عباس محمد زيد

تطور القضاء الدستوري في النظم العربية

كتب الدكتور «عباس محمد زيد» عن «تطور القضاء الدستوري في النظم العربية بعد رياح التغيير»، وما مر به من تغييرات صنعاتها الأحداث؛ تارة لتطوير القضاء، وتارة لتطويعه لتطلعات الحكام، مشيرا إلى أنه مع كل انقلاب يوضع دستور جديد؛ إما لدسترة صراعات القوى السياسية، وإما واجهة دعائية لا يطبق منه شيء.

وفي هذه الظروف السيئة التي تضطرب فيها دول العالم الإسلامي سياسياً، يحاول العلامة القانوني «عباس محمد زيد» تنوير الناس بتفهيم مفردات الدستور ليستقبلوه بتفهم وفهم، ومن ثم يتعاملون معها سلوكاً ثقافياً، فليس المطلوب طرح دستور بأمر الحكام ومصاغ وفق مقاساتهم، فما أكثر تلك الدساتير، ولديه منها الشيء الوافر، ولكنه بحاجة إلى فهم مفردات الدستور. وأستطيع أن أجزم أن فقه الدستور ما يزال غائباً عن الوعي، وهذا الغياب هو سبب تلقي الناس بقبول عشرات الدساتير التي تتبدل باستمرار مع كل انقلاب، ويأتي كل منقلب فيصيغ لنفسه دستوراً خاصاً به. وفي أحسن الحالات تتم صياغة دستور ليوائم بين التوازنات السياسية، أي دسترة القوى المتصارعة. ومع هذا كله، فلم يطبق دستور واحد، وبقيت رغبة الملك أو الرئيس هي الآمرة الناهية. والسبب -في رأيي- أن الدساتير العربية لم تتحقق؛ لأنها لم تأتِ من مطالب أمة، وإنما جاءت وتجيء من قبل رأس الدولة إعلاناً منه بأنه يحكم بدستور، وليس وراء الإعلان إلا السراب.

إن الدستور ضرورة لا بد منها للخروج من كل الظلمات المطبقة، وهو حبل النجاة الوحيد من طوفان الظلم المتسلط، ولكي “يحكم” الدستور فعلاً، فالخطوة الأولى هي أن يفهم الناس “فقهه” فهماً يوجب الحفاظ عليه بصياغة خبراء من ذوي الخبرة المخلصة لمصالح الأمة أولاً وآخراً.

خرجت من قراء مقال الدكتور «عباس زيد» الممتع والمفيد، «تطور القضاء الدستوري في النظم العربية بعد رياح التغيير»، بتلك الانطباعات التي ذكرتها، بعد أن أطللت معه على دساتير العالم العربي هنا وهناك، وتذكرت كم هي الدساتير التي صيغت بكل دولة، ولم تطبق، وليس من الغريب في مجتمع كالمجتمع العربي أن يصبح عدم تطبيق الدستور هو الحجة البالغة لأي انقلاب عليه، وتظل هذه الحجة تتكرر مع كل انقلاب.

هذه المكاشفة مني ومن غيري -بطبيعة الحال- ليست دليلاً متشائماً، ولكنها دعوة للتفاؤل على ضوء كشف الحقائق المغيبة، وتشبه دور حكيم يكشف خطورة مرض ليعالجه، وأنا أعتقد أن تفتح وعي الأمة السياسي بالدستور، سيعيدها إلى استلام دورها القيادي من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وليس بأمر من حاكم متغلب، وأعتقد أيضاً أننا يجب أن نزداد علماً بالدستور، حتى يتبين الفارق بين وضعه للاستغلال، وبين وضعه للبناء، ونمضي صعوداً ولا نهبط نزولاً.

تحدث الدكتور عباس زيد في مقاله عن:

  1. تطور القضاء الدستوري في النظم العربية.
  2. طرق تعيين أعضاء المحاكم الدستورية، ومدى تحقيقها للاستقلال.
  3. الاختصاصات المسندة للقضاء الدستوري وصلاحيتها، ومدى توسعها أو تحديد صلاحياتها.
  4. طرق الاتصال بالقضاء الدستوري، ومدى تأثير ذلك في الرقابة.

وما بحثه الدكتور هو فرع خصص للقضاء الدستوري فقط باستثناء الباب الأول، وللدستور منادح أخرى تتطلب منه ومن أمثاله أن يثروا الموضوع بأبحاثهم حتى يصبح الدستور سلوكاً ثقافياً. وللمطالع أن يستعد لقراءته لأن لكل باب فصولاً متنوعة تفتح شهية القارئ إلى المزيد ولطوافه معه، وأنا في الواقع لم أقرأ ما كتبه الدكتور عباس فقط، وإنما قرأت دروساً بالثقافة الدستورية. ومقال مثل هذا يعتبر إنعاشاً للثقافة الدستورية الغافية، وإثراء للوعي النائم، فلتقرأ الأمة دستورها لتعلم به، وما خلق الإنسان إلا ليعلم، والتجارب السابقة علمتنا أن دساتيرنا كتبت في بياض جميل وطبعة فارهة، ولكني أشك أن الآمر به قرأه، كما لم أعلم أن الجامعات ناقشته، والمراكز درسته، والمجلات حللته، والصحف تابعته، وأعتقد أن هذا من أسباب فشل الدساتير، وعدم اهتمام الأمة بها. وإذن، فلتقرأ لتفهم وتتمسك بما فهمت، وتناضل من أجله إذا أراد حاكم أن يعبث به، أو يحتال عليه.

ومن هنا، فإنني أقدر للدكتور عباس توجهه لإثراء الثقافة الدستورية في ما كتبه وسيكتبه، وأعتبر أن ما كتبه هو دروس عبر مقالاته، تغذي الثقافة الدستورية، فما أشد حاجتنا إلى مثل هذه الدروس.