وفي هذ الشهر الكريم، شهر الخير والعطاء، تجسد فيه «الزكاة» وظيفة اجتماعية بامتياز، لأنها تصب في دائرة التعاون والبر والإحسان، فتوجب على الغني أن يشارك الفقير بعض ما يملك، بعيداً عن الصدقات الأخرى، إذ الصدقات عبادة تطوعية، بينما الزكاة عبادة مفروضة على المسلمين جميعاً، تصرف على المحتاجين والفقراء، ومن ثم فهي عبادة اجتماعية.
وفي هذا الإطار، كتب العلامة «محمد يحيى عزان» مقالاً ممتازاً تحت عنوان جذاب ودقيق كعادته في تناول أبحاثه. تحدث فيه عن «الزكاة.. قِيَم ثابتة في تشريعات دينية مرنة»، برؤية العالم المتفتح على المستجدات، وما تقضي به الاجتهادات، وبحيث توافق المقولة الرائعة حيثما تكون المصلحة فثمة شرع الله.
وبما أن الزكاة وظيفة اجتماعية، فهي أيضاً وظيفة سياسية يؤخذ بها وفق «المقاصد» لتسهل قيام دولة العدل، فأباح الله للمؤلفة فيها حصة إذا استدعت الظروف العمل بها.
وبما أنها وظيفة اجتماعية مفروضة، فلغير المسلم الفقير حق في إغاثته، لأنها تجري في مساق الحديث الشريف الشامل «في كل ذي كبد رطبة أجر» بشراً وحيواناً.
وقد جال علامتنا في شرح القيم الثابتة والتشريعات المرنة، فأتى بالشرح الأحسن، والتفصيل الأجود، وألم بآراء كل المذاهب، بحيث جاء المقال مزيناً بمختلف الآراء. ومن الخير أن أضرب مثلاً بما جاء في بحثه عن المؤلفة قلوبهم، ليستبين منهجه المنصف.
يقول الكاتب: «والمرونة في هذا المصرف، تأتي في: بقاء حكم هذا المصرف أو ارتفاعه، فقد جاء عن الإمام مالك، أنه لا مؤلفة اليوم؛ معتبراً التأليف خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. في حين يرى غيره أن حق المؤلفة باقٍ إلى اليوم، وهو متروك لتقدير الإمام. وعن الإمام أبي حنيفة أن التأليف لا يكون إلا في حالة ضعف المسلمين، أما في حالة قوتهم فيسقط بقوة الإسلام. وعن الإمام الشافعي أن التأليف لا يشمل الكفار؛ لأنه لمجرد تسكين قلب الداخل في الإسلام وإعانته على الثبات عليه. أما فقهاء الهدوية فيرون أن التأليف شامل للكفار لما يراد من تقريبهم إلى أجواء الإسلام وضمهم إليه من خلال الرعاية الماليّة لهم، ولما يولد ذلك من شعور حميم لدى الكافر تجاه الإسلام وأهله، فيزداد اهتمامه بالتفكير فيه، وبتعلّم أحكامه وشرائعه. وأيده العلامة المقبلي، فقال: الظاهر جواز ذلك، لحصول المعنى الذي لأجله شُرع التأليف، فيجوز له تأليف الكافر والمسلم لذلك، لعدم الفارق».
وإذا ما كان لي من رأي أدلي به في هذا الموضوع، فأنا أختار رأي أبي حنيفة في أن التأليف لا يكون إلا في حالة ضعف المسلمين، أما في حالة قوتهم فيسقط بقوة الإسلام، وهو رأي عمر بن الخطاب والصحابة. وأختار رأي الهدوية أن التأليف شامل للكفار لما يراد من تقريبهم إلى أجواء الإسلام وضمهم إليه من خلال الرعاية الماليّة لهم، ولما يولد ذلك من شعور حميم لدى الكافر تجاه الإسلام وأهله، فيزداد اهتمامه بالتفكير فيه. أما رأي الإمام مالك فينقضه أن التأليف بقي معمولاً به أيام أبي بكر، ولو كان وقفاً على أيام الرسول على الله عليه وآله، لما تجرأ أبو بكر -وهو المتبع- على بقائه.