بعد التنقيب في صحارى التاريخ الصاخب، آوي إلى ركن ذي ظل ظليل، فأستريح من لهث التنقيب، وأستروح هبوب نسيم عاطر، يأتيني من بعيد، في شكل أنغام وتر حنون، وأصوات شاعر مبتهج، وأهازيج مزامير، وقرع طبول، وإيقاع رقص، يبعث البهجة، ويثير مشاعر القلب بالأمنيات العذاب.
تلك النغمات العذاب، وتلك الأوتار الشجية، وافتني في شكل مقال للأستاذ الأديب الباحث علي مغربي عن «الأعراس النسائية في تهامة؛ جمال الطقوس وعراقة الموروث». وحقًا لقد أجاد الوصف، وأحسن الإخراج، وإذا بي أراه فيلمًا جميلًا أعيشه، وأتنسم عطره، وأرفع عقيرتي منشدًا، وأشاركه رقصًا من خلال توصيف العرس التهامي بمراحله المختلفة، وعبر أثر الثقافة المجتمعية والدينية في الأعراس، ومن خلال تشابه العادات واختلافها في ثقافة الشعوب، ولم يقتصر الكاتب على أفراح العرس مجردة من الارتباط بين العرس التهامي والاحتفالات الدينية القديمة، وتعتبر الأضاحي والرقص والطبول ومظاهر الفرح الأخرى، من أهم الطقوس والشعائر التي كانت ترافق الحج الديني أو الأعياد الدينية، وكلمة «حج» بلفظها ومفهومها الديني الحاضر متأخرة نسبيًا، حيث نجد أن الاسم القديم للحج هو «محضر، حضر»، فقد وردت كلمة «ح ض ر» في النقوش اليمنية لتدل على احتفال ديني، يقام تلبية لأمر إله «هذه المفردة “ح ض ر – محضر” السابقة لكلمة حج، نجدها في الموروث اللغوي التهامي، تعبر عن مجمل الطقوس والعادات التي تصاحب العرس، فكلمة عرس في الثقافة الشعبية التهامية ككلمة ومفهوم تدل في معناها على مجمل طقوس حفل الزواج، كما تدل على يوم العرس نفسه، فهي لم تستعمل بدلالتها الحالية إلا من فترة قريبة، والذي يبدو أن وجودها في التعبير اللهجوي لا يختص بمجمل الفعاليات كبقية المناطق، وإنما بجزئية معينة من طقس الزواج».
والحق أنه قدم وصفًا حيًا نابضًا لأفراح الأعراس التهامية، رابطًا بينها وبين الموروث الذي «يزخر بالعديد من العادات والتقاليد الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، وتحتل الأعراس – بما يجري فيها من طقوس وفعاليات تتخلل العرس منذ بداية الإعداد والتحضير للعرس وحتى نهايته – جانبًا بارزًا من ذلك الموروث الثقافي والإنساني، سواء الأعراس الرجالية أو النسائية». وإلى جانب ذلك ألم بالعرس التهامي والاحتفالات الدينية القديمة والمراحل والفعاليات وتقاليد الخطوبة والعقد وطرق الوصول إلى الزواج، وفعاليات وطقوس العرس، ودعوة الضيوف وإشهار الزواج الذي غالبًا ما يكون في نصف الشهر القمري، في الليالي المقمرة، بعد الانتهاء من حصاد الزرع، ثم تناول تجهيزات العرس، وتحدث عن السماية، والسارية، ويوم العرس، والحناء ونشل العروس، وتزيين العروس بالمعكس، وتوافد الضيوف والغداء، ويوم العرس عصرًا، واصطحاب الزوج زوجته (الطقوس والعادات)، ليلة الحُملة، ويوم التبعة، وهو اليوم الثاني، ويسمى التبعة، والدعسة. ثم ختم البحث بملخص مفيد، أخرج منه بفائدة هي: أن الأعراس في اليمن تتشابه، وتختلف أفعالًًا وتسميات، وأن مثل هذا البحث يقرب بين العادات، ويوائم بينها، وعلى الأقل يتعرف اليمنيون على بعضهم بعضًا، فتزداد اللحمة التحامًا، والأخوة إخاء.