ومن روافد هذا النهر الرقراق المتدفق؛ نهر تهامة الكبير الذي بدأ يحيي موات الصحراء الصامتة، ويخصبها، ويثريها، ما كتبه الأستاذ الباحث علي مغربي الأهدل، في «اليمن مفهوم التسمية ودلالتها.. قراءة في الخلفية التاريخية»، والذي احتوى على ثلاثة محاور:
1. الصيغة اللفظية للاسم.
2. المسمى وارتباطه بثقافة المكان.
3. تطور التسمية عبر التاريخ والثقافات.
وهو كما أرى بحث يضرب في آفاق جديدة؛ تكشف غموض تلك الأرض التي ماتزال تضن بالكشف على أسرارها وما فيها من كنوز مخفية غارقة في صحرائها الصامتة. ولحسن حظ تاريخ اليمن، فقد بدأ الصمت يتكلم حُسناً، والغموض ينكشف على يد فتية متخصصة زادها العلم وقارًا.
بدأ بحثه بتمهيد عن مفهوم اليمن القديم ضمن أقدم المناطق الجغرافية التي قامت عليها الحضارات الإنسانية القديمة، وهو اسم لم يخلُ من الاختلافات والاجتهادات، وهو يرى أن ثمة حلقة مفقودة مثلت الخلفية التاريخية لنشوء المسمى من خلال تدرجه في رحلة طويلة عبر الزمان والمكان، ويعترف بأنه من الصعب تحديد زمن مراحلها بدقة، حتى وصلت إلى طورها المعروف لتدل على هذه الأرض. ولهذا فموضوعه هو هذا الموضوع الشائك والغامض، لأنه على علم باطلاعه المتواضع -كما يقول- على لغات المنطقة القديمة واللهجات اليمنية، فإنه في تخريجاته اللغوية على اللهجة التهامية، الثرية، التي تتشابه بشكل كبير، يصل إلى حد التطابق في كثير من الأحيان، مع الكثير من الألفاظ والمفردات التي تعزى إلى اللغات الجزرية أو (السامية، والحامية)، كما يطلق عليها، ومن ثم فقد تناول موضوعه الشيق من خلال التسمية في المصادر الإخبارية، ومن خلال مسمى الدولة في المصادر الأخرى في عصور ما قبل الميلاد، بما فيها النقوش اليمنية، والنقوش الآشورية، والكتب السماوية، والمصادر الكلاسيكية. وقد أولى تلك المواضيع بحثًا وتنقيبًا تشهد له بعلميَّته وموضوعيته.
ثم تحدث عن نشوء المسمى، وارتباطه بثقافة المكان، فأوسعه بحثاً، وقسمه إلى مراحل؛ المرحلة الأولى: ظهوره بصيغة “يمنت، ويمنة”، والمرحلة الثانية: ظهوره في ثقافة المجتمع في المراحل التاريخية المتأخرة وقبيل الإسلام، والمرحلة الثالثة: التسمية وتطوراتها التاريخية والثقافية.
مما سبق تقديمه، أشهد أن تلك الأبحاث قد بلغت مستواها المطلوب من التحري والعناية. وليس معنى ذلك أن كل ما قالوه لا يُختلف عليه، لكن ذلك موضوع آخر، ولكن مما لا شك فيه عندي، أنها كانت مستوفاة شروط البحث والتدقيق.