يأتي بحث الأسرة في إطار الحقيقة القرآنية: المقاصد المرعية والآليات التشريعية للدكتور الواسع الاطلاع البشير قصري، ليفكك لنا حالة راكدة بفعل التقاليد والأعراف، أو حالة مستثارة بفعل حركة التغريب.
فيُطلعنا على حالة الأسر في إطار الحقيقة القرآنية في وضعها المتوازن، وينقلنا من ضيق التقاليد وشطحات الغرب إلى حالة قرآنية مطمئنة. وبالنظر إلى المواضيع التي تناولها الدكتور في بحثه، نجد أنه قد ألمّ بموضوعه خير إلمام، وبمعرفة ما أبدع فيه تنفتح أمامنا أبواب مغلقة، فننفذ منها إلى وضوح الطريق. وليس ما يطرحه الدكتور أمرًا سهلاً، ولا الوصول إلى ما يريده أمرًا ميسورًا، إذ الاختلاف حول بعض ما جاء فيه عسير؛ بل وراء ذلك جهد كبير لمواجهات شائكة، بدأها في المبحث الأول بتساؤل عن: لماذا القرآن؟ ولماذا المقاصد؟ ثم بدأ جوابه على هذين السؤالين بمعرفة العالم الواثق مما لديه من مخزون معرفي غزير. وما أظن أحدًا تناول هذا الموضوع بالدقة التي تناولها، فيما قرأت.
فهو لم يكتفِ بالجواب الشارح على السؤالين؛ بل أضاف إليه في المبحث الثاني عن ماهية الأسرة في القرآن الكريم وأهميتها، ومضى فبحث معنى الأسرة لغويًا وتشريعيًا، ثم بحث علاقة الزواج وكيف حدد معالمها القرآن الكريم. ثم استطرد في المبحث الثالث الحدث عن كون الإنسان مخلوقًا مكلَّفًا، وقد يشعر المستعجل استغرابًا في زجّ هذا الموضوع في الأسرة، ولكن ليس ثمّة استغراب قط، إذ إن بين التكليف والمسؤولية رباطًا متينًا، والأسرة مسؤولية. ولهذا فإن هذا المبحث هو تكملة للعقد المنضود.
وجاء المبحث الرابع عن: المقاصد المرعية في البناء الأسري، ليقيم الدعائم ويرفع البناء، وهي مقاصد تعود بالنفع على الإنسان فردًا ومجتمعًا، دنيا وأخرى. وهذه المقاصد كثيرة جدًا، ولكن أصولها ثلاثة، فالمقصد الأول: بقاء النوع الإنساني، وفرّعه إلى: الأسرة حصن وحضن. الأسرة سكن وسكينة. الأسرة رحم ورحمة.
ثم أتبع المبحث الرابع بالمبحث الخامس عن: الآليات التشريعية القرآنية الناظمة للأسرة، فأولاها بحثًا وتدقيقًا كما فعل في المباحث الأخرى.
وختم مقاله بخاتمة استعرض فيها خلاصة ما كُتب في الصفحات السابقة، مؤكدًا: «أن الأسرة جماعة تراحمية معنوية بالأساس، وتعاقدية بالتبع، وأنها تُؤسس على الرحم، وتستمر وتقوى بالرحمة والتراحم».
وأختم أنا هذا التعريف بالقول: إن الدكتور قد أحاط بما لديه علمًا، واعتمد في بحثه على مراجع لها أهميتها، واستعرض أشياء قد يُتفق معه فيها، وقد يختلف آخرون، لأن المجال واسع ومتشعب ومختلف على أطراف منه، شأن أي بحث جديد يُثير ويستثير. وهذا، في الحقيقة، هو ما تفعله الأبحاث الجديدة التنويرية.