بين الروحي والمادي، بين الدار الأولى والدار الآخرة. والمال زينة الحياة الدنيا أباح الله طيبه وحرم فاسده، فربط بينهما بحسن التعامل معه، فدعانا أن نحسن التصرف به كما أحسن الله إلينا، ودعانا ألا نجعل منه سبيلاً إلى الفساد، فنفسد قانون الله، والله لا يحب المفسدين. إن مجال الإنفاق على الخير واسع ورحيب وعام، أي أنه يشكل وظيفة اجتماعية عامة يستفيد منها الناس، أما إذا اقتصر على المنفعة الخاصة ولم يستفد منه الناس، فهو حرام وضرب من الأنانية والإفساد.

وأنا لست خبيراً في الاقتصاد، ولكني أؤمن بالقاعدة النبوية «لا ضرر ولا ضرار»، فما يجر إلى منفعة فهو حلال، وما يجر إلى ضرر فهو حرام، وفي هذا الحديث فصل الخطاب، لأن الهدف والغاية هو منفعة الإنسان وعدم إلحاق الضرر به.

وقد تناول الدكتور القيسي في مقاله مفهوم الربا في القرآن، والبنوك: المؤسسات التجارية، ونقاشات فقهية حول الربا والبنوك، وتحت كل عنوان قام بدراسة موضوعية كان فيها الباحث الأمين.


4

 وإلى موقف آخر من مواقف الفقهاء، أقدم جانباً آخر لفقهاء السلطة عندما يتحدثون عن السياسة، في ما كتبه الأستاذ” وضاح عبد الباري طاهر“، وعنون مقاله «صلف العصبيات.. طغيان حاكم وتأله فقيه». وقد استهله بمقولة رائعة للمؤرخ” حاجي خليفة “يقول فيها: «لا شيء من العلم من حيث هو علم بضار، ولا شيء من الجهل من حيث هو جهل بنافع؛ لأن في كل علم منفعةً ما في أمر المعاد، والمعاش، أو الكمال الإنساني، وإنما يتوهم في بعض العلوم أنه ضار أو غير نافع؛ لعدم اعتبار الشروط التي يجب مراعاتها في العلم والعلماء؛ فإنَّ لكل علم حداً لا يتجاوزه».

وفي مقاله هذا طاف الأستاذ وضاح بعلماء السلطة في كل الأزمنة المسلمة طيافة مطلعة، ومن المؤكد أن فقهاء السلطة -إلى جانب تبرير المظالم- كانوا أحد أسباب انهيار الحضارة الإسلامية وإنزالها من ذروة مجدها، وإن بذرة الانحطاط نبتت من الحاكم المستبد الذي ابتز الأمة أمرها، وغلبها على رأيها، وقال الأستاذ وضاح: «وليس هناك أضر على الحضارات بأن تعطى بعض مفرداتها أكبر من حجمها بالغلو في تقديرها أو المبالغة في الحط منها؛ لما يترتب على ذلك من سوء التقدير واختلال الموازين، وبالتالي فساد الحياة برمتها، وهذا ما فعلته الدعاية التي خَلَقت في حياتنا حكاما متفرعنين ورجال دين متألهين، تحولوا في النهاية إلى كارثة على الأمة في دنياها ودينها».

وقد وقف بشجاعة عند علماء كبار فناقش كتبهم، وتحدث عن آرائهم من مصادرهم هم، ولم يروِ عن أحد منهم ما قاله أو أسنده الآخر عنهم، بل اعتمد على كتبهم ورسائلهم نقلاً أميناً. كما وقف عند أئمة كبار مشهورين تحيط بهم هالة من التقديس، فكشف ما خلف الهالة من كسوف، ولم ينسَ أن يتحدث عن التعصب وآثاره المدمرة وجنايته. كما تحدث عن «التزمت» بتحريم اللعب بالشطرنج وهل يجوز السلام على لاعب الشطرنج أم لا. وعن «تكفير» قراءة الفلسفة وعلم الكلام والمنطق والعلوم الوضعية، ولم يحللوا شيئاً سوى الفقه. وسوف تقرأ في هذا المقال من العجائب والغرائب ما لا يخطر بالبال. لقد كان وضاح في ما كتنبه واضح الرأي صادق الكلمة في ما توصل إليه.


5

وآن الأوان أن أتحدث عن ضميمة أخرى متجانسة من محتويات هذا العدد عن الشعر والنحو.

فأما حديث الشعر فهو عن مقال «القصيدة الحميرية: ترانيم قانية؛ قراءة جديدة» بقلم الأستاذ” عبد السلام المخلافي“، وللناس في لغة المسند آراء مختلفة بين اعتبارها لساناً مستقلاً، وبين اعتبارها لساناً من ألسنة العربية أو لغة من لغاتها، فابن سلام الجمحي (232هـ/46-847م)، في (طبقات فحول الشعراء)، قال: «ما لسان حِمَير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيّتُهم بعربيّتنا». فيفهم منه أن لسان شمال اليمن عربي وجنوبه حميري، وذكر الهمداني (بعد 336هـ/947م) في (صفة جزيرة العرب) أن بعض المناطق في اليمن كانت تتكلم الحميرية على عهده. أما طه حسين (1شوال 1393هـ/ 28 أكتوبر 1973م) فذهب إلى أن اللسان الحميري لسان مستقل، وأنه تعرب في أيام الإسلام. وذهب الأستاذ أحمد الشامي (ت6 صفر 1426هـ/17 مارس 2005م) في (قصة الأدب في اليمن)، إلى أن اللسان الحميري لسان عربي مختلف اللغة – أي اللهجة – وقريباً من ذلك قال د. عبد العزيز المقالح. أما أنا فذهبت إلى أن لسان المسند لسان مستقل، ولكنه تعرب قبل الإسلام لا بعده. وماتزال “المهرة” تتكلم الحميرية، ولايزال الخلاف مستمراً لم يفصل فيه.

فماذا عند الأستاذ عبد السلام من قول عن القصيدة الحميرية التي عثر عليه في قانية، يقول عن بحثه: «تتناول الدراسة تفسير نقش ترنيمة قانية على أنها لغة غير معروفة، والنقش يعد أقدم وثيقة مكتوبة تكشِف عن جذور الشعر المبكرة في القرن الأول الميلادي، ويرد فيها تفسير مغاير بالكلية للتفسير المتداول للنقش منذ قرابة ثلاثين عاماً؛ إذ أسند الباحث في تفسير ”الأفعال“ إلى مدون النقش ”ضمير المتكلم“، لا إلى الشمس الإلهة ”ضمير المخاطب“، وأتى الباحث بدلالات المفردات من معاجم اللغة العربية، واللهجات المحلية المعاصرة، والنقوش العربية الجنوبية، واللغات السامية.

والنقش وفق قراءته الجديدة كُتب بلغة هي أقرب ما تكون إلى اللغة العربية الباكرة، التي جاءت نتيجة لتداخل العربية الشمالية بالسبئية المتأخرة في شكلها الحميري. وهي لغة لازالت مستخدمة إلى اليوم في كثير من مناطق البلاد اليمنية، وتختلف كثيراً عن لغة النقوش العربية الجنوبية، وتشبه في تراكيبها النحوية تراكيب العربية المعيارية أو الفصحى».

ولا شك أن أبحاثاً مثل هذه الأبحاث ستوصلنا إلى نتائج كاشفة وإلى نتائج يطمئن عندها القول.


6

وأما عن النحو؛ فإن مقال «أطوار النحو.. وبناء الجملة العربية» للدكتور” خالد ضيف الله الشماري“، فصل مثمر من كتاب واسع، فالنحو العربي يعتبر من أطول كتب النحو في الألسنة كلها – في ما أعلم – وذلك أن اللسان العربي واسع ومتشعب؛ لأن هذا اللسان متحرك لكونه اشتقاقياً وليس جامداً لكونه تركيبياً، واللسان العربي يتوالد بكثرة من ذات جذره، بينما اللسان التركيبي يولده غيره، فإذ وجد شيء جديد رُكب له اسم جديد، بينما اللسان العربي يشتق له من جذره، أو من صدى فعله. ولهذا فعلم النحو علم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والحفاظ عليه حفاظ على لسان القرآن الكريم وتراثنا المجيد في أعز ما يحافظ عليه.

تناول الأستاذ خالد في موضوعه المزدوج أطوار النحو وبناء الجملة العربية، وكلا الأمرين مرتبطان ارتباط السبب بالغاية. يحدد الباحث إطار بحثه بقوله: «هدف هذا البحث الكشف عن إبداع العقل العربي في مجال التفكير النحوي عند القدماء، فقد وقف المحدثون بانبهار أمام تأصيل القدماء للقضايا اللغوية والنحوية، فلم يستطيعوا أن يقدموا بدائل مطردة لما قدمه النحاة القدامى، على الرغم من كثرة الدراسات والأبحاث، كما أن ظهور التوليدية التحويلية أعاد إلى النحو العربي اعتباره. وهذا البحث يحاول الكشف عن إبداعات العقل العربي في تناوله لبعض القضايا الكلية في النحو العربي، مستخدماً المنهج الوصفي التحليلي.

وقسم البحث على قسمين، القسم الأول: يتناول نشأة النحو العربي، ويكشف عن المحطات المهمة التي ساهمت في تطوره. وفي القسم الثاني: نتناول أهم قضية في مسيرة الفكر النحوي، وهي بناء الجملة؛ وذلك عبر دراسة اتجاهات الجملة العربية عند اللغويين القدامى والمحدثين».

ولقد وفق الباحث بالفعل في بحثه هذا، وقدم لنا صورة واضحة، تفتح شهية الباحث لمزيد من هذا النوع الذي يسر النحاة ويبهج البلغاء.


7

والآن إلى ضميمة أخرى أقدم فيها مقال «كتاب (الجزائر الثائرة).. قراءة نقدية لطبعات الكتاب»، للدكتور ”أيت بعزيز عبد النور“، وقد وضع الدكتور إطاراً لمقاله قال فيه: «يتناول هذا المقال أهم أثر مكتوب تركه الأستاذ الفضيل الورتلاني، وهو كتاب الجزائر الثائرة الذي طبع مرتين في لبنان ومرتين في الجزائر، من حيث المضمون والمحتوى، ومقارنة الطبعات الأولى مع الطبعات الأخيرة، من زاوية نقدية، ويطرح إشكالية رئيسية تتفرّع عنها عدة إشكاليات فرعية، تتمثّل في النقاط التالية:

مدى صحة الاعتقاد السّائد بأن الكتاب المذكور هو كل ما تركه الورتلاني، وأن ما نشر فيه ينسب إليه كلّه، وكتبه وأعدّه للنشر، ومدى مطابقة مضمون طبعات الجزائر مع محتوى طبعات لبنان، وهل حظي الكتاب بالدراسة والتحليل والمناقشة والتعليق الكافي، وما هي المقترحات التي يمكن للباحث والدّارس المتخصّص اليوم أن يقترحها، قصد جعل هذا الكتاب صورة ومرآة تعكس مستوى ومكانة وقيمة صاحبه».

وأهمية هذا البحث أنه يقيم موازين القسط للطابعين والمشرفين، وما جرى للكتاب عادة هو ما يجري لكثير منها في ساعة التضييق الفكري والإرهاب السياسي، ويتمثل في الاسم المستعار، والقص والمداراة تبعاً للحالة الراهنة.

ومن ذلك ما جرى لكتاب العدالة الاجتماعية للشهيد سيد قطب، فقد كتب فيه ما معناه أن الضربة القاسية أن علياً لم يأتِ من بعد عمر، فما كان من المشرفين عليه بعد استشهاده إلا أن محوا تلك الجملة مسايرة للحس المذهبي المساير. وكمثل تغيير عنوان كتاب الأستاذ عباس العقاد من «عثمان بن عفان ذو النورين» إلى «عبقرية عثمان»، مع أن العقاد ذكر في المقدمة أن عثمان لم يكن عبقرياً. ولهذا أعتبر مقال الدكتور ”أيت بعزيز “درساً مفيداً للطابعين والمشرفين على السواء. وفي رأيي أنه ما لم يكن التغيير أو الإضافة أو المحو بموافقة المؤلف فهو نوع من الاستلاب الأثيم.

رئيس التحرير