وفي شهر رمضان، نزلت أولى مفردات الحضارة الإسلامية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، فشادت الأمة المسلمة حضارتها العالمية بألسنة مكتوبة متعددة، لأن لغة غير مكتوبة تظل دائرة في محيطها الصغير، تتداول ما يحتاجه مجتمعها المحدود. ومن المعلوم أنه لا توجد حضارة بغير لسان، تسجل إنجازاتها وطبيعة نظمها، إذ اللسان المكتوب هو اللبنة الأولى لقيام حضارة ما.
وقد أدرك الأستاذ الدكتور «حميد العواضي»، أهمية اللسان في التطور البشري، فأولى مسعى حميداً لدراسة اللسان العربي، وأولى الترجمة منه وإليه اهتماماً محموداً، لأن الترجمة تعتبر رافداً خصباً في إثراء أي لسان، ليس من ناحية مفردات الكلمات الجديدة التي تتمخض بها المخترعات، وإنما من ناحية ما تنقله من جديد الفكر. ومن ثم فإن للترجمة -وهي بهذه الأهمية- شروطاً معينة، كتب الأستاذ الدكتور عنها أبحاثاً مفيدةً، وخصها بكتاب متميز هو «الفهرس العربي لأدبيات علم الترجمة»، ويعتبر من محاسن كتبه في هذا الباب، بل هو في حد علمي فريد في بابه. إذ الهدف من التَّرْجمة، على وجه التحديد، دراسة التفاعل الثَّقافي.
وفي هذا العدد، خص الأستاذ الدكتور «مجلة المسار» بمقال ترجمه عن مقال للكاتبة سوزان سنت، باسم «الثقافة والترجمة»، وهي أستاذة في مركز الترجمة والدراسات الثقافية المقارنة في جامعة وارويك، في بريطانيا. ولم يكتفِ الدكتور بترجمة المقال، بل أضفى عليه من تعليقاته المفيدة ما زاده تكاملاً؛ إذ تناول مقاله محطتين رئيسيتين مهمتين، الأولى: لماذا اتخذ علم التَّرجَمَة منعطفاً ثقافياً؟ فشرحه وتوسع في الشرح، وشرح دوره فيه مع آخرين، والثانية: “رأسُ المالِ الثَّقافي والشّبكةُ النَّصية”، ووضحها وأبان مقاصدها.