أرى في هذا الشهر الكريم – شهر الرحمة والتراحم وعدم اللغو فيه- فرصة متاحة لمسعى خير، يرفع الظلم عن تاريخ طائفة من الزيدية ظُلمت ظلماً مبيناً، ليس من قبل الإمام عبد الله بن حمزة، وحده، وإنما من قِبَل عدة «علماء مخترعة» صبوا عليها الاتهام صباً، وهي فرصة نفكر فيها بروحانية مطلقة، فندرس قضيتهم بدون تعصب أو هوى أو استغلال، ليمكن لنا – بعلم نقي صافٍ من الأهواء – إنصاف ما أنزل على أفكارهم من ظلمٍ، وما أصاب أجسادهم من قتلٍ.
وقد تحدثت طويلاً عن المطرفية ومأساتها بما يكفي، ولكني وجدت شيئاً جديداً ألزمني بالحديث عنه مجدداً، فكتبت هذا المقال تحت عنوان «الجديد عن المطرفية»، وذلك أن الأستاذ الباحث «جمال الشامي» عثر على كتاب «شرح الفصل» لعلامة المطرفية الكبير ومرجعها ومرشدها في وقته «الحسين بن علي اليحيري»، و«كتاب الفصل» هذا هو من تأليف الإمام المرتضى محمد بن الهادي (ت 310هـ).
بـعد مطالعتي لـ«شرح الفصل» تبين لي بوضوح أن الدعوى المزمنة التي أصر على محاولة إثباتها سلف الطائفة الزيدية «المخترعة»، وخلفها، بطلت بظهور هذا الكتاب، وبسبب تفرد المخترعة بالساحة من ناحية، وغياب كتب «المطرفية» من ناحية أخرى، فقد بقيت الدعوى صاحية لم تنم. ومعلوم أن المخترعة نفت نفياً قاطعاً انتماء المطرفية إلى الإمام الهادي وجده القاسم وابنيه المرتضى والناصر، وأصرت على إثبات هذه الدعوى جيلاً بعد جيل. وليس من شك عندي أن إصرار المخترعة على إنكار هذا الانتماء هو دفاع استباقي لما سيلحقه في حالة ثبوت انتماء المطرفية من انهيار بقية التهم تلقائياً، ويلزم في ذلك لوازم في حق المتَّهِمين، على حد تعبير «ابن الوزير».
قرأتُ كتاب «شرح الفصل»، وقدمت له، بعد أن توثق – من خلال ما قرأته في هذا الكتاب، وما كنت قد ذهبت إليه في بحوث سابقة – صحة انتماء المطرفية إلى الأئمة الأربعة. ولأن هذا الكتاب متمسك بأفكار الإمام المرتضى، فهو في الوقت نفسه متمسك بأفكار الأربعة الكبار، باعتبارها تشع من مدرسة واحدة متنوعة الاجتهادات.
إن تبني العلامة اليحيري أفكار المرتضى وتفسيرها للمزيد من فهمها، والاتفاق معها، وعدم مخالفتها، قد قطعت جهيزة قول كل خطيب، وقلت في نفسي إنه من الخير، أن تعم الفائدة منه، سواء بالموافقة على ما ذهبت إليه أم بما يخالف ما رأيته، ومن ثم رأيت -من أجل هذا الغرض- أن أعيد نشر «التقديم» في هذا العدد من «مجلة المسار»، مع تعديلات بسيطة، وإضافات مختصرة.
والآن، وبعد صمت طويل، ظهر كتاب يثبت هذا الانتماء ويؤكده، وكان هذا الاكتشاف، وتقديراً لمكتشفه، وراء كتابة مقدمة لهذا الكتاب المهم، سواء لصحة انتماء المطرفية إلى الإمام المرتضى، أو لما في الكتاب نفسه من أفكار بينات، خصوصاً وأن كاتبه هو علامة المطرفية الكبير ومرجعها في وقته اليحيري. ولا ينبئك مثل خبير.