بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. اللهم لك الحمد كثيرًا على ما قضيت وأمضيت، والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «إن العين لتدمع والقلب ليحزن». وإنا على فراقك يا قاسم بن علي لمحزونون، ولن نقول إلا ما يرضي الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انتقل إلى رحمة الله آخر إخوتي السبعة، شقيقي ورفيق دربي؛ بل ووالدي وإن كنت أكبر منه سنًا، إلا أنه كان من الحكمة ما أهله ليكون والد أسرة كبيرة، ترجع إليه إذا حز بها أمر، أو ألمّ بها خطب، فيوجه إلى سواء السبيل.
وكان رضي الله عنه وأرضاه -أولًا وآخرًا- مفكرًا إسلاميًا كبيرًا، بذل حياته في خدمة الإسلام النقي، مجادلًا، وموضحًا، ومنبهًا، ومرشدًا. أفنى أيام عمره في هذا السبيل، فجزاه الله خيرًا لما قام به، وما بذل من جهده لا يقوم به إلا ذو بسطة في الفكر المستنير.
وكان أيضًا شاعرًا كبيرًا يُعد -كما يقول عنه النقاد الكبار- من شعراء الطبقة العليا من أمثال الشريف الرضي وأبي تمام والبحتري وغيرهم من أولئك الفطاحل. وكان كذلك ناثرًا مترسلًا واضح الحجة مستنير الفكرة، ثابت الهدف.
لن أطيل أيها الإخوة في الحديث عنه فالله تعالى يعلم ما قام به سرًا وجهرًا، وها هو الآن في رحاب ربه آمنًا مطمئنًا كما وعده ربه: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
وإذا كان لا بد من كلمة تختصر صفاته في هذه العجالة الباكية، فإن بيت شعر قاله شاعر مجيد يجمل تلك الصفات الحميدة والمضيئة بنور ربها بقوله:
اليوم يطوي العلى من أفقه علما ويفقد الشرق من أقلامه قلما
أما أنا أيها الحاضرون الكرام من بعده فمثل اليتيم الذي فقد أبويه في ساعة عسرة رهيبة، بعد حياة استمرت 90 عامًا هجريًا قضيناها معًا يدًا بيد وجنبًا إلى جنب في العسر واليسر، في السجن والمنافي، في حالتي الفقر والغنى، فإذا بي أجد نفسي وحيدًا أعاني ألم فراقه، وأكابد الأيام حتى ألقاه في مستقر رحمته.
وكأن حالي من بعده كما صوره شاعر الإسلام أحمد شوقي رحمه الله:
مال أحبابه خليلاً خليلا | وتولى اللدات إلا قليلًا | |
نصلوا الأمس من غبار الليالي | ومضى وحده يحث الرحيلا |
وها أنا أمضي وحدي أحث الرحيل، بدون أخ يساعدني على المضي في درب الحياة الوعر.
إنني أعيش بالفعل في غربة نفسية وفكرية واجتماعية وسياسية أقاسيها من بعده، وأعاني من ثقلها ما لا يتحمله جسمي المرهق، ولكني أسأله تعالى ضارعًا خاشعًا تبعًا لأمره تعالى بأن «أدعوني أستجب لكم» أن يتقبل شقيقي قبولًا حسنًا مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، وأن يسبغ على عائلته الصابرة المحتسبة الصبر والسلوان، وأن يعينني على تحمل المصاب الذي أثقل ظهري. وبالله أستعين وعليه أتوكل وحسبي من هذه الدنيا رضاه.
يا أخي الساكن في رحاب الله كنت كما كنا نتمنى معًا أن نموت في يوم واحد فلا أعرف رحيلك إلى ربك ولا تعرف رحيلي، وإن كان ولا بد فكنت أرجو من الله أن أسبقك وكأن حالك وحالي كما قال شوقي:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي | يا منصف الموتى من الأحياء | |
لكن سبقت وكل طول سلامة | قدر وكل منية بقضاء | |
الحق نادى فاستجبت ولم تزل | بالحق تحفل عند كل نداء |
أيها الحاضرون الكرام باسم عائلة شقيقي الراحل وباسم جميع عائلة آل الوزير وأقربائهم وأصدقائهم أتقدم بالشكر إلى جميع الذين شاركونا أحزاننا، راجيًا منهم الدعاء الخاشع لفقيدنا الأعز الأغلى. والله يتقبل دعاءكم ويحسن إليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته… الفاتحة إلى روحه الطاهرة.
قبل الصلاة علي جثمان والده رحمه الله وقف البراد ابن القاسم متحدثا إلى لحاضرين، قائلا:
أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأبدأ بالشكر الجزيل لكل من شاركنا أحزاننا وقام بأداء صلاة الجنازة على والدي العزيز، جزاكم الله خيرًا على دعائكم ومواساتكم، فقد خففتم من وطأة مصابنا.
كان والدي، رحمه الله، قامة شامخة بين الرجال، لا تخطئها العين. تجلى ذلك في حضوركم الكريم اليوم، وفي الوجوه المحتشدة بين جدران هذا المسجد العامر، ما يدل على عمق الأثر الذي تركه في قلوبكم. لقد تجلى ذلك أيضًا في فيض من الاتصالات والرسائل التي تنضح بذكرياتكم العطرة معه.
يشهد الجميع كيف كان يجعل كل من يعرفه يشعر بأن له مكانة خاصة في قلبه، وهذا ليس بالأمر الهين. لقد كان يحبنا جميعًا وكان محبًا لما يفعله بصدق وشغف.
لنتذكر كيف حكى الشيخ أحمد (الامام الذي أم صلاة الجنازة على الفقيد الراحل) عن تحوله من ابن محافظ تعز، الذي كان يعيش في رفاهية، إلى أيام العسر والضيق داخل جدران السجن. هناك، في قلب الشدة، وجد والدي رفاقًا وعلمًا، وأصبح شاعرًا ومفكرًا إسلاميًا له بصمته التي لا تمحى.
عايش السلام والحرب، وتذوق حلاوة العيش ومرارة الفقد، وهذه التجارب العميقة هي التي نحتت منه ذلك الشخص الاستثنائي الذي نعرفه جميعًا.
رحل والدي كما عاش، بشروطه الخاصة. لم يرغب في أن يطيل البقاء أكثر من اللازم، فقد كان راضيًا بقضاء الله وقدره، حتى لحظاته الأخيرة. لم نرغب نحن، أبناءه، في فراقه، لكننا نعلم أنه الان في مكان أفضل.
أخيرًا أكرر شكري لكم جميعًا على وقوفكم إلى جانبنا في هذا اليوم العصيب.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره ننعى فقيدنا المنتقل الى رحمة الله تعالى: المفكر الإسلامي الأديب الشاعر الأستاذ قاسم بن علي الوزير، تغشاه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته ورفع درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وعصم الله قلوبنا جميعاً، وجمعنا بهم في مستقر رحمته ورضوانه في زمرة سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
بمشيئه الله سوف تكون الصلاه على المرحوم قاسم الوزير غداً الأربعاء بعد صلاة الظهر، الساعة الواحدة والنصف في المسجد:
McLean IslamicCenter (MIC)
8800Jarret Valley Drive
Vienna VA 22182
United States
والدفن في:
National Memorial Cemetery
Magnolia Islamic Section
7482 Lee Hwy Falls Church VA 22042
وذلك الساعة الثالثة بعد صلاة الجنازة
مؤمنين بقضاء الله وقدره، وبقلوب مكلومة وحزن بالغ وعميق ينعى المجلس الأعلى والأمانة العامة لاتحاد القوى الشعبية اليمنية للشعب اليمني وللأمة العربية والإسلامية، وفاة رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية المفكر السياسي والأديب الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير، مساء أمس الاثنين عن عمر ناهز الـ87 عامًا، بعد مرض عضال ألزمه الرقود بأحد مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية، بولاية فرجينيا بعد معاناة شديدة في أواخر أيامه كان فيها مثالاً للصبر والاحتساب.
ويمثل رحيل الأستاذ القاسم أحد أبرز مؤسسي حزب اتحاد القوى الشعبية خسارة فادحة للشعب اليمني وللأمة العربية والإسلامية بما قدمه خلال مسيرة حياته الجهادية. خاصة أن فقيد الوطن المفكر السياسي والأديب الكبير القاسم بن علي الوزير ينتمي إلى أسرة عريقة من العلماء والشعراء والشهداء، وهب حياته مع شقيقه الأكبر المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير، وكذا المفكر السياسي الأستاذ زيد بن علي الوزير في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة والنهوض بالوطن، سواء في العهد الملكي أو الجمهوري، وذلك منذ نعومة أظفاره.
كما بدأ الفقيد القاسم بن علي الوزير في كتابة قصائده منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي في السجن، وهو فتى في الرابعة عشرة من العمر، بعد أن اقتيد كل أفراد عائلته من الذكور شيوخًا وكهولًا وأطفالًا إلى السجن في أعقاب فشل الثورة الدستورية 1948م.
وفي السجن تبلورت موهبة الفتى الذي صار شابًا يقرأ كل ما يتسلل إلى السجن من كتب قديمة أو حديثة، واستطاع أن يتفوق على من سبقوه من أبناء عصره، فأصبح الأستاذ القاسم بن علي الوزير، واحدًا من أبرز المبدعين ليس على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى العربي والدولي، الذين تحدّوا واقعهم الخاص والعام، وأثبتوا وجودهم بجدارة في عالم الشعر العربي المعاصر. ولا ريب أن المجموعات الشعرية الثلاث التي يضمها الديوان، الصادر في نهاية العام 2011م، «الشوق يا صنعاء» و«أزهار الأحزان» و«لم تشرق الشمس بعد»، تشكل إنجازًا شعريًا قلما يصل إليه أي شاعر، وقد احتفى بها العديد من الشعراء والأدباء والمفكرين داخل اليمن وخارجه.
وُلد الأستاذ والمفكر والأديب الكبير القاسم بن علي الوزير في دار النصر بلواء تعز في 3 فبراير 1937م، وتلقى تعليمه على يد والده في تعز، ثم في المدرسة العلمية بصنعاء، كما درس خارج اليمن في مصر وغيرها، وله العديد من الملفات والإصدارات الهامة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
وغيرها من المؤلفات.
أسس مع شقيقه الأكبر الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير حزب اتحاد القوى الشعبية عام 1961، وأيد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، وعمل من خلال الاتحاد على مساندة الجمهورية وتصحيح الانحراف الذي طرأ على مسارها، وعاش في الشتات مناهضًا للنظم المستبدة، وداعيًا إلى الشورى والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
قام بإعداد مسودة دستور الجمهورية العربية اليمنية، كما عمل مستشارًا للرئاسة اليمنية، بدرجة نائب رئيس وزراء، وله بصمات كبيرة في صياغة الميثاق الوطني، ورفض منصب وزير الخارجية في عهد النظام السابق، وغادر الوطن نتيجة مضايقات النظام السابق بسبب نشاط أخيه الأكبر إبراهيم رحمهما الله، في معارضة النظام السابق بحزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية، فكانت المناصب تلاحقه وهو يبتعد زاهدًا عنها، رجل محب للخير والسلام والحرية.
شارك الأستاذ القاسم بن علي الوزير في العديد من المنتديات والفعاليات العربية والدولية، عبر إلقائه للعديد من المحاضرات وأوراق العمل في العديد من المجالات السياسية والفكرية والثقافية والأدبية، كما كتب العديد من المقالات الهادفة في مختلف الصحف والمواقع العربية والعالمية، كما كان يركز في العديد من محاضراته ومداخلاته ومقالاته وكتاباته على القضية الفلسطينية، والتي كانت من أبرز القضايا المركزية لاتحاد القوى الشعبية.
لذلك نجد في كل محاضرات ومقالات فقيد الأمة الأستاذ الكبير القاسم بن علي الوزير فهمًا دقيقًا للمفاهيم، وعميق الأفكار، ويجد الناس في كتاباته ومقالاته منارة تهدي للخروج من غياهب مفاهيم منحرفة تعتقت، ومفاهيم أخرى غامضة أضرت.
تولى فقيدنا المغفور له القاسم بن علي الوزير رئاسة المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية بعد وفاة شقيقه الأكبر الأستاذ والمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير، في نهاية 2014م، في فترة صعبة للغاية، خاصة مع الأحداث السياسية التي شهدها اليمن خلال السنوات الماضية. كما رسم سياسة اتحاد القوى الشعبية خلال هذه الفترة الصعبة التي يعيشها الوطن.
وإذ ينعى اتحاد القوى الشعبية لكافة كوادره وأنصاره وأبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية رحيل هذه الشخصية الإنسانية والوطنية الشامخة والاستثنائية يؤكد أن رحيله يمثل خسارة فادحة للوطن وللأمة، خاصة في ظل هذه الظروف العصيبة التي تحدق باليمن وبالمنطقة العربية.
رحم الله فقيد الأمة. إنا لله وإنا إليه راجعون.
اليمن – صنعاء – اتحاد القوى الشعبية اليمنية
الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445هـ. الموافق 21 مايو2024م
لقد أخذني رحيلك إلى مناطق سوداء في قلبي لم أتجرأ أن أفتحها، أريد أن أكذّب ما سمعت.
لقد خلط رحيلك الحقيقة بالجنون، لماذا بهذه السرعة، لماذا يا والدي وأستاذي وصديقي الذي لم أعرفه إلا منذ بضع سنوات.. ثمانون عامًا ونيف من عمرك لم أحظ منها سوى بساعات قليلة.
أتظن أن حزني مبالغ فيه، ربما أظن ذلك أيضًا لكن ما في اليد حيلة، أحيانًا نحزن ونفرح ونحب ونكره لا ندري لماذا، المشاعر شيء غبي إذا انفجرت ضاع سلطان العقل وغابت الحكمة، فهل الاختباء يساعد في حزمها، لقد رحل أشخاص عاشرتهم لم أحزن هكذا على فراقهم، لماذا كل هذا الحزن عليك، ربما لأن مئات الحوارات حدثت معك في مخيلتي عندما أقرأ لك كتابًا أو قصيدة.
يا والدي قاسم سامحني، أرجوك سامحني، فأنت الأب العطوف الذي ابتلاه الله بالولد الشقي، وأنت الكريم الذي استنزفته، وأنت وأنت وأنت وأنا وأنا وأنا. لقد تغير شيء كبير برحيلك، أصبحت كالعاري يبحث عن ورقة التوت لتستره إلا أنك أنت كنت تلك الورقة، فقد علمت الكثير من مصائبي، وبعد ستر الله سترتها.
أبي الغالي لقد رحلت وتركت لنا إرثًا كبيرًا، وهذا إذ هو شيء نفخر به، إلا أنه يترك على كاهلنا حملًا ثقيلًا، أمانة عظيمة يجب أن نحافظ عليها ونصونها.
أبي الغالي صحيح أن مرضك كان طويلًا ورحيلك متوقعًا إلا أن صدمة رحيلك توازي صدمة رحيل شهيد، ربما لم تقتل برصاصة ولكنك قتلت بألف طلقة من المعاناة والكذب وقابلت كل ذلك بالصبر والاحتساب.
أبي الغالي كم قابلت الإساءة بالإحسان، والفقر بعزة النفس، والغنى بالجود، والمصائب بالصبر والتجلد، لقد قابلت النجاحات بالتواضع، والفشل بالحمد لله والتوكل.
والدي قاسم.. بالنسبة للأسرة .. كنت أب الجميع، واستطعت أن تحتوي كل أفراد الأسرة، وقد كنت ذا حكمة تستمع إلى الكلام ولا ترد إلا بعد يوم أو ربما أكثر، تدرس المواضيع بعناية فائقة، لا تتحدث إلا بنصح إلى القلب، خبرت البشر وأحوالهم، فصرت صاحب فراسة لا تخون، عشت الغنى والفقر والغربة فكنت من أكثرهم تواضعًا وألطفهم لسانًا.
بالنسبة للمجتمع .. كنت صاحب يد بيضاء امتدت للكثير من الأشخاص الذين لم تعرفهم، فضلًا عن الذين عرفتهم، كنت تبحث عن المحتاج لا تسأل عن أفكاره وانتمائه، كنت أبًا للكثير من الأيتام في اليمن وخارجها، وقد أتيت ربك وقد انطبق عليك قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
بالنسبة للأدب.. فأنت الشاعر المرتحل المغترب، مرهف الحس، وقد وصفت بأن شعرك مرآة صافية لذاتك، كان شعرك تجسيدًا لصفات العطاء والصفاء والوفاء والصبر على الغربة، شاركت الأمة مآسيها وهمومها من القضية الأولى القدس حتى أفغانستان، فتسم شعرك بالحث على الجهاد وترك العويل والبكاء، كما كنت تقارع الحكام بشعرك قائلًا في إحدى قصائدك:
تجبروا كي نرى فيهم جبابرة |
| أمثال هارون .. أو أمثال معتصم |
ليسوا جبابرة لكن زبانية |
| فللجبابر بعض الزهو.. والشمم |
سل اليهود.. وسلهم هل ترى رجلًا |
| لولاهم لم تكن صهيون أو تَدُم |
فأصبح شعرك حديث كبار الأدباء والنقاد العرب مثل د. راشد المبارك، ود. أحمد الساعي، ومطهر شهاب والمقالح.
بالنسبة للسياسة.. فقد انغرست فيك منذ فشل ثورة 84 فكنت رحمة الله عليك ثوريًا بالفطرة خلال الملكية والجمهورية، فقد أسست مع أخيك الوالد إبراهيم بن علي الوزير حزب اتحاد القوى الشعبية سنة 1961م قبل قيام الثورة، وقد شاركت في صياغة دستور الجمهورية وتم تعيينك مستشارًا سياسيًا للرئيس السلال ولكن سرعان ما انتقلت إلى المعارضة بعد أن أدركت الصراعات والمطامع غير الوطنية، حاول الرئيس علي صالح استقطابك وعرض عليك منصب وزير الخارجية، لكنك رفضت المغريات وفضلت غربة المعارضة على التورط بأن تكون إحدى أيادي النظام. فرحمة الله تغشاك وأنت القائل:
أخفي الجراح بنفسي وهي قاتلةٌ |
| وأمنح الناس مني الوجه جذلانا |
فليشرب الناس من كأسي مشعشعة |
| وأحتسي دون خلق الله نيرانا |
يا من يرى الوردة الحمراء باسمةً |
| دمي جرى في عروق الورد ألوانا |
أبي الغالي عهدًا نسير على خطاك ونتبع سنتك ونقول قولك حتى إذا دخلت جحر ضب دخلنا، ليس ذلك تعصبًا أعمى منا، ولكن لأننا من كتاباتك عرفناك، وبأفكارك ائتممنا، حتى إذا غضبت غضبنا وإذا أحببت أحببنا.
بكل صبر واحتساب نتقبل رحيلك، ونسأل الله أن يحشرك في زمرة الأولياء والشهداء، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رحيلك كان مؤلمًا لكنك ستبقى حيًا في ذاكرة من عرفك أو قرأ لك فرحمة الله تغشاك.
قبل 86 عامًا، ولد في الدنيا فجر جديد، وحضر إليها من العلا سنا فريد، واستوى في سماها بدر مزق سدول الدّجى، وملأها نورًا وضياءً، وشعرًا وفكرًا وعلمًا ومعارف لا تُحصى، هي من أجود ما أنتج الورى، وأفعال وأعمال وأقوال بخصائص الأنبياء، سوف أكتب عنه كما أرى، وكما عقلي رأى، ومقاربة مع أعلام الورى.
من منتجات ذلك السنا مثلاً وليس حصرًا «حرث في حقول المعرفة – مجموعات شعرية – ديوان ثلاثية الشوق والحزن والإشراق – محاضرات وندوات وكتابات».
تعْلو المقامات، وتبلغ أعلى السماوات، حين تعظم الإنجازات، وتتعدد المواهب، وتتميز القدرات، وتسمو الملكات.
تعْلو المقامات، حين تنطوي الأوطان في ذات، فتعلو أقدار الذات، لتحمل مشروع وطن يحقق أعلى مستويات النعيم لشعب تلك الذات.
تعْلو المقامات حين تنطوي في الذات، عوالم وأعلام وشخصيات، ومن المفكرين هامات، ومن المصلحين أعظم القامات، ومن الأدباء والشعراء والفلاسفة، معالم وعلامات، (بدوي الجبل، والشريف الرضي، ومالك بن نبي، والعظيم الأفغاني، وإمام النور والتنوير محمد عبده، والإمام أبو زهرة، وطه حسين والعقاد والرافعي، وأحمد حسن الزيات،…و…) بعض منها، ومن جمالياتها في اصطفاف وانتظام في تلك الذات.
تعلو المقامات، وتصْقَلُ المواهب، وتنضج القدرات، حين يشمل الاطلاعُ على تاريخ الفكر الإسلامي، وقضايا التراث العربي المعاصر، وعلى تاريخ الفكر الغربي وتطوراته منذ البداية حتى دنا موعد الرحيل، ولعمالقة الفكر والأدب قديمًا وحديثًا حضور في وعيه، وأسعدني جدًا أن للفكر المعتزلي والفلسفي والأدبي والتاريخي موطنًا محوريًا ومميزًا في منظومته الفكرية والعقلية، وهذا برهان على سلامة وقوة وروعة وجمال وصحة البنيان.
تعْلو المقامات، حين تصبح الذات، موطن حكمة، ومنبع فطنة، ومنابع حلم وذكاء، تملك بصيرة عالية الصفاء، ورواء لحاضر ومستقبل وطن عالي الرقي والارتقاء.
تعْلو المقامات، حين تعلو القدرات، على رسم السياسات، ووضع الاستراتيجيات، بناءً على أدق الدراسات، وعلى إنتاج الحلول لأعقد المشكلات، واختيار السبل لتجاوز أعتى الصعوبات، وقهر أعظم التحديات، وتحديد المسارات والآليات، لتحقيق الأهداف وبلوغ أعلى الغايات، وبنجاحات عالية المستويات، وقراءة الأحداث بناءً على سلامة ودقة التحليلات.
تعْلو المقامات حين تتألق مهارات السياسي، وتتجلى خبرات الخبير العليم، لتجلب عظيم المنافع للوطن الكليم، وتسهم في انتشاله من واقعه الأليم، وتُنجيه من نار الجحيم، كم هو في حاجة إليك أيها الراحل الكريم.
تعْلو المقامات حين تحسُنُ التصرفات، بشأن كل القضايا وأثناء تنفيذ أهم المهمات، والتعامل بمهارة مع كل التغيرات والتقلبات.
تعْلو المقامات حين تكون الذات، قادرة على إحداث أعظم التحولات والنقلات، في حياة الأوطان والشعوب وفي كل المجالات، لو كانت في موقع صنع القرارات.
تعْلو المقامات، بمستوى علو الرواسي الشامخات، حين يحضر صواب ورشد القرارات، ليتك أيها الراحل العليم مصدرًا لكل القرارات، بشأن وطن الإيمان والحضارات.
***
أيها الراحل الكريم، لماذا الإسراع في الرحيل؟! والوطن لايزال جريحًا كليمًا، وفي وضع أليم، الفرقاء يصلونه نار الجحيم، لذلك هو في حاجة إليك أيها الحليم الخبير العليم.
أيها المسافر إلى جنات النعيم، لماذا الإبكار في السفر والوطن في حاجة إليك لأنك القادر على جعله شبيهًا بجنات النعيم؟!
أيها الوطن المفقود، الذاهب إلى جنة الخلود، لماذا الرحيل، والوطن لايزال في نارٍ ذات وقود، الفرقاء يذكونها قيامًا وقعودًا، لذلك الوطن في حاجة إليك لتطفئها والعوالم شهود؟!
أيها الطائر الجميل، والظل الظليل، والنسيم العليل، والضياء الجميل، والبدر المنير، لماذا الرحيل، وأنت للعقول هدى، وفي القلوب ملك على العرش استوى، وللنفوس سعادة وهناء، وللمهج بهجة وضنى، وللروح سنا، وفي الوجدان أمير الأمراء؟
أيها المفكر المنير، والشاعر المبدع الفريد، والأديب الكبير، والفيلسوف البصير، لماذا الرحيل، وعقولنا وقلوبنا وأنفسنا ووجداننا، وأرواحنا، لاتزال تحتاج منك الكثير والكثير والمنير والمثير، وأنت على كل ذلك قدير؟
أيها الطود الأعظم، والجبل الأشم، والنور المبدد للظّلمْ، والحصن المنيع إذا الشر لم، من يعصمنا إذا الطوفان هَم؟ ومن ينقذنا في المصائب والعواصف والنقم، ومن ينير السبيل إذا الليل ادلهم، ويحمينا إذا الويل عَم؟!
أيها العلم الخفاق، والنور المضيء لكل الآفاق، والهادي إلى الحق المؤدي للاستحقاق، لماذا الرحيل، ونحن لانزال نأمل أن نحتمي في حماك، ونستضيء بضياك، ونهتدي برؤاك؟!
أيها الحلم الكبير، والأمل للصغير والكبير، وأمنية الغني والفقير، فقدناك، وخسرك الوطن يا ملاك، والإنسانية بدونك عرضة للهلاك.
أيها القاسم للخير، المانع للشر المستطير، الدافع للكرب الكبير، الصانع للخير الوفير، المعطي ما استطاع للمسكين والفقير.
أيها النجم المنير، في ظلمة الدرب العسير، لماذا الرحيل، والدرب لايزال عسيرًا، ونحتاج لك حتى نستطيع مواصلة المسير؟!
أيها القاسم المشترك لكل الفئات، القادر على جمع الشتات، حول مشروع ينقذ الوطن من هذا الشتات، وقد يصل تأثيرك إلى توحيد أبناء النيل والفرات.
أيها القائد لقوى الشعب العظيم، القادر على توحيدها لنصرة الوطن، والدفع به خارج المحن والفتن، والعمل على تنميته في النهار وإذا الليل جن.
أيها الفارس الإنسان، السائر على منهج الفرقان، العارف المتدبر لكل أحكام القرآن، لماذا الرحيل، وأبو جهل وأبو سفيان لايزالا يقودان طوفانًا من البغي والطغيان؟!
***
أيها الهادي الداعي إلى حقوق الإنسان:الحريات بكل أنواعها – المواطنة المتساوية بكل أبعادها. في ظل ضوابط العدل الإلهي، والحق الإنساني دون أي اعتبار للولاء أو الانتماء إذا لم تتوفر الكفاءة والتأهيل العلمي والأحقية، تفاجأت أنك كنت الرائد المؤصل لهذه المنظومة، الكاتب لنصوصها في الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي الذي يعد المنهج الحزبي الأرقى والأكمل والأرشد محليًا وعربيًا قياسًا بالمحيط، نحن في حاجة الآن أكثر من ذلك الزمان، لرشدك وعدلك وحداثتك وإنسانيتك ليكون لهم حضور في صياغة مواثيقنا ودساتيرنا لإنتاج يمن العدالة والحريات والمساواة والمعاصرة والحداثة الإنسانية.
يا قاسم بن علي، فيك قبس من عدل الإمام علي، ولكن بنفس معاصر، وكنت تسير على نهج «النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ» هي حكمة لاتزال ترن في أسماع الدنيا وتتناقلها الأجيال.
***
علمت أنهم يحتاجون للجنةِ أميرًا، وللفردوس قائدًا قديرٍا، وأن قاصرات الطرف في شوق مرير، والأنبياء يحتاجون إلى خير رفيق بصير، لهذا استعجلت الرحيل، لكن نحن أكثر حاجة منكم، والوطن والدنيا في أمس الحاجة لمثلكم، وفيها أبناؤكم ونساؤكم، ويلزمنا قاسم أكثر منكم. ألا تعلمون أن حكامنا أفراد صغار، لا يملكون صواب القرار، لهذا قادونا ولازالوا إلى الهاوية يدفعون بنا في الليل والنهار؟! الخطاب هنا لمن رحل إليهم القاسم المنير.
أليس لديكم ما يكفي في إبراهيم والعباس ومحمد، أم أن الشأن عظيم، وحجمه كبير ويلزمه إضافة القاسم القدير، المهم يا سادتي أعلام جنة المأوى، أعلمكم من الآن، اتركوا زيدًا لنا، الفراغ كبير ولا يسد بعضًا منه إلا ذلك الزيد الذي يعد النسخة المعاصرة من الإمام زيد بن علي.
حقيقة استثنائية، هذه الكوكبة الوزيرية (أبناء علي الوزير)، نورها غطى البرية، وضياؤها غطى بيئتنا البحرية والمحيطية، لم يترك شبرًا إلا وله أثر على الكرة الأرضية.
مبدأهم دستور، وأول من ثار من أجل دولة حديثة تقوم بمهامها وتؤدي خدماتها، وتقوم بتنمية وطنها، وترعى مواطنيها وفقًا لأحكام وضوابط الدستور، وغياب كامل للحاكم الفرد الدكتاتور، استراتيجياتها وتشريعاتها تنتجها وتصنعها مؤسسات ذات تخصص وكفاءة حسب معايير الدستور، وهدى الله ورسوله يتبلور في الدستور، وتصبح طاعة الله ورسوله والمؤمنين هي طاعة الدستور، وقد بذلوا الدماء، وتشردوا في المشارق والمغارب، وسجنوا، وصار عيشهم مريرًا وعسيرًا كل ذلك من أجل الدستور.
الدستور غالبًا هو خلاصة الهدى، وآخر ما وصل إليه الإنسان عبر خبراته التراكمية منذ البداية حتى الآن، وخلاصة فكر الفلاسفة وأعلام الفكر وفقهاء الدولة والمصلحين، وشيء يسير من جمهورية أفلاطون، وفي كل الأحوال الحكم وفق دستور هو نعيم حتى لو كان محتواه شيئًا من الجحيم.
أيها القراء هل رأيتم وجود مثل هذا الوجود، قامات طاولت السماء، ولها حضور منير فريد في كل مجالات الحياة: (فنون آداب سياسة، فكر، أدب، شعر، تاريخ، دستور، دولة..)، وفي كل مجال لهم ريادة وسيادة، وليس عبور العابرين، وإنما الفاعلين المنتجين الصانعين للعظائم والمفاخر.
***
وقف القلب الذي طالما نبض بحب الوطن، ورحل العقل الذي فعل الكثير المنير من أجل اليمن والعرب وهو للإنسانية عز الطلب، وفعل من أجلها العجب.
تاريخ مجيد عظيم جميل يرحل عنا صانعه، ولكنه سيظل حاضرًا متجددًا، ومستقبلاً زاهرًا في وعينا وعقولنا، ومنارة عالية تضيء لنا الطريق، وتهدينا سواء السبيل، وتلهمنا الرشد والرشاد وصواب المواقف والقرار، وسيظل على مدى الزمان حاضرًا في وجداننا وقلوبنا لأنه كان رمزًا رائعًا للإنسان وكل قيم الإنسان.
لازال لدي الكثير، ولكني سأكتفي بهذا اليسير، كمساهمة في كتاب سوف يصدر شاملًا لمشاعر الناس، حين فجعنا جميعًا برحيل عَلم الناس: القاسم علي الوزير، له من الله واسع الرحمة، وعظيم المغفرة، وأعلى الدرجات في الجنة.
وُلد الأستاذ والمفكر والأديب الكبير القاسم بن علي الوزير في دار النصر بلواء تعز في 3 فبراير 1937م. تلقى تعليمه على يد والده في تعز، ثم في المدرسة العلمية بصنعاء، كما درس خارج اليمن في مصر وغيرها. له العديد من المؤلفات والإصدارات الهامة، منها على سبيل المثال لا الحصر: “في الديمقراطية”، “حرث في حقول المعرفة”، “ثلاثية الشوق والحزن والإشراق”، “على رصيف بعض المحطات في فكر إبراهيم بن علي الوزير”، “شاعرية الثورة وثورة الشاعر”، وغيرها من المؤلفات.
أسس مع شقيقه الأكبر الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير حزب اتحاد القوى الشعبية عام 1961، وأيد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962. عمل من خلال الاتحاد على مساندة الجمهورية وتصحيح الانحراف الذي طرأ على مسارها، وعاش في الشتات مناهضًا للنظم المستبدة وداعيًا إلى الشورى والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
قام بإعداد مسودة دستور الجمهورية العربية اليمنية، كما عمل مستشارًا للرئاسة اليمنية بدرجة نائب رئيس وزراء، وله بصمات كبيرة في صياغة الميثاق الوطني. رفض منصب وزير الخارجية في عهد النظام السابق، وغادر الوطن نتيجة مضايقات النظام السابق بسبب نشاط أخيه الأكبر إبراهيم رحمهما الله في معارضة النظام السابق بحزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية. كانت المناصب تلاحقه وهو يبتعد عنها زاهدًا، رجل محب للخير والسلام والحرية.
شارك الأستاذ القاسم بن علي الوزير في العديد من المنتديات والفعاليات العربية والدولية، عبر إلقائه للعديد من المحاضرات وأوراق العمل في العديد من المجالات السياسية والفكرية والثقافية والأدبية. كما كتب العديد من المقالات الهادفة في مختلف الصحف والمواقع العربية والعالمية، وكان يركز في العديد من محاضراته ومداخلاته ومقالاته وكتاباته على القضية الفلسطينية، التي كانت من أبرز القضايا المركزية لاتحاد القوى الشعبية.
لذلك نجد في كل محاضرات ومقالات فقيد الأمة الأستاذ الكبير القاسم بن علي الوزير فهمًا دقيقًا للمفاهيم، وعمقًا في الأفكار، ويجد الناس في كتاباته ومقالاته منارة تهديهم للخروج من غياهب المفاهيم المنحرفة المتعقدة، ومفاهيم أخرى غامضة أضرت.
تولى فقيدنا المغفور له القاسم بن علي الوزير رئاسة المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية بعد وفاة شقيقه الأكبر الأستاذ والمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير في نهاية 2014م، في فترة صعبة للغاية خاصة مع الأحداث السياسية التي شهدها اليمن خلال السنوات الماضية. رسم سياسة اتحاد القوى الشعبية خلال هذه الفترة الصعبة التي عاشها الوطن.
بكلمات من نور وألم ودموع، نعى الأستاذ زيد بن علي الوزير شقيق ظهره الراحل الأستاذ القاسم بن علي الوزير رحمة الله عليه. قائلاً في محتواها وفحواها كلمات أعجزتنا عن الكتابة والرثاء ونعي الهامة والقامة الوطنية القاسم بن علي الوزير، رفيق دربه، وذكر بعضًا من غيض من فيض منها والتي أبكتني كثيرًا: “أنا من بعده مثل اليتيم الذي فقد أبويه في ساعة عسرة رهيبة بعد حياة استمرت 90 عامًا هجرية، قضيناها معًا يداً بيد وجنبًا إلى جنب في العسر واليسر، في السجن والمنافي، في حالتي الفقر والغنى، أجد نفسي وحيدًا أعاني ألم فراقه وأكابد الأيام حتى ألقاه في مستقر رحمته.”
القاسم بن علي الوزير. السياسي المحنك، الباحث الحراث «حرث في حقول المعرفة»، المفاوض الجسور، الحالم بوطن يسوده العدل في المال والشورى في الأمر والخير في الأرض والحرية والديمقراطية «في الديمقراطية». أديبًا شاعرًا مرهف الإحساس، عاشقًا يشتاق للقاء محبوبته صنعاء اليمن والتمتع بأحضانها ورباها وظبائها في «الشوق إلى صنعاء». تضج روحه بالكثير من الأحزان والآلام والآمال، ويبدع في تصويرها بأحرفه الماسية عبر «أزهار الأحزان»، وياله من وصف بديع. يحدوه الأمل بغدٍ مشرق سعيد واعد بالآمال والأحلام السعيدة بما تحمله مشاعره المرهفة التواقة لكل جميل عبر طموحه لغد قادم يحمل الأمل والألم «ولم تشرق الشمس بعد». ماذا نقول ونعزي به أنفسنا في هذا الفقد العظيم؟ وما ذكر بين الأقواس أسماء لكتبه ودواوينه الشعرية تخلد بقاءه بداخلنا التي ستفتقد ألحان أحرفه التي يعزف بها سمفونيات تجعل الروح تهيم في عوالم الأدب والشعر والإبداع.
انتقل لرحمة الله يوم الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 هـ الموافق 21 مايو 2024م. رحل بجسده فقط وستظل روحه عبر إرثه الأدبي الكبير تظلل حياتنا لأجيال وأجيال. رحمه الله رحمة واسعة، وعصم بالصبر قلوب أهله ومحبيه.
وختامًا أقول:
أُعزِّي فيكَ نفسي يا صديقي |
| عليكَ تحيتي.. ولكَ السلامُ |
أُعزِّيها فلا تقوَى… فتهوِي |
| لمثلِكَ كم يطيبُ لها القيامُ |
وحيَّاً طبتَ يا سيد المعالي
|
| وميْتاً أيُّها الشهمُ الهُمامُ |
عضو الأمانة العامة ورئيسة دائرة المرأة بحزب اتحاد القوى الشعبية.
ترجّل عن صهوة الفكر والسياسة والإبداع المفكر والسياسي والأديب القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية، عن عمر ناهز الـ 86 عاماً بعد حياة حافلة بالعطاء في خدمة الوطن في المجالين السياسي والعلمي. فقد كان الفقيد أحد الشخصيات الفكرية والسياسية والأدبية التي أثرت الساحة الوطنية بالنضال والعطاء والإبداع، فكان أديباً ومفكراً أثرى المكتبة اليمنية بالعديد من المؤلفات والإصدارات المهمة، وإلقاء المحاضرات والمداخلات وكتابة المقالات عن قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت من أبرز القضايا الشاغلة له.
لقد خلّف الفقيد سجلًا تاريخيًا ناصعًا فقد كان نابغة في ثوريته ونضاله وشعره، وقد استقى منهجه الفكري -كما يرى الكثير من النقاد- من مدرسة المفكر الجزائري والعربي والإسلامي «مالك بن نبي»، وقد وصفه الكثيرون في أكثر من منتدى أدبي بأن أسلوبه في الأدب يطابق أسلوب شعر الشاعر السوري بدوي الجبل، لما له من ارتباط بهموم الأمة واستنهاضها للتحرر من التبعية والارتهان. فتكاملت شخصية الراحل الإنسانية والفكرية والأدبية بمرجعيات المفكر مالك بن نبي والأديب بدوي الجبل، وتكاملت بفكر شقيقه الأكبر إبراهيم في نهجه الفكري ومرجعيته الإسلامية والإنسانية التي تكونت منها مبادئ حزب “الشورويين التعاونيين” ولاحقًا “اتحاد القوى الشعبية”، وهي “الشورى في الأمر، العدل في المال، الخير في الأرض”، أي تجسيد رسالة الاستخلاف للإنسان في الأرض حتى لا يستبد النظام السياسي ولا يطغى.
لقد تجسد هذا المسار النضالي والسياسي والفكري والأدبي للراحل في ثقافته الفكرية والسياسية والأدبية، وجعل التحرر من التبعية والارتهان أهم نضالاته، وأعطى من حياته حيزاً كبيراً للقضية الفلسطينية حوتها كتبه وكتاباته الأدبية وقصائده الشعرية.
عاش الأديب والمفكر قاسم بن علي الوزير -رحمه الله- مهمومًا بقضايا أمته العربية والإسلامية الكبيرة، مشغولًا بما شغل زعماء النهضة ورجال الفكر والتنوير من قبله: “الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، وشكيب أرسلان، ومالك بن نبي، ومحمد علي لقمان”، وهو سؤال النهضة المؤرق عن سر تقدم الغرب وتأخر الشرق، وبالأخص العرب والمسلمين عن ركب الحضارة التي كانوا يومًا ما روادها وصانعي أنوارها.
لقد حمل الأخوان الراحلان القاسم بن علي الوزير والمفكر إبراهيم، على عاتقيهما استنهاض شعبهما اليمني وأمتهما العربية والإسلامية من حالة التيه والعودة إلى المنهج القرآني والعمل وفق قانون السنن الكونية واستخلاف الإنسان في الأرض «الخير في الأرض، العدل في المال، الشورى في الأمر»، وهذه هي مرتكزات الدولة العادلة التي توحد شعبها وتحرره من التيه والارتهان للعالين في الأرض، وبدون هذا المنهج القرآني وقانون السنن ستظل تتجاذبها هيمنة العالين في الأرض من أنظمة استعمارية، وهو ما ورد في كتاب الراحل المفكر إبراهيم بن علي الوزير «على مشارف القرن الخامس عشر الهجري»، نعم لقد كانت رسالتهما الفكرية والسياسية تعتمد على ترسيخ قيم المنهج القرآني كثقافة وسلوك وممارسة في حياة الفرد والمجتمع ولتحرير الإنسان من التبعية والانحراف الفكري والفقهي، الذي مزق الأمة وشكل عائقًا أمام نهضتها.
لقد أدى الأخوان الأمانة وأحسنا إيصال الرسالة لشعبهما وأمتهما من خلال الفكر الذي طرحاه وما قدما من محاضرات وكتابات وشعر، ولا ننسى أيضاً ما قدمه أخوهما عباس -رحمه الله- وأخوهم الدكتور زيد الباحث والمؤرخ العظيم ليتكامل دور هذه الأسرة الثوري والفكري والسياسي والمجتمعي.
لقد خلّف الأديب الراحل القاسم بن علي الوزير مقالات وكتابات وقصائد عدة إلا أنه -للأسف- لم يكن مهتمًا بتجميع ما يكتب، ولولا جهد أخويه الأستاذين الجليلين: إبراهيم وزيد في تجميع كتاباته، لكانت قد ضاعت وطواها النسيان. ففي العام 2011م أصدر ديوان شعر بعنوان «ثلاثية الشوق والحزن والإشراق»، قدم له صديقه الدكتور عبد العزيز المقالح -رحمه الله-.
ومن أهم ما كتبه الشاعر الراحل الدكتور عبد العزيز المقالح في تقديمه لهذا الديوان ما يلي: ينتمي الشاعر المفكر قاسم بن علي الوزير إلى أسرة عريقة من العلماء والشعراء والشهداء، ويضم في ديوانه الصادر أخيراً عن (دار المناهل 2011م) ثلاث مجموعات شعرية هي: «الشوق ياصنعاء» و«أزهار الأحزان» و«لم تشرق الشمس بعد».
وكان القاسم قد بدأ كتابة قصائده في أوائل خمسينيات القرن الماضي في السجن، وهو فتى في الرابعة عشرة من العمر، بعد أن اقتيد كل أفراد عائلته من الذكور شيوخاً وكهولاً وأطفالاً إلى السجن في أعقاب فشل الثورة الدستورية 1948م، وقد قُطِعتْ رؤوس بعض أفراد هذه العائلة وفي مقدمتهم والد الشاعر رئيس مجلس وزراء الثورة علي بن عبد الله الوزير، أما من نجا من أفراد العائلة فلم يسلم من عذاب السجن وترويعاته، حدث ذلك في تراجيديا بالغة المأساوية والقسوة قلّما تحدث إلاَّ نادراً وفي بعض العصور المظلمة، وفي السجن تبلورت موهبة الفتى الذي صار شاباً يقرأ كل ما يتسلل إلى السجن من كتب قديمة أو حديثة، وكانت لجبران خليل جبران، كما لمصطفى صادق الرافعي، مكانة خاصة لدى الكثير من السجناء الذين وجدوا في أدب الأول أبعاد ثورة رومانسية تعكس أشجانهم وحنينهم إلى التغيير ومقاومة تكسير الأجنحة، كما وجدوا في أدب الثاني جنوحاً باذخاً نحو الحلم والخيال.
وأزعم -والكلام للدكتور المقالح- أنني اقتربت بعد تلك السنوات الفاجعة من تجربة سجناء 1948م، والتقيت بعضهم وأفدت من معارفهم العلمية والأدبية، وجمعتني بالشاعر قاسم الوزير صداقة عميقة قادت إلى لقاءات لا حصر لها بعد أن خرج من السجن، وتولى شؤون العائلة في صنعاء نيابة عمن تبقى من أشقائه الذين كانت قد استقبلَتهم المنافي، وفي فترة قصيرة استطاع تكوين مكتبة صغيرة لكنها نوعية وعامرة بالأهم من عيون الأدب القديم والحديث، كانت منهلاً سائغاً لعشاق الأدب وشُداته، ولا يمكن استيعاب تجربة هذا الشاعر المفكر دون أن يلم القارئ بتلك الملامح من حياته العاصفة التي جعلت منه شاعراً، وفتحت أمام مخيلته عوالم الإبداع، ودفعت به إلى الإنصات لصوت الشعر وهو يتموج في كل ما يحيط به من معالم الحياة وصور الناس والأشياء. ومن المهم أن أشير هنا إلى أن معظم ما كان يكتبه من شعر إن لم يكن كله يبقى مطوياً في صدره، أو في الأوراق، في انتظار الزمن الذي يسمح بالنشر، وهي مشكلة عانى منها كثير من مجايليه.
وعن المجموعات الشعرية للديوان، تابع الدكتور المقالح: ولا ريب أن المجموعات الشعرية الثلاث التي يضمها الديوان تشكل إنجازاً شعرياً جديراً بالاحتفاء، وبأن نستقبلها بفرح غامر بعد سنوات الانتظار الطويل الذي كاد يتلاشى بعد أن تحول اهتمام صاحبها إلى الكتابات الفكرية؛ يمنحها وقته، ويسعى إلى توسيع آفاقها لتتلاءم مع الواقع العربي والإنساني الراهن، وفي وقت يبدو فيه الشعر وقد تضاءل دوره حتى وهو يخوض -دون هوادة- معركته مع القضايا السياسية والاجتماعية التي تشابكت وتعقّدت وصارت واقعاً مفزعاً ومثيراً للقلق بعد عقود من الأمل والثورات والمحاولات الدؤوبة في اختراق جدار التخلف السميك لاختصار الطريق والعبور السريع نحو المستقبل بأقل قدر من التضحيات والخسائر، ومع ذلك يبقى للشعر حضوره الفاعل واقتداره المكين على فتح نوافذ الروح نحو آفاق أبعد مما تستطيع البندقية أن تفعله أو تراهن عليه. ولم يكن الأديب والمفكر الراحل القاسم بن علي الوزير بعيدًا عما تعيشه اليمن منذ العام 2015م من عدوان غاشم، تحالفت عليه الدول العظمى
مع صهاينة العرب على الرغم من تقدمه في السن ولكنه وقف ضد هذه الحرب. ففي مقال له بعنوان «إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليسا قضيةً واحدة»، دعا إلى إرساء السلام في اليمن وفق رؤية عادلة لا يختلف عليها اثنان، كان مما قال فيها: إنّ الخطة المثلى والأدعى إلى النجاح والتوفيق هو أن يجتمع لذلك كل الساعين لإقامة العدل، وكل العاملين لتحقيق السلام، أي كل من يرون الرأي ذاته ودون استثناء، أو إقصاء لأيٍّ كان فرداً، أو حزباً، أو هيئة، أو فعالية، فإذا اجتمعوا تدارسوا الأمر بكل جوانبه وخلصوا إلى “مشروع” متفق عليه بينهم تتكوّن على أساسه “كتلة” تنهض بالأمر دون تجاوز لفئة أو تحيّز لجهة.
أما في مجال الفكر، فله كتاب «حرث في حقول المعرفة»، ويضعه هذا الكتاب في مصاف المفكرين العرب المستنيرين الذين يقتبس من أنوارهم، ويُهتدى بأفكارهم وقد قام بتقديمه شقيقه ورفيق دربه في الحياة التي عاشاها معاً بحلوها ومرها الأستاذ زيد الوزير.
وقد أحسن الأستاذ زيد صنعاً حين قام بتجميع محاضرات وكتابات الأستاذ قاسم، وقبله كذلك قام الأستاذ إبراهيم الوزير بتجميع القصائد المتناثرة للأستاذ قاسم في ديوان، ولولا ما قام به الأخوان الأستاذان: إبراهيم وزيد تجاه إرث أخيهما الفكري، لتوارى هذا التراث بالحجاب، ولحالت الظروف دون استجلاء شخصية ذات أثر مهم وفكر مستنير.
بداية، أود الإشارة هنا إلى أنني لست في مستوى يؤهلني للكتابة أو الحديث عن شخص بمستوى هامة الأستاذ الأديب المفكر العربي الإسلامي قاسم بن علي الوزير، إلا أنني سأحاول أن أكتب ما أقدر على كتابته في حدود إمكاناتي المتواضعة؛ لأن الحديث عن هذه الشخصية في مقال أو حتى في بحث لا يعطيه حقه ولا يغطي كل الجوانب المضيئة في حياته وما كان يتمتع به من خصائص فكرية وأدبية وسياسية ومكانة اجتماعية.
فهو سياسي بمصاف ومكانة السياسيين العرب المعروفين والمشهود لهم في هذا المجال. فقد تشرب وشرب من نبع السياسة منذ تفتحت مداركه وبدأ يعي ما حوله، فقد خُلق وترعرع في كنف وظل أسرة تجري السياسة في عروقها منذ جدهم الأول الأمير العفيف محمد بن المفضل أحد قادة الإمام عبد الله بن حمزة، ومن ثم وزيرًا له، في القرن السادس الهجري. وتدفق نهر السياسة منه جيلًا بعد جيل حتى وصل إلى الأمير علي بن عبد الله والد الأستاذ قاسم وكذلك بقية أسرة آل الوزير.
وكانت هذه الأسرة إحدا أعمدة حكم الإمام يحيى حميد الدين بعد خروج الأتراك من اليمن عام 1336هـ/1918م، وقادة في الحروب والمعارك لتثبيت أسس وأركان ذلك الحكم، ومقارعة الخارجين عليه أو الرافضين الولاء له. وهم بعد ذلك أمراء لإدارة شؤون الدولة أينما وُجّهوا أو كُلّفوا وأُمِروا به.
لقد بدأ الأستاذ قاسم الوزير يخطو في دروب السياسة وهو لايزال فتى في العاشرة من عمره، إذ شهد أسوأ أيام مرت بها أسرته وأشدها إيلامًا. إنها أحداث 1367هـ/1948م التي كانت فيها هذه الأسرة قطب رحاها وديناميكيتها، والتي نتج عنها مقتل الإمام يحيى، واختيار العلامة عبد الله بن أحمد الوزير خلفًا له من قبل صفوة المجتمع اليمني؛ مفكرين وعلماء دين وسياسيين وقادة عسكريين وشخصيات اجتماعية ووجاهات وأعيانًا قبليّة. إلا أن الأقدار شاءت ألا يُكتب لهذا الخليفة الاستمرار في تحمل مسؤولية وأعباء الدولة التي كان يهيئ لتأسيسها ووضع خطواتها الأولى اعتمادًا على الشورى في الحكم حسبما تضمنه دستورها المسمى «الميثاق المقدس»، الذي حدد واجبات ومسؤوليات قادة الدولة – ملكية دستورية – في سبق لم يكن قد وصل إليه أي نظام حكم في الأقطار العربية بتلك المواصفات. وأُجهض هذا التوجه وهذه الرغبة. فلم تمر إلا أيام قليلة حتى أُحيط بهم واعتُقل أولئك القادة الذين كانوا يمثلون خيرة من أنجبت اليمن في ذلك الوقت، وكانوا بحق نجومًا لو كتب الله لهم البقاء لجعلوا من اليمن قبلة للنظم السياسية عربيًا وإسلاميًا.
وسيق أولئك النخبة الذين أرادوا لليمن الخير والتقدم في كل ميادين الحياة إلى مدينة حجة مصفدين بالمغالق في سابقة لم تحدث خلال التاريخ الإسلامي، وعلى وسائل نقل لا تصلح لحمل الحيوانات. وفي طرق بالكاد يستطيع الإنسان السير عليها، إنها بداية المأساة لهؤلاء الصفوة من رجال اليمن وطليعتها المستنيرة التي تواصلت حتى وقتنا الحاضر.
وهناك في تلك المدينة أو بالأصح القرية، يرى الفتى قاسم وهو في ربيعه العاشر – ومعه إخوته إبراهيم وعباس وزيد – والده الإمام المختار عبد الله وثلاثة آخرين من الأسرة تُفصل رؤوسهم من أجسادهم بضربات السيوف المتعطشة للدماء. وللمرء أن يتخيل هول الكارثة والفاجعة التي نزلت بهؤلاء الفتية وهم يشاهدون خمسة من أسرتهم تتساقط رؤوسهم أمام أنظارهم. ولم يكتفِ المنتصر عليهم بذلك الفعل الخالي من أية رحمة، والمنكر لكل القيم الدينية والإنسانية، بل أمر أن تُرسل الرؤوس إلى صنعاء حيث عُلقت على جدران المباني، وجاء الغوغائيون من العامة وأنزلوها وتقاذفوها بأقدامهم.
وهنا مأساة أخرى تحل بهؤلاء الفتية، لا يستطيع أي إنسان تحملها أو طمسها من الذاكرة. وفي إطار هذه المحنة التي حلت بالأسرة هدمت منازلها وتصبح بدون مأوى تأوي إليه ويقيها قساوة الطبيعة وشماتة الأعداء، كما يموت خامس أولئك الفتية عبد الله بن علي غريبًا مطاردًا خارج بلاده، بعيدًا عن أهله.
هذه هي الصورة الأولى التي أقحمت القاسم بن علي الوزير للانخراط في ميدان السياسة، ومن حينها وهي تنمو بنموه. وتتوالى الأحداث وهو في خضمها إما فاعلًا فيها أو مشاركًا ومؤثرًا فيها بآرائه وأفكاره ورؤاه المستخلصة من تجاربه في الحياة حتى وافاه الأجل.
وإذا ما انتقلنا بالحديث إلى جانب آخر من جوانب حياة هذه الشخصية وهو الجانب الاجتماعي، فهو في هذا الميدان نجم يتلألأ في كل مناطق اليمن معروف في المدن كما في الأرياف. حاضر لدى قادة المجتمع المدني وفي المحافل الاجتماعية، ولدى زعماء ووجهاء القبائل وأعيانها ومراجعها.
وفي المجال الأدبي والثقافي، هو فارس يحمل مشعلًا يضيء بإبداعاته الأدبية شعرًا ونثرًا وبحثًا ما حوله، ويرسل قبسات من تلك الإبداعات لمن يريد الاستزادة مما أبدع ودوَّن ونشر. وينطبق عليه في هذا قول الشاعرة العربية الخنساء في أخيها صخر:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
واستيفاء الحديث عن هذا الجانب المضيء في حياة هذا المفكر العالم، أعتقد جازمًا أني مهما أردت الاسترسال فيه لن أرقى إلى ما كتبه أخوه الذي لا يقل شأنًا في هذه المجالات عنه، الأستاذ زيد بن علي، في مقدمة كتاب «حرث في حقول المعرفة» الذي جمع بين دفتيه المحاضرات التي ألقاها من نحن بصدد الحديث عنه. فهو يقول: “تقوم شخصية القاسم بن علي الوزير على نواح متعددة ومبدعة، فهو شاعر كبير، يقف جنبًا إلى جنب مع «الشريف الرضي» و«بدوي الجبل» يشهد به ديوانه: «مجموعات شعرية»، ويشهد له جماعة من النقاد العرب الذين أعرفهم وبهروا به، وهو شاعر هذا البيت بدون منازع. وهو إلى جانب ذلك أديب بليغ الأسلوب ناصع الكلمة عميق الفكرة، تشهد بها أبحاثه ومحاضراته في هذا الكتاب، وله اطلاع واسع بتاريخ الفكر الإسلامي والتراث العربي المعاصر وقضاياه ومفاهيمه”.
وفي الجانب الفكري والتاريخي، هو امتداد للمفكرين العمالقة والمؤرخين من هذه الأسرة: العلامة محمد بن إبراهيم الوزير مؤلف «كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم»، وصارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير مؤلف «كتاب الفصول اللؤلؤية»، والمؤرخ أحمد بن عبد الله الوزير صاحب كتاب «تاريخ بني الوزير»، والإمام محمد بن عبد الله الوزير الذي اختير إمامًا عام 1270هـ. وآخر قائمة المؤرخين السيد العلامة محمد بن أحمد الوزير مؤلف كتاب الأمير الذي تناول فيه سيرة الأمير علي بن عبد الله الوزير، والد هؤلاء الفتية الذين جاء ذكرهم في سياق هذه التناولة.
أخيرًا، يمكن القول بإيجاز: إن المفكر الأديب والسياسي قاسم بن علي الوزير موسوعة متحركة أينما ذهب وأينما حل وأينما ألقى عصا الترحال، فهو كالنحلة يعطي رحيقه الفكري والعلمي والأدبي والثقافي لمن يحوم حوله ويحط على أغصان عطائه. وهو غصن من دوحة وارفة الظلال، ثمارها علوم وعلماء ومفكرون وأدباء، وشعراء ومؤرخون، وسياسيون وقادة اجتماعيون، في مختلف العصور، وهو زهرة يفوح شذاها في بستان تتزاحم فيه الأزهار العطرة وهو إجمالًا قبس من كوكب يشع سناه على المجرات والأفلاك التي تحيط به.
رحمه الله وأسكنه الجنة.
الكتابة عن شخص بحجم الفقيد الراحل المُناضل قاسم بن علي الوزير أشبه بخوض غمار بحر هائج بأمواجه المُتلاطمة نظرًا لما كان للفقيد من مكانة أدبية وشعرية، وفكرية وفلسفية، ورؤية نضالية وسياسية جعلته أحد أعلام اليمن منذ منتصف القرن العشرين وحتى رحيله مع انتصاف العام الجاري.
وانطلاقًا من ذلك، فما سيُسطر هنا ليس سوى بعض مُفردات وفقرات وأسطر تذكارية عن فقيد اليمن قاسم بن علي الوزير الذي وُلِدَ من رحم المُعاناة، وصنع لنفسه مكانة وطنية وعربية ودولية من خلال شخصيته التي تكونت كمزيج جمع بين السياسة والنضال، والشعر والأدب، والفكر والفلسفة، ولذلك كان حضوره وفكره وأدبه وفلسفته فريدًا ومُتميزًا.
عقب فشل ثورة 1948م ضد الإمام ولأن أسرة الوزير كانت على رأسها، أُدْخِلَ قاسم الوزير السجن وهو لايزال في ريعان شبابه بعمر 14 عامًا، ومن هنا بدأت تتكون وتتأسس شخصيته التي نمت وتطورت في ما بعد، وأصبحت ذات أبعاد كثيرة بفضل تميزه وقدرته على بناء نفسه بالعلم والمعرفة والاطلاع والدراسة والبحث والتمحيص.
لقد كان الفقيد قاسم الوزير شخصية شعرية وأدبية قدم نتاجًا شعريًا وأدبيًا للقارئ، تميز بكونه نتاج ثقافة أدبية ارتبطت بتاريخ الشعر والأدب العربي واليمني منه على وجه الخصوص وهو ما يتضح جليًا من خلال ديوانه المُسمى «الشوق والحزن والإشراق» الذي يُمثل عُصارة لتلك الشخصية الأدبية والشعرية التي تركت بصمتها في تاريخ الشعر والأدب اليمني والعربي.
أما على المستوى الفكري والفلسفي، فمن تابع وقرأ واطلع على ما قدمه الفقيد قاسم بن علي الوزير خلال رحلة حياته من كتب وأبحاث ودراسات ومحاضرات، سواءً ما نُشِرَ منها في الصحف المحلية أو الوسائل العربية والدولية، أو تلك التي ألقاها في عدد من مراكز الأبحاث العالمية، سيستشف فكر وفلسفة ورؤية الفقيد قاسم بن علي الوزير التي اتسمت بنظرة ثاقبة مزجت بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية، واستطاعت أن تضع رؤية فكرية نهضوية تُؤمن بأهمية الارتباط بالماضي الحضاري للأمة العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه، تتلاقح مع نتاجات الحضارة الغربية الحالية، بما يعود بالنفع على العرب والمسلمين، وبنظرة ترفض التعصب، وتُؤمن بأهمية التعايش والتسامح، وضرورة وحتمية بناء دول قائمة على المُواطنة المُتساوية والديمقراطية والحُرية والتنافس في خدمة الناس والأوطان.
لقد كان الراحل الفقيد قاسم الوزير نموذجًا للإنسان الذي ظل – رغم مغادرته اليمن- يرتبط بأرضه وماضيه، ويُحاول أن يُسهم في صُنع الحاضر والمُستقبل برؤاه الفكرية والمعرفية والفلسفية بما يُواكب تحولات ومُتطلبات الحياة العصرية، ولذلك يكفيه أنه أثرى المكتبة اليمنية والعربية بمخزون أدبي وشعري، وإنتاج فكري ومعرفي كبير ذي قيمة يجب أن يتم نشرها بين الباحثين والمُتخصصين، كي تُسهم في إحداث تراكم لدى من يتحملون المسؤولية في إدارة الوطن وشؤون الناس.
في الختام، لا نملك إلا الترحم على فقيد الوطن قاسم بن علي الوزير الذي ودع حياتنا الفانية بعد أن قدم ما يخدم الآخرين، ويُخلد اسمه وسيرته في سجل تاريخ بلدنا .
نسأل الله أن يُسْكِنه فسيح جنانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الكتابة أو الحديث عن أحد المفكرين والعلماء بالتأكيد ليس أمراً سهلاً، فما بالنا عندما نتحدث أو نكتب عن شخصية استثنائية بحجم المفكر والشاعر القاسم بن علي الوزير، هذه الشخصية الاستثنائية التي لا يشبهها أحد، والتي تعتبر حالة مميّزة بحدّ ذاتها، شخصية وهبت كل حياتها للنضال والجهاد في سبيل الحق، والحرية والاستقلال، والعلم والعطاء والقبول بالآخر، نعم هي شخصية استثنائية بكل مقاييس الحسابات والجغرافيا، والتاريخ، والعلم، والإبداع.
شخصية لم تتحدث عن نفسها وإنما تركت الكثيرين يتحدثون عنها، شخصية صاحبة سيرة عطرة وحياة حافلة بالبذل والعطاء، ومواصلة الرحم وعمل الخير، وحب الناس، بكل الناس حتى مع من يختلف معهم.
هذه الشخصية التي نحن في صدد الحديث عنها خلال هذه الأسطر المتواضعة، هي شخصية المفكر السياسي الكبير الشاعر والأديب، القاسم بن علي الوزير، الذي رحل عنا وترك لنا ذكراه الطيبة، وروحه النقية، وعبق أريج يفوح في كل من تعرف عليه، وميراثاً كبيراً من القيم والمثل النبيلة، إضافةً إلى كونه عالماً ومفكراً وشاعراً قلّ نظيره.
تميز الراحل العظيم بسعة اطلاعه وقدرته الفائقة على تسلسل الأفكار وربطها بالأحداث.
ينفرد المفكر القاسم بن علي الوزير بباقةٍ من الخصال والثّوابت، التي قلّما تلتقي أو تنصهر أو تذوب في شخصٍ واحد، فهو مفكر وشاعر، ومحاور وكاتب وسياسي في آن واحد.
المفكر والأديب والشاعر قاسم بن علي الوزير يمتلك مواصفات العالم والمفكر الواثق المتواضع، الذي يغرف من تاريخه وتراثه وحضارته، ويختزن أحلام شعبه وأمّته وآمالهما الواعدة، التوّاقة إلى مستقبل العدل والسّلام.
تميَّز أستاذنا الجليل بشخصيّةٍ قويةٍ واعية، استمدّها من ثقافة الأسرة الكريمة المجاهدة، التي نشأ فيها، فهو ابن الأمير الشهيد علي بن عبد الله الوزير وحفيد الإمام الأعظم محمد بن عبد الله الوزير، ووالدته هي السيدة الفاضلة فاطمة أبو راس، ابنة زعيم قبيلة بكيل وكبيرها.
عاش أستاذنا الجليل حياة صعبة بعد ثورة الدستور في عام 48، فلم يستسلم لقساوة الظروف وغياهب السجون، بل مثل ذلك له حافزاً ومنطلقاً ليكون واحداً من كبار الشعراء والمفكرين، ليس على مستوى اليمن، بل على المستوى العربي والعالمي بشكل عام.
وها نحن اليوم نفتقده أيّما فقد، في ظلِّ المتغيّرات المتسارعة الّتي يشهدها العالم أجمع، وفي ظلِّ ما نواجه في بلدنا العزيز اليمن الّذي يعيش مرحلةً من أسوأ المراحل، وأصعب الظّروف، وأشدّ الأوقات محنةً، ومع تكالب الأمم علينا، وحصار الأعداء لنا.
اشتغل الراحِل على مشاريع فكرية كبيرة يستحيل التحدّث عنها في هذا المقام، واهتمّ بقضايا الفكر والتراث والنهضة والديمقراطية واشتهر بعملية التحليل والتدقيق في قضايا الأمة. وكما هو الحال بالنسبة إلى مجموعةٍ من المُفكّرين، انكبّ المفكر الكبير القاسم بن علي الوزير، على البحث في السؤال “ما هو الموقف من الحضارة الغربية”؟
الذي يهمنا من فكر القاسم بن علي الوزير، هو الجانب العملي من هذا الفكر، وما ينبغي أن يبنى عليه لكي نتمكن من تغيير نمط حياتنا وتفكيرنا وتعاملنا مع الوجود والعناصر المشكلة لهذا الوجود الإنساني. وحول تغيير تفكيرنا ونمط حياتنا، يؤكد الأستاذ القاسم في أكثر من محاضرة له: “إن البلدان العربية بحاجة إلى “الإصلاح” ولا أقول: “إصلاح”. ففي حسباني أن البناء كله بحاجة إلى إصلاح شامل ينتظم الجوانب كلها”.
فالمفكر الكبير القاسم بن علي الوزير عندما درس الحضارة إنما درسها انطلاقاً من ألمه وهو يرى أمته متخلفة مهانة مُستعبدة تعيش في فوضى وتخلف، وتفتقر إلى الذوق الجمالي. فبحث بعقله الجبار في أسباب نشوء الحضارات، وعندما عاين وعايش الحضارة الغربية، رأى فيها الكثير من العوامل التي هي حقاً سبب نشوء الحضارة، ومن الصفات والمقومات التي ينبغي أن يتأثر بها المسلم وأن يحاول احتواءها. الحضارة الغربية ليست ركاماً من السلبيات وحسب، ولكنها أصلاً بناءٌ من الإيجابيات ولأسباب تخص الخصوصية الحضارية والتاريخية للحضارة الغربية.
يرى المفكر القاسم بن علي الوزير أن قضية النهضة مازال سؤالها قائماً منذ قرن أو يزيد، وأن أسباب الفشل في الرد على هذا السؤال هو الانطلاق من ذات الواقع الذي أدت إفرازاته إلى الخروج أصلاً من الحضارة والوقوع في بؤرة التخلف، ولا يمكن ذلك إلا بتصفية ينابيع تلك الإفرازات في الفكر والنفس والثقافة، وذلك بتصفية المفاهيم على المستويات التاريخية النفسية والاجتماعية انطلاقاً من العقيدة التي أرست الدفعة الأولى الرائعة.
العبرة الكبرى التي يمكن أن نستفيدها من فكر القاسم بن علي الوزير، لا سيما في موقفه من الحضارة الغربية، هي أن نتحلى بقدر عالٍ من الموضوعية في التعامل مع ذواتنا ومع غيرنا.
وينبغي أن نتحرر من الكثير من العقد التي تصورنا عظماء ونحن لسنا كذلك، أو تصور غيرنا عظماء وهم ليسوا بذلك المستوى من العظمة، هذا أمر في غاية الأهمية. علينا أن نستفيد من فكر الراحل قاسم الوزير الذي كان موضوعياً جداً في التقاطه عوامل القوة وقيم الفضيلة والنهوض في الحضارة الغربية، وذكرها وعبر عن إعجابه بها. وفي الوقت ذاته لم يقع في ما وقع فيه الكثير من المفكرين على امتداد القرن الماضي وإلى الآن، الذين ما إن رأوا الحضارة الغربية فقدوا قدرتهم على التفكير الموضوعي، وعلى ملاحظة ما فيها من علامات التخبط والاضطراب، وما فيها من منافاة القيم الإنسانية الناهضة بروح الإنسان والمتدفقة بالقيم الضامنة للاستمرار.
يرى المفكر القاسم بن علي الوزير أنَّ الخروج إلى موكب الحضارة يحتاج إلى إيجاد تيار عقلاني عربي متنور يبذل التضحيات اللازمة لتشكيل فلسفة حضارة عربية جديدة يكون لها مقدمات البقاء بعيداً عن أدبيات البكاء على الماضي.
فقد قدم الراحل العظيم مشروعاً كبيراً ناقش فيه قضية النهضة من جوانبها المختلفة عبر مجموعة من المحاضرات والأحاديث جمعها في كتاب هو “حرث في حقول المعرفة”، هذا الكتاب الذي يجب أن يُدرس في المعاهد والجامعات، والذي عالج الكثير من القضايا، لعل أهمها، الموقف من الحضارة الغربية، وأولويات النهضة العربية، وأفكار في غاية الأهمية للإصلاح والتغيير في البلاد العربية، وكذلك عوامل الانقسام والتجزئة في الأمة والمجتمع، إلى جانب أسباب العنف في المجتمع.
فقد اهتم هذا الكتاب الهام بدراسة مشاريع النهضة ومكوّناتها، واهتم بالبحث والتحليل والنقد في الفكر العربي، وتناول بالتحليل الموقف من الحضارة الغربية وأولويات النهضة العربية وقدم أفكاراً حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية والكثير من المراجعات والتأملات الفكرية محاولاً الإجابة بإسهاب عن السؤال الآخر: هل نحن بحاجة إلى إصلاح؟
– القاسم بن علي الوزير الشاعر
يتميز شعر القاسم بن علي الوزير بصدق النبرة وتوهج الالتياع وبقدرة ظاهرة على توظيف المفردات توظيفاً فريداً لتؤدي وظيفتها أقوى أداء كما يتميز باجتراح المعاني والتأمل الفلسفي، ويبقى القاسم بن علي الوزير شاعر المعنى المعجب والسبك المطرب، ويعده الكثير من الأدباء والشعراء والنقاد بأنه واحد من عمالقة الشعر في العصر الحديث، وله ديوان مجموعات شعرية جمعت فيه معظم قصائده التي نشرت، وقدم له وتناوله بالدراسة والنقد العديد من الشخصيات الأدبية في عالمنا العربي.
ولعل من أبرز قصائده، هي قصيدة “صوت المناحة”، التي تم نشرها عند الاقتحام الإسرائيلي البربري الوحشي لبيروت في عام 1982م، والتي يقول فيها:
أمة عانت من الموت طويلا |
| فادفنوها لم تعد تجدي فتيلا |
أمعنت من زمن في موتها |
| عبثًا من ميت ترجو مقيلا |
لا تقولوا عرب قد ذهبت |
| نخوة كانت هي الأصل النبيلا |
ذهبت غير بقايا لم تزل |
| في ربى بيروت تأبى أن تزولا |
جثمت في مربض الموت على |
| شرف، يأبى على الذل نزولا |
أمة في فتية قد غسلت |
| لعنة الذل وأولتها الدخيلا |
ثبتت حتى إذا ما استبسلت |
| كتب الله لها نصراً جميلا |
القاسم والمُمارَسة السياسية
انخرط أستاذنا الجليل، المفكر والسياسي الكبير القاسم بن علي الوزير، في الحقل السياسي في سنٍّ مُبْكِرة، وعايش أحداثاً سياسية كبيرة، أكبر بكثير من سنه، وجاور كبار الساسة، والعلماء، والفقهاء، والشعراء، خصوصًا في معتقله في سجن حجة، وتمرَّس في رِحاب رفقتهم على العمل السياسي والفكري.
وكان أحد أبرز المؤسسين الأوائل لحزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية، إلى جوار شقيقيه الزعيم المؤسس، المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير، رحمه الله، وكذا المفكر الكبير والكاتب والمحقق الأستاذ القدير زيد بن علي الوزير، متعه الله بالصحة والعافية، وعلى خطى من مضوا من الرعيل الأول، أخويه عبد الله والعباس حيث ظلّ الانتماء والوجدان، واستمر في العطاء، سواء على مستوى صحيفة الشورى أو في عضوية المجلس السياسي للحزب ثم رئاسة المجلس السياسي للحزب.
كان حامِلاً لمشروع أفكار، ومؤمناً بقناعاتٍ ومبادئ، متمثلةً في الشورى في الأمر، والعدل في المال، والخير في الأرض، وخصوصاً أن ولادة الحزب انبثقت من الرغبة المُلحَّة في مُسايرة طموحات الشعب في التقدم والرفاهية، ونبذ التعصب بكل أشكاله وصوره.
عندما تكون في حضرة المفكر الكبير القاسم بن علي الوزير، فأنت في حضرة الفكر والإبداع والمبادئ القيمة، في حضرة مفكر استثنائي لن نستطيع أن نفيه حقه. عندما نكتب عنه نكتب عن فكره المتجدد ومبادئه وجهاده ونضاله، الذي يعتبر نبراساً للأجيال، فهو صاحب اطلاع واسع ومدهش، وتكوين موسوعي متعدد الحقول والتخصصات، وذاكرة حادة جداً تحتفظ بأدق التفاصيل في حياتنا الفكرية والثقافية، وإلمام دقيق بالثقافة العربية والإسلامية، وبتيارات الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً. وقد اكتسب هذه الخاصية، بنظرنا، من مسار حياته العلمية والفكرية والسياسية؛ مسار غني ومتنوع، عرف تحولات وانعطافات في الفكر والمنهج والموقف.
تفرغه الفكري جعله على صلات وثيقة بالتراث الثقافي والفكر العربي الإسلامي، وبكل التيارات والمدارس، السياسية والاجتماعية والثقافية. فقد عاش متفرغاً للجهاد وقول كلمة الحق، عاش للفكر والمبادئ والبحث والشعر والأدب، مطالعة وتأليفاً. وكان يعتبر الوظيفة العمومية شكلاً من أشكال الجمود تجعل الباحث محصوراً في مكان ضيق، لذلك رفض الكثير والكثير من المغريات والعروض والمناصب الكبيرة. ولم يقبل إلا المهام البحثية المندرجة في مشاريعه الفكرية وفي أجندته البحثية؛ مثل عضوية مركز الحوار العربي، الذي ألقى فيه الكثير والكثير من المحاضرات القيمة في شتى المجالات، وكذا عضويته في مركز التراث والبحوث اليمني.
اشتغل على القضايا المعاصرة في فترته في موضوعات: التراث، والحرية، والنهضة، واليقظة، والعلمانية، والتعددية، والسياسة. فعندما تكون في حضرته، ستكتشف أنك أمام رجل قمة في التواضع والبساطة، يكلمك بحميمية وكأنك صديقه الحميم، حتى لو كان أول لقاء بينكما؛ يُقبل عليك بكل أريحية وبساطة، ويستمع إليك ويوليك جل اهتمامه، حتى يراودك الشك: أهذا هو المفكر والشاعر الكبير القاسم بن علي الوزير؟ تواضع جم إلى حدود الخجل، وعمق إنساني، ورحابة صدر. عندما يتكلم، فكأنه شلال متدفق من المعارف والأفكار، باتساق وانسجام، ومن دون رطانة أو تكرار. فقد وهبه الله بلاغة القلم وبلاغة اللسان.
تشرفت شخصياً بمرافقته وحضرت معه أكثر من محاضرة، وكان لي نعم المربي ونعم الأستاذ، ونعم العالم، ونعم الإنسان. سلام الله عليه في يوم مولده، وفي يوم لقائه لربه، ورحمه الله وتغشاه، وجعله مع الأنبياء والمرسلين والصالحين والصادقين في جنات النعيم.
إن فكره النير، ومواقفه السياسية، وآراءه، وأطروحاته، وكتاباته هي أصدق برهان على بصيرة فذة وإيمان قوي وعزيمة صلبة. لقد كان لي شخصياً القلب الحنون والصديق الوفي والصاحب السند والمعلم القدوة. ترك برحيله فراغاً كبيراً، ليس فقط لي، بل لليمن وللأمة العربية والإسلامية، وعزاؤنا برحيله أن روحه ستظل معنا دائماً. سنتذكر مواقفه، وكلماته، وتعاليمه. فكان لي ولجميع من عرفه نعم الناصح الأمين، والأب، والمرشد، والسند في كل المراحل. هكذا كان لنا القاسم.
كان لنا الأستاذ والمعلم، والعلم والنبراس الذي نهتدي به في كل أمور حياتنا. واليوم نفتقده إذ يفارقنا بجسده الطاهر، إلا أن روحه وفكره وكلماته وابتسامته وسيرته العطرة ومواقفه الراسخة ستبقى خالدة، وسيبقى فينا الدافع القوي لمواصلة المشوار والنهج الذي سار عليه الراحل العظيم.
إنني أتقدم بأحر التعازي وعظيم المواساة إلى الأمة العربية والإسلامية عموماً واليمنيين خصوصاً، وبالأخص إلى أسرته، أسرة العلم والفضل والجهاد والشرف، وفي مقدمتهم عميد الأسرة، سيدي المفكر والأديب والكاتب الأستاذ زيد بن علي الوزير، وسيدتي والدتي، خالتي الحبيبة حورية بنت علي الوزير، ولأولاده، إخوتي وأخواتي البراء وعمر ورقية ونجيَّة وعالية، والعمة فاطمة وجميع أفراد الأسرة الكريمة. أعزيهم وأعزي نفسي بهذا المصاب الجلل الذي أصابنا وأصاب أمتنا. ونعاهد روح سيدنا الجليل الراحل العظيم أننا سنبقى الأوفياء للأهداف والمبادئ التي عاش من أجلها وعمل لها وضحى في سبيلها ليل نهار، وأن نبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيس إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يتقبله في الصالحين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
في وداع الشاعر والمثقف النبيل القاسم بن علي الوزير، يهمني أن أتوقف عند آخر إصداراته، الذي يحمل عنوان «حرث في حقول المعرفة»، وهو كتاب حصلت عليه من الصديق العزيز المثقف والناقد والمفكر النبيل الأستاذ حسن الدولة. «حرث في حقول المعرفة» هذا الكتاب من إصدارات «مركز التراث والبحوث اليمني»، صنعاء، الطبعة الأولى، 2022م. كتب مقدمة الكتاب رئيس المركز الأستاذ المفكر زيد بن علي الوزير. صدَّره الكاتب بتوطئة تشير إلى أن عناوينه رغم تعددها تدور حول موضوع واحد وقضية واحدة هي “عصر النهضة”، تلك القضية التي شغلت المفكرين في القرن التاسع عشر الميلادي.
يتكون الكتاب من 167 صفحة من القطع الكبير، وتناقش عناوين الكتاب المفردات الآتية:
الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقى المؤلف معظم تلك المحاضرات في مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن الكبرى. ومن ضمن تلك المحاضرات الموقف من الغرب والحضارة الغربية.
الكتابة بالنسبة للمؤلف -كما هو واضح من عنوان الكتاب- هي حرث في حقول المعرفة، إذ يستعرض المؤلف مفهوم الحضارة والغرب من حيث إن الحضارة حسب تعريف مالك بن نبي هي: مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده -في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة- المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك؛ من أطوار نموه، فالمدرسة والمعمل والمستشفى، ونظام شبكة المواصلات والأمن في جميع صوره عبر سائر تراب القطر، واحترام شخصية الفرد؛ تمثل جميعها أشكالًا مختلفة للمساعدة التي يريد ويقدر المجتمع المتحضر على تقديمها للفرد الذي ينتمي إليه[1].
وأصبح الشرق يعني المنطقة المستعمَرة (بفتح الميم والراء)، بينما يعني الغرب المنطقة المستعمرة[2] (بكسر الميم).
ويشير المؤلف إلى أن مفهوم الشرق والغرب مفهوم نسبي، ولذلك فإن اليابان وإن كانت محسوبة على الشرق ثقافيًا، فإنها محسوبة على الغرب حضاريًا.
ويمكن أن نضيف إلى هذا المفهوم أن كوريا الجنوبية محسوبة على الغرب حضاريًا، بينما كوريا الشمالية محسوبة على الشرق.
ولذلك يرى القاسم الوزير أن: أوروبا شرق بالنسبة لأمريكا، وأمريكا غرب بالنسبة لأوروبا، والعالم الإسلامي شرق هنا وغرب هناك.
ومادامت الأرض كروية، فإن الشرق والغرب جغرافيًا أمر نسبي تبعًا لمطلع الشمس ومغربها[3].
ولذلك نستطيع القول إن المؤلف يميل إلى القول بأن مصطلح الشرق والغرب مصطلح نسبي، وأن مصطلح الشمال والجنوب يحل مكان مصطلح الشرق والغرب للدلالة ذاتها على عالم متقدم وآخر متخلف.
وفي كل الأحوال ينطلق المؤلف من رؤية مفادها أن الحضارة هي إرث إنساني مشترك تقوم العلاقة بين دوراتها المختلفة على أساس التكامل، إذ ترث كل حضارة جديدة عوامل البقاء من سابقتها، وتضيف إليها من إبداعها، ثم تسلمها إلى أخرى… وهكذا.
ويخلص المؤلف إلى نتيجة مفادها أن الموقف من الحضارة الغربية يبدأ بفهمها أولًا. ثم إن الموقف من الحضارة الغربية يمر عبر المشاركة الإيجابية في إنجازاتها العامة، ثم التقييم والتقويم الذي يعالج أمراضها ويصحح انحرافاتها[4]. وهنا يؤكد أنه لا ينبغي أن يكون الموقف ضد الغرب ولا ضد ما نسميه الحضارة الغربية، وإنما ضد الاستعمار، وفلسفته المنحلة، ومبرراته اللاأخلاقية جميعًا[5].
وينفذ المؤلف إلى مظاهر أزمة الحضارة الغربية والمتمثلة بالماركسية كأحد مخرجات الحضارة الغربية في موقفها غير الودي تجاه الدين[6].
في حين يتناول الرأسمالية كمظهر من مظاهر أزمة الحضارة الغربية، ويستشهد بتوصيف للمفكر الإسلامي مالك بن نبي عن مادية البرجوازية، إذ يقول مالك بن نبي: عن مادية البرجوازية فإن الشيوعية تعبر عن مادية البروليتاريا.
وقد تميزت الأولى بترك الدين قضية شخصية مكفولة في هذه الحدود، أي ضمن الحريات الخاصة المرتبطة بجوهر النظام الرأسمالي نفسه، دون أن يكون لها دخل في الحياة بأنشطتها وقوانينها وأنظمتها المختلفة. في حين تميزت الثانية بنفي تلك القضية من المجالين الشخصي والاجتماعي، وإعلان الحرب عليها، وتحريمها على الفرد، في نطاق حرياته الخاصة ومعتقداته، وعلى المجتمع في مجال علاقاته وأفكاره ومجال نشاطاته، ولكن الموقف يبقى واحدًا، وهو الأساس المادي البحت الذي أدى إلى أن يصبح غاية الوجود هي الحصول على أكبر قدر من المتعة أو الرفاهية ووسائلها. من ثم أصبحت المصلحة هي المقياس والمعيار الذي تقوم على أساسه القوانين، وتُرسم السياسة، ويتحرك في إطاره نشاط الفرد، وتتم دورة المجتمع[7].
ويخلص المؤلف في بحثه حول الحضارة الغربية، إلى أن التاريخ على مفترق طريقين: إما عولمة.. تقوم على حق القوة، وتستهدف السيطرة على العالم على أساس الاستغلال الاقتصادي والاستعلاء العنصري، والهيمنة السياسية، وهو اتجاه سيقود العالم إلى الفوضى، ويدمر منجزات هذه الحضارة نفسها. وإما عالمية.. توفرت لها كل الأسباب والوسائل والإرادة، تقوم على مبدأ القوة للحق والكرامة للإنسان من حيث هو إنسان، والمساواة بين البشر، والعدل في العلاقات المختلفة داخل كل مجتمع وبين جميع المجتمعات[8].
في كل الأحوال، فإن أزمة الرأسمالية تكمن في طابعها الكولونيالي القائم على الهيمنة والتوسع ونهب خيرات الشعوب، وأن الماركسية ليست إلا محاولة نقدية في تصويب مسار الرأسمالية، ولكن الخطأ الجوهري -من وجهة نظري- يكمن في تدمير الطبقة الرأسمالية كطبقة منتجة للتقدم. فإسقاط هذه الطبقة وإحلال الدولة مكانها هو الذي أدى إلى انتكاس البلدان التي تبنت المسار الماركسي للتقدم. وكان يمكن للرأسمالية أن تحقق إنجازًا إنسانيًا بالتفاتها إلى عوامل النقص، ولكنها لم تفعل.
وقد أسهم التنظير في صدام الحضارات وشيطنة الإسلام، والموقف العدواني من حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، والتدخل في كسر إرادة الشعوب ومصادرة حق الشعوب في اختيار طريقها للتطور، ونهب ثروات الشعوب، وتدمير العراق وسوريا وليبيا… كل تلك الممارسات الإجرامية قد أدت إلى الوصول إلى نتيجة مفادها أن الرأسمالية ليست الطريق الآمن للتطور الإنساني، وأنها على حد تصور الماركسية تتجه بسرعة إلى الإمبريالية باعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية. ويهمنا هنا أن المؤلف يقدم قراءة نقدية للقرنين التاسع عشر والعشرين، في سياق مراجعات وتأملات فكرية لقرن مضى وقرن أطل[9].
انهيار العثمانية
يتحدث المؤلف عن انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعن محاولات ترميمها من خلال فكرة الجامعة الإسلامية التي تعني الحفاظ على الوحدة في إطار التنوع، ويتحدث عن عصر النهضة، وجهود جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في التأسيس لفكر النهضة، ويتناول المرتكزات الأساسية لحركة التجديد من خلال التأكيد على الاجتهاد كقيمة حضارية، والتأكيد على مقاومة الاستبداد وحق الأمة في اختيار حكامها على أساس العدل والحريات والشورى.
ويتحدث عن التحرر من الاستعمار، وإعادة الوحدة بين علوم الدين وعلوم الدنيا، والاهتمام بالعقل، وفتح باب الاجتهاد. ومن أجل تأصيل ذلك، فقد أرسى الأفغاني ومحمد عبده مصادر المعرفة على هذا النحو: العقل -الحواس -العلم -الوحي.
ويتناول المؤلف ملامح مشروع التجديد الذي أنتج[10]:
ويتحدث المؤلف عن دور الاستعمار في احتلال فلسطين، وغرس إسرائيل في الخاصرة العربية. وتناول الانقلابات وأثرها السلبي على مستوى الأمة. ويتحدث عن الديكتاتورية. ويتحدث عن هزيمة 5 يونيو عام 1967، وتوسع إسرائيل في احتلال أجزاء من مصر والأردن وسوريا. وخصص المؤلف فصلًا كاملًا حول أولويات للنهضة العربية، والدعوة إلى تحرير العقول وتحرير الإرادة، وإيقاظ الوعي. وقدم فصلًا كاملًا تحت عنوان أفكار حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية. ثم خصص فصلًا كاملًا من أجل تجاوز عوامل الانقسام والتجزئة في الأمة، والمجتمع. وخصص فصلًا كاملًا حدد فيه أسباب العنف، وسبل تجاوز تلك الأسباب في المجتمع. وتحدث في فصل كامل حول جرائم الديكتاتورية في المنطقة العربية. ثم خصص فصلًا كاملًا تناول فيه الفقه في غفوة، والعقل في إجازة، علينا أن نوقظ الإنسان.
وبالخلاصة نحن أمام حرث في حقول المعرفة، والحرث ضرورة حضارية من أجل تهيئة الواقع لعملية نهوض حضاري واسع وكبير، وبالتالي نحن أمام كتاب يناقش قضايا جديرة بالاهتمام والمتابعة والحوار الهادف والبناء.
[1]. قاسم بن على الوزير، حرث في حقول المعرفة، مركز التراث والبحوث. اليمني -صنعاء، الطبعة الأولى، 1443هجرية / 2022 ميلادية، ص20.
[2]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص21.
[3]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص22.
[4]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص26.
[5]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص29.
[6]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص31.
[7][7]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص31-32.
[8]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص36-37.
[9]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص39.
[10]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص40-48.
[11]. قاسم بن علي الوزير، المصدر نفسه، ص58-59.
في يوم الاثنين 12/11/1445 هجرية/ 20 مايو 2024م، انطفأ نور جسد القاسم، ورحل عنا جسداً، ليبقى ضياء ونور فكره حياً متقداً متألقاً في سماء الفكر المتجدد. فقد توارى شكلاً وهيئةً وجسداً، معلناً استمرار القاسم: الفكر والروح والسمعة العطرة، فكره الحي الإبداعي الخلاق، ذلك الفكر الذي جسده ومثله في حياته قولاً وعملاً. فقد كان الراحل من أولئك المفكرين الذين يولدون بعد رحيلهم، فقد كان الفقيد بحق مفكراً إسلامياً كبيراً، بذل حياته في خدمة الفكر والتجديد وفق النظرية الحديثة للفكر الحضاري “الأبستمولوجي” والدعوة إلى الفكر الإسلامي المستنير منظراً ومجادلاً ومحاضراً ومرشداً.
لقد رحل عن دنيانا القاسم بصمت الزهاد، وورع الأولياء، وصبر المتقين، وهدوء الحكماء، وعظمة المجاهدين الجسورين. مات في بلاد هو غريب عنها، ودفن في تربة غير تربة وطنه الذي أفنى جل حياته من أجل أن ينشد لأمته الخير، والسعادة والرفاهية والعيش الكريم، والتقدم والتطور، وتحقيق العدل والمساواة والحرية في ظل حكم شوروي ديمقراطي. جاهد مع إخوانه ورفاقهم ممن سار على درب الرعيل الأول.
فـالقاسم -طيب الله ثراه- كان بحق واحداً من عظماء التاريخ الذين وهبوا أنفسهم لخدمة أمتهم، ورسموا الدرب أمام الأجيال القادمة. كما أن كتاباته تتسم بالسلاسة واليسر، إذ ينطلق من محيطه الإنساني الخاص ليخاطب الجميع بلغة بسيطة وعميقة في آن. فهو مختلف وجامح في نصوصه، مدافع بشغف عن الحقيقة والوطنية، فهو بحق من الشخصيات البارزة والمؤثرة في الساحة الثقافية والفكرية على المستويين اليمني والعربي. وكلماته ستظل خالدة، تستلهم منها الأجيال المتعاقبة الفكر والمعرفة.
وكان سلوكه -رحمة الله تغشاه- سلوك العباقرة الأفذاذ الذين لا يريدون أن يتركوا إلا سلوكهم وفكرهم الحي. وقد اعتبر أستاذنا العلامة شقيق فقيدنا، مد الله بعمره، أن عزوف القاسم عن الظهور، وحرصه على عدم طبع إنتاجه الفكري، آفة الفقيد. ونحن هنا لا نوافق على هذا الوصف، بل نعتبر أن ذلك الهروب من الأضواء سمة من سمات المفكرين الأفذاذ. ألم يطلب المهاتما غاندي من أتباعه حرق كتبه وخطبه، وكذلك فعل أبو حيان التوحيدي الذي أحرق كتبه، وفعل مثلهما العشرات من عباقرة التاريخ، ومع ذلك فقد خلدهم التاريخ. فلنشمر سواعدنا لنتبع منهج هذا المفكر الذي حرص أن يكون بعيداً عن الأضواء، عازفاً عن طباعة أعماله، مقتدياً بـغاندي وأبي حيان التوحيدي.
قال القاسم في مرثاته التي رثى بها أستاذه أحمد الشامي، تحت عنوان “الإطار العام للصورة”: (وذلك لأن الإطار يفنى ليبقى المعنى الذي كان يمثله ذلك الإطار): “فرغ من دنياه، ولكنها لن تفرغ منه، ونفض يديه من غبار الحياة وتبرها، ولكنها لن تنفض منه يداً، ولا فكراً ولا أثراً. لقد خرج من الدنيا ليلج البقاء، وطواه القبر لينشره الخلود”. وهي فقرة تنطبق على القاسم نفسه.
وبذلك، فإن فقيدنا القاسم قد حجز لنفسه مكانة رفيعة كفيلة بأن يضاف اسمه في سجل الخالدين، فسجله حافل بالكثير من النقاط المضيئة، ففي النضال مكتوب اسمه مع تلك الكوكبة المضيئة من شهداء الثورة الدستورية الذين ظل وفياً لتراثهم النضالي منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين وحتى تاريخ وفاته. في الأدب كان شاعراً كبيراً يقف جنباً إلى جنب مع أبي القاسم الشابي في عذوبة شعره الوطني، وبدوي الجبل في رقة معانيه – حسب شقيقه علامتنا المجتهد زيد، مد الله بعمره – مضيفاً: إن النقاد العرب الذين تناولوا شعره نقداً وتحليلاً، يشهدون له بذلك. فهو شاعر هذا البيت (آل الوزير) بشهادة الأستاذ زيد، كما أنه في الفكر العربي الحديث مجدد لفكر صديقه مالك بن نبي. وتأثر بمفكري عصر النهضة الإمام المجدد جمال الدين الأفغاني، والأستاذ الإمام محمد عبده، وطه حسين، وزكي نجيب محمود.
صلته الفكرية بالمفكر الجزائري مالك بن نبي
إلا أن تأثره بفكر صديقه المفكر الجزائري مالك بن نبي كان له الأثر الأبرز في فكره، فصار بذلك أحد أبناء رواد النهضة العربية بجدارة. فقد لازم المفكر الجزائري مالك بن نبي سنوات، وربطتهما علاقة صداقة قوية. كان يحرص الفقيد أن يحضر كل محاضرات بن نبي ولقاءاته التي كان يعقدها في منزله بالقاهرة، وهي أخصب فترة تطور فيها فكر مالك بن نبي. ويتجلى لنا ذلك التأثير بكل وضوح في كتاب الفقيد موضوع هذه الإطلالة، الموسوم بـ: “حرث في حقول المعرفة”. والمفكران القاسم ومالك بن نبي تقاربا دون أن يتوحدا، وتماهيا دون أن ينصهرا. سعى كل منهما إلى تأصيل شروط النهضة، وطبق كل منهما نظرية الفيلسوف البريطاني توينبي، الخاصة بالاستجابة للتحدي. كل لمح في مجتمعه الخلل، وأن التخلف يعود برأيهما إلى سببين: داخلي، وخارجي.. الأول الاستبداد وتخلف الحكام الذين فرضوا أنفسهم حكاماً على الشعوب، والثاني القابلية للاستعمار حسب مالك بن نبي. ولن يجانبني الصواب إذا ما قلت إن القاسم بن علي الوزير يقف جنباً إلى جنب مالك بن نبي كمفكرين يتكاملان، وأنهما بمثابة ابن خلدون العصر الحديث، وأنهما من أبرز المفكرين العرب الذين عنوا بالفكر الحضاري. ومع أنهما قد تمثلا فلسفات الحضارة الحديثة تمثلاً عميقاً، واستلهما في أحيان كثيرة أعمال بعض الفلاسفة الغربيين، فإن ابن خلدون بالذات يظل أستاذهما الأول، وملهمهما الأكبر في علم العمران.
هكذا كان الفقيد، بالإضافة إلى تنوع مصادر معرفته، قد اطلع على الفكر الفلسفي بشتى مشاربه الوضعية والتحليلية والمادية، مطلعا على الفكر الإسلامي والتراث العربي المعاصر وقضاياه. يضيف الأستاذ زيد -حفظه الله- أن مفكرنا القاسم كان له اطلاع واسع على فكر عمالقة الفكر والأدب قديماً وحديثاً، كفكر المعتزلة وفلاسفة الإسلام، بالإضافة إلى أنه كان موسوعياً في مجال الأدب. وهو من الذين تأثروا برواد الإصلاح كـ: الإمام محمد أبو زهرة والرافعي وعباس العقاد وأحمد الزيات، إلى درجة لو جمع الأربعة لكان القاسم بن علي الوزير خير تمثيل لهم.
القاسم وإخوته على خطى الأحرار ورواد النهضة العربية
إن القاسم من أولئك المفكرين الذين يولدون بعد موتهم، تخلدهم أعمالهم، وتظل نبراساً تسترشد بها الأجيال. فحياته النضالية والفكرية في هذا المنحى المتشكل من علامات الخلق والإبداع والتواضع والعلم والرزانة، كما أن حياته الغنية بالعطاء والنضال والمثابرة في ظل ظروف رافقتها عواصف هائجة، بدلت حياته وحياة إخوته من حياة الرفاهية إلى حياة الغربة والشقاء والتعب وشظف العيش. تبدلت حياتهم من اليسر إلى العسر، ومن الرخاء إلى الشدة، ومن حياة القصور إلى الغرف المظلمة والسجون. يصف لنا المناضل الراحل الأستاذ محمد عبد الله الفسيل عند زيارته لأخي الفقيد الراحل الأستاذ إبراهيم -رحمه الله- في القاهرة، فيقول: “لقيت إبراهيم في القاهرة يأكل الجوع، ويقتات الظمأ فعلاً بدون مبالغة. كان يقضي اليوم كاملاً بدون أن يذوق لقمة واحدة، حتى إذا دجى الليل قام واهناً ضعيفاً إلى سلة براميل الزبالات يفتش لعله يجد كسرة خبز أو كسرة عظم يقيم بها أوده”. فإذا كانت هذه هي حياة الراعي لإخوته، فعلينا أن نتخيل كيف كان حال بقية إخوته.
لقد قضى الراحل مع أشقائه حياتهم في نضال مستمر دونما كلل أو ملل أو من أو ادعاء، منذ سقوط الثورة الدستورية عام 1467هـ/ 1948م. وقد وصف بعضاً من هذا الجهاد علامتنا الأستاذ زيد، إذ يقول: “فلم تتوقف خطانا مع من سبقنا من الأحبة، ولم نغير من اتجاهنا الدستوري قط، حاملين إرث الثورة العظيم بلا كلل ولا ملل، رغم الترغيب والترهيب، ورغم التهديدات، والمنافي، والسجون، إلا أننا لم نهادن ولم نساير، بل سرنا في درب واحد لم تلتوِ فيه أقدامنا، ولم نغير اتجاهنا، وكان ذلك كله من أجل أن ننشد لأمتنا الخير والتطور، والحكم الرشيد” [تقديم كتاب “حرث في حقول المعرفة”].
لقد كان القاسم مناضلاً استثنائياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إنه من ذلك الرعيل الذين حفروا بصماتهم في حقول المعرفة الحديثة في مجالات الفكر السياسي والاجتماعي والأدبي. كما سيتبين ذلك في ما بعد من هذه الإطلالة التي سنثبت فيها تميز القاسم، وأنه كان مبرزاً في كل تلك المجالات وحقول معرفية شتى، كواحد من المفكرين الكبار الذين حملوا على عاتقهم مواصلة رسالة الآباء. فقد كان ومعه أشقاؤه العباس وإبراهيم ومحمد، ومن قبلهم المجاهد عبد الله، رضوان الله عليهم، ولايزال علامتنا المفكر الكبير زيد، مد الله بعمره، يسير على نفس الدرب الذي سار عليه أشقاؤه، درب طلائع أحرار اليمنيين يحرث كأخيه القاسم في حقول المعرفة.
وفي هذا الصدد، فإننا نعتبر أولاد الشهيد علي بن عبد الله الوزير، من أعظم النعم التي أنعم الله بها على بلدنا. فهم أكثر المفكرين اليمنيين المعاصرين إيماناً بالحرية والعدالة والمساواة، تطلعوا لبناء دولة تكفل تحقيق تلك المبادئ إلى أقصى مدى، فقد استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ اليمني، ويشهد بذلك تراث المفكر الراحل الأستاذ إبراهيم، طيب الله ثراه، وكذلك علامتنا المجتهد الأستاذ زيد الذي رفد المكتبة اليمنية بعشرات الكتب في التاريخ والفكر الزيدي والدولة المدنية والفكر السياسي.
نعم، إن مفكرنا القاسم وإخوته من أولئك الأفذاذ الذين يولدون بعد موتهم، الذين يغادرون مكانهم، فما يلبثون في غيابهم إلا قليلاً ليعودوا يملؤونه في زمن لاحق بحضور أكثر سطوعاً وبهاء. ذلك لأنهم، حسب الفقيد -في مرثاته النثرية لأخيه إبراهيم- “يبقون أفكاراً لا تغيب، ونماذج لا يتصل لها لون، وقدوة للعمل الصالح، ومصدراً للإلهام المستمر، وأمثلة حية للقيم الأخلاقية التي لا تبلى؛ فهي بهم دائماً تتجدد، وهم بها أبداً حاضرون”.
فـالقاسم وإخوته قد وهبوا حياتهم للنضال من أجل أن تنعم أمتهم بالرفاهية والحرية والعدل والمساواة والحق والخير والجمال، من أجل وطن تفوح في أرجائه نسمات الحرية. فقد ظل يدعو إلى كل ما يحرر الإنسان من كل قدر آسر، ومن قيود وأغلال الماضي بكل أشكالها، وما يطلق طاقاته للاكتشاف والخلق والإبداع، وإلى خلق جيل متحرر رسم له الطريق التي سيسير على خطاها. فقد ترك لنا فكراً يعنى ببناء دولة مدنية تضمن وحدة اليمن أرضاً وإنساناً، وليس فكراً سياسياً لموقف سياسي سرعان ما ينقضي بانقضاء ذاك الموقف، حسب مفكرنا القاسم في توطئته لكتابه الموسوم “حرث في حقول المعرفة”. فهو يقول عن تلك المحاضرات والأبحاث رغم مرور أكثر من عقد من الزمان على كتابتها، إنه لم يجد حاجة إلى تعديل في رأي أو تغيير في موقف، وإنه لواقف منها نفس الموقف يوم ميلادها، لأنها وجهة فكرية قائمة على منهج مستفاد من مصادر علوم معاصرة ضاربة أطنابها في أعماق الفكر الحي، فلا جرم ستظل صالحة للنظر ما احتاج الواقع للتغيير.
قراءة في “حرث في حقول المعرفة”
من يطلع على ما محتوى كتاب المفكر وعالم الاجتماع القاسم، سيقف أمام مفكر ملم بالفكر الإسلامي المستنير، والتراث العربي المعاصر، مستوعباً فكر عصر النهضة الأوروبي ومساره، ومطلعاً على مضمون الفكر الماركسي والعولمة والعالمية. كما يتبين أنه كان مجدداً ومطوراً لفكر مالك بن نبي، مستوعباً لفكر رائدي النهضة الإسلامية المعاصرة جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام محمد عبده. يلاحظ القارئ ذلك في محتويات هذا الأثر العظيم قليل الصفحات، جم الفائدة، وهي:
وما يُميّز هذه الأبحاث والمحاضرات هو تنوع الرؤى والمقاربات التي تناولت جوانب عديدة في حقول المعرفة، سواء من الناحية الفكرية أو الاجتماعية أو التاريخية أو الاقتصادية. فقد كان الأستاذ القاسم ينظر إلى هذه القضايا بمنظور شمولي، مستفيداً من المعارف والمناهج المختلفة كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة وعلم التاريخ.
مضمون أي موضوع من المواضيع أعلاه يشهد لـلقاسم بأنه من تلاميذ رواد علم الاجتماع، تناول قضايا فكرية واجتماعية حيوية في كل موضوع، وكل منها مرتبط بواقع المجتمع وقضايا النهضة وشروط تحققها، تناول فيها جوانبها المختلفة، وقد وحد بين أطرافها -حسب القاسم طيب الله ثراه- المضمون من ناحية، ومن ناحية أخرى المنهج الذي توخى فيه الأصول المعرفية، والتركيز على معطيات علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة وعلم التاريخ، ابتغاء امتلاك أداة تحليل وتقويم، توحد المختلف في مؤتلف يحمي جوهرها الواحد. نعم، كما أسلفنا القول، تعتبر أبحاثاً مرتبطة بشكل وثيق بقضية النهضة التي كانت محط اهتمام الراحل طيب الله ثراه، وتفكيره منذ أكثر من نصف قرن وحتى وقتنا الحاضر.
وهذا التكامل والترابط بين مختلف جوانب المواضيع التي تناولها القاسم في “حرث في حقول المعرفة”، يجعل من هذه الأبحاث والمحاضرات بمثابة فصول من كتاب موحد حول قضية النهضة والتطور المجتمعي. وهذا ما يجعلها ذات أهمية كبيرة في الحقل الثقافي والفكري؛ لما قدمته وتُقدمه من رؤى وتحليلات معمقة لقضايا جوهرية تؤثر في حياتنا اليومية.
تفكيك عتبة الأثر: “حرث في حقول المعرفة”
ومن خلال تفكيك العتبة، ابتداءً من مادة “حرث”: الحارث والحراثة: العمل في الأرض رعياً أو غرساً كان، وحرث يحرث حرثاً فهو حارث، والحرث قذفك للنواة لتنبت، والحرث هو الزرع، والحراث هو الزارع. فإذن، نحن أمام عمل فكري جديد يتم استنباته في حقول المعرفة الخصبة القابلة للإنبات، ولسنا بصدد تقليد أو استيراد فكر من الخارج. فيتبين لنا أن القاسم قصد أن الفكر لا ينبت إلا بالحرث في الحقول الخصبة القابلة للفلاحة والحرث لجني محصول الزراعة المعرفية في العقول. كما لا بد من أن نشحذ العقول بالذكاء والتطبيق. فالقوة ليست في القراءة فقط، إنما في إحسان توظيفها ضمن الجهاز الفكري حالياً. وليس شرطاً أن نقرأ ما قرأ القاسم بن علي الوزير من نصوص تراثية أم غربية، بل يجب أن نأخذ منه المنهج الذي اختطه لنا، بأن نستوعب الفكر الوافد، ونعمل على تبيئته من جديد، كما عمل المعتزلة مع فلسفة اليونان والمنطق الصوري، والمطرفية مع علوم الطبيعة التي استلهموها من علوم الأوائل، فطوروا بها الفكر الإسلامي. فـالقاسم يفتح لنا دروباً أخرى في القراءة، وإنتاج المعارف. كما يدعونا أن نقرأ التراث الحي، ويحثنا على الاجتهاد، وأن نقرأ من عمق الفلسفة والعلوم الاجتماعية والرموز الأدبية في شتى حقول المعرفة، ثم نقوم بفحصها وتَبَيُّن صلاحيتها للحرث والفلاحة، انطلاقاً من الإشكالات التي يمر بها واقعنا. وهذا هو سر الحرث في تلك الحقول المعرفية، فعندما يكون الحرث في أرض خصبة، تكون الثمرة جديدة ومفيدة تأتي نتيجة تطبيق معنى الحرث -كما هي في عنوان الأثر موضوع هذا التناول- من وجهة نظرنا فإننا أمام نظرية متكاملة قائمة بحد ذاتها.
وغني عن البيان أننا كي نفلح في زراعة المعرفة في حقولها، أن تلك الحقول كامنة في العقول. ولا بد من أن نشحذ العقول بالذكاء والتطبيق. فالقوة ليست في القراءة فقط، إنما في إحسان توظيفها ضمن الجهاز الفكري حالياً.
وبالتالي فإن مفكرنا القاسم لا يدعونا إلى التهام وجبات جاهزة من المعارف، فنصاب بغربة الزمان بالنسبة للتراث، أو غربة المكان بالنسبة للفكر الغربي المعاصر، بل يدعونا أن نعمل على تبيئة الفكرين -التراث وثقافة العصر- لنمتلك زمام الأصالة والمعاصرة معاً، وذلك من خلال الحرث في حقول معارف السلف والفكر المعاصر الذي أثبت العلم من خلال التجريب نجاحها. ولهذا فالحضارة عند القاسم لا يمكن استيرادها من بلد إلى آخر رغم استيراد كل منتجاتها ومصنوعاتها؛ لأن الحضارة إبداع، وليست تقليداً أو استسلاماً وتبعية كما يظن الذين يكتفون باستيراد الأشياء التي أنتجتها حضارات أخرى. وبما أن الحضارة إنجاز لا يمكن أن يوهب أو يشترى أو يستورد؛ فإن القاسم أولى كل اهتمامه لتحريك الإنسان المسلم الذي يمثل بالنسبة له جوهر الحضارة وعمودها الرئيسي نحو مواقع الفاعلية والعطاء والإنتاج. لأن المقياس العام في عملية الحضارة هو أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف والسخرية حتماً أن نعكس هذه القاعدة، حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها.
فمفكرنا القاسم يدعونا في جل محاضراته وكتاباته إلى ضرورة إبداع بدائل فكرية ومناهج علمية مستقلة تتناسب مع البيئة الإسلامية بدل استيرادها كما هي من الغرب الأوروبي. ويلح على ضرورة الاستقلال الفكري في دراسة مشكلاتنا الحضارية والاجتماعية؛ لأنه يعتقد أن هناك خصوصيات كثيرة تتميز بها كل حضارة عن غيرها.
مفهوم الحضارة عند قاسم الوزير
ينبني مفهوم الحضارة عند القاسم على اعتقاده الراسخ بأن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها. وانطلاقاً من هذا الاعتقاد الراسخ بأهمية الحضارة وضرورة فقه حركتها منذ انطلاقتها الأولى إلى أفولها، حاول القاسم إعطاء تعريف واسع للحضارة، يتحدد عنده في ضرورة توفر مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقسم لكل فرد من أفراده في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطوار نموه”
(حرث في حقول المعرفة، ص134).
ويتبين من خلال هذا أن مفهوم الحضارة عند القاسم شديد الارتباط بحركة المجتمع وفاعلية أبنائه؛ سواء في صعوده في مدارج الرقي والازدهار، أو في انحطاطه وتخلفه. وبالتالي فلا بد من فهم عميق، وفقه حضاري نافذ لكل من يريد دراسة المجتمعات دراسة واعية وشاملة؛ لأن حركة المجتمعات الحضارية ظاهرة تخضع كغيرها من الظواهر الإنسانية لـسنن وقوانين اجتماعية وتاريخية ثابتة، لا بد من الإحاطة بها، وإدراك كنهها لكل من يريد أن يعيد لأمته مجدها الحضاري، ويحقق لها ازدهارها المنشود. وهذا ما أكده بقوله: “إن الإنسان هو البداية، وهو كذلك الوسيلة لأي تغيير. إنه وسيلة الحضارة وهدفها معاً، كما أنه أداة التحليل وموضوعه. والثقافة -بذلك المعنى- هي الأساس أو الوسيلة لتفجير طاقة هذا الإنسان، وإطلاق ملكاته، وقدرته، وتحديد وجهته، وليس من حيث هو فرد فحسب، ولكن من حيث هو مجتمع”. أي أن الثقافة عند القاسم هي أداة الحضارة والتغيير.
(المرجع السابق، ص89).
إطلالة على موضوعات “حرث في حقول المعرفة”
فالفكر الحي هو ذلك القابل لبعث الحياة، وهو القابل للتوليد عن طريق الحراثة. فكما أن الحقول تنتج لنا الورود، فإن العواصف والثلوج تطيح بالورود وتدفنها، ولكنها لا تستطيع انتزاع ما في قلب الأرض وقلب البذور من عشق أصيل متبادل يؤدي إلى التفتح والعطاء. وهكذا تلبس الأرض حلتها السندسية بالحرث والفلاحة، وتنضج بذور الأرض من قبور الشتاء في بعث الربيع البديع والحركة النامية. وهكذا هي بذور المعرفة كالوردة التي ترمز إلى الفكر الحي، والعاصفة ترمز إلى الجدب أو التقاليد التي تعوق الفكر من التطور والنمو، والجليد يرمز إلى القيود والأغلال والأسر التي تعرقل موكب الإنسانية من الوصول إلى التقدم والنهوض.
ومفكرنا القاسم قد نبه النخبة السياسية إلى أن تعتمد في معالجة قضايا الأمة على فهم الواقع، وأي إصلاح أو تغيير يجب أن ينطلق من الأرض التي يعيشون فيها. وهو يرى أن معوقات بناء الحضارة تكمن في استكانة الشعوب العربية للحكم الفرد المستبد، ويدعو إلى استقلال الفكر وعدم استيراد الفكر، لأن ذلك يعني التفكير بعقلية الآخر، والذوبان فيه دون التفريق بين هويتنا وهويته. أو بلغة مفكرنا القاسم بن علي الوزير أن نقوم بأنفسنا باستنبات المعرفة عن طريق الحرث في حقولها الخصبة.
ومن أهم ما دعا إليه الفقيد القاسم بن علي المسلمين، أن يعيشوا بعقلية الزمن الحاضر لا بعقلية الماضي، وهو أحد شروط النهضة كما جاء في كتاب “حرث في حقول المعرفة”: “وهي بناء الإنسان، والمحافظة على المكان، وإعطاء قيمة للزمن”. وفقيدنا القاسم ينطلق من موقفه تجاه الحضارة المعاصرة “من موقف المشاركة الإيجابية في إنجازاتها العامة، وموقف الاستفادة والإفادة، ثم موقف التقييم والتقويم الذي يعالج أمراضها، ويصحح انحرافها، ويرد إليها الجانب المفقود لإنقاذها إن استطاع..”
(حرث في حقول المعرفة، الموقف من الحضارة الغربية، ص28).
وقد انطلق مفكرنا القاسم بن علي الوزير في الاسترشاد بالتراث والانطلاق منه للاستفادة والإفادة من الفكر المعاصر، من فكرة محورية وردت في كتاب شروط النهضة لـمالك بن نبي، مفادها أن نهضة أي مجتمع تتم في نفس الظروف التي شهدت ميلاده. وعلى هذا فإن إعادة بناء المجتمع المسلم الحديث لا بد أن تنطلق من الفكرة الدينية كأساس لأي تغيير اجتماعي. لهذا كانت الآية الكريمة :﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)، نقطة ارتكاز مهمة في منظومته الفكرية.
ومفكرنا القاسم قد ركز فكره على حاجة الأمة إلى الإصلاح لمنظومة البناء الفكري الشامل في كل الحقول المعرفية، مشيراً إلى تباين وجهات نظر علماء كل حقل، فيقول: “لو سألنا عالم الاجتماع عن أولية البدء، لقال: الإصلاح الاجتماعي.. إصلاح حال المجتمع، لأنه لو صلح لصلحت الجوانب الأخرى. ولكن عالم الاقتصاد سيقول: الإصلاح الاقتصادي أولاً هو الأساس، لأن على أساسه تقوم الحياة الاجتماعية. أما عالم السياسة فسيؤكد أن إصلاح الوضع السياسي هو المدخل العملي لأي إصلاح، لأنها هي التي تنظم العلاقات بالقانون، بين القوى المختلفة، وتحقق النظام للحرية التي يتمكن بها المجتمع من إصلاح جوانبه المختلفة… إلخ”. ويضيف قائلاً: “على أن صوتاً آخر عميق المصدر -والكلام لايزال للفقيد القاسم- سيردد: الثقافة هي البداية الطبيعية، لأن مجتمعاً لا ثقافة له لا وجهة له”
(المرجع نفسه، أفكار حول الإصلاح والتغيير، ص98).
إذن، فنحن -حسب القاسم- بحاجة إلى إصلاح شامل “أي بحاجة إلى نهضة تتجدد بها قوانا، وتكفل بها حقوق إنسانيتنا، وتنطلق بها قدراتنا، وتزدهر بها إبداعاتنا، وتتم بها إسهاماتنا الحضارية والمسيرة الإنسانية، نستأنف بها دورتنا الحضارية، ونبلغ رسالتنا في العالم”. ومن هذا المنطلق يؤكد أن لا إصلاح يتم بدون تغيير. فمفكرنا القاسم يرى الحضارة عبارة عن صيرورة متواصلة، ذات دورة طبيعية كغيرها من الظواهر الطبيعية. إذا غربت من أفق أشرقت من أفق آخر. فالإنسان يبدع الحضارة، ولكن الحضارة هي التي تكيف حياة الإنسان والمجتمع، وفلسفة كل حضارة هي التي تعطي وجهتها أو رسالتها في التاريخ، وثقافتها هي التي تمنحها وسطها الذي تنشأ فيه، وطابعها الذي تتميز به”
(المرجع السابق، ص28).
إذن، فهذا هو الموقف الإيجابي من الحضارة الغربية، كما أنه يوجز كل أسباب الانقسام في المجتمعات العربية، إلى سبب رئيسي تفرعت عنه الأسباب والعوامل كلها، أو بحسب شقيقه العلامة الأستاذ زيد مؤلف الفردية: الفردية. ويزيد القاسم ذلك وضوحاً، فينبه طغاة العصر إلى أن الاستبداد يصادر الحريات.. فيستثير المقاومة. ويلغي العدل، فيستثير المظلومين. ويقضي على المساواة، فيثأر المهضومون. ويثير الفرقة، فتشب الصراعات. ويضيق العقل، فتنشب الصراعات. ويحارب العلم، فتسود الجهالة. ومع الجهالة، تتمزق عرى المجتمع، وتتهاوى قيم الحضارة، وتستيقظ الفتن التي هي وقود الانقسام داخل أي مجتمع.
(عوامل الانقسام والتجزئة في الأمة والمجتمع، ص115).
شخصية وذهنية مفكرنا القاسم
وبعد أن تناول في دراسته القسم الموسوم بـ: “مراجعات تأملية فكرية”، أسباب تخلف الأمة العربية والإسلامية بسبب القابلية للاستعمار، أو بتعبير علي شريعتي القابلية للاستحمار، بدلاً من النهضة والتحرر، وسيادة روح القطرية وغياب الحرية أيضاً، وتغول الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية، والاعتماد على أجهزة الاستخبارات وقوى القمع التي تسعى إلى تصفية الفكر وإخماد العقل، وانحسار تيار التجديد والتحديث والاجتهاد، بل وتيار التغريب -على نحو ما- بحيث لم يبقَ منه إلا دعوى العلمانية المفترى عليها. ونضع المفترى عليها بين معكوفتين للدلالة على مدى عمق تفكير القاسم بن علي الوزير وفهمه لمعنى نظام الحكم المدني، حيث يقول في حوار مع صحيفة “الشورى” اليمنية العدد (338)، استل منه شقيقه العلامة الأستاذ زيد الموضوع المتعلق بموضوع: “الفقه في غفوة والعقل في إجازة”.
إن شخصية وذهنية المفكر الإسلامي القاسم بن علي الوزير: شخصية وذهنية إسلامية صافية، لا علاقة لها بما حدث بعد معركة صفين، كما أكد مالك في مشروعه الإسلامي لفلسفة التاريخ. وهو على هذا الأساس مفكر لكل المسلمين، احتفل به الجميع، واستلهم منهجه وتفكيره عدد ملحوظ من علماء ومفكري المسلمين في القرن العشرين، ومن أطياف إسلامية مختلفة. وهذا شاهد إجماع إسلامي على منهج وفكر مالك بن نبي طيب الله ثراه.
ومما سبق يعتقد كاتب هذه السطور بأنَّ القاسم بن علي الوزير لم يكن قارئاً يحمل توجيهاً قبلياً إلى أركان أو زوايا معينة، بل إنَّه، فضلاً عن انفتاحه المزدوج على الفكر العربي والفكر الغربي، قام في تلك الأبحاث والدراسات والمحاضرات التي احتوى عليها “حرث في حقول المعرفة”، بتنزيل الأفكار ضمن جهازه التَّحليلي وسياقه الإصلاحي. فليست الحروف هي التي تقوده إلى قضاياها، بل إنَّه هو من يأتي بالحروف أو النصوص إلى طبيعة مشكلاته التي يعانيها ويرغب في الخروج من مضائقها. وبهذا، كانت النصوص تعرف مكانتها وموقعها في مشروعه.
إذن، فإن القارئ يجد نفسه أمام عمل راقٍ ومثمر يستحق القراءة والتمعن، لعلو هامة القاسم الذي تناول تلك المواضيع بالدراسة والتحليل، وهو من لم يعطَ حقه في حياته. ونتطلع من الدارسين والنخب المثقفة أن تعيد قراءة فكر هذا المفكر الجبار، والسير على درب رواد النهضة الذين هو أحد نتاجاتهم، لكي يقوموا باستنبات الفكر الحي الذي يخرج أمتنا من غيابة الجب والفكر المتحجر الذي أعاق مسيرتنا نحو مشاركة العالم المتقدم في خدمة البشرية.
يقول الأستاذ عبد الرحمن مطهر في مقالته الموسومة بـ: “الأستاذ القاسم بن علي الوزير.. عرفته بأفكاره ومبادئه”، ما نصه: “استمر المفكر الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير في الانشغال في قضايا الأمة ومستقبلها. وفي هذا الصدد ألقى الأستاذ الكبير محاضرة قيمة بعنوان “الطريق إلى المستقبل”، في العام 2017، أكد خلالها أهمية مغادرة الماضي الذي نعيشه، ونشتبك مع وقائعه وأحداثه في معارك حقٍّ أو باطل لن تغير منها -على كل حال- في قليل أو كثير.. ولكنها تحبسنا في مجالها، فنظل ندور فيه دوران جمل المعصرة، مع أهمية النظر إلى الماضي بعين فاحصة، نقرأه لا أن نعيشه، وندرسه بشكل علمي وعميق لا أن نستعيده، فذلك شرط لفهم الحاضر وبناء المستقبل”
وفي مقالته الرائعة، كتب الأستاذ “لطف بن لطف قشاشة” عن الراحل تحت عنوان: “القاسم بن علي الوزير.. الرحيل الموجع”، وصفاً الفقيد: “وهو المفكر المثقف صاحب الأطروحات والمشاركات الفكرية والثقافية المتفردة والمتميزة بسعة الأفق وحصافة الرؤى التي تعالج ما استفحل من معضلات وإخفاقات الأمة والبشرية. فهو الحاضر البارز في المنتديات والمؤتمرات العالمية، ناهيك عن العربية والإقليمية. وحين يُذكر اسمه هناك، يدرك المجتمعون أنهم أمام صاحب القول السديد”
(“صوت الشورى” الإلكترونية، 26 يونيو 2024م).
موقف القاسم من الأنظمة المستبدة
كما أن الفقيد مع إخوته قد قضوا جل حياتهم في محاربة الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة في اليمن والبلدان العربية. وما أدق من وصف الفقيد لهذا النوع من الجهاد ضد الطغاة والمستبدين، فهو لم يكتفِ بجلد الطغاة بسوط كلماته المحرقة، بل نجده يشخص حالة الديكتاتور المرضية، فيقول إن: “الديكتاتور يختزل الأمة في شخصه، ويلغي إنسانية الإنسان لتأكيد سيادته، ويصادر حرية الفرد والمجتمع كله إطلاقاً لحريته هو من كل كابح، ويجعل من المجتمع كله مرتعاً لأهوائه، ومجتنى لشهواته، ومجالاً لنزواته، يعيث فيه فساداً، ويظن ذلك حقاً من حقوقه إن لم يعده من فضله على الناس”.
ثم يتكلم عن الآثار السلبية التي تترتب على حكم الديكتاتور وانعكاساته عليه نفسه وعلى المحكومين، فيقول: “ونتيجة لذلك يصبح الأمن هو هاجس الحاكم المستبد، ويصبح الخوف هو سمة المحكوم المستضام، وتتولد من ذلك حالة نفسية تدفع الفرد إلى الانطواء على نفسه، فتتقطع الوشائج في المجتمع، وتتلاشى الثقة بين الناس… وتسود حالة تزييف شامل: للوعي والقيم، وللماضي وللحاضر، وتقوم مناهج التعليم بتزوير ذلك كله.. لخلق جيل مزور -بتشديد وفتح الواو- هو نفسه لا يعرف غير الصنم المستبد وأمجاد الصنم وآلاء الصنم…”
(حرث في حقول المعرفة، ص145-146).
مضيفاً أن من جرائر الديكتاتورية الموبقة: “أن مآسيها لا تنتهي بنهايتها، وإنما تبدأ فصولاً جديدة من المآسي والكوارث على كل صعيد من الأصعدة”، والتي نشهد ضروباً منها على المسرح العربي اليوم، في اليمن وليبيا ومصر والعراق. وذلك لأن مخلفات الديكتاتور لا تقل فداحة عن وجودها، لأنها استمرار لهذا الوجود ونتيجة له”
(حرث في حقول المعرفة، ص159).
القاسم بن علي الوزير وفكره الموسوعي
فنحن، إذن، أمام شخصية استثنائية غير عادية موسوعية متعددة المواهب. فهو عالم اجتماع كبير، وفقيه، وشاعر، وناثر، وسياسي استطاع أن يقود اتحاد القوى الشعبية -الحزب الذي يعتبر أول حزب طالب بالنظام الجمهوري. كما أن الفقيد مع إخوته قد ظلوا محافظين وأوفياء لتراث آبائهم من مناضلي الثورة الدستورية العظام. ولن أكون مبالغاً إذا ما قلت بأن للفقيد القاسم، طيب الله ثراه، اليد الطولى في صياغة “الميثاق الوطني” الوثيقة الفكرية لـ”المؤتمر الشعبي العام”، حين عمل بمثابة مستشار للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، في بداية حكمه. وأكاد أن أجزم بأن تسمية تلك الوثيقة كان تيمناً من القاسم بـ”ميثاق الثورة الدستورية”. وقد يقول قائل: فما دور اللجنة التي كلفت بصياغة الميثاق برئاسة القاضي عبد الكريم العرشي، طيب الله ثراه، وعضوية أعضاء من أحزاب كثيرة؟ أذكر منهم الأستاذ عبد السلام العنسي وسعيد الحكيمي ويحيى الشامي وعبد الحميد الحدي. فأقول إن تلك اللجنة قد قامت بالاسترشاد بتلك الخطوط العريضة التي صاغها القاسم، وقاموا بالإضافة والحذف والتعديل. وبذلت اللجنة جهوداً، لكن تظل بصمات مفكرنا القاسم واضحة من خلال بصمات فكر مالك بن نبي الذي تأثر به القاسم حد التماهي. وهكذا استطاع الفقيد، طيب الله ثراه، إحياء فكرة الميثاق المقدس للثورة الدستورية من حيث الفكر والمفهوم، كما أنه استطاع أن يجعله بمثابة ميثاق شرف لجميع المكونات السياسية اليمنية، وليس لحزب واحد، بل منبر لكل الأحزاب السياسية البرامجية التنافسية. وفي هذا الصدد، وطالما قد صار الميثاق الوطني المرتكز الرئيس لـحزب المؤتمر الشعبي العام، فيتوجب على المؤتمر الشعبي العام الذي أصبح حزباً مستقلاً، أن يعيد صياغة الميثاق بما يجعله وثيقة تخص المؤتمر الشعبي العام فحسب.
المفكر القاسم وواقع الأمتين العربية والإسلامية
كما أن القاسم تتبع واقع الأمة الإسلامية، ورصده لمختلف ظواهره، لم يجعل فكره يتيه في طلب حلول جزئية أو ترقيعية لمعالجة هذا الواقع؛ بل نفذ ببصيرته ليكشف الخيوط الرابطة لتلك الظواهر، وليضع الحلول المناسبة لمشكلات الأمة، على شكل معادلات رياضية وقوانين دقيقة.
وعليه، فإن أهمية القاسم وسمو اجتهاداته تحتاج إلى دراسة متخصصة قادرة على النفاذ إلى مقاصدها، وهذا ما يدعو إلى ضرورة بذل المزيد من العناية بهذا الفكر. فشخصية هذه هي بعض صفاته، فإنه قد حدد مكانه في سجل الخالدين، وسوف يعود حياً بفكره الذي سبق فيه أهل زمنه، وستخلده الأجيال. وأقول له نم، أيها الغائب الحاضر، قرير العين. نم، أيها المفكر التنويري. نم، أيها المبدع التقي النقي والإنسان الأنقى. نم قرير العين، فهناك من سيذكر الأجيال بك وبآبائك الصيد الكرام في “رحلة الألف والمائة والستين عاماً” التي أنجز منها هذه السلسلة المضيئة سفرين، وسيواصل تلك السلسلة الذهبية وبيان مآثر من تلى من الآباء من العفيف محمد بن المفضل الذي حمى أعظم فرق الزيدية الهادوية، وهم المطرفية الذين ما إن مات حتى قضي عليهم عبد الله بن حمزة، مروراً بمن تلاه من أئمة الفكر وحتى أخويه إبراهيم وزيد.
لمحات من شعر القاسم بن علي الوزير الثوري
فمفكرنا القاسم، طيب الله ثراه، حسب شهادة النقاد الذين تناولوا شعره، وتضمنها ديوانه “مجموعات شعرية”، كان نسيج وحده، شاعراً وناثراً ومفكراً قل نظيره، مختلفاً وعميقاً في بساطته، ومبدعاً في سهولته، وجامحاً في نضاله، مدافعاً عن الحريات، متحدياً للطغاة:
قل للطغاة: لئن خسرنا جولةً | فلكم بقية يومكم ولنا الغدُ | |
مروا عليها فجرح غير منطمس | على الجبين، وفي العينين أكدارُ |
وقوله:
جاوز الظالم المدى فارتقبوا لا يعيش الظلم في الأرض طويلاً
فـالقاسم قد وضع يده على الجرح الغائر لأمته، فحدد الداء وقرر الدواء، فعل ذلك شعراً ونثراً، فقال شعراً:
ينمحي العدل عندما يحكم الـ ـفرد وتملي قانونها الأوثانُ
وعندما وقفت على قصيدته التي كتبها مواسياً أخاه إبراهيم الذي فقد زوجته، وجدته كأنه يخاطب أخاه زيد الذي غادره وتركه وحيداً بعد أن فقد كل إخوته السبعة:
أخي فديتك، هذا الحزن تعرفه | وليس يعرفك الإذعان والخورُ | |
على المآسي ربتنا مبادئنا | نما الشباب عليها، وارتوى الكبرُ | |
قوم إذا ما ابتلاهم ربهم صبروا | وإن أفاء عليهم نعمة شكروا |
وما أروع ما جاء في إحدى مراثي الفقيد -التي تضمنتها أعماله الشعرية الكاملة “مجموعات شعرية”- عن الشباب الذين ساروا على خطى الرواد من قادة الأحرار في اليمن، وهو وإخوته بالطبع منهم، إذ وصفهم بقوله:
شباب أراقوا في الجهاد شبابهمُ | وأوفوا على الشيخوخة العهد والجهدُ | |
على أثر الرواد شقوا طريقهمُ | وشدوا على تلك العزائم واشتدوا |
وقد جاء في مرثية أخرى رثى بها أحد أصدقائه، وصف ينطبق عليه وعلى شقيقيه إبراهيم وزيد تماماً من حيث المثابرة على الجهاد من سن الشباب وحتى الشيخوخة. وإذا كان من مأخذ على الفقيد، فهو أنه كان من أولئك الأشخاص الذين لا يحبون الظهور والبهرجة، ولا يحب الأضواء، أو الشهرة. وما حرصه -رحمه الله- على عدم نشر وطباعة أعماله الشعرية والفكرية إلا دليل على ذلك. فقد كان يتعمد أن ينكر ذاته، ويكتفي بما قاله في محاضراته أو في دراساته وأبحاثه. وبالفعل، لولا ما جمعه أخوه الراحل الأستاذ إبراهيم، أسبل الله عليهما شآبيب رحمته، من أعمال الفقيد الشعرية، ودفع بها للطباعة بعنوان: “مجموعات شعرية”، لما عرفناه شاعراً مجيداً يقف في الصفوف الأولى بين الشعراء العرب. وكذلك لولا قيام أخيه الأستاذ زيد الذي جمع ما تمكن من جمعه من دراسات ومحاضرات الفقيد الفكرية، وقدمها في كتابه الموسوم: “حرث في حقول المعرفة”، لما عرفنا أنه كان عالماً من علماء الاجتماع، ومن المنظرين في الفكر السياسي الحديث. ولو حاولت البحث عن أبيات شعرية تصف رسالة الفقيد لما وجدت أبلغ من قوله في قصيدة رثى بها أحد أصدقائه، وهي تنطبق على صفات الفقيد تماماً:
أدى رسالته وأنكر ذاته | بضمير محتسب وروح فدائي | |
ملأ الحياة ولا تكاد تحسه | في زحمة الأطماع والأهواءِ | |
إلى قوله: | ||
ومجاهد أبلى الجهاد شبابه | وأتى على الشيخوخة السمحاءِ | |
حمال أعباء ويؤثر أن يُرى | وكأنه خالٍ من الأعباءِ | |
يمشي بأطراف الحياة ويتقي | وهج الضحى بالسير في الأفياءِ | |
متباعداً عن كل بهرج شهرة | مترفعاً عن وزر كل رياءِ |
خاتمة وصف عام لفكر القاسم وتوصيات
وإذ نختتم تلك الإنجازات والسمات الفكرية التي كانت تميز فكر مفكرنا القاسم، فإننا نؤكد أن كل كتاباته السياسية تؤكد على القيم الإسلامية ذات التوجه المعتدل، ويسعى لخلق جيل قادر على تحقيق الحياة الكريمة والمواطنة المتساوية. كان هناك تركيز لدى الإصلاحيين على الجمع بين الهوية الإسلامية والمواطنة.
وغني عن البيان ذلك الدور الهام الذي لعبه الراحل مع أشقائه في سبيل انعتاق أمته من سلطة الطغاة، ونير الاستعمار في جنوب الوطن. كما أن للأستاذ القاسم بشكل خاص دوراً في تشكيل الخطاب السياسي لاتحاد القوى الشعبية؛ وأنه شارك بدور فعال في صياغة أدبيات الاتحاد، فهو أحد صانعيه، وأحد قياداته حتى تم انتخابه رئيساً للمجلس الأعلى للاتحاد. وقد انعكس ذلك على الخطاب السياسي للاتحاد، ويتجلى ذلك من خلال:
وبذلك شكل الفقيد بصماته الفكرية والسياسية على الخطاب السياسي لاتحاد القوى الشعبية قبل وبعد فترة رئاسته له. وهذا ما مكنه من لعب دور محوري في توجيه المشهد السياسي في اليمن، وذلك من عدة جوانب.
ومن يقرأ “حرث في حقول المعرفة” يجد أن للفقيد القاسم إضافات هامة على المستوى الفكري والمنهجي للخطاب السياسي اليمني. فقد استفاد من اطلاعه الواسع على الفلسفة والنظريات السياسية المعاصرة، لتطوير المقاربات التحليلية والتفسيرية للواقع السياسي.
إن الفقيد طرح قضايا جوهرية يشهد بها “حرث في حقول المعرفة”. وغني عن البيان أنه كان ناقداً موضوعياً للواقع السياسي، يركز على طرح القضايا الجوهرية المتعلقة بالنهضة الوطنية والتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لقد اتسم خطاب فقيدنا بالطابع الوطني الشامل، بعيداً عن الانتماءات الحزبية الضيقة. وهذا عزز من قبول وتأثير أفكاره على مختلف القوى السياسية. كما أن الفقيد قد امتاز بقدرة عالية على التعبير والإقناع، إذ كان يمتلك موهبة جذب أنظار الحضور بحضوره الهادئ، وكان يمتلك أسلوباً بلاغياً رصيناً وقادراً على التأثير في الجماهير. وهذا ساعد على انتشار أفكاره وخطابه.
أسهم أيضاً في ترجمة أفكاره إلى برامج وممارسات سياسية عملية. وهذا أعطى لخطابه بعداً تطبيقياً ملموساً. بشكل عام، أثرى الأستاذ القاسم الوزير الخطاب السياسي اليمني من خلال إضافاته المتنوعة على المستويات الفكرية والمنهجية والأسلوبية والتطبيقية.
كما اتسمت كتاباته وآراؤه بالوسطية والاعتدال، ونبذ الكراهية والعصبيات العرقية والمذهبية والجهوية. هذا يظهر توجهه الفكري المعتدل والمتوازن.
كان يحمل رسالة ذات بعد إسلامي تنويري إيقاظي، مما يشير إلى أنه كان يسعى لإحياء وإصلاح الفكر الإسلامي.
طور أفكار المفكر الإسلامي مالك بن نبي، وسخرها لخدمة وطنه اليمن، ووظفها في الواقع اليمني.
كما أن القاسم لعب دوراً مهماً في صياغة أدبيات حزبه “اتحاد القوى الشعبية”، الذي وصفه شقيقه بأنه حزب صناعة يمنية، على عكس الأحزاب الأخرى التي تأثرت بأفكار من خارج اليمن. سعى لخلق جيل مستنير قادر على تحقيق الحياة الكريمة والمواطنة المتساوية، وحرص على البحث العلمي والمعرفي لتحقيق هذا الهدف.
ومما سبق، فإنه على الرغم من اهتمام القاسم بقضايا الحضارة ومشكلاتها، فإن ذلك لم يجعله ينحو بتحليلاته منحى التجريد والنظر البعيدين عن هموم الأمة الإسلامية وقضاياها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية؛ بل ظل على الدوام ملتصقاً بواقع أمته، فيتحدث عن تطوير النظام القبلي منطلقاً من الانتقال من فكر الشعارات ذات المضمون السلبي، إلى فكر المحتوى ذي البعد الرسالي النهضوي، راصداً لمختلف التحولات التي تطرأ على الفكر المستنير، كما يتضح ذلك جلياً في كل محاضراته ودراساته سالفة الذكر.
وفي الختام، أسأل الله أن يمد بعمر علامتنا المجتهد المؤرخ والفقيه والمحقق الأستاذ زيد، وأن يمن عليه بدوام الصحة والعافية، وألا يريه بعد القاسم مكروهاً، وأن يعصم قلبه بالصبر والسلوان، وأن يعصم قلوب أهله وذويه وبنيه وأبناء إخوته وكافة آل الوزير، فالمصاب جلل، والفقد عظيم.
في الشعر العربي قديمه وحديثه يشغل الرثاء حيزاً واسعاً، سواء رثاء الأقربين من الأهل والأصدقاء والرفاق والبنين والبنات والأزواج والزوجات والأحبة أو رثاء الشخصيات العامة والوجاهات الاجتماعية ورجال السلطة والسياسة أو رثاء الممالك والأوطان والأماكن والمنازل والديار.
اهتم الشعر العربي منذ ما عُرِف بالعصر الجاهلي بالرثاء وهو من الأغراض التي برع فيها كثيرون وقد ذاعت قصائد رثاء كثيرة على امتداد التاريخ العربي المدوَّن واتُّخذ كثيرٌ منها نماذج للبكاء على الأحباب والأصحاب والأهل والأقارب والأشقاء، ولعلَّ أشهر ما حفظ لنا التدوين من تلك المراثي ما كان من رثاء المهلهل التغلبي لأخيه كليب، ورثاء الخنساء لأخويها صخر ومعاوية، ورثاء دريد بن الصمة لأخيه عبد الله، ورثاء السلكة لابنها السليك، ورثاء متمم بن نويرة لأخيه مالك بن نويرة، ورثاء أبي ذؤيب الهذلي لأبنائه، ورثاء جرير لزوجته، ثم رثائه للفرزدق، ورثاء أبي تمام لأخيه ورثائه لمحمد بن حميد الطوسي، ورثاء ابن الرومي لولده، ورثاء المتنبي لجدته ولخولة أخت سيف الدولة، ورثاء أبي الحسن التهامي لولده، ورثاء أبي الحسن الأنباري لابن مقلة ورثاء البارودي لزوجته، ورثاء أحمد شوقي لعمر المختار، ورثائه لحافظ إبراهيم، ورثاء الجواهري لأخيه جعفر، ورثاء إبراهيم الحضراني لجمال جميل، وعشرات غيرهم.
في أثناء تصفحي لما نشر من شعر الأستاذ الكبير قاسم الوزير، وهو ثلاث مجموعات شعرية منشورة عبر دار المناهل، هي: “الشوق يا صنعاء” و”أزهار الأحزان” و” لم تشرق الشمس بعد”، استوقفني رثاؤه لكثيرين، وهو ما جعلني أحاول تتبُّع تلك الظاهرة ومقاربتها؛ لأرى كيف وظف الشاعر ذلك الرثاء وأسبابه ودوافعه، فمثل هذا الأمر يكشف عن بعد في شخصية الراثي.
وقد لاحظت بعد قراءة شعر الأستاذ قاسم الوزير أنه في كثيرٍ من قصائده لجأ إلى استخدام الشخصيات التي يرثيها في إبراز مواقفه من كثير من القضايا العامة لا الخاصة وفي مقدمتها تلك القضايا التي تتعلَّق بمصير الأمة، وهو أمر زاد من اهتمامي بقراءة تلك الظاهرة والوقوف عندها، ولقد اتضح أن الشاعر لا يولي الرثاء تلك الأهمية لكونه يكشف عن التفجع والجزع والشعور بالفقد فحسب وإنما في كونه مجالاً لتظهير القيم التي يصدر عنها المجتمع في تقييمه للذوات، لاسيما أن الراثي لا يقف في رثائه عند ما يعانيه من ألم الفقد وما يكابده من الشعور بالخسارة، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد فهو يعبِّر من خلال الرثاء عما يمجِّده المجتمعُ من القيم والأخلاق وما يحمد من المناقب والمآثر والأفعال، إنَّ شعر الرثاء كما تراءى في شعر قاسم الوزير ينصرف عن البعد الذاتي للمرثي إلى البعد القيمي، إنَّه يعمل على ترميز القيم.
لقد قيل إنَّ الرثاء هو ضربٌ من المديح، لكننا في شعر قاسم الوزير لا نجده مديحاً من أجل المديح فحسب، فإظهار محاسن الموتى ليست الغاية التي يقف عندها هذا الشاعر. إنَّ الشاعر قاسم الوزير يدرك أهمية من يرثيهم من حيث هم رموز لقيم عامة، ولهذا يستظهر في مدح المرثيين، تلك القيم ويحرص كل الحرص على أن يلفت نظر المتلقي إليها.
إنَّ الرجل، باستثناء ما كان من رثائه لابنته وأخته ورفيقة عمره، لا يستغرق في تظهير أوجاع الذات وشعورها الشخصي بالفقد، فهو يستطرد في تأمل مآلات قيم النضال وتنصيص ما انطوى عليه المرثي من تلك القيم، ومن هنا يمكن القول: إنَّ ما استلهمه الشاعر من التراث على مستوى المضامين ظل محكوماً بالتراث القومي والنضالي، والشاعر في ذلك الاستلهام يعمد إلى مقاربة ما كان بين الأمس واليوم، وتعلو نبرة التساؤل في كثير من تلك الوقفات طلباً لتثوير الرؤية، وتظهير الموقف.
إنَّ الشاعر قاسم الوزير رديف الإنسان المناضل قاسم الوزير، بل إن الشاعر في خدمة المناضل ولسان حاله، وهو ما جعل تجربته الذاتية لا تقف في الرثاء عند ما كان بينه وبين المرثي من علاقة شخصية أو مودة وصداقة، وإنما تذهب إلى ما كان ينشد للأمة من خلاص على يد المرثي وأضرابه، فكأنما رثاؤه لدور ذلك الرجل أو ذاك ممن فقدهم وفقدتهم الأمة صار مجالاً لإبراز الرؤى النضالية وإعلان الموقف مما يحدث للأمة، ونبرة النضال بين التفجع وبين التطلُّع لا تنفك تعلو في أكثر من قصيدة، كما نجد ذلك في رثاء محمد المسماري، فالقصيدة توشك أن تكون مسرداً لشأن الأمة الإسلامية:
كيف أمسيت أمةً رنَّح التاريخ منها الشموخ والعنفوانُ |
قادها للعلى المغاوير لا الطغيان من شرعها ولا العدوانُ |
أين منا حرية نحن معناها ونحن التفسير والبرهانُ |
نحن عنوانها العظيم على الدهر ونحن الفداء والقربانُ |
والحزن الذي يكتنف تلك الأبيات المتسائلة، لا يغفل حقيقة الرهان على النضال، ومن هنا جاء عنوان القصيدة “وغاب فارسٌ عن الميدان” مُعلناً أن الميدان ما يزال، والتساؤل الذي استغرق معظم هذه القصيدة وجه من وجوه الرثاء لما كان لهذه الأمة، لكنه ليس الرثاء الذي يعلن التسليم بانتهاء الأمر، إنه الرثاء الذي يقصد استثارة المتلقي، وهنا تتصادى نبرة الحزن على فقد صديقه محمد المسماري مع نبرة التساؤل المستنهض للهمم المستنفر للإرادة، وفي ذلك نعرف كيف يستشرف الغد بالنظر إلى الأمس.
في رثائه لأحمد بن محمد بن علي الوزير، يتراءى الحزن شفيفاً، وتتراءى العلاقة بالمرثي واضحةً ويهيمن استحضارها على معظم أبيات القصيدة، لكن رثاء “العلم الذي انطوى” وهذا عنوان مرثيته لأحمد بن محمد بن علي الوزير، جزء لا يتجزأ من رثاء الأمة:
الأمة الثكلى يزلزلها | في كل يومٍ حادثُ جللُ | |
وأشد ما لاقته من محنٍ | أن الهداة- بعلمهم- رحلوا |
إنَّ شخص المرثي لدى قاسم الوزير يغدو قناعاً فنياً يبث الشاعر من خلاله خواطره وأفكاره تجاه قضايا الأمة، ولا ينفك يذكِّر وينوِّه بأن هَمَّ المرثي لم يكن لذاته وإنما كان من أجل الآخرين، وبهذا يغدو الرثاء مجالاً لتنهيض الهمم، ومناسبةً للإبانة عن موقف الذات الشاعرة مما آل إليه الأمر، ونجد الأمثلة على ذلك حاضرة في كل تلك المراثي، فهو في مرثيته لطه مصطفى يقول:
بما أبقت الأيام من ذكرياتنا | بماض جهادٍ بعض أسمائه المجدُ | |
بقدسِ عهودٍ قدس الله عقدها | لم ينفرط عقدٌ ولم ينتقض عهدُ | |
رفيق جهادٍ من رفاقٍ تقاطروا | على ساحة الجُلَّى، وسدُّوا الذي سدُّوا | |
على أثر الرواد شقوا طريقهم | وشدوا على تلك العزائم واشتدوا |
كما هو واضح من تلك الأبيات أن شأن المرثي يندغم في شأن أعظم وهو الجهاد من أجل الأمة، ومن هنا وصفه الشاعر بأنه رفيق جهادٍ من رفاقٍ تقاطروا على ساحة الجُلَّى.
إنَّ تتبُّع التجربة الشعرية للشاعر قاسم الوزير كما بدت في مجموعاته الثلاث يكشف لنا عن أن العلاقة بين الذات والموضوع ظلت ملتبسة بالقضايا الكبرى حتى فيما لم يكن رثاء، وهو ما جعل التجربة الذاتية تجربة إنسانية لا شخصية أو ذاتية، فالقضايا التي تعنى بها قصيدته تأخذ بعداً وطنياً وقومياً، وهذه القضايا حملت عبء التجربة الخاصة للشاعر من جهة ومن جهة أخرى حملت وجهًا شموليًا في التعبير عن التجربة الإنسانية العامة.
يعني ذلك إن رثاءه لذات بعينها هو رثاء للقيم التي تجسدت في تلك الذات، والشاعر عندما يتوحد مع المرثي لا يتوحد معه في وجدانياته وإنما في الموقف من تلك القضايا، فهو يرثي المجاهد هارون المجددي قائلاً:
أذهبت ظهر جوادِ مثلك مسرجٌ | أبدًا وسيف يمينِ مثلك مصلدُ | |
ما غاب من جعل البطولة إرثه | فبكل فعل بطولة يتجسدُ | |
ونمتك من روح الجهاد أرومةٌ | الحق أصل تراثها والمحتدُ |
ثم لا يقف عند المرثي أو العلاقة الشخصية به، حتى يتصل بمن له صلة فكرية أو نضالية بالمرثي ويستحضره قيميًا، فمثلا في رثائه لهارون المجددي يمد رثاءه إلى السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان معلمًا لهارون، فيقول:
من ذلك الأفق المضيء أتى على | وعدٍ بمنبلج الصباح: السيدُ | |
عطر الفتوح يفوح من أردانه | ومن المحيا ألف فجر يولدُ |
وبعد أن يستفيض في إبراز دور جمال الدين الأفغاني في التنبيه إلى ضرورة الثورة على الحكام الفاسدين، يعود إلى المرثي هارون المجددي، ويقف عند حدث الموت والفراق وقفة متأمل، وهي وقفة تتداعى فيها ذكريات النضال حتى لكأن القصيدة كتبت للتذكير بما يجب أن تكون الأجيالُ امتداداً له، فيقول:
هارون هل أزف الرحيل وبيننا | فوق الجزيرة لا يزال الموعدُ؟ | |
كم صفَّقت للثورتين أكفنا | نصحو على الحلم العزيز ونرقدُ | |
قل للطغاة: لئن خسرنا جولةً | فلكم بقية يومكم ولنا الغدُ |
هكذا يخرج الرثاء من أفق الذوات التي طواها الموت إلى أفق القيم التي كانت تجسُّدها، ويتحوَّل المرثيون إلى رموز، فتكون صلة الشاعر بالمرثي صلةً بتاريخه وكفاحه وتضحيته ومُثُله ومواقفه، ويكون التقاء الشاعر مع ذلك المرثي الذي صار رمزاً نقطة تفاعل بين الأمس والغد، لتغدو الذكرى مناسبةً للتطلع، ويصبح التأمل في سياق الدلالة على الأمل. ويكشف من خلال بوحه عن بعدٍ فكري لا بعدٍ نفسي فحسب.
كذلك، في رثائه للشاعر المناضل علي عبد العزيز نصر، نجد أن الشاعر خرج من لحظة الشعور بالحزن على فقد صديقه إلى فضاء التنبيه على ما يكون للثائر من دور في مجتمعه، وحتى يستوقف المتلقي ويقف به على ذلك الدور، عمد الشاعر إلى المقارنة بين ما كان لعلي نصر من دور نضالي، وبين ما صار من ممارسات باسم الثورة، قائلاً:
وثائر لم يثر يومًا لمغنمةٍ | ولم يحركه إلا الخير والسددُ | |
يلقن الثورة المثلى مبادئها | من قبل أن يولد الثوار أو يلدوا | |
للثورة الحق أخلاقٌ فإن ذهبت | فليس ثمة إلا الويل والنكدُ | |
للحق والعدل ثأر المؤمنون به | وثار للهدم والأحقاد من فسدوا | |
أذاكرٌ أنت من أيامنا سورا | من الجهاد تلاها السهل والنجدُ؟ | |
في فتيةٍ آمنت بالله وانطلقت | جذلى.. وللحق ما تبقي وما تجدُ | |
مرُّوا خفافاً على الدنيا وما ثقلت | إلا بهم وازدهت أيامها الجددُُ |
ثم يستدعي إلى أفق التلقي المرثي علي عبد العزيز نصر ليحدِّثه عن أولئك الذين غدروا بالثورة وبالأمة، ويجعل من فقده مناسبة للتبشير بقيم الثورة، ويطَّرد الحديث والبوح في تشخيص ما يمارسه أولئك من مخاتلة وخداع وانتهازية، فيقول له:
فهل أتاك حديث الغادرين بها | العابثين على جهلٍ بما وجدوا؟ | |
المبدعين ولكن ضد أمتهم | بكل ما زرعوا فيها وما حصدوا | |
الرافعين شعاراتٍ تكذبهم | إن الشعوب على أعدائها رصدُ | |
أبا نضال خيول الله مسرجةٌ | غضبى على جنبات الغيب تحتشدُ |
مثل ذلك نجد في رثائه لأحمد بن محمد عبد الله الوزير، فالحزن رغم بعده الشخصي، لم يجعله يغفل عن رثاء طلعة البطل، ومن هنا يناجيه، قائلا:
إذا ذكرتكَ لم أبرح بمنصدعٍ | من الفؤاد ومنهلٍ من المقلَ | |
وكيف أنساك والذكرى تطوقني | من كل صوبٍ بمثل العارض الهطلِ | |
وأين يممت لا ألقى سوى صورٍ | منها يضيء سناها مجمع السبلِ | |
ألوذ منه بأطيافٍ تعللني | فتستثير شجوني طلعة البطلِ | |
يا أقرب الناس ما في الناس من عوضِ | لواحدٍ لجميع الناس مختزلِ |
نجد في حاشية القصيدة، وهي بعنوان أحزان الشفق وصفاً للمرثي يوجز حقيقة ذلك الرثاء الذي أراده الشاعر، فكما تقول الحاشية” قصة رجل في غمار ثورة، وقصة ثورة في تاريخ رجل” وهي إشارة واضحة وصريحة إلى أن الرثاء رثاء لتلك المكانة التي كانت للرجل وهي مكانة نضالية، وتتراءى العلاقة بالمرثي واضحة لكنها علاقة موقوفة على البعد النضالي، فالتجربة الشعورية في مواجهة الموت والفقد الذي تمثَّل برحيل أحمد بن محمد عبدالله الوزير، لا تقف عند الجانب الشخصي في علاقة الشاعر بالمرثي، بل تتعداه إلى ما كان للمرثي من دورٍ في حياة أمته ومن هنا يتوجه الشاعر إلى الناس قائلا:
حيُّوا بها الثورة الكبرى وقد نسلت | منها البطولات في تاريخها الجللِ | |
دمُ الضحايا على آفاقها شفقٌ | باقٍ على الدهر لم يبرح ولم يزلِ | |
أرست على قيم الدستور يقظتها | فنوَّرت وأنارت أقوم السبلِ | |
سارت على هديه الميمون وانطلقت | به الجماهير ملءَ السهل والجبلِ | |
هذا الفقيد المسجى من طلائعها | بلا ادعاء ومن روادها الأولِ |
كذلك، في قصيدة صلاة الشعر وهي رثاء للشاعر عمر بهاء الدين الأميري الموصوف بشاعر الإنسانية المؤمنة، يكون رثاء قيم الشجاعة والإباء والعزم ولا يغفل ما كان للرجل من دور في النضال من أجل فلسطين ومن أجل اليمن، فيقول:
قطف الموت هامةً لم تطأطئ | لظلومٍ ولم يشنها خضوعُ | |
شاعر المؤمنين قولٌ جريءٌ | وجبينٌ عالٍ وعزمٌ جميعُ | |
حيثما حل فهو شعرٌ وفكرٌ | وحضورٌ سمحٌ وذوقٌ رفيعُ | |
تذكر الفارس المجلي فلسطين | ويبكي الوغى وتبكي الدروعُ | |
ليس ينسى لك اليمانون عهداً | ناصعاً، في وفائهم، لا يضيعُ | |
لستُ أحصي لك المواقف هذا | مدرج الدمع؛ إذ تسيل الدموعُ |
إنَّ الشاعر لا يكاد يبدي من لوعة الفقد ما يخصه، فهو يبكي في كل فقيدٍ من أولئك حجمَ الخسارةِ التي مُنيت بها الأمة، وهذا المعنى يديره مراراً في كل من نعاهم من وجهاء الأمة ومناضليها وأفذاذها، نجد ذلك في رثائه لمعروف الدواليبي وفي رثائه لسعيد رمضان، ورثائه لأحمد يحيى المداني ورثائه لأحمد الشامي ورثائه لعبد العزيز الرفاعي، ورثائه ليحيى بن محمد الوزير الذي وصفه نثراً في مستهل التمهيد للقصيدة بأنه كان منظومة من القيم الإنسانية الرفيعة تجسدت رجلا يمشي بين الناس”، ولم يلبث أن أشار إليه بالقول:
حوت القبور الصامتات أهلةً | كانت تنير جوانب الظلماءِ | |
وبقيت وحدك بعدهم مترقباً | يوم اللقاء، فانعم بطيب لقاءِ | |
الله للأحرار ألف بينهم | حرب الطغاة ونصرة الضعفاء | |
يتسابقون إلى الفداء كأنهم | يردون حوض مسرةٍ وهناءِ |
خلاصة:
إنَّ دراسة شعر الرثاء لدى شاعرٍ ما من الأهمية بمكان، فهو يكشف لنا عن طبيعة القضايا التي يرى الشاعر أنها تستحق الانتباه وتستوجب النظر، وإذا كان كثيرٌ من الشعراء يذهبون في رثائهم إلى تعزية أهل الميت وتضخيم مصابهم به، وإظهار حزنهم عليه، وإزجاء الدعاء بالصبر والسلوان واحتساب الميت، فإنَّ الشاعر قاسم الوزير كان يتوجَّه إلى الأمة، وينعي لها فقد أحد أفذاذها، ويستغرق في رثاء القيم التي كان يجسُّدها الفقيد، وكأنَّ الشاعر يدق الأجراس ويرسخ في الأذهان أن الفقد ليس فقد الذوات أو غيابها بالموت وإنما فقد القيم.
«حرث في حقول المعرفة» كتابٌ للمفكر النهضوي والفقيد الكبير القاسم بن علي الوزير. صدر الكتاب 1443هـ/ 2022م، عن مركز التراث والبحوث اليمني. يقع الكتاب متوسط الحجم في 167 صفحة.
عن الكتاب والكاتب مقدمة الأستاذ زيد بن علي الوزير – مركز التراث والبحوث اليمني. يتحدث الأستاذ زيد عن شقيقه ورفيق الطريق الذي سارا فيه منذ سقوط الثورة الدستورية 1948، في ظروف غاية في القسوة والشقاء، مؤكدًا على حمل إرث الثورة العظيم، ونشدان الخير والتطور والحكم الرشيد. تغمره العاطفة عن شقيقه ورفيق الطريق، ويرى أن شخصية القاسم تقوم على نواحٍ متعددة ومبدعة؛ فهو شاعر كبير إلى جانب ذلك أديب بليغ الأسلوب، ناصع الكلمة، عميق الفكرة، لديه القدرة العلمية المتمكنة، والتجرد التام من أي انتماء إلا للعلم وحده كرؤية زيد. له اطلاع على تاريخ الفكر الإسلامي والتراث العربي والمعاصر، وعلى تاريخ الفكر الغربي، وعلى مسار الفكر الماركسي، ويتناول بتوسع قراءته للفكر المعتزلي والفلسفي والأدبي والتاريخي.
ويدلل بنماذج وشخصيات عديدة، ثم يتناول الكتاب فيشهد له بحسن التحليل، وإنارة الطريق، كما يشير الأستاذ زيد إلى تناول الكتاب ما بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، ويرى أن الإمبراطورية قد مثلت سورًا قويًّا حاميًا للشرق المسلم من طوفان الاحتلال الغربي، ويندد محقًّا بمكائد الغرب، وطمس الهوية، واستغلال تخلف العالم الإسلامي. ويبدي تعاطفه مع السلطان عبد الحميد -آخر سلاطين آل عثمان. والأستاذ زيد -كمفكر إسلامي- تغمره العاطفة في الترحم على السلطان عبد الحميد؛ وهو ما فعل حينذاك حافظ إبراهيم في قصدته الشهيرة: “لا رعى الله عهدها من جدود..”، وإن شابها الانتقاد.
يتناول الأستاذ زيد موقف جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ومقاومة المفاهيم الغربية الغامضة لما يسميها المفاهيم الإسلامية البنَّاءة، وإن موقفها قد أضعف الهجمة الغربية، لكنه لم يتغلب عليها. ويرى أن إدراك طبيعة المكائد الغربية ضروري لفهم شروط النهضة، ويرى أن الكتاب يمثل المخرج من الإبهام والغموض، وإن المضامين الواضحة خير معين في استجلاء الطريق.
ويضيف: “ومن هنا فإني لواثق أن ما قدمه القاسم بن علي الوزير في كتابه هذا وفي ما يكتب من فهم دقيق للمفاهيم، وعمق الأفكار، سيجد فيه الناس منارةً تهدي للخروج من غياهب مفاهيم منحرفة تعتقت، ومفاهيم أخرى غامضة أضرت.
ويشير إلى أن القاسم لا يحب أن ينشر كتابًا ولا شِعرًا، وأن الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير حاول مرات عديدة إقناعه بطبع أبحاثه وبعض أشعاره الكثيرة، وكم حاول أصدقاء معجبون به إقناعه بذلك، فلم يُصغِ إليهم، وقد قام إبراهيم بتجميع ما توفر له وطباعته.
في حين قام زيد بتجميع ما أمكن جمعه من أوراق هنا وهناك للطبع في مركز التراث والأبحاث، وذلكم بالتعاون مع صديقه المفكر العربي صبحي غندور، رئيس مركز الحوار العربي.
في التوطئة المُقَدَّمة من المؤلف، يتناول الأستاذ قاسم المواضيع المتعددة في الكتاب الصغير حجمًا الكبير معنىً وأهميةً ودلالةً، والعميق فكرًا ورؤىً؛ فهي كما يدون مجموعة محاضرات وأحاديث متفرقة مستقلة بعضها عن بعض تدور حول موضوع واحد هو النهضة. وحقًا، فإن المحاضرات والمواضيع الأخرى مكرسة من الألف إلى الياء لقضية النهضة، ومسار الحداثة والتنوير والبناء في الوطن العربي كله. وبالفعل، فإن تنوع علوم ومعارف الأستاذ قاسم كثيرة ومتعدد، وتدلل على مقدرة كبيرة ومهارة وإتقان.
سؤال النهضة -كما يرى- لايزال قائمًا، ويشير إلى أنه ألقى معظم المحاضرات في مركز الحوار العربي في واشنطن الكبرى، وقد ألقى نظرة جديدة بغية موازنة ذاتية، فلم يرَ تعديلًا أو تغييرًا في موقف؛ فهي وجهة فكرية قائمة على منهج مستفاد من مصادر علم، وكما يختم: فلا جرم تظل صالحة للنظر ما احتاج الواقع للتغيير.
في حديثه عن الموقف من الحضارة الغربية، يعرف مصطلحين. والباحث دقيق جدًا في تحديد المصطلحات، وتوضيح المفاهيم والإحاطة بالقضايا. المصطلحان: الحضارة، والغرب.
يختار تعريفًا جامعًا لعالم اجتماع هو مالك بن نبي، إذ يقول: “إنها مجموعة الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده من كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطواره. فالمدرسة، والمعمل، والمستشفى، ونظام شبكات المواصلات والأمن في جميع صوره عبر سائر تراب القطر، واحترام شخصية الفرد، تمثل جميعها أشكالًا مختلفة للمساعدة التي يريد ويقدر المجتمع المتحضر على تقديمها للفرد الذي ينتمي إليه”.
ويرى مالك بن نبي أن جوهر الحضارة مُعطى مضمر في ذاتية أي مجتمع تحمل إرادته معطياتها الأصلية وفقًا لاطراد تاريخي متواصل، أما من الناحية المادية البحتة، فإن الحضارة هي التي تصنع منتجاتها، وليس العكس.
ويتناول مصطلح «الغرب والشرق»، ويرى أن المصطلح قد بلغ الأوج مع المرحلة الاستعمارية. فقد أصبح الشرق يعني المنطقة المُسْتَعْمَرة، والغرب المنطقة المُسْتَعمِرة، وهناك أكثر من شرق وأكثر من غرب.
ثم يدرس متسائلًا: ما المقصود بالحضارة الغربية؟ ويرى عدم إمكانية الإجابة إذا حصرت في مكان جغرافي معين منعزل أو جنس معين، ويرجح البحث عنها في المجال الحيوي مع توينبي أو مع ابن نبي على مستوى حضارة ضمن نظريته في النشاط المشترك. فالغرب فكرة أو منطقة فكر، أو هو -كما يقول جارودي- ليس تعريفًا جغرافيًّا، ولكنه مجموعة من القيم والقوى والثقافات والماديات التي تميزه كحضارة متقدمة في وقتنا الراهن.
ويرى الباحث أنه إذا ما توفرت الشروط والظروف في مجتمعٍ ما يكون ميلاد الحضارة، وتكون انبثاقًا من رحم ثقافة سابقة. والحضارات ليست دوائر مغلقة، وما لدى الغرب من أفكار ومبادئ ونظم وفنون وماديات، فله جذور في حضارات أخرى.
ويدرس الروابط والتدخل بين الحضارات المختلفة وعلاقاتها ببعضها، ويرى أن جوهر الحضارة واحد من حيث هي تفاعل الإنسان مع الزمن ومع الطبيعة. ويقرأ الخصوصية في كل حضارة: طبيعة القيم، والفلسفة، والمعتقدات، والعادات، ولكي نحدد موقفًا من الحضارة لا بد أن نفهمها وفلسفتها على وجه أخص. ويرى أن الإنسان يبدع الحضارة؛ فالحضارة إرث إنساني مشترك تقوم على أساس التكامل.
ويدرس الحالة التي وصلت إليها الحضارة الغربية، وما نجم عن الثورة البرجوازية والصناعية وحاجتها إلى المواد الأولية والأسواق، ونشأة ظاهرة الاستعمار وصولًا إلى أعلى مراحل الرأسمالية وما صاحبها من تبرير للتفوق العرقي يحق له أن يستعمر، وأن يستعبد مستشهدًا بمقولات رينان الاستعمارية والعنصرية.
ويجزم أن الموقف ليس ضد الغرب، ولا ضد الحضارة الغربية؛ وإنما ضد الاستعمار وفلسفته المنحلة، ومبرراته اللاأخلاقية. وهو الموقف الذي أدركه باكرًا ماركس وأنجلز ولينين، ولاحقًا جارودي وإدوارد سعيد وأمين معلوف وآخرون كُثُر [الكاتب].
وتصفية الاستعمار -كرؤية الباحث- لا تعني الوجود العسكري ومؤسساته فقط، فالأهم تصفية ثقافته، وفلسفته، ومنطقه.
ويرى -محقًا- أن جمال الدين الأفغاني وتلاميذه قد قبلوا الحضارة، ورفضوا الاستعمار وهيمنة الغرب. ويقدم قراءة متميزة لفكر وفلسفة الاستعمار ومآسيه في البلدان المستعمرة.
في محاضرة بعنوان: «مراجعات وتأملات فكرية في مفترق قرنين»، يتحدث عن العدوان الصهيوني البربري على غزة، والمواقف المخزية للأنظمة العربية طبعًا، وغليان واحتجاجات الشعوب الأخرى.
يدرس نشأة الإمبراطوريات في القرن السابع عشر، وسيطرة الإمبراطورية البريطانية ثم الفرنسية، وبداية المرحلة الاستعمارية. ثم يأتي على تناول الإمبراطورية العثمانية، وتبني الجامعة الإسلامية، والسعي الروسي القيصري للسيطرة على شعوب آسيا الوسطى، واحتلال بريطانيا لمصر، واستعمار الهند، والقضاء على الدولة الإسلامية فيها، واحتلال فرنسا لمعظم الشمال الإفريقي، واستباحتها مع بريطانيا للقارة الإفريقية، وتطويقهما عقر دار الإمبراطورية العثمانية في الجزيرة والعراق وبلاد الشام. ويقرأ ثورة الاتحاد والترقي، واعتمادها النهج الطوراني متمثلة النهج الأوروبي الاستعماري.
ويتناول الهجمة الاستعمارية الأوروبية بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية.
يدرس عميقًا حركة الإصلاح كتجديد فكري وإصلاح ديني وتحديث علمي وسياسي واجتماعي، هزت المجتمعات الشرقية كلها، وليس العالم الإسلامي والعربي وحدهما. ويتتبع الخط البياني لهذه الحركة بدءًا من عدو الاستعمار الأول جمال الدين الأفغاني، ويتناول فكرة الجامعة الإسلامية، ومحاولات الإصلاحات التي قام بها عبد الحميد.
ويقرأ بالتفصيل جهود التجديد والإصلاح، ويحددها بإحياء العلم، والقطيعة مع عصور الانحطاط، وفتح باب الاجتهاد.
ويتناول موقف القوى التقليدية في مناهضة التجديد الفكري، والتغيير السياسي، والإصلاح الديني والإحياء العلمي، والتمسك بالتقاليد الموروثة.
ويأتي على ذكر التيار الثالث (تيار التغريب)، ويربط هذا التيار محقًا بهيمنة الاستعمار، وبسط نفوذه على الكره الأرضية.
ويرى أن للتقليد معسكرين: ماضوي، وتقليد أوروبي. ويربط نشأة العروبة بسقوط عبد الحميد خان، وبروز تيار الاتحاد والترقي.
وهذا الأمر بحاجة إلى مراجعة ونقاش؛ فالصراع بين العروبة، والاحتلال العثماني، يعود إلى مراحل مبكرة، وصراع المصريين والشوام والمغرب العربي أيضًا سابق، كما أن قيام الإمام القاسم بن محمد يعود إلى مطلع القرن التاسع الهجري. [الكاتب].
ويصنف الأفكار الرئيسية مطلع العام 1909 في الآتي: فكرة الجامعة الإسلامية، فكرة التجديد والتحديث والإصلاح، فكرة التقليد والجمود، فكرة التغريب، فكرة العروبة. ويدرك المفكر والباحث أن قضية الدسترة كانت سائدة في تركيا وإيران، وقامت ثورة المشروطية في إيران عام 1906، وفي تركيا 1911، يشدد على العام 1909 كبداية لمشروع النهضة.
ويرى أن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت سقوط الخلافة العثمانية، وغياب فكرة الجامعة الإسلامية، وسقوط مشروع الاستقلال العربي والدولة الواحدة، وانكشاف خديعة الثورة العربية الكبرى، وتقاسم الدولتين المنتصرتين: بريطانيا وفرنسا، العراق وبلاد الشام وفلسطين، وتحويل المنطقة العربية إلى دويلات مستعمرة، وتجزيئه إلى أوصال. وقد استمرت فكرة التجديد والإصلاح في كل قطر تواجهها القوى التقليدية.
ويرى -محقًا- أن فكرة التجديد والإصلاح قد أنتجت حركات التحرر من الاستعمار، وانطلاق دعوات التغيير الاجتماعي، وارتفاع وتيرة الحريات السياسية. وفي الجانب السياسي الديمقراطي تكونت مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ومؤسسات وهيئات ونقابات وحرية صحافة واسعة، وقيام حكومات منتخبة، ومجالس نيابية فاعلة على نواقصها، وانتشار الوعي والتعليم.
ويتناول الجانب الاقتصادي، وتنامي دعوة الوحدة العربية، وشهدت الثقافة نهضة حقيقية في مجالات متعددة.
ويتناول باهتمام غرس إسرائيل في قلب الأمة العربية، و1948 التي شهدت على فساد الأنظمة، وسيطرة الاستعمار.
وقد تتابعت الانقلابات العسكرية بدعوى القضاء على الفساد، وتحقيق التقدم، والقضاء على التجزئة، وتحرير الأرض المغتصبة.
كان التحرر والوحدة والحرية والعدل والتقدم ملء القلوب والعقول؛ فإن رفع الحكام الجدد لراياتها قد دفع هذه الجماهير المشتعلة حماسًا لها للتهليل لهم، والالتفاف حولهم.
ضحت الأمة بحريتها وحقوقها على أمل التحرير، ولكن الحكام العسكر صادروا الحريات المكفولة؛ فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأممت الصناعات والمؤسسات الاقتصادية لتمويل الحكم، وضمان استمراره بالسيطرة.
ويتدارك: صحيح أن التعليم قد ازداد، وخارطة التعليم اتسعت، ولكن العلم ذاته قد انكمش.
اعتبر الانقلابات قطعًا للتطور الطبيعي. ويضيف: سواء صدقت نظرية المؤامرة أم كذبت؛ فإن النتيجة خدمت العدو، ولم تخدم الأمة.
ومع الاحترام لرأيه ؛ فإن الأنظمة الملكية كانت متواطئة وعميلة، ولكن ذلك لا يعفي الأنظمة القومية من مسؤولية الهزيمة وتبعاتها القائمة حتى اليوم. [الكاتب].
وانتقد غياب الحرية والديمقراطية ومؤسسات المتجمع المدني وتغول أجهزة المخابرات وعسكرة الحياة، وإليها ينسب الباحث محقًا إفراغ المشروع الوحدوي من محتواه، وتغييب الإرادة الشعبية، وحصر الحكم في الحاكم، ويعتبر هزيمة 1967 نتيجة متوقعة، بل لازمة لذلك.
ثم يتناول -محقًا- إدانة القبول بالأمر الواقع، واتفاقيات كامب ديفيد حتى كارثة أوسلو التي حولت المقاوم إلى مفاوض يقدم التنازل بعد الآخر دون أن يكسب شيئًا؛ ليصل إلى استسلام النظام العربي، وسيادة روح القُطرية، وغياب الحرية أيضًا؛ مما أدى إلى تغول الدكتاتورية في أبشع صورها، وزاد الاعتماد على أجهزة المخابرات، وقمع الحريات وإخماد العقول.
ويرى -محقًا- أن الهزيمة أيقظت روح الأمة، واستنفرت قواها، وازدهرت ثقافة المقاومة ابتداءً من رفض نتائج الهزيمة، ورفع اللاءات الثلاث في الخرطوم، وانطلاق المقاومة الفلسطينية.
ويوجه سهام النقد للانكسار الذي ساد عقب كامب ديفيد واتفاقات أوسلو؛ وهو ما يتفق فيه مع المفكر الكبير إدوارد سعيد في كتابيه: «أوسلو سلام بلا أرض»، و«غزة وأريحا سلام أمريكي».
في مبحث بعنوان «أولويات للنهضة العربية»، يتناول المشكلات القائمة، ومخاطر التجاهل؛ داعيًا إلى انتفاضة ثقافية حقيقية على الذات. ويشخص حالة التدهور في المجتمعات، وغياب مقومات الحضارة. ويقرأ مرحلة البناء الحضاري (النهضة).
ويرى أن العنف ليس شرطًا، ولا هو حتمي. وأنه يسوغ حين يكون ضرورةً تساوي ضرورة القوة لتنفيذ القانون من أجل العدل.
ويرى أن الهدم قد طال زمنيًا، وألغت القوة دور العدل. ويرى أن الهدم منصب على الأشكال وإبدالها بأشكال أخرى، وأن العنف قد استخدم بإسرافٍ غير مبرر.
ويقرأ أن الجهل أعتى مشاكل التخلف، ويرى الخطأ الأخطر في معالجة الجهل بوسائل الجهل نفسه.
يلح الباحث كثيرًا في مباحثه على الثقافة بالمعنى العام من حيث هي منظومة القيم والمعتقدات والمعارف، ويتوسع في أثر الثقافة وأهميتها في التنمية والإصلاح والبناء الحضاري، ويقسم العمل من أجل النهضة إلى مرحلتين:
الأولى: إيقاظ الإيجابية والكرامة في الإنسان بإعطائه الحرية الكاملة، وإطلاقها فكريًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا.
وثانيهما: كما يرى إيجاد الإنسان القادر على استخدام مواهبه المنبثقة عن العقيدة، واستخدام طاقاته المنبثقة عن الحرية.
ويدعو إلى الابتعاد عن التناقض في التوازن بين الحرية والتنمية وحقوق الإنسان والوحدة أو العدالة الاجتماعية والحريات السياسية. ويرى أن التوازن الجديد مرتبط بالثقافة.
وفي ندوة بعنوان: «أفكار حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية»، يتساءل: هل نحن بحاجة إلى إصلاح؟ وأي إصلاح هذا الذي نريده؟ وما هي مجالاته من ناحية، وطبيعته من ناحية أخرى؟
ويواصل التساؤل عن الإصلاح: هل يمكن الإصلاح بدون تغيير؟ وما طبيعة هذا التغيير؟ وما هي مواقعه المنشودة؟ وما هي وسائله؟
ويرى أهمية وضرورة الإصلاح، ويلاحظ تفاوت الإجابات بين علماء الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة. ويرجح الباحث بالبدء بالثقافة؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهي شرط لحركة المجتمع وتحرره من حالة الجمود، ويرى محقًا: إننا بحاجة إلى إصلاح شامل، ونهضة تتجدد بها قوانا، وتكفل بها حقوق إنسانيتنا، وتطلق بها قدراتنا وتزدهر إبداعاتنا.
ويتناول الأولوية الحاسمة، ومن يقوم بذلك، ويضع ثلاث فرضيات:
الدول، ويستبعد هذا الافتراض لثلاثة أسباب:
الأول: قُطرية الدولة القائمة على التجزئة المفروضة بالقوة، وإرادة استعمارية؛ فلا علاقة لها بالمجتمع.
الثاني: قوى المجتمع، ويستبعد هذا الفرض مستشهدًا بثورات التسعينيات في غير بلد.
أما الثالث: فالفرض من الخارج. ويدلل على استبعاده بأنموذج العراق. ويقدم قراءة استثنائية لأنموذج اليابان؛ وهي التجربة التي لها وضعها وظروفها الخاصة.
ويعود ليؤكد على المواطن ممثلًا في تنظيماته الاجتماعية ومؤسساته المدنية، باعتباره صاحب القرار، ومصدر القوة، وإخراجه من ضيق الانتماءات العشائرية والطائفية والأسرية والمناطقية، إلى القضية الجامعة، وتكوين رأي عام يتحرك مع التاريخ. ويدعو إلى مشروع نهضوي تتفق عليه القوى والرواد.
ويرى أن الحركات الكبرى في التاريخ قد تبدأ من شخص. ويدلل بالدعوة الإسلامية، والماركسية، والنازية، والفاشية، وبدعوة جمال الدين الأفغاني، ودعوة الاستقلال في الهند، والدسترة في إيران، والرابطة القلمية في المهجر، ودعوات الحركات السلمية. ويؤكد على أهمية المنطقة التي انطلقت منها الديانات والرسالات الكبرى، والفلسفات والحضارات، وتصطرع عليها وحولها القوى الكبرى؛ فدعوات الإصلاح والتغيير لا بد أن تأخذ الخلفية والإرث بعين الاعتبار.
تحت عنوان «عوامل الانقسام والتجزئة في الأمة والمجتمع»، ألقى محاضرة بمركز الحوار العربي، يشير فيها إلى ملاحظتين:
الأولى: إن المجتمع قد استطاع الحفاظ على وحدة الأمة عبر تاريخها الطويل رغم التمزق، وتفرقها ثقافيًّا واجتماعيًّا إلى فرق ومذاهب نتيجة التطورات المختلفة.
الثانية: إن الحال قد استمر على المنوال نفسه (وحدة الأمة) حتى الحرب الكونية الأولى وما تلاها، ونشأة الدولة القطرية على أسس جغرافية فرضها المستعمر. ويربط الأسباب بالنتائج في دراسة الانقسام.
المشهد الأول حروب الردة، ويعتبرها ثورة مضادة في محاولة لنسف المجتمع الجديد بتقويض وحدته. فليست انقسامًا داخل المجتمع، وإنما ضد المجتمع. والواقع أن صاحب «الفصل في الملل والنحل» ابن حزم، يقسم أصحاب الردة إلى أقسام:
طائفة: بقيت كما عليه الحال، وهم الجمهور.
وطائفة: بقيت على الإسلام، إلا أنهم امتنعوا عن الزكاة، وهم كثر، ومنهم أهل اليمن الذين يطالبون بأخذ الزكاة من أغنيائهم وردها على فقرائهم.
والثالثة: أعلنت الردة كأصحاب مسيلمة وطليحة وسجاح.
فكان الخلاف بالأساس حول مورد الزكاة، ولم يكن ردة بحال، ورجح الدكتور أبو بكر السقاف موقف أبي بكر لعلاقة الأمر بمورد الدولة الجديدة، وحسنًا فعل الباحث في تسميتها ثورة مضادة، ولكن التمييز مهم. [الكاتب].
أما المشهد الثاني فنهاية الخلافة الراشدة، وبداية الملك العضوض، ويعتبره انقسامًا سياسيًا للاستيلاء على الحكم، وإلغاء مبدأ الشورى، وأصبحت القوة للعصبية، وليس للقانون ولا للشريعة، وامتدت القوة إلى كل مناحي الحياة السياسية والشرعية والاقتصادية والاجتماعية، وأفسدت الحياة الأدبية والثقافية والدينية.
ويرى المشهد الثالث في استمرار الثورة العباسية بكل تلكم العوامل الموروثة عن الأمويين في استبدال عائلة بعائلة؛ فظهرت فرق جديدة، وبرزت الشعوبية والعصبيات المذهبية، وانقسمت الدولة العظمى بقيام الدولة الأموية في الأندلس، وحصل الانقسام الثاني بانفصال الغرب، وقيام الدولة الفاطمية، وتتالى بروز الدويلات والإمارات حتى مجيء المغول.
ومع ذلك كله، بقيت الأمة موحدة، والواقع أن التفكك والانقسام قد طال الجسم في تفاصيل تفاصيله، وامتد الانقسام إلى مجمل تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، خصوصًا في الغزو الصليبي، ولكن تبقى روح الأمة العربية كامنة؛ وهو ما أراده الباحث وأكده ما تحقق على يد صلاح الدين الأيوبي. [الكاتب].
ويبدأ الدور الرابع بظهور الإمبراطورية العثمانية، ويربط دورها بالإمبراطورية السابقة (يقصد الأموية والعباسية). والأستاذ هنا يغلب الرابطة الإسلامية. ويرى -محقًا- أنها حمت العالم الإسلامي والعربي من قوى الاستعمار، ويصل الباحث إلى نتيجة صائبة ومهمة؛ وهي العودة بالتمزق والصراعات إلى الاستبداد.
ويتناول ما ترتب على الحرب العالمية الأولى من الاستيلاء على تركة الرجل المريض، وكانت أهم هذه التركة الأمة العربية؛ ليقوم المنتصرون الاستعماريون: فرنسا وبريطانيا، تتقاسم الأمة بالسنتي. ويدرس عميقًا التفكيك والتمزيق في الوطن العربي.
ويدرس أسباب العنف؛ وهو موضوع -كما أشار- يثير حساسية خاصة في هذه الفترة التعيسة. ويرى أن العنف أصبح ذا بعد واحد سياسي، ويعتبره -محقًّا- مأساة إنسانية وأخلاقية مروعة. ويتناول العنف والصراع في أوروبا في القرن السابع عشر؛ ملاحظًا أن العنف أضرى وأشرس، وحتى العنف في منطقتنا، وفي العالم، ليس بعيدًا عن أياديهم. [الكاتب].
ويشير إلى أن العنف لم يقتصر على مجتمع دون آخر أو أمة دون أخرى؛ فهو ظاهرة عامة مشتركة. ويقسم العنف إلى: مرفوض، ومقبول أو مبرر، أو مشروع، وعنف مفروض أو مطلوب.
«جرائر الدكتاتورية العراق أنموذجًا» يرى صادقًا أن الإنسانية لم تُمتحن في تاريخها الطويل بشيء كما امتحنت بالدكتاتورية تصيب الفرد والمجتمع ومجمل تفاصيل الحياة صغيرها وكبيرها، وتسرق أشواق المجتمع حيث يستأثر فرد واحد بمصادر القوة، ويقوم بالتصنيفات للأفراد والجماعات؛ فيصبح مركز الحياة، أو بالأحرى الموت. [الكاتب].
يختزل الأمة في شخصه، ويلغي إنسانية الإنسان، وتترتب على ذلك نتائج مدمرة، إذ يصبح الأمن هاجس الحاكم المستبد، ويصبح الخوف سمة المحكوم المستضام. تصيب الأفراد الأزمات النفسية، وتدفع المجتمع إلى التراجع، وتنحل القيم الأخلاقية، ويسود التزييف الشامل للوعي، ويصبح المجتمع بؤرًا مغلقة على نفسها محقونة بالغضب والحرمان، ويدلل بالصومال في حكم زياد بري. والواقع أن العراق كان الأنموذج للحالة السائدة في المنطقة كلها. [الكاتب]. ويشير إلى وضع العراق قبل الثورة. والمأساة أن الحرب الثلاثينية التي قادتها أمريكا، وشاركت فيها دول عربية، دمرت العراق، ومزقت وحدته الوطنية ونسيجه المجتمعي.
«الفقه في غفوة والعقل في إجازة علينا أن نوقظ الإنسان»، تحت هذا العنوان يربط بين الحرية والإبداع؛ محذرًا من المس بالمقدسات والذات الإلهية، ولكنه يجزم بأن الرد هو الدحض بالحجة، وليس العقاب. ويتناول قصة سلمان رشدي، وإلحاد ابن الراوندي، كما يتناول في صفحة 58 و59 الحوار بين إسماعيل أدهم في كتابه «أنا ملحد»، ورد محمد فريد وجدي عليه: «لماذا هو ملحد»، أو رد أحمد زكي أبو شادي: «لماذا أنا مؤمن». ويرى -صادقًا- أن الانتصار لا يكون إلا بالحجة.
ويرى -محقًّا- أن الانشغال بالقضايا الصغيرة والجزئية يصرف الأنظار عن القضايا الأهم والكبرى. ويشنع على دعاة التكفير والتفسيق؛ مؤكدًا أن الإسلام قد جعل التكفير الباطل كفرًا، موردًا الآية: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.
ويأتي على العولمة، ويعتبرها مصطلحً مطاطًا ومراوغًا؛ عارضًا وجهتي النظر حولها، ولكنه يميل إلى رؤية روجيه جارودي التي يراها أمركة العالم.
ويفرق بين العالمية والعولمة. ويرى أن العولمة تنطلق من إرادة الهيمنة السياسية للسيطرة الاقتصادية على الأسواق، والاستحواذ على وسائل الإنتاج المتقدمة والمتطورة، والتحكم في قيمة المصادر الأولية، وتسيد ثقافة واحدة.
ويرى أن الشعوب النامية، ومنها شعوبنا، أكثر عرضة وأقل مناعة في مواجهة الهيمنة المتعددة الاشكال.
ويرى أن العالم يتجه إلى نوع من التوحد، وأن الخلاف على غايات العولمة ووسائلها وقيمها الأخلاقية، وأن المسلمين يمتلكون الكثير لتزويد العالم بتنويره في هذا السبيل؛ مدللًا بالقيم الإسلامية العظيمة، مشددًا على رابط العولمة بالهيمنة.
في الكتاب ملامح تاريخية سياسية واقتصادية وثقافية غاية في التنوع ووضوح الرؤية وعمقها، وبالأخص قراءته للدولة القطرية، وقيام كيانات شديدة الغنى بالثروات النفطية، ودول غاية في التعاسة والفقر.
كما يدرس عميقًا مخاطر الاستبداد والتفكير وقمع الحريات ومخاطر الوجود الصهيوني في فلسطين؛ مدينًا بشدة اتفاقات كامب ديفيد.
هناك نقاش حول الموقف من الحضارة الغربية كتحية الفقيد والمفكر القاسم بن علي الوزير في نهاية الكتاب.
للأسف، لم ألتقِ الأديب والشاعر والمفكر السياسي الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية، شخصيًا أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنني عرفته بشكل كبير من خلال أفكاره التي سبقت عصره، ومبادئه المدنية القيمة التي رسم من خلالها سياسة اتحاد القوى الشعبية مع شقيقه الأكبر، المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير، مؤسس الاتحاد، وكذلك مع شقيقه الأستاذ والمفكر الكبير زيد بن علي الوزير. ومن أبرز تلك الأفكار والمبادئ التي قام عليها اتحاد القوى: الشورى في الأمر، الخير في الأرض، والعدل في المال. وما أعظمها من أفكار لو تم تطبيقها في واقعنا الراهن.
قرأت للأستاذ القاسم بن علي الوزير العديد من المقالات، وأيضًا كتاب “حقول المعرفة” الذي أثار فيه العديد من التساؤلات والقضايا المهمة. فعرفته من خلال أفكاره ومبادئه، ووجدت فيها الحلول والعلاج للكثير من مشاكل مجتمعنا والمجتمعات العربية في وقتنا المعاصر.
التصدي للعصبيات:
ومن هذه الأفكار المتقدمة والمبادئ المدنية التي ظل الأستاذ القاسم طوال حياته ينادي ويناضل من أجلها لمعالجة العديد من القضايا التي يعاني منها مجتمعنا اليمني، وكذلك معظم المجتمعات العربية والإسلامية. ومن أمثلة ذلك كتاباته وأفكاره عن “العصبية”، والتي حذر منها رسولنا الكريم في أكثر من حديث شريف: «ليس منا من دعا إلى عصبية»، وأيضًا قوله صلى الله عليه وآله: «دعوها فإنها منتنة».
في هذا الصدد، يرى الأستاذ الكبير القاسم بن علي الوزير أن تعصب القبيلة لأعرافها يفضي إلى إعلاء هذه الأعراف فوق الشريعة أو القانون. وذلك يفتح باب الفتن على مصراعيه؛ فتنشأ الحروب بين القبائل المختلفة، وفي صفوف القبيلة الواحدة ذاتها، وتستيقظ الثارات المندثرة لتجر إلى حروب وثارات جديدة تسفك فيها الدماء، وتقطع الأرحام، وتمزق الوشائج الاجتماعية.
وكذلك العصبية الحزبية، التي تكون أشد ضررًا على المجتمع من عصبية القبيلة، كما يرى الأستاذ القاسم، خاصة عند احتكار حزب ما للسلطة والثروة، وعدم إيمانه بالتداول السلمي للسلطة، واعتباره نفسه فوق القانون، وأنه هو الشعب، فيلغي حرية الآخرين وحقوقهم.
كذلك تحدث الأستاذ القاسم بن علي الوزير في العديد من محاضراته وندواته، لا سيما في مركز الحوار الوطني بواشنطن، عن الأحزاب والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. ويرى من وجهة نظره العميقة أن وجود الأحزاب في أي بلد من البلدان ظاهرة صحية في مجتمع معافى، خاصة عندما تقوم هذه الأحزاب على أسس وأفكار وبرامج محددة وواضحة، تعمل من أجل المجتمع ككل وليس فقط من أجل فئة أو شريحة محددة من المجتمع. تعمل من أجل الفئة التي تمثلها في إطار المصلحة العامة للمجتمع ككل، وليس عبر أفق ضيقة لفئتها فقط، تعالج مشاكل الحاضر وتتنبأ للمستقبل وتعمل له.
الإصلاح والتغيير:
وحول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية، يؤكد الأستاذ القاسم بن علي الوزير أن لا أحد ينكر هذه الحاجة، بل يشعر بها كضرورة ملحة، وأن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى ذلك من خلال الإصلاح الشامل، الذي تتجدد من خلاله نهضة المجتمعات العربية. إصلاح يكفل الحقوق الإنسانية، وتنطلق من خلاله قدرات وإبداعات الأمة للإسهام في الحضارة البشرية والمسيرة الإنسانية.
ويؤكد أن التغيير في أي مجتمع من المجتمعات العربية يجب أن يبدأ من “الفكر” أو العقل، أي من خلال تحرير “روح” الإنسان من سيطرة الخرافة بمختلف أشكالها، وسيطرة الجهل والخوف والظلم والاستبداد بكل أشكالها، ليصبح الإنسان حرًا بعقيدة صادقة تفجر طاقاته وقدراته في مختلف المجالات الثقافية والعملية والإبداعية.
ويرى أن الإنسان هو البداية وهو المدخل، تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. وأن الإصلاح والتغيير يجب أن يبدأ من خلال استقلال الذات الحضارية للمجتمع، واستقلاله السياسي والاقتصادي، وكذلك استقلال القضاء. وعن أولويات الإصلاح، يقول الأستاذ القاسم إن مبادرة الإصلاح تكون في المجال المتاح، فحيث يتاح المجال تكون المبادرة، وأن كل خطوة تنجز ستؤدي إلى خطوات في الجوانب الأخرى. كما أن سلم الأولويات هنا يحدده “المجال” الذي تتاح الحركة فيه، أما الأولوية الحاسمة فهي يقظة الذات أو الروح التي يتحقق بها استقلال الذات، باعتبارها المدخل إلى تحقيق ذلك كله.
ويقول الأستاذ القاسم: “الآن هناك الكثير سيتساءل: بمن وكيف سيكون هذا التغيير المنشود؟”، ويجيب قائلاً: “يجب أن تتجه الجهود إلى ‘الإنسان’، إلى المواطن ممثلاً في ‘تجمعاته الاجتماعية’ ومؤسساته المدنية لإيقاظ قواه الروحية من سباتها وإطلاق إرادته من أسر الاستسلام والإحباط، وإنارة وعيه باعتباره صاحب القرار ومصدر القوة. وإخراجه من ضيق انتماءاته وتكويناته البدائية – عشائرية وأسرية وطائفية ومناطقية – إلى رحاب القضية الجامعة وسعة ‘المشروع’ الموّحد! وبذلك وحده يتم تكوين رأي عام يتحرك مع التأريخ في اتجاهه الطبيعي، ويطلق فعاليته لتحقيق أهدافه، ويعيد بناء مؤسسات مجتمعه المدني ويجدد ما تهاوى أو تداعى منها”.
وذلك من خلال إيجاد الفكرة المتمثلة في شكل “مشروع نهضوي” تتفق عليه القوى أو الأشخاص الرواد، ثم يبشرون به ويعملون من أجله.
الطريق إلى المستقبل: استمر المفكر الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير في الانشغال بقضايا الأمة ومستقبلها، وفي هذا الصدد ألقى الأستاذ الكبير محاضرة قيمة بعنوان “الطريق إلى المستقبل” في العام 2017، أكد خلالها أهمية مغادرة الماضي الذي نعيشه، ونشتبك مع وقائعه وأحداثه في معارك حقٍ أو باطل لن تغير منها – على كل حال – في قليل أو كثير، ولكنها تحبسنا في مجالها، فنظل ندور فيه دوران جمل المعصرة. مع أهمية النظر إلى الماضي بعين فاحصة، نقرؤه لا أن نعيشه، وندرسه بشكل علمي وعميق لا أن نستعيده، فذلك شرط لفهم الحاضر وبناء المستقبل.
إيقاف العدوان والحرب الظالمة: ويؤكد الأستاذ القاسم أن علينا في اليمن أن نتجه نحو المستقبل، والعمل من أجله بالاستعداد له، والاقتناع به، ومن ثم حشد طاقات المؤمنين به لإيقاف العدوان والحرب الظالمة بكل وجوهها الكريهة. وهذه، من وجهة نظر الأستاذ القاسم بن علي الوزير، الأولوية الراهنة التي يتوقف عليها أمل الآمل ونجاح العامل. ويقع ذلك على عاتق القوى الوطنية المستنيرة كافة، ومن أي اتجاه، والعلماء والمثقفين خاصة، حيث تقع عليهم مسؤولية الاضطلاع بهذا الدور العظيم الذي يقتضي التجرد من كل انتماء ضيق: فئوي، أو حزبي، أو مناطقي، أو مذهبي، أو عائلي. والتلاحم ضمن موقف وطني شامل وجامع لإيقاف الحرب المدمرة، حفاظًا على كيان الأمة من التشظي والانهيار، وعلى معايش الناس من الاندثار، كطريق وحيد إلى مغادرة الحاضر البائس نحو المستقبل.
القضية الفلسطينية:
كما أن فلسطين الجريحة المحتلة لم تغب يومًا عن فكر وبال وهموم أستاذنا الكبير القاسم بن علي الوزير، حيث تقاسم بمعية شقيقه الأكبر، الأستاذ والمفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير، مؤسس ورئيس حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية، العديد من المواقف العظيمة تجاه القضية المركزية للأمة العربية، القضية الفلسطينية. ففي معظم محاضراته وندواته ومداخلاته حول القضايا العربية كانت القضية الفلسطينية هي الحاضر الأول والأبرز، داعيًا إلى موقف عربي ودولي جاد وموحد لوقف المجازر الوحشية لجيش الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على ترابها الوطني.
الحديث عن الأستاذ القاسم بن علي الوزير وعن أفكاره ومبادئه لا تسعه الكتب والمجلدات؛ فحياته كلها جهاد ونضال، كشقيقه ومعلمه الأستاذ والمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير، وشقيقه المفكر والسياسي الكبير زيد بن علي الوزير، جهاد في سبيل الله وحماية الوطن والحرية والاستقلال.
غادر أستاذنا الكبير الأديب والمفكر القاسم بن علي الوزير دنيانا الفانية إلى رحمة الله الواسعة يوم الاثنين 20 مايو/أيار الماضي عن عمر ناهز الـ87 عامًا، في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه سنة الله في خلقه، ورحيله خسارة كبيرة لا تعوض لليمن وللأمة العربية والإسلامية. غير أن ما يهون علينا رحيل مثل هذه القامة الوطنية العلمية والفكرية الكبيرة هو ما ترك خلفه من إرث كبير من الكتب والمقالات والمحاضرات والأبيات الشعرية، التي في مجملها تستنهض الأمة للمضي نحو المستقبل المشرق بخطى ثابتة وواثقة.
ما إن بدأت بقراءة كتاب “حرثٌ في حقول المعرفة”، للفقيد العزيز العلامة والمفكر والأديب والشاعر قاسم بن علي الوزير، والذي تضمن عددًا من المحاضرات ألقى معظمها في مركز الحوار العربي بمنطقة واشنطن الكبرى بالولايات المتحدة، ما إن بدأت بقراءة هذا الكتاب، وكذا مجموعاته الشعرية الثلاث التي جُمعت في كتاب بعنوان “مجموعات شعرية”، والكتابان أهدانيهما صديقي العزيز الناقد والأديب الموسوعي الأستاذ حسن حمود الدولة، رعاه الله، مع بداية القراءة غمرني شعور بحالة انتشاء وجدانية غريبة شدتني بقوة للغوص في بحار فكر الفقيد العميقة، شعرت كأنني أعرف الفقيد منذ زمن طويل!
ومثل هذا الشعور لعله من أسرار خلود الروح بعد فناء الجسد الذي اعتبره كثير من المبدعين كفنًا أو سجنًا للروح يتحرر منه بالموت، وهذا ما جعل كثيرًا من الشعراء يكرسون تأملاتهم الشعرية في تخليد هذه المعاني، وعلى سبيل المثال ها هو الشاعر والفنان التشكيلي والأديب المبدع عبد اللطيف محمد إسماعيل الربيع، يتخذ “الكفن… الجسد!” عنوانًا لأحد ديوانيه المنشورين، سماهما كتابين، وهما: 1. كتاب “الكفن… الجسد!”، 2. كتاب “فازعة”، معتبرًا الموت في إحدى قصائده خلاصًا من الكفن، وفي قصيدة أخرى تنبأ بموته المبكر والمفاجئ، بقوله:
“في مواجهة مقبرة خزيمة يوجد شرطي
يؤشر للناس باتجاه المقبرة
يوم الجمعة أغتسل من نفسي”
وحسب الموعد غادر دنيانا يوم الجمعة.
ولأن الشاعر والمفكر والفنان المبدع في أي فن، إنما هو شمعة تحركها وتحرقها حروف ولون وصوت إبداعه، يستوي أن يكون شعرًا أو نثرًا أو أية صورة أو مادة إبداعية أونتاج فكري أو فني أو أدبي طالما كان نابعًا من وجدانه الصادق الحي الصافي.
ومن الواضح أن كلمة وجدان ذات البعد الروحي مشتقة من الوجود المادي الذي لا ينفصل، وهما وجودان لا ينفصلان، إلا أن الوجود الفكري والمعنوي الذي يطلق عليه البعض الوجدان المعبر عن هذا الوجود، أقدر على البقاء والخلود!
ويبدو أن عزوف فقيدنا العزيز خالد الذكر قاسم بن علي الوزير، عن نشر أعماله حسب تأكيد شقيقه الأستاذ المفكر والشاعر الجليل زيد بن علي الوزير، أطال الله عمره، في مقدمته لكتاب “حرث في حقول المعرفة”، يأتي من منطلق فلسفي أساسه الإيمان بأن الله المحبوب الأعلى -بلغة الصوفية- هو الأقدر على حفظ أعمال المخلصين، وجعل الابتلاء بالحياة محكومًا بخفايا ألطافه التي تبقى سرًا من أسرار التواصل بين الخالق والمخلوق.
كثير ممن يسوِّدون البياض بترهات يزعمون أنها من جواهر الشعر والفكر والأدب، ويتباهون بكثرة مطبوعاتهم التي تنتهي إلى العدم بموت كاتبها لأنها ولدت ميتة، أما الشعر والكلمات المضيئة الصادقة فإنها تولد مرتين؛ مرة يوم “إبداعها”، وأخرى يوم رحيل مبدعها، وتبقى في حالة ولادة تتجدد بتجدد من يجيد القراءة!
هذه الكلمات أو القطوف السريعة سأخصصها أولًا للإطلال على بعض إضاءات الفقيد الفكرية، وستقتصر على مجرد إيماءة إلى قبس من فكره حول محاولة الإجابة على النهضة -السؤال الأزلي الذي شغله كما شغل ويشغل كل حر يبحث عن إجابة فيها معنى الحرية، وفي الجزء الثاني قراءة عابرة وسريعة لقصيدة “صنعاء” أولى قصائد مجموعات الفقيد الشعرية، وهي قراءة متواضعة أُسهم بها في إحياء ذكرى الأربعين لرحيل هذا المفكر والشاعر المبدع، أما الدراسة النقدية الجادة والمتعمقة فأتركها للمتخصصين من النقاد والشعراء، لأنها جديرة بالدراسات النقدية التي تليق بمكانتها في ساحة الفكر والإبداع العربي.
في توطئته لكتابه الفكري “حرثٌ في حقول المعرفة”، خلص فقيدنا إلى أن قضية النهضة ماتزال سؤالًا قائمًا، وأن من أسباب فشل الرد على هذا السؤال كما قال: هو استمرار المراوحة في محاولة الإجابة عبر “الانطلاق من ذات الواقع الذي أدت إفرازاته إلى الخروج أصلًا من الحضارة والوقوع في بؤرة التخلف، ولا يمكن ذلك إلا بتصفية ينابيع تلك الإفرازات في الفكر والنفس والثقافة، وذلك بتصفية المفاهيم على المستويات التاريخية النفسية والاجتماعية”[1].
وهذا محل اهتمام وملاحظة كثير من المفكرين الذين قرأوا ويقرأوا واقع الأمة العربية والإسلامية المحزن.
أما المنهج والطريق الذي ركز عليه الفقيد من خلال رؤيته وتصوره للمنطلق الذي يتوجب الانطلاق منه لتصفية هذه المفاهيم، فإنه يرى أنه مازال كامنًا في ذات “العقيدة التي أرست الدفعة الأولى الرائعة، وصنعت الحضارة”[2](2)، مشيرًا إلى مقولة الإمام مالك: “لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
ولايزال كثير من المفكرين يبحثون عن إجابة لأسئلة أخرى تبدد حيرتهم حول تاريخ وواقع أسباب الصراعات البينية، واستهداف العقول النيرة على مدى التاريخ الذي يرويه الرواة عن الإسلام والمسلمين، وأسباب ما وصلوا إليه من ضعف وهوان. من هذه الأسئلة الحائرة المحيرة: متى صلح أول الأمة؟ وكيف؟!
إنني أظن أن محاولة الإجابة على هذين السؤالين تمر عبر الإقرار بأن نظرية الإمام مالك المُشار إليها، مثلها مثل كثير من النظريات، ماتزال محل خلاف، على الأقل من خلال ما توجبه من ضرورة تأمل المسار السياسي للأمة، وقراءة سلوك وممارسات الإمبراطوريات التي حكمت باسم الإسلام، وآخرها الإمبراطورية العثمانية، والانتقامات المتبادلة بين الأمويين والعباسيين وغيرهما من الإمبراطوريات التي نشأت باسم الإسلام، والتي يتوجب تحليل ومعرفة أسباب وعوامل سقوطها جميعًا، وآخرها ما سميت الخلافة العثمانية، أقصد الأسباب الداخلية والخارجية، وعدم القدرة على تجاوز ما وصلت إليه الأمة حتى الآن من انهيارات متلاحقة ومستمرة دون أن نلحظ بصيص ضوء يشير إلى نهاية للنفق!
وفي تصوري أن الأسباب والعوامل كثيرة، منها سببان رئيسيان:
الأول: إشكالية عدم وجود نظرية متكاملة لنظام الحكم في الإسلام تحدد كيفية الوصول إلى الحكم واختيار الحاكم ومدة ولايته، وفي ظل هذا الفراغ النظري أصبح الاستيلاء على السلطة سواء باسم الخلافة أو الإمامة، مسألة مشروعة، وكذلك البيعة التي هي أقرب إلى الانتخاب، وفي اعتقادي أن الإشارات القرآنية إلى مبدأي الحرية والشورى بمعناهما العام تؤكد هذا المنحى، وإذا ما حاولنا تفسير ما سميناه الفراغ قد نصل إلى نتيجة تأويل إيجابي لعدم وجود نصوص قطعية الدلالة على تنظيم كيفية الوصول إلى السلطة وممارستها وتداولها، والتفسير والتأويل المقبول عقلًا هو أن الله عز وجل قد ترك موضوع السلطة الدنيوية للبشر، أي للاجتهاد الذي يخضع لظروف الزمان والمكان.
أما السبب الثاني: فهو أن المسار التاريخي والصراع على السلطة، ورغم ما عانته الأمة عبر أربعة عشر قرنًا، مازال بشكل أو بآخر أسير النظرية الضيقة لكيفية معالجة هذه الإشكالية المحكومة بعقدة القرشية والهاشمية التي ماتزال المهيمنة على حركات وتحركات جناحي مكون الأمة (السنة والشيعة) في شكل الخلافة والولاية، بل إن التعامل مع هذه العقدة بات في حاضره أشنع من ماضيه، إذ أصبح التطييف السياسي أداة خطرة للتلاعب بالأمة من خارجها، مع تزايد ارتماء كثير من الأنظمة العربية والإسلامية في أحضان الكولونيالية الغربية منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، أي منذ تحول الدين بشكل واضح إلى دين موظف لدى الحكام المستلبين بمختلف أنظمتهم!
هذا المنطلق الضيق أصبح العائق الأكبر من عوائق تكبيل فكر الأمة وعرقلة انطلاقها نحو المشاركة الفاعلة في مسار التاريخ الإنساني المعاصر، حيث صارت في موقع الصفر أو ما تحت الصفر بأصفار بين الأمم كما جاء في قصيدة الفقيد “صنعاء”، ولايزال هذا حال إسهامها في ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم مذهل في مختلف المجالات رغم ما يوجه إلى بعض السياسات المتحكمة فيه من انتقادات وملاحظات.
ولا شك أن هذه المسألة لم تغب عن فقيدنا المفكر والشاعر المبدع الراحل قاسم بن علي الوزير سلام الله على روحه، وهذا ما يتجلى مما يرمي إليه من الدعوة للخروج من أسباب التخلف القائمة، وهو على وعي تام بأن عمر هذا الصراع البليد على السلطة قد طال أمده واتسع مداه في الساحة العربية والإسلامية، بل هو في ازدياد مضطرد منذ الفتنة الكبرى التي بدأت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلامة ذلك أن الخلفاء الراشدين جميعًا قد قضوا إما بالاغتيال المباشر أو بواسطة السم، وهذا مؤشر خطير يضع أكثر من علامة استفهام حول بداية الصراع على السلطة في الإسلام، والتساؤل المستمر حول متى ينتهي هذا الصراع!
ومعلوم أن ارتباط الوصول إلى السلطة في غالبية مراحل التاريخ الإسلامي باستخدام القوة انتهاك واضح وصريح للشرعية المُفترضة القائمة على مبدأي الشورى والحرية، وهما مبدآن يرى بعض المفكرين أنهما الأساس الذي يقربهما من الديمقراطية الكاملة بمفهومها الغربي الحديث، وليس ديمقراطية “أهل الحل والعقد” كما ترى النظرة الاستبدادية للحكم، وهم أصحاب الرأي الآخر الذين يفسرون عمومية الضمير (هم) في آية: “وأمرهم شورى بينهم”، بأنه إشارة إلى الشعب في الإقليم أو الأمة في الدولة الاتحادية المُتخيلة المقسمة إلى أقاليم متفق عليها بناءً على حوار حقيقي وبناء يقوده عقل واعٍ، وتستوعبه عقول حرة وفاعلة، ولعل هذا مما يعزز أسباب ترك موضوع السلطة للبشر، وعدم وجود نصوص صريحة وواضحة حول نظرية الحكم والسلطة في الإسلام، أي أن إعمال العقل هو الرسالة التي مايزال الإنسان بعيدًا بعد المشرقين عن القيام بها!
المفكرون العرب والمسلمون الذين شغلوا حيزًا في ما مضى من التاريخ، وفي ما هو حاضر، يبدو كما لو أنهم يخبطون خبط عشواء، ويحرثون في البحر، مع الأسف الشديد.
ومن الحقائق الجلية أو التي يجب أن تتجلى، أن الحراثة في حقول المعرفة بالتمسك التام بحرية الرأي والبحث العلمي، وإعطائهما الحيز الواجب كطريق لمحاولة الإجابة على “سؤال النهضة” الذي حاول فقيدنا الجليل الإجابة عليه، وأن الحرث الجاد في هذه الحقول لا بد أن يثمر توجهًا فعليًا نحو توسيع مجالات البحث العلمي مع الضمان لأن يكون مبنيًا على الحرية والاحترام الجاد للرأي المخالف كي يؤتي أُكله ذات يوم، لأن لغة وحدة الوجود في كل المجالات تُلغي كل الحواجز والجدران والأنفاق المظلمة التي تمنع الحضارة الإنسانية من تلاقح المعارف والعقول التي تحملها، وبناء جسور تربط كل الرؤى والحضارات والأفكار تمهيدًا لميلاد كيان إنساني موحد عصي على التدجين والارتهان والتبعية المجحفة الظالمة لعوامل القوة والجبروت بكل الأيديولوجيات التي تخدمها وتسيرها، والدروشة والكهنوت معًا أيًا كانت منطلقاتها!
إشارة إلى أهمية التفكير في إعادة الاعتبار لثورة 1948 أو ثورة الدستور.
بهذا الأفق، ومن هذا المنطلق، ورغم كل الملاحظات على هذه المحطة من محطات الحلم بثورة حقيقية حلُم اليمنيون ببدء أولى خطواتهم نحو إثبات وجودهم في العصر من خلال ميثاق ودستور ثورة 1948 ليس فقط ليكونوا جزءًا من الأمة العربية والإسلامية، بل أن يستوعبوا لغة العصر استيعابًا حقيقيًا وفاعلًا يترجم العلاقة بين السلطة والشعب، باعتبار الدستور عقدًا اجتماعيًا ومنطلقًا للتغيير يقفز باليمن لتكون موطن أول تجربة ثورية في المنطقة قائمة على رؤية نظرية واضحة أو من أوائلها، حيث اتفق الأحرار في “ثورة الدستور” سلفًا على دستورها قبل قيامها، ما يعني وجود عقول يمنية واعية أدركت في وقت مبكر أهمية الدستور كعقد اجتماعي مُلزم لبناء الدولة تسير عليه سلطاتها باعتبار السلطة ملك الشعب، وقد اعتبرنا هذه الخطوة مبكرة ومدهشة بالنظر لحالة الانغلاق التي كانت تعيشها اليمن، بل لايزال مفهوم العقد الاجتماعي غائبًا عن الوعي نظرًا لحالة الاستلاب والغربة في حياته السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهذا كافٍ لاعتبارها ثورة لو أنها نجحت، لأن مقياس نجاح أية ثورة برأيي هو أن تقوم بالتغيير نحو الأفضل، وبما أنها قد فشلت فإنها بالتأكيد في عداد محاولات الثورة، ولو وجدت العقول التي تتجاوز عقدة البدء من الصفر في كل تاريخ الحركة الوطنية اليمنية، لكنا درسنا كل التجارب الثورية والوطنية بهدف الخروج من دوامة العنف والبدء الحقيقي في بناء دولة وطنية بعيدًا عن العرقية والطائفية وكل أشكال التعصب المريض!
لقد أثبتت كثير من العقول والأفهام في آخر محطات الحلم بالثورة أنها ماتزال تائهة وبعيدة عن محاولة البحث عن فهم سليم لعوامل الثورة بمفهومها العلمي القانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الملتزم بكون التغيير السلمي يجب أن يكون أساس الثورة التي رفعت شعار السلمية في ساحات ما عُرف بثورات الربيع العربي، وقد خاب مسعاها في الوصول إلى غاية التغيير السلمي المطلوب، فأصبحت ثورة بالمقدمات السلمية الواعية، أما النتيجة المعبرة عن أهدافها النظرية فلم تتحقق.
وأهم الأسباب في اعتقادي عدم الاتفاق على قيادة ثورية موحدة قادرة على استيعاب الأهداف التي طُرحت في الساحات بشكل متناثر هُنا وهناك، وجمع وحدة تطلعات الثوار للسير باتجاه وحدة حقيقية، وكان من الضروري والمهم دراسة الثورات الإنسانية السلمية التي حصدت نتائج مهمة في طريق النجاح وتحقيق النتائج، مثل الثورة السلمية ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والثورة الصينية، والكوبية، وغيرها من الثورات التي بدأت خطوات ملموسة وفاعلة في البناء المؤسسي والتطور العلمي والمعرفي الذي حول أهداف الثورة إلى فعل بهدف تحقيق مكاسب مهمة في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
إن من علامات النظرة إلى الثورة كبناء قابل للنمو والبقاء وقادر على الإجابة على سؤال “النهضة” استجابة لطموح الفقيد الذي عاشت الأمة في وعيه ووجدانه، إدراك الارتباط الوثيق بين الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا المكون يشكل الجزء الأهم في جسد الثورة لمعناها العلمي والسلمي المنشود والقابل للنمو واتساع الآفاق.
وقد أشار في محاضرته بعنوان “أولويات للنهضة العربية”، إلى أن “مشاكلنا لا تحصى، وهي مع ذلك تتراكم مع الأيام، فكل يوم يمر يضع مشاكله الجديدة، ولأننا لا نحلها فإننا نعجز بالضرورة عن مواجهة المشاكل المستجدة، بل إننا نعجز عن تفهمها، فضلًا عن حلها كما تقتضيه طبيعة الأشياء وبما تقتضيه.
إن بقاء أية مشكلة بدون حل لا يعني توقفها عند حد كونها مشكلة فحسب، بل إنها من حيث الكم تتوالد، وبذلك تزداد تعددًا، وهي من حيث الكيف تتعقد، وبذلك تزداد تنوعًا.
إن المشكلة الواحدة إذا ما تُركت تُصبح مشاكل شتى متعددة الأشكال والألوان، تتوغل في مختلف مجالات حياتنا، وتتحكم في أوجه نشاطنا، وكل استمرار في هذا الاتجاه يعني ابتعادًا متواصلًا عن مواجهة المشكلة الأم، أي ابتعادًا عن الرحم التي تتناسل منها جميع المشاكل.
وبسبب ذلك تتجه جهودنا إلى متفرعات المشكلة، وتشتبك مع بنياتها في معركة خاسرة عوضًا عن مواجهة المشكلة ذاتها، تلك المشكلة التي تبقى -بسبب ذلك- قابعة في أعماق النفوس، وفي مسارب العقول، ومن ثم في صميم الواقع تمدنا بمدد لا ينقطع من المشاكل المتفرعة عنها.. إنها تظل خميرة تفسد حتى تفكيرنا، ومن ثم تحبط جميع جهودنا وأعمالنا”[3].
وتأييدًا لهذه النظرية، وانطلاقًا منها، فإن أم المشاكل الكبرى في الوطن العربي والأمة الإسلامية كما يبدو هي كما أسلفنا مشكلة الخلاف أو بالأحرى الصراع المزمن على السلطة، وعدم فتح الآفاق لمناقشة جادة لكيفية حسم العلاقة بين السلطة الزمنية والدينية بالإقرار بعدم جواز اعتبار آراء الفقهاء دينًا مقدسًا يتم التمترس حوله كل بحسب مذهبه واعتقاده الذي يخدم مصالحه، بمعنى آخر تغليب دين الفقهاء على دين الله، فدين الله ترك هذا الأمر للاجتهاد وفق المصلحة العامة، وليس خدمة لأية أيديولوجية أو مصالح ذاتية.
إن هذه المشكلة ماتزال، وفي اعتقادي أنها ستظل مصدر الصراعات والفتن، وتسيء بشكل قاطع وواضح للدين، وجرحًا مفتوحًا يجعل كثيرًا من الحقوق والحريات عرضة للانتهاك لما يؤدي إليه من علاقة ملتبسة بين العلم والدين، فالعلم مجاله مختلف عن الدين، وله نظرياته وأدواته، وللدين كرؤية كونية وليس أيديلوجية سياسية محصورة، تصوراته وقواعده الفقهية، وبذلك وحسب فهمي لما ذهب إليه فقيدنا، فإن محاولة الإجابة على سؤال النهضة إنما “يبدأ بانعتاقنا من ربقة الأسر خلف قضبان نتائج المشكلة إلى مواجهة المشكلة ذاتها. بمعنى آخر تحرير “عقولنا” من أسرها وصولًا إلى تحرير إرادتنا واستجماع قوانا وإيقاظ أو استرجاع وعينا أو استعادته.. إن هذا يعني -بالضرورة- تجاوز كل النقائص التي تعوقنا. وفي طليعتها تلك الشوائب النفسية التي هي أحد -وربما أهم- مسببات فقداننا الوعي والإرادة، ومن ثم وقوعنا ضحايا المشكلات الفرعية. والتغيير النفسي عملية تتطلب ظروفها وشروطها. وذلك مرهون بما يتوجب من تغيير لطريقة تفكيرنا، ومن تصحيح لمنظومة “أفكارنا”، وذلك يقتضي انتفاضة ثقافية حقيقية على الذات، ينفض بها الإنسان عن كاهله أثقاله التي تعوقه عن النهوض، ويطلق إرادته من أغلال العجز والخوف والاستسلام والتواكل والذل والجهالة بحيث يصبح قادرًا على أن يرغم نفسه على الإقلاع عن المألوف الراكد والانقياد لعقله الذي سيقوده -بالإيمان والإرادة والعلم- نحو الآفاق الجديدة!”[4].
وأعتقد أنه لا توجد مشكلة في حياة هذه الأمة ينطبق عليها هذا التوصيف، أكبر من مشكلة استمرار الصراع الدموي على السلطة طوال أربعة عشر قرنًا، ومازالت المشكلة تنمو!
أما الشاعر فهو فقيدنا العزيز الشاعر الجميل والمفكر العبقري الذي أسفت أشد الأسف وأنا أقرأ بعض نتاجه الشعري والفكري كي أقتبس من نفحاته هذه الحروف للمشاركة بها في أربعينية رحيله، أسفت مرتين؛ مرة على فقدانه قبل التعرف على شخصه الكريم مباشرة، وأخرى لكوني لم أقرأ له قبل هذه المناسبة الحزينة، وهذه من عاداتنا نحن العرب الذين ندعي نحن اليمنيين بأننا أصلهم، من عاداتنا أن نتذكر جواهر عقولنا بعد فقدان أصحابها، فنتأسى عليهم ونكيل لهم المديح ونسكب أغزر عبارات الحزن وتبجيلهم وتكريمهم بعد فقدانهم، وهي عادة أضاعت وأهدرت منا الكثير من الفرص والطاقات التي تجلوها الحركة النقدية فتظهر حُسنها ومواطن قوتها وضعفها في حياة أصحابها لتعظم الفائدة وتنمو القدرات، وهذه غاية النقد البناء الذي هو إبداع في الإبداع ونسيج داخل نسيج الحروف والكلمات ضمن صناعة الكلمات الآتية من عالم الوجدان الجامع بين العقل والعاطفة سواء في ثنايا الشعر أو الكتابة الفكرية والنقدية والأدبية والسياسية.
مزيجها جميعًا له نكهة الشعر والفكر والفلسفة كما هو حال شاعرنا الذي أطلت علينا روحه فلمحناها من خلال قصيدة “صنعاء” أولى قصائد المجموعة الأولى من مجموعته الشعرية البديعة: (الشوق يا صنعاء. أزهار الأحزان. لم تشرق الشمس بعد)
هذه المجموعة التي رأت النور بمبادرة من إخوانه وأصدقائه الكرام الذين أصروا على نشرها رغم عزوفه عن النشر، وهذا العزوف ذكرني بشاعرين عظيمين من شعراء الوطنية اليمنية، هما الشاعران الفقيدان الكريمان يوسف محمد الشحاري ويحيى علي البشاري، تغشاهما الله بواسع رحمته.
وأسباب العزوف عديدة تختلف من شاعر ومفكر لآخر، ولكن ما يجمعهم هو تواضعهم الجم.
أول قصيدة من قصائد المجموعة الأولى التي حملت اسم “الشوق يا صنعاء”، عنوانها كما أسلفنا “صنعاء”، بدأها بتساؤلات مشتاق شوق شاعر عذب العبارة صادق الحنين يملؤه العشق ويعانقه الوله:
صنعاء هي في الندي السمح أسمارُ | كما مضى من ليالينا وسمارُ | |
وهل رخي العشايا مثل عادتها | شعر وأشواق عُشاق وأسرارُ |
صنعاء هذه الفاتنة ليست مجرد مدينة، إنها خزان ذكريات كل الشعراء العشاق الذين عبروا عن عشقهم، والذين رحلوا وفي ثنايا وجدانياتهم من عبق الحروف والكلمات المفعمة بالجمال ما لم تتمكن أرواحهم من البوح به ليفدي الحسان:
تفدي الحسان الجميلات التي التحفت بمآزر… الليل أرواحٌ وأبصارُ
صنعاء مئذنة المدن الساحرة التي رغم ما قيل فيها وعنها من الشعر والنثر، ستبقى اسمًا يفوق كل معاني الحب والغزل، لأن لاسمها سرًا من أسرار الحب المعُجز، فالإعجاز كما يكون للعقل، يكون كذلك للقلب، بينهما رابط المعنى والمبنى، ولها وقع في الأذن وإيقاع في القلب، بل إن إعجاز العقول لا يجوز، وهو للقلوب أدعى وأقرب!
توهجت بالشهي العذب واختبأت | خلف الدخان وتُفشي سرها النارُ | |
صنعاء أغفت على الأزمان فتنتها | فدونها من وراء السور أسوارُ |
صنعاء ليست مجرد مدينة من الأحجار والآجور والطين ومواد البناء المختلفة، إنها شُيدت من أرواح ملائكية ومعانٍ عصية على الفهم والإدراك الحسي، من رآها عشقها، ومن عاش فيها أصبحت جزءًا من كيانه، تسكنه دون أن يدري، وتبقى في مسكنها أينما حل الساكن أو رحل، هكذا رآها شاعرنا، وهكذا عاشها وعاشته، فوجد جدرانها ومآذنها تتكلم فتجيد الحديث أكثر من كثير من المحسوبين بين البشر. إنها شاعرة تسكن قلب الشاعر، ومتحدثة لبقة تبادل من يحس بها الأحاسيس!
إذا مشيت على حصبائها همست | شعرًا وباح بسر الشوق قيثارُ | |
وغازلتك من الجدران خاجلةً | من الثقوب قديماتٌ وأحجارُ | |
وأسمعتك السواني لحنُ متعبةٍ | تشكوه للمرنع المهجور آبارُ |
هكذا تحس أن الشاعر هو المغني، لأنه من يبدع جسد الأغنية ويمنحها روحها، وهو المتكلم والمخاطب، والشعر الذي يصدق عليه معنى الشعر ومبناه يولد في لحظة يصعب إن لم يستحيل الفصل فيها بين الروح والجسد، بين الحضور والغياب، الغموض والتجلي.
هذا في المعنى العام، أما في الخاص فنقصد به فقيدنا الشاعر المتيم بمعشوقته “صنعاء”، وقد أجاد البوح بمكنون مشاعره قبل أن تغادر روحه (الجسد… الكفن) حسب فقيدنا الربيع.
نعم تمكن فقيدنا من البوح بما أراد، فكان حضوره البهي ممثلًا في كلماته العذبة المملوءة حكمة وفلسفة ورؤى صادقة نقية، ومن خلال صوره الشعرية أنعش الأفئدة وأراح النفوس.
كل أجزاء صنعاء وتفاصيلها تخاطب العشاق من داخل الوجدان وعبر العيون، وبقدر حفظها لهذه العلاقة الوجدانية مع من يحبها، فإنها لا تنسى ما فعل الطغاة بها عبر العصور، فهم أعداؤها وأعداء المدنية والتمدن دائمًا، ولهذا فعلاقتهم بصنعاء وكل المدن سيئة، ذاكرتها مليئة بسوآتهم كما وصفهم الشاعر:
أما الطغاة فتاريخٌ تردده | شوامخٌ من روابيها وأغوارُ | |
مرُّوا عليها فجرحٌ غير منطمسٍ | على الجبين وفي العينين أكدارُ |
ومع كل ذلك، فإن صنعاء الحرية قد خيبت ظن الطغاة، لتؤكد لهم أنها لا تصلح لهم مرعىً أو مقامًا آمنًا:
ظنوا العرين لهم مرعى وما لبثوا | إلا قليلًا ومات الخزيُ والعار | |
وهم على الغي ما ترجى إفاقتهم | كأن بعضهمُ للبعضِ تكرارُ |
حقًا إن نهاية الظلم والطغيان حقيقة دامغة طال الزمن أم قصر، لأن حياة الطغاة تتغذى بالكذب والنفاق وعمرهما قصير مهما طال!
قصيدة صنعاء متسع من الحكمة والعشق وبلغة شعرية فيها من الرشاقة والجمال ما يدهش بل يثمل، ينقل إلى عوالم عديدة، وشملت القصيدة إشارات مهمة عن تجربة خاصة للشاعر:
آهًا لمضطربٍ في الأرض يقذفهُ | للشرق نوءٌ ونحو الغرب إعصارُ | |
قد لوحت قبلات الشمس جبهته | وفي مفارقه للثلج آثارُ | |
على المنافي من آثاره أثرٌ | وفيه منهن مثل الجرح تذكارُ | |
بلوتها وبلتني واكتشفت بها | ما غيبته عن الأبصار أستارُ | |
خلائق الناس كم غطت مباذلها | موشيات من الدعوى وأطمارُ | |
من كل زارع زهر في أسرته | وفي سريرته للغدر أوكارُ | |
يسعى إليك وحلوٌ قوله فإذا | ما غبت عنه فأنيابٌ وأظفارُ |
نعم بضاعة النفاق والمنافقين وعديمي الوفاء رائجة، وأكثرها رواجًا من يمارسون السياسة، لأنهم يعتقدون أو يريدون الاعتقاد بأن السياسة يجب أن تخلو من المبادئ كليًا، فهم يرونها فن الكذب، وليس فن الممكن كما هو المفترض، وبين السياسة والاجتماع وكل المجالات روابط لا تنفصم عراها، وأقبح وجوه السياسة من يمارسها باسم الدين، فيستبيح المحرمات في كل المجالات بحجة ضرورات السياسة، ليثبت أنه سياسي، فيدعي أنه مؤمن قولًا، ويتولى الشيطان فعلًا، ويتاجر بالدين واستخدام القرآن بصورة فاضحة ومقززة!
يعطر القول بالذكر الحكيم فإن | أفضى إلى الفعل فالشيطان أمارُ | |
من مشترين ضلالًا بالهدى لهم | دعوى.. كأنهمُ لله أصهارُ! |
صورة عجيبة تكشف فداحة دعاوى المدعين الذين يلوثون الدين بالسياسة، ولا يدركون خطورة هذا النهج على الدين وعلى الإنسان الذي وجُد الدين الحق لخدمته، وأصبح إخراج هذه الحكمة من بين ركام التراث شبه مستحيل في ظل حالة الغيبوبة الحاكمة المتحكمة:
يستكثرون من الدعوى وحظهم | من الحقيقة دون الصفر أصفارُ | |
لم يمنحوا الله شيئًا في ضمائرهم | وباسمه في حقوق الخلق تجارُ |
ويسرد الشاعر بعض النماذج المسيئة لكل القيم من السلاطين والمتاجرين بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، فيقول:
ظنوا الزمان لهم ملكًا وما علموا | أن الحضارة أطوار وأدوارُ | |
الأرض لم يرثوها عن أوائلهم | وتعرف الأرض أن الناس أحرارُ |
إنه عمق الشعور بالحرية، وعلاقة الشاعر الأصيل بالحرية ليست كعلاقة بقية الناس، فمن المستحيل الفصل بين الشاعر وبين الحرية كيانًا وتعريفًا وعرفًا وحياة، الحرية قيمة الشاعر ونبض حياة حروفه وقلبه في آن.
يقول الشاعر نزار قباني رحمة الله:
أنا حريتي فإن سلبوها تسقط الأرض كلها والسماءُ
والشاعر يضع تصوره للإنسان الحُر وللإسلام الذي يعطي للحرية مقامها الذي هو من مقامه، حيث يستخدم ضمير المتكلم للجمع المسلم، فينقل صورة الإنسان مطلق الإنسان الشامخ الذي أقام العدل كركن غير قابل للانهيار:
بنا نعم! رفَع الإنسان هامته وقام للعدل ركن ليس ينهارُ
ويقدم الشاعر الشريعة في تصوره كنظام لكل البشر، مقرونًا بالحرية والاختيار، وليس بالغصب، ادعاء الاصطفاء والإكراه والظلم؛ نظام لا يقبل العنصرية، ويقاومها كي يسع الدين الدنيا بالحب والعدل والحرية والبناء:
شريعة تسع الدنيا مناهجها | في الحرب والسلم تمدين وإعمارُ | |
لكن قومًا على أعقابها انقلبت | فهم على الحق لا للحق أنصارُ | |
هم الخلائف للمستعمرين على | جهالة تؤثر الخنا وتختارُ | |
على مخازيهمُ ناموا وما حلموا | إلا بأنهم في الليل أقمارُ | |
ومبلغ العلم فيهم أن عالمهم | فدم وأوفاهمُ بالعهد غدارُ | |
نشكو على القدس غلواء اليهود وفي | ديارنا اليوم أشباه وأنظارُ |
ويقدم الشاعر واجب الاستغفار للشعر من عمل مزوري التاريخ وعشاق الرذائل الماسة بحرية الإنسان وكرامته وحياته:
أستغفر الشعر، ذنب أن يدنسه في مهجع القوم عند الفجر زوارُ
ويسأل ليالي الحمى عن أي خبر جديد يأتي من الشرق يفرح به الشاعر متأوهًا في منفاه في الغرب:
إيهًا ليالي الحمى هل من “مشرِّقةٍ” لنازحٍ في أقاصي الغرب أخبارُ
القصيدة كما رأينا مزيج من الفلسفة والحكمة والسياسة والعشق المعطَّر بالحنين لصنعاء المدينة كرمز للوطن وكمعشوقة لها روحها، وفيها بوح عذب لعلاقة خاصة وحميمية جدًا ربطت فقيدنا الشاعر والمفكر بتفاصيل الزمان والمكان والإنسان، وموقف حُر من الظلم والاستبداد، ورؤية واضحة للعلاقة بين الدين والوطن التي يفسدها الطغاة في كل الأزمان وبمختلف الصور والوسائل والأساليب، ولكنه بعبقريته الشعرية وذائقته الرفيعة عراها جميعًا.
الإهداء بخالص الحزن والأسى لروح فقيد الوطن الكبير القاسم بن علي الوزير، المفكر السياسي الكبير رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الذي يُعتبر رحيله خسارة كبيرة للوطن، فقد كان الفقيد رجلاً مسكوناً بحب اليمن، محنكاً وشغوفاً بقضاياه، وقد أسهم بشكل كبير في تطوير الحركة السياسية والاجتماعية. وسيكون تراثه دافعاً لنا جميعاً لنواصل مشروعه في بناء مجتمع أكثر عدالة وحرية.
عبد العزيز البغدادي
لا توجد مشكلة تهدد حياة الإنسان بفعل الإنسان كالحروب بكافة أنواعها، ومنها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، تحركها نزعة التسلط والبحث عن النفوذ والثروة. إنها تستبيح الدماء وتهدم البناء وتستنزف الطاقات وتعيق التنمية.
من أسلحتها الفتاكة تغليب الغريزة وتعطيل العقل باسم الدين، وتطلق العنان للتنافس غير المشروع على السلطة والتفنن في سياسات وأساليب الاحتكار.
والديمقراطية هي الطريق الأمثل لإيقاف دوامة العنف والصراع على السلطة تحت أي عنوان ديني أو فكري، وهي الوسيلة المقبولة للحكم في عصرنا، لأنها تقوم على مبدأ حق الشعب في السلطة والثروة، وقد تطورت أشكالها بتطور المجتمعات التي اختارتها.
والتشكيك في جدوى الديمقراطية من أسباب بقاء بعض البلدان والشعوب في أسر الأنظمة الديكتاتورية التي تتحدث عن الديمقراطية والحداثة قولاً، وتمارس أبشع صور الطغيان والاستبداد والجهل والتجهيل بكل معانيه عملاً!
ومن أعجب العلل المستخدمة في محاربة الديمقراطية الادعاء بأنها ثقافة غربية أو غريبة مستوردة، إذ ما الذي تبقى في الوطن العربي والعالم الإسلامي، على سبيل المثال، ليس مستورداً؟!
والديمقراطية هي الترجمة العملية لممارسة حرية الإنسان في اختيار حكامه ومحاسبتهم ومراقبة أدائهم للوظيفة العامة طبقاً للقانون، فمتى كانت الحرية منكراً؟!
وإذا كانت هذه السلعة غربية، فما المانع من استيرادها وحسن التعامل معها، عوضاً عن حماية تجار المبيدات المسرطنة والبذور المهجنة والأغذية المضرة بمختلف أشكالها وألوانها ومصادرها المشبوهة؟!
أبواب الوطن مفتوحة على مصراعيها أمام بضائع دول تحالف العدوان التي تفوق خطورتها البضائع الصهيونية لارتباطها المعروف بالكيان، ومقاطعة البضائع بعد السماح لها بالدخول مسألة خاطئة، بل جريمة غير مفهومة الأبعاد إن أحسنا الظن!
ومن أبرز أساليب التهرب من الديمقراطية الكاملة اللجوء إلى ما تسمى الديمقراطية التوافقية، ومن أمثلتها اتفاق الأحزاب والقوى السياسية في اليمن، في 24/2/2012، على تنظيم استفتاء سخيف في اليمن، تم فيه التحايل وتزوير إرادة الناخبين معنوياً، ليتم تسليم السلطة بموجبه لعبد ربه منصور هادي، الأداة الوحيدة التي رأت القوى السياسية المتوافقة أنه الأكفأ لرجاحة عقله وغزارة علمه واستقامة لسانه، ليكون منقذاً لليمن بحكم عبقريته الفذة!
أول المستفيدين من هذه الديمقراطية وما أدت إليه من وضع، هو أقرب للفراغ السياسي الشامل.
الطائفية السياسية والقوى المتصارعة والمتسابقة على السلطة تحت عناوين مختلفة، هي المستفيدة من هذا النوع من الديمقراطية المسماة بالتوافقية، وهي قوى مصنوعة في بعض البلدان العربية، ويجري تصنيعها في بعضها الآخر!
الطائفية السياسية مشكلة وليست حلاً، والتوافق عليها شكل من أشكال السباق غير المشروع على السلطة كما هو حاصل في لبنان.
والسكوت على المشكلة ينطبق عليه ما ذهب إليه فقيد الفكر والشعر العربي قاسم بن علي الوزير، رحمه الله، في إحدى محاضراته المنشورة في كتاب بديع بعنوان: “حرثٌ في حقول المعرفة”، جاء في صفحة 16 منه: “إن بقاء مشاكلنا بدون حل لا يعني توقفها عند حد كونها مشكلة فحسب، بل إنها -من حيث الكم- تتوالد، وبذلك تزداد تعدداً، وهي -من حيث الكيف- تتعقد، وبذلك تزداد تنوعاً. إن المشكلة الواحدة إذا ما تركت تصبح مشاكل شتى”. فكيف بنا إن غُذيت؟!
والتطييف السياسي مصدر رئيس لتهديد السلام في الدولة والمجتمع اللبناني، وكل دولة تشبهها أو قريبة الشبه منها، وهي من أبرز المشاكل التي تُغذى!
الحرب الطائفية اللبنانية التي اندلعت في 1975 استمرت حتى 1990، وكان ضحاياها 120 ألف شخص.
ومن المفارقات العجيبة أن مضامين الاتفاقية المعروفة بـ«اتفاقية الطائف»، التي عقدت في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية، حافظت على أسباب المشكلة، من خلال الحرص على التوافق لتقاسم السلطة على أساس طائفي، هو أهم أسباب الحرب والتوتر الدائم. فكثير من قضايا الخلاف بين رئيس الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء، مربوطة بالتوافق، وأهم هذه القضايا حالة الاختلاف حول تسمية رئيس الجمهورية أو الحكومة، وتوزيع الحقائب الوزارية، حيث تستمر المفاوضات بشأنها لأشهر، وأحياناً تتجاوز العام، تُسير خلالها الأعمال من قبل حكومة تصريف الأعمال، فتزيد حالات الفساد الناتج عن الفراغ أو شبه الفراغ السياسي، لأن صلاحيات حكومات تصريف الأعمال كما هو معلوم ليست صلاحيات كاملة، وأجهزة الرقابة والمحاسبة شبه معطلة.
ما يطلق عليه الديمقراطية التوافقية تحايل على الديمقراطية الكاملة لاستمرار سرقة حق الشعب في اختيار من يحكم، وتقاسم المصالح ومواقع السلطة والنفوذ بتوافق مستغليه من السرَّاق، وأبرزهم رافعو الشعارات الدينية، وهو عمل يفترض أنه مجرَّم لما يؤدي إليه من رهن للعاطفة الدينية لدى من يستغلها دنيوياً بما يسيء إلى الدين والسياسة معاً.
لقد أثبتت التجارب في البلدان التي مورست فيها لعبة خلط الدين بالسياسة، خطورة اللعبة لاختلاف مجال الدين عن مجال السياسة، فالدين يقوم على عقيدة الإيمان بالغيب التي لا تخضع للتجربة، ولا تنطبق عليها مقاييس ومعايير الخطأ والصواب والثواب والعقاب الدنيوي، ولا تخضع لأسس النقد العلمي، أما السياسة فتقوم على العلم، وتخضع للنقد العلمي، ومقاييس الخطأ والصواب في تسيير أعمال الوظيفة العامة، وفي كيفية اكتساب الولاية العامة وانتهائها، وإجراءات التداول السلمي للسلطة، وشروط وقواعد اكتساب الشرعية الدستورية والثورية باعتبار الثورة على الظلم حقاً عاماً من حقوق الإنسان، لا ينبو عن الرؤى المستنيرة في بعض المذاهب والآراء الإسلامية، والخروج على الحاكم الظالم في الإسلام يعني الحق في الثورة على الظلم كشكل من أشكال تغيير المنكر باليد لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن أهم شروط ثبوت الحق في الثورة:
زهور دمي تعلق في الشمس آمالها
تصنع أغلالها من حروف القوافي
وتسألني عن رماد الوطن.
[1] من توطئة الفقيد لكتابه “حرثٌ في حقول المعرفة”، صادر عن مركز التراث والبحوث اليمني، ص16.
[2] المصدر نفسه، ص16.
[3] المصدر نفسه، ص77-78.
[4] المصدر نفسه، ص79.
مدير تحرير مجلة “دراسات يمنية”، صادرة عن مركز الدراسات والبحوث اليمني/ صنعاء.
لم أتعرف شخصياً على الأستاذ قاسم بن علي الوزير، كما أنه لم يسعدني الحظ بقراءته شعرياً وفكرياً قبل رحيله. كنت أسمع عن اسمه من بعيد دون معرفة وإلمام بحيثياته الشعرية والفكرية، أي كشاعر وباحث. ومن خلال رسالة معايدة من الأستاذ زيد بن علي الوزير إليَّ، هذا نصها: “نبارك لكم أخي قادري بحلول عيد الفطر المبارك جعله خاتمة عهد حزين وفاتحة عهد سعيد يسوده الإخاء ويتم الانتصار على معتدٍ أثيم. ولكم بالذات الصحة والنجاح الموصول. وأرجو دعاءكم لأخي قاسم”.
10 أبريل 2024م
ومن هذه المعايدة بدأت بصورة ذاتية وشخصية أقترب من الاسم، وعرفت مدى سوء الوضع الصحي لشقيقه الأستاذ قاسم، ومدى محبته لأخيه في توسل أو رجاء الدعاء له بالصحة والشفاء. وبعدها بعث إليَّ برسالة تحية، هذا نصها: “أهديك كتاب أخي قاسم شفاه الله، لمزيد من المعرفة به، مع تحياته وتحياتي، وإذا تكرمت بالكتابة عنه أكون من الشاكرين”. وللأسف، وصلت الرسالة متوافقة مع أيام وفاة خالد ياسين السقاف، الأخ الأكبر لزوجتي، وبعدها مباشرة فقدان أحباء من الأسرة، ودخولي في متاهة الموت وتداعياته الذاتية. وإلا ما كنت تأخرت في استلام أجمل هدية، وهي كتاب الأستاذ قاسم بن علي الوزير، ومن هنا القراءة المتأخرة للكتاب بعد أن سبقني الموت إليه، فالموت “نقاد يختار منا الجياد”.
ومن هنا، هذه التحية المتأخرة، فقد حرمني الموت من تقديم تحيتي له كشاعر ومثقف وباحث يستحق منا الكثير. وأسفي وحزني عظيم أنني لم أتمكن من الكتابة عنه وهو بيننا يصارع تعب الجسد، الذي يتضح من كلمات وعبارات أخيه الأستاذ زيد من أن حالة المرض كانت محنة ذاتية وإنسانية قاسية على جميع أفراد أسرته. وبعد الرحيل الفاجع واتصال الصديق الأستاذ حسن الدولة، بأن هناك عدداً من أعداد مجلة “المسار” سيخصص للكتابة عن الفقيد، ومن هذه الخلفية سألت مكتبة مركز الدراسات والبحوث عن أعمال للفقيد، ولم أجد سوى مجموعة أعماله الشعرية مجموعة في ديوان اسمه “مجموعات شعرية”، حتى وافاني الصديق الأستاذ الباحث حسن الدولة بالعمل البحثي والفكري الوحيد المجموع له رغماً عنه تحت عنوان “حرث في حقول المعرفة”. ومن هنا كانت بداية هذه القراءة والكتابة.
لقد قضيت مع قاسم بن علي الوزير وقتاً مقتطعاً أو مختطفاً من الزمن، كان يمكن أن يكون زمناً ضائعاً أو مستهلكاً في اللامعنى من الوقت.. وقتاً أضاف إلى معرفتي معرفة بالشخص والإنسان، مع أنني لم ألتقه شخصياً.. وقتاً أثمر معرفة أعمق بالشاعر والناثر والإنسان، تلكم هي ألفة وصداقة المعرفة، فقد خرجت من رحلة البحث والقراءة رابحاً معرفياً وشخصياً وإنسانياً.
لن أتحدث عن خلفيته الأسرية بروحية المؤرخ أو المهتم بالتاريخ، فذلك حديث يطول وسينقلنا إلى مجال بحث مختلف عن مناسبة الرحيل وتكريم شخصية ثقافية وإنسانية، أسهم هو في جعل اسمه بعيداً عن الأضواء (عن الإعلام وعن النشر)، وعن حق المجتمع في معرفته عن قرب كشاعر وباحث من خلال شعره الذي يضعه في قامة شعراء كبار في اليمن والمنطقة العربية، وقامة بحثية وثقافية وفكرية لها إسهامها الطيب والمميز والنوعي على مستوى الإنتاج المعرفي والفكري والثقافي، وهو ما اطلعت عليه بعد رحيله من خلال كتابه الذي أجده قيمة معرفية وثقافية مضافة، والذي جمعه أخوه الأستاذ زيد رغم ممانعته لذلك، فكان بحق هدية ثمينة للمكتبة اليمنية والعربية، وإن بقي الكتاب -كذلك- حتى اللحظة محدود التداول إلا في وسط نخبة فكرية وثقافية محدودة. ومن هذه المناسبة التكريمية فإنني أدعو جميع المهتمين بالمعرفة؛ الشعر والفكر والثقافة، إلى اقتناء مجموعاته الشعرية وإلى الحصول على كتابه “حرث في حقول المعرفة”، وهو كتاب ثمين جدير بالاقتناء ويستحق القراءة في زمن ساد فيه الغث من القول والفكر.
قاسم بن علي الوزير شخصية تجمع في ذاتها واسمها بين صورة الشاعر، والمثقف والباحث والمفكر، هو في ذاته خلاصة لهذه المسميات والصفات ولن تجانب الصواب إذا تحدثت عنه بصفته الشاعر المهجوس بالشعر، والممتلك لأدواته الشعرية، أو بصفته المثقف، أو بصفته الباحث المجيد المقتدر، أو باسم المفكر. هو هوية ذاتية إنسانية عالمة، حاضر وفاعل ومنتج في كل هذه المسميات والصفات. مرة سألت د. عبد العزيز المقالح أين تجد نفسك في الشاعر، أو الناقد؟ فأجاب دون تردد: في الشاعر، مع أنه الشاعر والمثقف والباحث والناقد، ومن يحوزون ويحملون هذه الصفات والمعاني بجدارة هم القلة القليلة، والأستاذ الفقيد قاسم الوزير هو من هذه الكوكبة القليلة.
وواضح أن الأستاذ الفقيد، قاسم بن علي الوزير، بقدر ما كان معتزاً باسمه ومكانته وبكرامته الشخصية، والوطنية والإنسانية، كان -كذلك- شديد البساطة والتواضع، إلى جانب عقل إبداعي اجتهادي متقد، يكره أو لا يحب الأضواء، ولا النجومية الإعلامية، وهو ما سمعته عنه بعد وفاته من بعض مجايليه وأصدقائه الذين كانوا على تواصل إنساني معه، ومنهم الصديق الأستاذ حسن الدولة، بعد أن أهداني نسخة مطبوعة من كتابه “حرث في حقول المعرفة” الذي حزنت كثيراً أنني لم أطلع عليه في حياته وفي حضوره، لأهديه تحية قرائية لكتابه، هي قطعاً تحية ناقصة تعجز عن سبر أغوار الأفكار المثيرة والمنيرة التي أثارها كتابه في صورة ذلك “الحرث المعرفي”، والذي وجدته بعد القراءة، اسماً على مسمى، هو -حقاً- حرث في القضايا الإشكالية التي اقترب منها وتناولها بعمق الباحث المقتدر في صورة أبحاث ودراسات ومحاضرات، فيها بعض خلاصة فكره، وروحه الإبداعية النقدية، وهو ما ضاعف حزني من عدم الاطلاع على الكتاب وتقديم التحية له وهو حاضر بيننا.
وهو كتاب -كما سبقت الإشارة- يستحق القراءة، وهي دعوة لأن يكون مكانه في رفوف المكتبات الجامعية والمكتبات العامة والخاصة للمهتمين بالفكر عموماً، والفكر الإصلاحي والتنويري والنهضوي في اليمن، والمنطقة العربية خصوصاً، كتاب فكري نقدي بصياغات أدبية من شاعر متقد حيوية وإنسانية، وهو كما وصفه أحدهم “الشاعر الذي توارى وراء تواضعه المعتاد”[1]. على قدرته الخلاقة لأن يجمع ويجسد في ذاته حالة ثنائية الشاعر والناثر.
يبدو أن ذات وروح الشاعر، عميقة الصلة بالشعر، وعلى درجة عالية من الحساسية الإنسانية بالوجود من حوله، وهو ما ترك ندوباً جارحة على نفسيته، بخاصة من رحلته الطويلة والقاسية مع السجن، الذي عرفه وعاش مراراته هو وإخوته، فقد وجد نفسه وهو في بداية عمر المراهقة ومطالع الشباب الأولى، سجيناً في واقع بئيس “قروسطي” ومكبل بالقيود المادية، والمعنوية التي لا صلة لها بأي معنى إنساني. رحلة قاسية عرفها وعاشها جميع إخوته، وأفراد أسرته بعد فشل حركة 1948م الدستورية، وهي النكبة التي تركت آثارها الفكرية والسياسية والاجتماعية والنفسية على كل البلاد، على أن وقعها النفسي والفكري والاجتماعي على روح الشاعر المتطلع للحياة كانت هي -كما أتصور- الأقسى والأعنف.
نكبة وكارثة، حمل قاسم بن علي الوزير مراراتها وتداعياتها السلبية على روحه الشاعرة حتى لحظة رحيله، وتعلم منها كيف يتمسك أكثر بالقيم الإنسانية، وهو ما نراه في شعره “مجموعات شعرية”، وفي كتابه الوحيد المجموع رغماً عنه “حرث في حقول المعرفة”.
أي أن حصيلة تعب السجن لم تكن مرارات ذاتية، بل كانت أيضاً قيماً إيجابية تعلمها، وأصر على التمسك بها والتعبير عنها معرفياً وفكرياً، فكتاب “حرث في حقول المعرفة” يقول هذا المعنى بجدارة كما يقولها الشعر الرفيع والبليغ في عمقه الإنساني الذي تحتويه “مجموعات شعرية”.
إن طبيعته الذاتية المفتوحة على الآخر، وروحه الشعرية في طابعها الإنساني هي التي أهلته ليكون بتلك الهيئة الذاتية الفكرية الصارمة، وبتلك الروح الشعرية المشحونة بكم هائل من الحزن ومن الحب ومن الوفاء لمن حوله، وهو ما نجده مبثوثاً ومنشوراً في قصائد حزن عظيمة.. حزن على ما مر به من بعض متاعب الذات في رحلة طويلة مع الألم والأمل، في صورة حزن على الذات، وعلى الوطن وحزن على الأصدقاء الذين يرحلون مع تعبهم دون وداع.
وحول هذا الشجن والهم الإنساني الباكي والحزين، يقول:
حزين؟ نعم والحزن بعض مواهبي | فلا تسألي عني سلي عني مصائبي | |
تجرّعتها طفلاً صغيراً ويافعاً | وكهلاً لقد أتعبت حتى متاعبي[2] |
هو مقطع شعري يذكرك ببلاغة وجزالة وفنية عمود الشعر عند الشعراء العرب الكبار من المتنبي إلى الجواهري، إلى عبد الله البردوني، بقدر ما يذكرك بروح التحدي والمقاومة.. مقطع شعري يكتنز مرارة حزن غائر في أعماق الروح (حزن ذاتي وتاريخي)، على أنه مقدم ومسبوك في صياغة شعرية فيها من جمال البلاغة، ومن فنية الشعر، ومن عمق الرؤية والفكرية في تصوير متاعب الذات وهي تقول بعض تباريح النفس.
وأتصور أننا مع رحلة قاسم الوزير مع الشعر نجد أنفسنا أمام ومع سردية حزن، أخذت بعداً ذاتياً وتاريخياً وإنسانياً بسبب التحولات الدراماتيكية للمسار السياسي اليمني الصعب والمعقد، المسار الذي مايزال مستمراً حتى لحظة رحيله. وحول قاسم الوزير والحزن كتب راشد المبارك:
“لعل أول ما يستوقف القارئ لشعر الأستاذ قاسم هو طابع الحزن الذي يسربله لأنه إلى الحزن صار ومن الحزن انبعث”[3].
ويظهر وبتجلٍّ شفاف أمامنا صورة ومعنى وجدانه الشعري العميق، في إحساسه بمن حوله، ووفائه لأصدقائه في العديد من قصائده العامرة بالمحبة والوفاء والرثاء، وما أكثرها في قصائده التي وصلت إلينا عبر “مجموعات شعرية”.
حزن حمله من طفولة المراهقة، إلى يفاعة الشباب، إلى الكهولة.. حزن توحد بالحب، فكان جمال الشعر، وصرامة الفكر. وفي مقام الحديث عن الشعر والحزن، والوفاء من المهم التفريق بين حالتي الحزن والوفاء، فالحزن حالة إنسانية عامة تخص وتعم، أما الوفاء فهو كينونة ذاتية إنسانية خاصة، وهي حالة فردية مرتبطة بهذا الفرد دون ذاك، بهذا الأخ دون الآخر، وقد جمع الفقيد والإنسان قاسم بن علي الوزير في ذاته الشعرية والحياتية بين حالتي الحزن والوفاء.
وهو ما تحكيه سرديته الشعرية في طابعها الدراماتيكي والتراجيدي معاً. وهنا، هو -كذلك- يذكرني بالصديق النبيل د. عبد العزيز المقالح، الذي خصص ديواناً للأصدقاء “كتاب الأصدقاء”، وإذا ما جمعت قصائد قاسم الوزير للأصدقاء والوفاء لهم فهي تعدل ديواناً شعرياً، فهما -أي المقالح وقاسم الوزير- من جيل وعمر واحد.. المقالح دخل السجن رهينة مع والده، وقاسم الوزير دخل السجن عقاباً وانتقاماً لاشتراك والده وعمه في قيادة انقلاب أو حركة 1948م الدستورية العظيمة.
كان من سوء حظي -كما سبقت الإشارة- أنني لم أتعرف شخصياً على الأستاذ قاسم الوزير، ولكن دلتني عليه وقادتني إليه قصائده في “مجموعات شعرية”، وفكره الصارم والمستنير في إبداعه الفكري الذي حواه كتابه “حرث في حقول المعرفة”، وبذلك عوضت المعرفة الحسية الحياتية بالشخص بالمعرفة الأعمق والأجمل، حينما وجدت نفسي منهمكاً في مطالعته ومعايشته ومرافقته والسهر معه أياماً طويلة أحاوره وأتبادل معه أطراف الحديث حول جملة من المفاهيم والقضايا الحياتية والهموم التي اشتغل عليها معرفياً، من خلال الشعر وعبر الفكر المستنير.
قاسم الوزير المثقف والإنسان، شاعر مخلص للشعر، قصائده تدلنا على إنسان جميل ونبيل، والوفاء إحدى صفاته، ومن تنطبق عليه صفة الوفاء لا يمكن إلا أن يكون جميلاً وكبيراً.
هو كبير، ليس لأنه شاعر وباحث ومفكر، بل لأنه قبل كل شيء إنسان، وأضاف الحزن الإنساني العميق والوفاء لمن حوله، عمقاً أشمل لمعنى إنسانيته، وهو ما يُرينا رحابة أفقه الروحي في تمثلاته الصوفية، وبُعداً أشمل لمعنى إنسانية الحزن فيه.
فهو يكتب شعراً قائلاً:
دفنت بنفسي بعض نفسي فأصبحت لنفسي منها دافن ودفين[4]
وهي مقاطع تجمع بين الحزن والوفاء والتضحية والفداء. وهو القائل شعراً عن حزنه:
أخفي الجراح بنفسي وهي قاتلة | وأمنحُ الناس مني الوجه جذلانا | |
فليشرب الناس من كأسي مشعشعة | وأحتسي دون خلق الله نيرانا | |
يا من يرى الوردة الحمراء باسمة | دمي جرى في عروق الورد ألوانا[5] |
وفي بعض قصائده التي أسمعه يرددها وهو في ذروة لحظات تعب الجسد الذي يقربه في كل لحظة من شهقة الموت، فتجده يحاور الموت، في صورة ذهنية شعرية رائعة ودون خوف، جملة شعرية تعكس روح العقل المستوعب جدلية الحياة والموت، فنراه يقول:
يجادل فيك الموت معنى حدوثه وفيك رأى معنى الخلود المصاحب[6]
حوار وجدال المؤمن الذي يعشق الحياة، ويرى في الموت لحظة خلود توحده بقدر الله، ولا تخيفه منه، ما يجعله أبداً متوحداً بالمعنى الكلي والإنساني للموت والحياة. إنه عقل المؤمن المحتسب.
شاعر ممتلئ بالحزن وبالوفاء لمن حوله، حزن طافح بالحب تجده وتطالعه حتى في خطابه الثوري، نقرأ التحدي ممزوجاً ببعد الحزن، وكأنه الحزن الثائر والمتمرد، وليس حزن الاستكانة والصمت، وبذلك نرى الثورة، بل حتى فكرة التغيير عنده محاصرة بحزن أكبر من طاقة وقدرة الكلمات على تحويله إلى واقع. تبقى الثورة رغبة وأملا وحلما في حدود الـ”نستالوجيا”، حنينا طاغيا وعاصفا، وشوقا بلا حدود للإصلاح والتغيير في واقع مايزال طعم مراراته البعيدة والقريبة تلاحقه، حتى وهو في الغربة عن الوطن، حنينا تختصره كلمات شاعرة مدججة بهم الإصلاح والتغيير للذات وللواقع، كما هي ممتلئة بالحزن النبيل، وكأننا أمام إصلاح أو تغيير “ثورة” ممنوعة من الصرف على الصعيدين الوطني، والقومي العربي.. إصلاح وتغيير واقعين بين المتاح المنتظر، والممكن البعيد، حتى لا أقول المستحيل، ولذلك حضر الحزن بتلك الصورة الطاغية على “مجموعات شعرية”، وغاب التغيير للواقع، كما حلم به الشاعر منذ سنوات طويلة، وقاده إلى السجن يافعاً ومراهقاً، حلم يتناسل ويتواصل في داخله شعراً وفكراً.
قاسم بن علي الوزير إنسان شديد الإحساس بالناس، والحساسية المعرفية والإنسانية بالوجود، ولذلك هو عميق الارتباط بالواقع اليمني، رغم غربته الطويلة الجغرافية عنه، بقي الوطن هماً وقضية وحلماً يسكنه حيثما سكن وارتحل. إنسان نبيل وصادق مع نفسه ومع الآخرين، لم يتبقَّ منه بعد قرابة أكثر من ستين عاماً من الحلم ومن الحزن، ومن الشعر، سوى سورة وسيرة التعب، وسوى الاعتصام برثاء الأصدقاء والوفاء لهم شعراً، بعد أن صار الموت عادةً وحالة ذاتية يومية، نطالعه مع كل قصيدة رثاء ووفاء لرفيق عمر، كما في قصيدته لصديقه أمين محمد هاشم، وغيره كثر.
حتى كان أو كاد الموت يكون له عادةً. وهو القائل شعراً:
أنا لا أعيشُ بغير عاصفة | تُعربدُ في حياتي | |
لو كنت أعرف أن موت | إذًا أجرِّبه مماتي | |
وأعلّم الموتى جُنوني | … ثورتي… قَلقَ الرُّفاةِ[7] |
لقد صار الحزن أنيسه، والشعر رفيقه، وبلاغة القول عدته الوفية في حماية النفس من قهر سلطات الخارج الذي يحيط به، من جميع جهات الحصار.. جميع جهات الحزن، ومع ذلك لم يستسلم قاسم الوزير للحزن، ولم يبقَ أسيراً له، بل وظفه وتوسله أداة مقاومة، وهو ما تقوله قصائده الموزعة على “مجموعات شعرية”.
وفي تقديري أن أعماله الشعرية في عناوينها المختلفة، هي أداة مقاومة، ووسائل دفاع عن الذات وعن الأصدقاء وعن الوطن، كما حلم به. هي أعمال شعرية لم تدرس من المهتمين والاختصاصيين بالنقد الأدبي بعد. فكما كتب للأصدقاء والوفاء لهم، فقد غنى للثورة المصرية 1952م شعراً، وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة، وهو دليل انحياز واصطفاف لصف الثورة ولفكرة الثورة.
وما يلفت الانتباه أكثر في هذا الاتجاه نحو الشعر وكتابة الشعر، أنه كتب ومبكراً قصيدة التفعيلة، بل والقصيدة “المدورة” حين كان عمود الشعر هو الطاغي والسائد في الكتابة الشعرية اليمنية والعربية، وهو القادم من اليمن الإمامي المغلق على نفسه، في عزلة تاريخية، ودلالة الكتابة الشعرية في صورة القصيدة “المدورة”[8] إنما هي دليل حي على أن قاسم الوزير خرج من دائرة العصبية الأيديولوجية للشعر العربي القديم، وهو ما لا يمكن أن يكون دون أن يكون ابن الوزير تلمس طريقه إلى فكر الاستنارة والتنوير، والحداثة الشعرية العربية المعاصرة تحديداً في ذلك الزمن المبكر، من العمر، ومن التاريخ، حين كان الشعر هو “ديوان العرب الأول” ومخزنهم الأدبي والثقافي واللغوي.
والقصيدة المرسلة عنوانها “عودة النّائي”، وفي مطلعها يقول:
صنعاء
ها أنذا أعودُ إليكِ
يا حلم الخيال
ويا صلاة الفنَّ
في محرابه السامِي
في هذا الوجود
***
هذا أنا
هل تسمعين نداء محرورِ الفؤاد
وقفت أمانيه ببابك وهْوَ
ينوءُ بالسورِ القديم
قد أُبْتُ
لكن فانظري..
هل تعرفين..؟
***
هل تعرفين فتاكِ؟
أم أنكرتِه؟
قُولي…
فقد بعُد الزمان بنا
وغيَّب في دُجى المجهولِ
أشباح اللقاء…
ونأيت عنك..
وطال بي النأيُ المُبَّرحُ..
لا رضاكِ.. ولا رضايَ..
فيهِ
وما ليَ من يدَيْن..
.. لو تعلمين[9]
جميع من كتب عنه وعن شعره تحديداً، كما في الدراسات النقدية لنتاجه الشعري الذي جمعه الأخ الأكبر الأستاذ إبراهيم الوزير، يشيرون إلى بساطته وتواضعه الجم، واهتمامه بالأصدقاء، ويؤكدون على عدم اهتمامه بنشر أعماله، وعلى عدم جمع ما كتبه شعراً وفكراً، ومن أن مجموع أعماله الشعرية والفكرية تمت رغماً عنه من خلال أخويه الأستاذين إبراهيم، وزيد، وبدعوة من محبيه الذين يدركون القيمة الإبداعية لشعره، والمعرفية والفكرية لما كتب. ومع أن البساطة والتواضع أمران محمودان، ويعكسان عمقاً اجتماعياً إنسانياً راقياً، على أن غير المحمود وغير الطيب هو دفن ذلك التراث الأدبي/ الشعري، والنتاج المعرفي الفكري الرصين، عن أن يكون في متناول المهتمين والباحثين المختصين بقضايا الأدب والفكر، وحسناً فعل الأستاذان إبراهيم، وزيد أخواه، على إخراج تلك النتاجات لتكون في متناول الجميع، وإن كانت ماتزال محصورة في الحدود النخبوية الضيقة.
“هو في كل من الشعر والنثر يهدف إلى إيقاظ الفكر من غفوته، وتصحيح السياسي من انحرافه، وإخراج المجتمع من جموده”[10].
هكذا كتب عنه ورَآه أخوه الأستاذ زيد، في تقديمه للكتاب الفكري الذي جمعه له من بعض مجموع أعماله الموزعة في الصحف، والمجلات المختلفة، وهو -في تقديري في الصياغة التي وردت- رأي أو حكم فيه الكثير من العاطفة، كما فيه قدر معقول من الواقع ومن الحقيقة الفكرية التي كانها الأستاذ قاسم، في كل ما كتبه من “حرث” في اتجاهات المعرفة والفكر، بعد التخفف قليلاً من حالة الإطلاقية في الحكم، كما وردت في إشارة زيد السالفة.
ما يهمني في هذه الفقرة هو محاولة التركيز لالتقاط بعد الاستقلالية الذاتية في التفكير، وفي الفكر، الذي كانه الباحث، والذي وجدته يتخلل ويحضر في الكثير من الفقرات والمعاني الواردة في كتابه أو في حرثه المعرفي، في صورة سعيه الحثيث لتأكيد استقلاليته في الفكر وفي التفكير عما هو سائد في الوسط الفكري والثقافي اليمني، والعربي خصوصاً، بل وفي تأكيده إظهار أو إعلان استقلاليته -حتى- عن بعض المفاهيم الفلسفية الكبرى للمدارس الفلسفية العالمية، في صورة المدرسة الفلسفية المثالية، والمدرسة الفلسفية المادية، اللتين قدم ملاحظاته الفكرية عنهما وحولهما، فهو يقول: “في إطار البحث عن الطريق تقدم الفلسفة بعض أجوبتها: الفلسفة المثالية تقوم على أن “الواقع” الخارجي هو انعكاس للفكر. وعليه؛ فإن الأفكار التي تشكل الوقائع أو صورتها في الخارج، أي في الواقع، فإذا ما أخذنا بهذا فإن التغيير يجب أن يبدأ من “الفكر” أو العقل أو سمه ما شئت.. لكن الفلسفة المادية ترى العكس؛ فهي ترى الفكر انعكاساً للواقع. وعليه فإن مفردات هذا الواقع هي التي تشكل الأفكار والمعتقدات؛ فإذا ما أخذنا بهذا فإن التغيير يجب أو يتحتم أن يبدأ من تغيير الواقع (بالتطور أو بالثورة مثلاً كما هي لدى الماركسية)، على أن كلا وجهتي الفلسفة هذه تفتقر إلى إدراك حقيقة العامل الذي يكمن وراء الفكر ووراء الواقع معاً، ويجعل من كليهما موضوعاً قابلاً للفعل والتأثر والتأثير. ونعني بذلك “روح” الإنسان الذي يستخدم الفكر والعقل، ويشكل الواقع أياً كان، انعكاس أحدهما على الآخر.. فالإنسان كما هو جسد.. وعقل، هو روح أو نفس. وهذا هو الذي يصير به الإنسان إنساناً. وعليه فإن “التغيير” يبدأ من تحرير “روح” الإنسان من سيطرة الخرافة، في أي من أشكالها، وسيطرة الجهل بكل صنوفه، وسيطرة الخوف بكل أنواعه، وسيطرة الظلم والاستبداد بكل أشكالهما. وبهذا يصبح الإنسان الحر وسيلة التغيير، وهو هدفه”[11].
اضطررت لإيراد الفقرة/ الرؤية كاملة التي أوردها الأستاذ قاسم، على طولها، لأشير وأؤكد أولاً، على أمانته العلمية والفكرية في الاقتباس والنقل لمعاني النصوص التي يختلف معها، نقلها كما هي في أصولها أو معانيها الكلية، بل حتى دلالاتها المقصودة دون زيادة ولا نقصان، على عكس ما نطالعه في بعض الكتابات الفكرية والسياسية، تحديداً الكتابات من موقع الرؤية “الإسلاموية” التي نجدها تشوه ما تنقل عنه، أو تبتسره، بخاصة في من تراهم كفاراً أو علمانيين، وتقديم حكمها مسبقاً، بالقفز على المعنى والفكر المطلوب بحثه ونقده، هذا أولاً، وثانياً كان إيراد الاقتباس كاملاً لأشير إلى أن الباحث قاسم الوزير قدم في معارضته صورة وروح وعقل الباحث المعرفي، على الأيديولوجي والسياسي، وثالثاً للقول إننا أمام باحث مطلع ومقتدر وأمين في عرضه لفكر الآخر، باحث يحاجج عن معرفة بأصول وفكر الآخر، بصرف النظر عن رؤيته وتأويله الفكري، وقراءته الثقافية لفلسفة ورؤية الآخر، وكيف هو فهم وقرأ رؤية الآخر، والجميل هنا هو أنه يسعى للحوار مع الرؤى الأخرى من موقع رؤية يراها البديل، أو هي الأكثر واقعية وصدقية وموضوعية وعقلانية. ومع كل التقدير والإجلال للرؤية النقدية التي أوردها الباحث في متن رؤيته/ محاضرته -وهي في جزء منها صحيحة- وهذا حقه، كما يحسب له المحاججة على قاعدة المعرفة، والحق في الاختلاف والنقد، على أن الباحث قاسم، لا يرى أن الرؤى الفلسفية تناقش قضايا وإشكالات فلسفية ومعرفية حول علاقة الوعي، والوجود، علاقة الوعي/ الفكر، بالواقع، أي علاقة الوعي الاجتماعي، بالوجود الاجتماعي، وليس فحسب أيهما أسبق، أو الأكثر قدرة على التأثير، الوعي أم الوجود، فهذه إشكالية معرفية فلسفية ستظل قائمة وقيد البحث باستمرار من زوايا مختلفة، وفي أزمان معرفية مختلفة، وحين قدمت الماركسية -وهذا ليس دفاعاً عنها- الواقع أو الوجود الاجتماعي نسبياً على الوعي/ الفكر، فإنها لم تنكر العلاقة التفاعلية الإبداعية في ما بينهما، وليس الانعكاس الميكانيكي “الفوتوغرافي” للفكر في الواقع، الفهم الانعكاسي غير الجدلي، والبعيد عن روح المادية الجدلية والتاريخية، الذي يجعل -عند البعض- من الفكر تابعاً وملحقاً أبداً بالواقع وصورة جامدة له، كما ذهبت إليه بعض اتجاهات القراءة الفكرية الماركسية السلطوية في طبعاتها التبسيطية السطحية، بجعل الفكر ملحقاً وتابعاً للواقع في كل الأحوال، انطلاقاً من النزعة “الاقتصادية” وليس المادية الجدلية التاريخية، وهي قضية ومسألة نوقشت وبحثت في أصول الفلسفة الماركسية كثيراً، وقدمت حولها قراءات نقدية معمقة ليس مجال بحثها هذه التحية والتكريم لاسم علم فكري بارز في الثقافة اليمنية المعاصرة. علماً أن الفلسفة المثالية، بشقيها “الذاتي”، و”الموضوعي” تحديداً كما هي عند “هيجل” وتلاميذه، وكذا الفلسفة المادية الجدلية والتاريخية، وضعتا الإنسان في القراءة الفلسفية في مكانة الصدارة والفعل في التاريخ قياساً إلى ما كان في صورة الإنسان الذهنية والفكرية في الكتابات السابقة، علماً أن الماركسية في أصولها الفلسفية، ومن خلال بعض رموزها النقدية قد قدموا مساهمات نقدية للطابع الاستبدادي للسلطة الشمولية الكلية، “دولة البروليتاريا”، وفي إهمال وتغييب أو تغريب لدور الإنسان، كما هو الحال مع البعض، ومنهم مساهمة المفكر “هربرت ماركيوز” -كمثال- في كتابه “الإنسان ذو البعد الواحد”، والذي يتضمن نقداً عميقاً للتجربة الماركسية في صورة بعض التمظهرات السلبية/ الاستبدادية في دولة الاتحاد السوفيتي. وبهذا المعنى تصدق ملاحظة الأستاذ قاسم الوزير -جزئياً- حين يتصل الأمر بالجانب السياسي والتنفيذي، وتحديداً في جانب الموقف من الديمقراطية ومن الحريات التي رافقت التجربة الاشتراكية في أخطاء الممارسة القاتلة، وليس في أصل البحث الفلسفي، حول علاقة الوعي الاجتماعي بالوجود الاجتماعي، أو علاقة الفكر بالواقع.
ما يعنيني ويهمني من هذا الحوار الذي قدمه وخاض فيه الباحث ابن الوزير، هو التأكيد على النزوع المعرفي والفكري الواعي لتأكيد معنى استقلاليته الذاتية في التفكير عن المعطى المعرفي والفكري والسياسي السائد، ليس فقط للرؤيتين المثالية والمادية، الرأسمالية، والاشتراكية، ومحاججته لهما من موقع العارف والعالم، بل ونزعته الاستقلالية في التفكير وفي التأسيس لرؤية فكرية خاصة به، ليست مفصولة بالمطلق عما قبله، بل تطوير لها أو استمرار معاصر لما يراه يجب أن يكون، جرياً أو تطويراً لما كان عند رواد فكر النهضة العربية في منتصف القرن التاسع عشر، وتتجلى ظاهرة الاستقلالية في التفكير في جملة من الرؤى والطروحات التي حضرت في “حرثه” المعرفي، ومنها على سبيل المثال: رؤيته للإصلاح والتغيير، فرواد النهضة العربية طرحوا فعلاً سؤال النهضة عبر فكرة الإصلاح، ولكنهم لم يشيروا إلى كيف يكون وبأية طرائق؟ وما هي الوسائل لذلك؟ بقي سؤال النهضة مجرداً ومعلقاً في سماء حدوده المعرفية الفكرية، “القولية”، بعيداً عن سؤال السياسة والسلطة، اللتين بدونهما لا يتم ولن يتحقق الإصلاح.
ولذلك يؤكد قاسم بن علي الوزير محقاً على دور الإنسان، وعلى دور “الثقافة” الفاعلة في التغيير، بعد تحريره من الجهل ومن الخوف ومن الاستبداد، وجعل المعرفة مرتبطة بالواقع المطلوب إصلاحه أو تغييره، وهو ما نجده منتشراً ومبثوثاً في سطور “حرث في حقول المعرفة”.
إن المسألة أو القضية في رؤية قاسم الوزير “هي في فهم القوانين و”العمل” بمقتضى تلك السنن.. وهذا وحده هو طريق الخروج”[12].
أي أنه في ومن خلال ذلك الفهم والوعي والأدوات، يكون وصولنا إلى بر الأمان، في الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، من تاريخ إلى تاريخ، والأهم والعملي في الانتقال من المشكلة/ الأزمة إلى الدخول إلى فضاءات واقع جديد، بعد تقديمنا الحلول العملية لتلك المشكلة/ المشاكل المتراكمة، ذلك وحده -كما يرى- هو طريق الخروج، ومعه كل الحق، لأننا خلال المراحل الماضية بقينا ندور عند بحث المشكلة، ونعيد مراكمة إنتاجها، بدلاً من العودة إلى جذر سؤال الأزمة، أي إلى الأسباب المنتجة للمشكلة/ الأزمة، وهذا المعنى من الفهم والقراءة ستجده يغطي معظم صفحات كتابه/ محاضراته، وهو تفكير -مع الأسف- مانزال قابعين داخله ونحن نفكر في الحاضر وفي المستقبل، ولذلك -كما يرى قاسم الوزير- لم نتجاوز أسئلة وإشكالات الماضي، ومانزال نجيب على أسئلة الراهن/ الحاضر بذات الإجابات القديمة، ولذلك لا يمكننا من خلال هكذا منطق من التفكير أن ننطلق إلى المستقبل.
فهو يكتب حول ذلك قائلاً: “إن بقاء أية مشكلة بدون حل لا يعني توقفها عند كونها مشكلة فحسب؛ بل إنها -من حيث الكم- تتوالد، وبذلك تزداد تعدداً، وهي -من حيث الكيف- تتعقد، وبذلك تزداد تنوعاً. إن المشكلة الواحدة إذا ما تركت تصبح مشاكل شتى متعددة الأشكال والألوان تتوغل في مختلف مجالات حياتنا، وتتحكم في أوجه نشاطنا، وكل استمرار في هذا الاتجاه يعني ابتعاداً متواصلاً عن مواجهة المشكلة الأم، أي ابتعاداً عن الرحم التي تتناسل منها جميع المشاكل. وبسبب ذلك تتجه جهودنا إلى متفرعات المشكلة، وتشتبك مع بنياتها في معركة خاسرة عوضاً عن مواجهة المشكلة ذاتها (…)، إنها تظل “خميرة” تفسد حتى “تفكيرنا”، ومن ثم تحبط جميع جهودنا وأعمالنا”[13].
ومع مثل هذا المنطق من الفكر والتفكير والخطاب الموضوعي العقلاني النقدي، نجد أنفسنا أمام باحث يمتلك منهجا وبصيرة واقعية في فهم طرائقه للإصلاح والتغيير، بعيداً عن العصبية، والفكر الاتكالي/ التواكلي، الذي يراكم المشاكل، ويعجز عن حلها إلا من خلال “التفكير بالتمني” الذي قادنا إلى جحيم الفشل المتكرر، والعجز المستدام عن حل مشاكل الواقع، بعيداً عن الأوهام الذاتية الأيديولوجية، القومية الرومانسية، واليسارية الثورية، والإسلاموية، التي انفصلت -جميعاً- عن الواقع، ولم تتمكن سوى من مراكمة المشاكل، وبالنتيجة استقدام الخارج الاستعماري إلى داخلنا، “فالطغاة في التاريخ هم من يستقدمون الغزاة”، وهو ما نعيش بعض تفاصيله الملموسة في أكثر من منطقة عربية اليوم.
ومن هنا تأتي رؤية قاسم الوزير للإصلاح مرتبطة أو منوطة بالإصلاح الشامل، والإصلاح عنده غير ممكن بدون التغيير، من خلال تساؤله: “هل ممكن الإصلاح بدون تغيير؟”، مع أن معنى وقيمة التغيير عنده، أي ضمن رؤيته الخاصة لمفهومي الإصلاح والتغيير، هو أن التغيير أدنى مرتبة ومكانة من الإصلاح، الإصلاح هو الأساس للتغيير، هكذا هي منظومة تفكيره في علاقة الإصلاح بالتغيير.
على أن الجميل في رؤيته لسؤال النهضة، هو أنه وضع الحصان في مقدمة العربة، لتتمكن الفكرة من الحركة والمرور، وبذلك أعاد الاعتبار العملي/ السياسي للسؤال في صورته الناقصة كما تبدى عند رواد النهضة الذين بقوا وظلوا عند دائرة السؤال المعرفي، دون البحث في طرائق الخروج من المشكلة والأزمة، أي دون ربط المعرفة والفكر والثقافة بشرطه السياسي السلطوي. وعلى الرغم من أن قاسم الوزير يرى حالة الارتباط بين الإصلاح والتغيير على أنه -كما سبقت الإشارة- يعطي للإصلاح مكانة أكبر وأعلى من التغيير الذي يعني هنا الثورة، فهو يرى أن “من الضرورة هنا، أن نميز بين مفهوم أو مدلول الإصلاح، ومفهوم أو مدلول التغيير. الإصلاح -من حيث الجوهر- ومن هنا رؤيته الذاتية الخاصة لمفهوم الإصلاح والتغيير، والفارق بينهما في واقع الممارسة العملية، عملية تصحيح لأخطاء وتقويم لمعوجِّ هو تسديد وتشييد، وهو تصويب وضعٍ.. لمجتمع ما أو حالة ما (…)، أما التغيير فيعني إزالة عوائق وتوفير وسائل وتهيئة مناخ. الإصلاح هدف يكون دائماً متجهاً إلى الأفضل.. إلى الأمام، والتغيير وسيلة قد تكون إلى الأحسن، وقد تكون إلى الأسوأ”[14].
فهو هنا يعطي للإصلاح مكانة أكبر وأعلى وأرفع من التغيير، فكأن التغيير وجد ليخدم فكرة وقضية الإصلاح، وحسب رأيه “فليس مطلوباً أي تغيير لا يحقق أو لا يمهد للإصلاح”[15].
وكأن مهمة التغيير إزالة العوائق من أمام الإصلاح فقط، أي كأن عملية التغيير تابعة لعملية الإصلاح، بعيداً عن خطاب الثورة والتغيير، وكأنني أراه يربط التغيير بالثورة وبالعنف السياسي والاجتماعي، التي شهدتها المنطقة العربية وبعض دول العالم النامي المتحرر، ووقفت بالثورة أو بعملية التغيير في منتصف الطريق، فلا هي استكملت خلالها الثورة شروطها، ولا تحقق الحد المطلوب من الإصلاح المرتجى، وواضح هنا أن الباحث الأستاذ قاسم الوزير، له رؤية معرفية فكرية وثقافية وسياسية خاصة به، وليس عفواً واعتباطاً، بل هو تأكيد للمنزع الاستقلالي الذاتي في التفكير، كما رسخ وتأسس في ذهنه وتفكيره، وليس نقد الرؤيتين الفلسفيتين المثالية البرجوازية، والمادية الماركسية، سوى أحد ملامح وأبعاد هذا التفكير الاستقلالي الذي يضع أو يموضع قاسم الوزير على عكس من آخرين ضمن منظومة معرفية فكرية خاصة به، ومن يشابهونه ويلتقون معه في منطق التفكير، وهو موقف وتفكير شجاع وجريء يعكس روح ومنزع الاستقلالية الذاتية في منطق تفكيره، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف في مبنى ومعنى رؤيته التي لها كل التقدير، على الأقل أنه اجتهد معرفياً في تأكيد نزوعه الذاتي الاستقلالي في الرؤية والتفكير، وهذا يحسب له، وفي هذا المسعى والسياق نجده يقدم تعارضه ومفاهيمه ومصطلحاته الخاصة حول جملة من المفاهيم والقضايا على سبيل المثال:
فتعريفه للجهل: تعريف معرفي: “أنه مشكلة ترتبط بقضية التخلف والقضاء عليه، مشكلة ترتبط بقضية التقدم.. (…)، وإذن لكي تقضي -مثلاً- على الجهل، فلا بد أن تكون منطلقاً من “واقع فكري” مختلف نوعاً عن ذلك الواقع الذي أنتجه الجهل أو أنتج هو الجهل، وإلا فهو العجز أو الانتقال من ضرب إلى آخر من ضروب الجهل دون تجاوزه، أي بمعنى آخر أن الجهل هو مشكلة تخلف، وبديله مشكلة تقدم”[16].
وكأنه ضمناً يقول إن الجهل صناعة سياسية اجتماعية، وتجاوزه لا يكون إلا بمشروع فكري سياسي بديل، أو حسب تعبيره “واقع فكري” مختلف ينقض حالة التخلف المنتجة للجهل. وسواء اتفقت أو اختلفت مع رؤية الأستاذ قاسم الوزير، في تفاصيل رؤيته وفي منهج بحثه “المستقل”، فإنك تجد نفسك متفقاً معه كلية في تركيزه على دور الإنسان، وضرورة استعادته لمكانته وماهيته كفاعل إنساني، وبدونه -أي الإنسان- لا حرية ولا كرامة إنسانية للفرد وللمجتمع.. وبدونه لا إصلاح ولا تغيير ولا تنمية، فالإنسان وحده هو أداة التغيير وغايته، وهو ما تهدف إليه ضمناً ومباشرة وقولاً جميع الفلسفات بصرف النظر عن تجليات ذلك في واقع الممارسة العملية السياسية، وهو ما يشير إليه ابن الوزير قاسم في ثنايا قراءاته/ محاضراته[17].
فهو يكتب قائلاً: “إن التجربة البشرية المتنوعة تمدنا بأمثلة شتى على ذلك، في طليعتها الرسالات السماوية التي بدأت كلها بشخص أو كلمة.. ثم عم نورها الأرجاء.. وكذلك هي الحركات الكبرى في التاريخ، بصرف النظر عن بواعثها: الأفكار أو وسائل الإنتاج إنما تبدأ بفكرة من شخص.. ثم تنتشر فتصبح حركة في التاريخ. فمؤسس “الماركسية” -كما يقول- شخص عبر عن فكرته ودعا إليها مع زميل له، فانتشرت وأوجدت لها مؤمنين حولوها إلى دعوة وإلى حزب، ثم إلى حركة أثرت بشكل أو بآخر على العالم المعاصر.. وليس هنا ما هو أكثر خطأ وأبعد عن معايير الصواب والصحة وأوغل في الضلال البعيد من الصهيونية”[18].
إن ما أرغب في تأكيده في ختام هذه التناولة، أن الباحث الفقيد قاسم الوزير، وهو في سياق تأكيده لدور الإنسان، ومن أنه أداة فعل، وغاية في الوقت نفسه، فإننا نجده يعطي “الثقافة” و”الفكر” دوراً وتأثيراً أكبر وأهم من دور وتأثير ومكانة الوجود الاجتماعي في العلاقة بين الفكر والواقع. ويمكنكم العودة إلى متن البحث/ المحاضرات، وهو هنا يلتقي مع الرؤية المثالية الموضوعية ضمن الرؤية الفلسفية العامة لها، وهو حقه في الانحياز المعرفي والفلسفي، حيث لا يمكنك في القراءة/ الرؤية الفلسفية، للذات وللفكر وللوجود وللحياة عامة، سوى أن تكون إما مع الفلسفة المثالية بتعبيراتها المختلفة (ذاتية/ موضوعية)، أو مع الفلسفة المادية (الاقتصادية/ أو المادية الجدلية التاريخية)، من أي موقف أو موقع فكري/ أيديولوجي، انطلقت: وطني، قومي إسلامي، ليبرالي، يساري.
وهناك العديد من المفاهيم والأفكار التي بحثها قاسم الوزير، بعقل الباحث المستنير العقلاني النقدي، والتي تؤكد منزعه أو نزوعه المعرفي والفكري الاستقلالي في الرؤية للذات، وللواقع، وللآخر، لا يتسع لها هذا المقام والمقال. وفي ختام فقرة الاستقلالية في التفكير، من المهم التأكيد أن حالة الاستقلالية في الفكر وفي المعرفة عموماً هي استقلالية نسبية، فحركة وعملية التفاعل الذاتي، والإنساني للفرد والجماعة على مستوى المعرفة والفكر، والحضارة، هي حالة مستمرة في التفاعل والتلاقح والتكامل، وتبقى حدود الاستقلالية في حدود الظاهرة أو الحالة النسبية، ذلك أن قاسم الوزير نجد تفاعله المعرفي، والفكري مع رواد النهضة العربية المعاصرة، ومع غيرهم من التيارات والاتجاهات المعرفية والنظرية والفكرية، مايزال قائماً ومستمراً وإن بصورة فكرية وإبداعية تعكس المرحلة التطورية والحضارية التي تعيشها اليمن والمنطقة العربية والعالم، فهو لم يقف عند أسئلة النهضة كقضايا معرفية، بل هو ربطها -كما سبقت الإشارة- بشروطها وقوانينها وسننها، كما سماها ابن الوزير، والتي أخذ بها ودعا للأخذ بها، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال الاستقلالية في التفكير.
رؤيته للآخر المعرفي والفكري والسياسي.
من يتمعن في الفقرة السالفة حول قاسم الوزير والاستقلالية في التفكير، سيجدها ملتحمة أو مرتبطة بفقرة الموقف من الآخر المعرفي والفكري والسياسي، فالاستقلالية في التفكير وفي الفكر، لا تعني القطيعة، أو العدمية والانفصال المطلق عن الآخر على أي مستوى كان ذلك الآخر.. الآخر الذات (الشخص) أو الآخر المجتمع (الواقع) أو الآخر الفكرة. وفي الحقيقة إن ما استدعاني لتقديم أو مقاربة هاتين الفقرتين أو العنوانين، إنما هو مطالعتي لشعر قاسم الوزير، وتحديد اطلاعي لفكره ورؤيته الموزعة على محاضراته التي قدم معظمها في “مركز الحوار العربي”، وفي غيره من المنتديات الفكرية، وللباحث قاسم الوزير يعود الفضل في أنه فتح ذهني على مقاربته، وأن أبحثه من خلال هذين العنوانين/ المبحثين، اللذين أجد معناهما حاضراً في متن وسطور كتاباته/ محاضراته.
في تقديري أن قاسم الوزير ذو بصيرة نافذة تنظر للبعيد، له تجربة حياتية وتجربة معرفية عميقة وواسعة، هو -حقاً- باحث يمتلك أدوات البحث، إلى جانب لغة أدبية وفكرية رصينة وسلسة، يطوعها في الإنتاج البحثي والفكري الذي يريد، دون إنكاره انحيازه وتوافقه مع رؤى بعينها يجد نفسه فيها، أو قريباً منها، ويسعى جاهداً لتقديمها وتعميم نشرها بصورة جديدة تستوعب قضايا العصر الراهن في صورة أعمال رموز النهضة العربية في صورة المفكر العربي الإسلامي/ القومي (القومية الإسلامية)، جمال الدين الأفغاني، والإمام المجتهد الإصلاحي محمد عبده، والمفكر المعاصر/ التنويري بامتياز “مالك بن نبي”، الذي نجده حاضراً في العديد من صفحات كتاب “حرث في حقول المعرفة”، فقد استوعبه إبداعياً، وعرض أفكاره وتبناها بصورة خلاقة، مضيفاً إليها ما عنده وما يمتلكه من رؤى خاصة به، ولذلك أكرر القول: إننا مع قاسم الوزير، نجد أنفسنا أمام شخصية معرفية وفكرية وسياسية متميزة، قرأ واستوعب الرؤى الأخرى الفلسفية المثالية والمادية، وغيرها من الرؤى والنظريات، استوعبها وهضمها وتمثلها إبداعياً في معظم ما كتب، وهذا يعكس المنحى الإبداعي النقدي في عقله، الذي يستوعب ويتمثل ويفهم الآخر المعرفي والفكري والسياسي، بل ويتفهمه، ولا يصطنع قطيعة عدمية مع كل ذلك الآخر، وبخاصة الآخر على المستوى الوطني اليمني والعربي، بل حتى من لا يتفق معهم فلسفيا وفكريا ومذهبياً ودينياً.
وقد مررنا في عرض سريع كيف تعاطى وفهم الفلسفات الأخرى، وقدم خلاصة اجتهاده وفهمه لها بعيداً عن الأفكار الحدية والقطعية، والأحكام الإطلاقية القاتلة.. يختلف وينقد من موقع الاعتراف بالآخر، وبحقه في أن يكون ما يريد، بل وبحقه في الخطأ، وهو بحد ذاته موقف فلسفي، ومعرفي وحياتي متقدم إنسانياً على الكثيرين ممن يدعون الحداثة والتقدمية والثورية.
والسبب في ذلك -كما أتصور- يعود لجملة عوامل ذاتية وفكرية واجتماعية وتاريخية.
إن الموقف المفتوح والمتسامح مع الآخر، والقبول بالتعدد والتنوع والاختلاف، بدأ مبكراً في تفكير بيت الوزير (الأبناء) في صورة الأساتذة: إبراهيم الوزير، وزيد الوزير، وقاسم الوزير، وعباس الوزير، الذين برزوا وظهروا في المشهد الفكري والثقافي والسياسي، وجميعهم كانوا على صلة حية وعميقة بالفكر الزيدي الاجتهادي -بهذه الصورة أو تلك- وكان لتجربة حركة 1948م الدستورية وما صاحبها من فشل ومن إعدامات وسجون ومرارات عاش الإخوة من أبناء الوزير -كما غيرهم- قسوتها وبشاعتها في سجون “قروسطية”، هي الوجه العملي لمعنى الموت في الحياة.
إن هذه التجربة على عنفها ومراراتها، أكسبتهم خبرة معرفية وحياتية بالناس، وبالأفكار.. تعلموا منها الكثير، ولم يأتِ تشكيلهم لحزب “اتحاد القوى الشعبية”، 1961م، في صيغته الوسطية، والذي جمع في داخل بناه التنظيمية، أطيافاً متعددة من القوى الاجتماعية والسياسية والطبقية، ومن الاتجاهات الفكرية المختلفة من الوسط المعتدل، ومن وسط اليمين الفكري والسياسي، ومن الأسماء القومية، ومن اليسار -دون ذكر أسماء- وكان ذلك بعد خروجهم من السجن ووصولهم إلى عدن وإلى مصر، وبعد ذلك إلى أمريكا وبريطانيا، ووقوفهم كتنظيم “اتحاد القوى الشعبية” في حالة وسط بين الجمهورية والملكية (الدولة الإسلامية)، فلا هم مع الجمهورية القائمة إلى النهاية بسبب ملاحظاتهم على عنف الثورة كما يقول البعض، ولا هم مع عودة الإمامة التي فقدت صلاحيتها وشرعيتها التاريخية على الصُّعدِ كافة.
ويمكنني القول إن قاسم الوزير، عليه رحمة الله، هو الأكثر اشتغالاً بالفكر التنويري الحداثي المعاصر في اليمن، وفي المنطقة العربية، وكذلك الأستاذ زيد الوزير، كما يمكنني رد تلك الحالة من القبول بالآخر والمغاير بين أبناء الوزير -كذلك- إلى أنهم كأسرة وأبناء جاؤوا من خليط اجتماعي أسري يعكس المشترك الوطني والاجتماعي اليمني، من أب من أسرة علوية “هاشمية” لها مقامها الاجتماعي والسياسي الكبير في هذا الوسط، ومن أم قحطانية ومن أسرة قبلية (آل أبو رأس) لها مكانتها، ودورها في الوسط القبلي والاجتماعي والوطني العام، وهذه الخلطة الاجتماعية الوطنية قطعاً تركت أثرها فيهم، وشكلت عاملاً مساعداً إضافياً في تحررهم من ضغوط أيديولوجية “الهاشمية السياسية”، وهو ما يقوله كل مسار حركتهم الفكرية والسياسية -اللاحق- حتى تأسيسهم لصحيفة “الشورى” التي يمكنني القول إنها شكلت علامة فكرية وسياسية وإعلامية مضيئة في الحياة الصحافية اليمنية المعاصرة، صحيفة، وحزب استوعبا في إطارهما الرموز الفكرية والسياسية والإعلامية من كل اتجاهات الوطن، وهو أمر وتوجه نبيل يحسب لهم (الأسرة/ الأبناء)، والأهم أنه يؤكد بالفعل وليس بالقول انحيازهم الفكري والسياسي والعملي لخيار التعددية والقبول بالآخر في واقع الممارسة، والوقوف مع وفي صف المدنية والمواطنة والحداثة والتحديث، وهو المنحى أو البعد الذي أجده عندهم جميعاً بدون استثناء، ويمكن أن تكون اشتغالات الفقيد قاسم الوزير بقضايا وإشكالات الفكر المعاصر، والنهوض العربي خصوصاً، هي التي قد تعطي انطباعاً غير دقيق من أنه الأكثر قبولاً بالآخر، وبالحداثة، على أن الشيء الأكيد أنه الأكثر تماساً وتمثلاً لفكر الحداثة على الأقل في نتاجه البسيط أو المحدود الذي وصل إلينا مما تم جمعه ونشره.
تقديري أن حالة القبول بالآخر، والتسامح هي حالة يتوحد ويلتقي عندها الجميع؛ أقصد الإخوة/ الأبناء، وما يؤكد هذا المعنى هو اشتغالهم جميعاً بالإنتاج المعرفي والفكري والثقافي والسياسي الإصلاحي والتنويري، الذي يؤكد هذا المعنى الذي نذهب إليه، وقاسم الوزير في طليعتهم. وجدت نفسي مضطراً أو أمام طريق إجباري وأنا أكتب عن موقف الأستاذ قاسم بن علي الوزير من الآخر، في الفكر، وفي السياسة، أن أبسط هذه المقدمة أو الخلفية الذاتية والتاريخية لإجلاء الصورة أكثر حول الموقف المفتوح والتعددي في موقف قاسم الوزير -وجميع إخوته- من الآخر ومن المغاير في الوطن وفي خارجه، أي الآخر في الذات وفي الواقع وفي الفكر.
وقد وجدت هذا الموقف جلياً وواضحاً في صفحات كتاب “حرث في حقول المعرفة”، وكنت أتمنى لو يتم جمع كل مساهمات الأستاذ قاسم الوزير في هذا المضمار؛ حتى يتمكن المهتمون والاختصاصيون من الاطلاع عليها، وتقديم ملاحظاتهم أو قراءاتهم حولها، على أنني أجد في الكتاب المشار إليه ما يفي بالغرض، ويقدم صورة واضحة عن منطق ومنهج تفكيره حول موقفه المتميز والمستنير من الآخر في الفكر، والآخر في الواقع وفي الحضارة التي يسهم الجميع في بنائها كلٌ من موقعه وموقفه، حيث هو يقف ويفكر.
وهنا أجد لزاماً عليّ لتوضيح موقف قاسم الوزير من الآخر في الفكر وفي السياسة وفي الواقع، أن أعود إلى ما دوَّنه من محاورات ومحاضرات حول ذلك، وكلها مرتبطة ومنطلقة من سؤال النهضة العربية في تجلياتها المعاصرة.
إن تتبع أو متابعة كل تفاصيل موقف الباحث قاسم الوزير من الآخر بمستويات هذا الآخر المتعددة والمختلفة، كما وردت أو كما احتواها كتابه “حرث في حقول المعرفة”، قد لا يكون متاحاً أو ممكناً في مثل هذه القراءة الاستعراضية، لأن ذلك قد يستغرق كتاباً موازياً، على أنني سأحاول أن أركز وأقف عند بعض ما يشير ويدل على ذلك في رؤيته وفي منطق تفكيره، باختيار بعض القضايا المعرفية، والفكرية ذات الطابع الإشكالي التي تناولها بعقل إبداعي نقدي مفتوح، والتي تقول لنا فصل الخطاب في موقفه من الآخر المعرفي والديني والحضاري.
وما أثار انتباهي وإعجابي معاً في معالجاته النظرية وفي منهج تفكيره، هو موقفه من الحضارة الغربية، وهو المثقف والباحث الذي وجدته أو رأيت فيه أنه يجمع بين الوطني اليمني، والإسلامي النهضوي المستنير، والقومي العربي التحرري، القريب في الفكر العام من اليساري التقدمي -بهذه الصورة أو تلك- وذلك حقيقة هو ما خرجت به من اطلاعي على كل ما كتبه في الشعر والنثر (الفكر)، وهذه الخلطة السحرية الجامعة بين الوطني والقومي اليساري والإسلامي المتنور والأممي الإنساني، هي -في تصوري- ما يفسر ويشرح سعة أفقه المعرفي والفكري في النظرة للذات وللآخر وللواقع.
وأتصور أن قاسم الوزير اليوم، في ما أنتجه من معرفة وفكر، هو من الأسماء النادرة يمنياً وعربياً في هذا الاتجاه، بعد أن أصبح التعصب والانحيازات الأيديولوجية الحدية، في الفكر والسياسة، عنواناً للمرحلة، وواقعاً قائماً في بلادنا، بخاصة بعد عودة المذهبية والطائفية والإمامية، والقبلية والجهوية والمناطقية في صيغتها المليشياوية متسيدة ومهيمنة على المشهد الفكري والثقافي والسياسي، ليس في بلادنا فحسب، بل وفي كل المنطقة العربية -بدرجات متفاوتة- وهنا في تقديري تكمن قيمة موقف قاسم الوزير من الآخر، الذي سنأتي على بعض معانيه المعرفية، ذلك أن البحث عن الآخر، في الموقف المعرفي والفكري والثقافي والسياسي، هو خلاصة الخلاصة لقراءة الذاتية الإنسانية في رحلة بحثها عن نفسها، وفي موقفها من الآخر، عند هذا الباحث أو ذاك، ومن هذا المنظور والخلفية سأحاول تقديم مقاربة -موجزة ومكثفة- معرفية/ فكرية للأستاذ قاسم الوزير في موقفه المعرفي والفكري من الآخر -كما سبقت الإشارة- من خلال بعض المفاهيم والأفكار والقضايا الإشكالية التي تناولها في كتابه.
قاسم بن علي الوزير، لحظة متحولة ومتطورة، جامعة -كما سبقت الإشارة- بين الوطني والقومي والإسلامي المتنور، يرى الإسلام في خلفيته الثقافية والحضارية ضمن رؤية ومنطق لكل مسلم، ولكل إنسان (دينه الخاص)، والقومية “العروبة”، في خلفيتها الحضارية الإسلامية، تجمع كل العرب، في نطاقها/ نطاقهم الوطني/ القومي الحضاري الشامل (الحضارة الإسلامية)، وهو منطق تفكير نقدي وتقدمي في حركته التاريخية، نجد تمظهره الأكمل مع مالك بن نبي، كما نجده عند غيره من رموز النهضة القومية العربية الأوائل، من المسيحيين العرب -وهم كُثر- الذين حملوا لواء نشر فكرة وقضية النهضة القومية العربية بعيداً عن العصبوية الإسلاموية (الإخوانية/ والسلفية الدينية).
وبهذا المعنى أجد الباحث قاسم بن علي الوزير، يدخل ويندرج ضمن هذه الأسماء وهذا الرعيل من الباحثين -بهذه الدرجة أو تلك- ومن هنا رفضه وكراهته للتعصب المذهبي والديني والقومي والقبلي من باب أولى، بقي يفكر ويتحرك ضمن منطقة جامعة من الفكر ومن الحركة.
وفي هذا السياق نجده يكرم ويعظم دور “مكرم عبيد” القبطي المسيحي، أحد أهم أقطاب (حزب الوفد) في مصر، الذي دعا رئيسه، ورئيس وزراء مصر، في حينه، مصطفى النحاس، إلى ضرورة تأسيس “الجامعة العربية”، من الدول المستقلة في ذلك الحين، وقبل إعلان قيام الجامعة العربية بعام من ذلك التاريخ، أي في عام 1944م، وهو الحزب المصري، الذي جمع بين الوطنية المصرية “البرجوازية”، والقومية العربية، والذي أكد على أن “الدين لله والوطن للجميع”، ضمن شعار “الهلال مع الصليب”، في قلب الثورة المصرية التحررية 1919م.
وفي هذا السياق، يورد الأستاذ قاسم الوزير، بعض ما قاله مكرم عبيد: “أنا قبطي -مسيحي- حضارتي -حضارته- الإسلام”، أي أنه احتفظ بهويته الدينية الخاصة، في إطار خلفيته الثقافية والحضارية الإسلامية.
وفي هذا السياق يرى قاسم الوزير أن سقوط أو فشل قضية الوحدة العربية، أنها ارتبطت بالأوهام الأيديولوجية، وبدون مشروع ملموس لبناء الدولة، وبهذا المعنى هو لا يدين الوحدة العربية في ذاتها ولذاتها، بل المدعين بالوحدة بدون رؤية ولا مشروع لقيام دولة الوحدة، ودليله على ذلك تجربة دولة الاستقلال الوطنية والقومية، التي تحولت إلى استبداد، ولم تقطع علاقات التبعية بالغرب الاستعماري وحضارته الاستبدادية التي تقاطع معها في أكثر من مكان طيلة القرون الستة الماضية وحتى اللحظة.
ومن هنا قراءته النقدية المعرفية للحضارة الغربية، ورؤيته الخاصة للحضارة العالمية الإنسانية الواحدة المنشودة، ونظرته لها ليس باعتبارها آخر ونقيضا لنا كعرب وإسلام، كما نطالع ذلك في بعض كتابات الإسلام السياسي المعاصر باتجاهاته المختلفة (الإخوانية، والسلفية، والجهادية التكفيرية)، وكما نجد ذلك في نظرة بعض القوميين العصبويين (الشوفينيين) أو نظرة الأيديولوجية اليسارية المتطرفة.
فهو لا يقيم في قراءته المعرفية/ الفكرية سوراً لا إنسانياً (جغرافياً أو عرقياً أو أيديولوجياً) بين الشرق والغرب، بين الإسلام والمسيحية تحديداً، ولا مع أي دين، ومن أنهما -أي الشرق والغرب- لا يلتقيان كما هي عند بعض الفلاسفة والمفكرين العنصريين الغربيين، المعادين جملة للآخر بما فيه الآخر الإسلامي، وإنتاج البعض لأيديولوجية “الإسلاموفوبيا”.
ومن خلال قراءتي المعرفية والفكرية أراه يقف منفتحاً ومتسامحاً مع الآخر، الآخر في الداخل الوطني اليمني، والآخر القومي، والديني (الأجنبي)، دون تعصب ولا انحيازات أيديولوجية مسبقة، ومن هنا رؤيته المتميزة لمفهوم الآخر في صورة المسيحية واليهودية كأديان، وكذا موقفه المتفتح من الغرب، وتحديداً من الحضارة الغربية، فرؤيته المعرفية والفكرية والسياسية تفرق بين الحضارة الغربية كحضارة، وبين “المركزية الغربية الاستعمارية”، فهو كما يكتب ويعلن ذلك، من أنه ضد الاستعمار، وليس ضد الحضارة الغربية، ولكم أن تعودوا حول ذلك إلى كتاباته/ محاضراته التي ألقاها في “مركز الحوار العربي” في واشنطن/ أمريكا.
بالنسبة لابن الوزير، من المهم، عنده، بل يجب التفريق بين النظام الرأسمالي، وبين الحضارة الغربية.
فعلى سبيل المثال، هو يتساءل: “عن أي غرب نتحدث؟”، أن أوروبا شرق بالنسبة لأمريكا واليابان غرب بالنسبة لأمريكا، ولكنها شرق بالنسبة لأوروبا، والعالم الإسلامي شرق هنا وغرب هناك. ومادامت الأرض كروية فإن الغرب والشرق جغرافياً هما أمر نسبي تبعاً لمطلع الشمس ومغربها (…)، فهناك إذن في الواقع أكثر من شرق وأكثر من غرب، ويتساءل ما هو المقصود بالحضارة الغربية؟ ويقول: لا يمكن أن نعثر على إجابة صحيحة إذا حصرنا البحث في مكان جغرافي منعزل، أيَّا كانت تسميته، أو جنس معين أيَّا كانت دعواه.. وإنما تصدق الإجابة حين نبحث عنها، إما في “المجال الحيوي” مع “توينبي”، أو ما نسميه “حقل الدراسة”، أو مع “بن نبي” على مستوى حضارة، ضمن نظريته في “النشاط المشترك” المولد للحضارة في إطار مفهوم الدورة التاريخية لها عنده أو في منطقة “فكر” كما عند “ماسيس” Massis الذي نختار هنا تعريفه للغرب، إذ يقول: “إنَّ الغرب فكرة تعني شيئاً تشير إليه”[19].
ويوضح ذلك أكثر من تقديمه لتعريف روجيه جارودي حول مفهومه للغرب: “الغرب إذن ليس تعريفاً جغرافياً، ولكنه بتلك المجموعة من القيم والقوى والثقافات والماديات التي تميزه كحضارة متقدمة في الوقت الراهن”[20]، أي أن صفة التقدم في الحضارة -أية حضارة- مرتبطة بالدور وبالقيم، أي بالإنجاز الحضاري الإنساني، وليس صفة مطلقة بهذه الحضارة أو تلك، اليوم البعد والعمق الاستعماري في الغرب الرأسمالي -النيوليبرالي- يحاول أن يوظف منجزات الحضارة/ العلم لصالح إعادة إنتاج وتنمية الظاهرة الاستعمارية، في صورة فرض استمرار هيمنة النظام الأحادي القطبية.
أي أن الحضارة الغربية في عقل وفكر قاسم الوزير، ليست هي جغرافية ولا عرقا ولا هي دينا “المسيحية”.. الحضارة الغربية عنده بقدر ما هي موضوعياً واقتصادياً نتاج بنية رأسمالية متطورة، فإنه من الصعب اختصارها أو اختزالها في الصيغة المسيحية، كما هي عند بعض المفكرين، هي باختصار -كذلك- خلاصة إنسانية للحضارات العالمية وللإنتاج المعرفي والمادي الإنساني المشترك للبشرية جمعاء على طريق إنتاج وصناعة حضارة عالمية إنسانية واحدة، وهو ما ألمح إليه بوضوح معرفي وفكري قاسم الوزير، قائلاً: “علينا أن ندرك أن هذا الميلاد -أي للحضارة- ليس انبثاقاً من العدم، وإنما هو سلالة من رحم حضارة سابقة أدركتها الشيخوخة فأسلمت ميراثها -ويمكن القول بعض جيناتها أيضاً- إلى حضارة جديدة عبر اطّراد تاريخي يتضمن جملة الشروط والظروف في مجتمع معين هو بحكم ذلك -على وجه الدقة- حاضنة هذه الحضارة الوليدة التي تنتسب إليه.
إن الحضارة ليست دوائر مغلقة، ولا كل حضارة جزيرة مستقلة بذاتها عن الحضارات الأخرى السابقة أو اللاحقة، إن الحضارة تفاعل مستمر وتواصل متداخل “تأثراً وتأثيراً” وامتداد من سابق للاحق على أكثر من وجه، وليست الحضارة الغربية بدعاً بين الحضارات، بل هي واحدة من هذه السلالة التاريخية التي أبدعها الإنسان”[21].
إن هذا الوعي والإدراك والفهم المعرفي والفكري الحضاري في عقل قاسم بن الوزير، هو الذي يقول لنا بوضوح مدى سعة، وعمق رؤيته وتفكيره المفتوح على الآخر: الآخر الذات (الإنسان)، الآخر الواقع (المجتمع)، والآخر الفكرة.
لم تتشكل هذه الرؤية المعرفية والفكرية والواقعية المتقدمة من الآخر عند قاسم الوزير صدفة أو فجأة، بل من خلال اطلاع واسع وعميق، أولاً بالتراث الفكري والفقهي، وبالتاريخ السياسي والاجتماعي العربي الإسلامي، وصولاً إلى استيعابه فكر رواد النهضة العربية وأسئلتهم الحائرة، فضلاً عن اطلاعه على نتاج رواد الفكر التنويري العالمي، حول قضية وقصة الحضارة كما هي عند “ويل ديورانت” و”توينبي” و”اشبنجلر”، وقبلهم جميعاً بقرون طويلة رؤية ابن خلدون الاجتماعية والتاريخية حول فلسفة التاريخ[22].
إن قاسم الوزير يدعونا في كل ما كتبه وفي محاضراته، على قلة ما وصل إلينا من نتاجه، إلى أهمية وضرورة الاقتراب من الآخر، معرفته وفهمه وتمثله واستيعابه نقديًا، كذات وواقع وحضارة، بعيدًا عن الذوبان فيه، وبعيدًا كذلك عن إنكار وجوده من خلال رفضه العدمي (السلبي) دون معرفته، وهو ما أنتج عند البعض حالة أو ظاهرة “الخصوصية” الفارغة من المعنى.
أو ما يسميه البعض “الأصالة والمعاصرة” ضمن منطق تفكير تابع وملحق بالآخر الاستعماري، لم ينتج في الواقع “أصالة” ولا “معاصرة”، بل تكريس التبعية أكثر فأكثر، وهو ما نعيشه حتى اللحظة. ولذلك نجد أنفسنا نكرر لوك كلام عن “الخصوصية” و”الأصالة والمعاصرة” في واقع قبول بالاستعمار وتبعية اقتصادية وسياسية له، وهو ما يسميه قاسم الوزير “عقدة الخوف” و”عقدة النقص”، داعيًا العرب إلى “المشاركة الإيجابية في إنجازات الحضارة العالمية العامة القائمة”[23]. وهذا المعنى ذاته هو ما يطلق عليه مالك بن نبي “القابلية للاستعمار”، وضرورة الانتقال للمشاركة الفاعلة في صناعة الإنجاز الحضاري العالمي، من موقع الند، وليس التابع.
وفي هذا السياق، يرى قاسم الوزير أن سقوط الوحدة العربية كسياسة ونظام حكم ودولة، يرتبط بتلك التبعية والتقليد للآخر، ومن أننا لم نمتلك رؤية ولا مشروعا، وبالنتيجة لم نمتلك الأدوات العملية لإنجاز الوحدة. وحدة ارتبطت بالأوهام، والأسوأ العمل ضدها، أي ضد الوحدة، في واقع الممارسة. وبهذا المعنى، فإن قاسم الوزير في رؤيته ومحاضراته لا يدين الوحدة، بل المدعين زورًا بالوحدة. ولذلك كان يكتب حتى لحظة رحيله أن مشكلتنا ليست مع الغرب ولا مع الحضارة الغربية (كحضارة)، بل “ضد الاستعمار وفلسفته المنحلة اللا أخلاقية”[24].
ومن هنا تأكيده على القطيعة مع الاستعمار، ورفض هيمنته في واقع الممارسة. نقبل بالحضارة نعم، على أن الأهم أن نتحول إلى مشاركين فاعلين في إنجازاتها، وذلك لن يكون إلا بالعودة الواعية للذات، والاندماج بمصالح مجتمعاتنا على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تتسع للجميع على قاعدة المواطنة، من خلال مشروع نهضوي وطني/ قومي بآفاق تقدمية إنسانية.
ذلك أن رؤيته “لتصفية الاستعمار” “لا تعني تصفية وجوده العسكري ومؤسساته فقط، ولكن بشكل أهم تصفية ثقافته وفلسفته ومنطقه، ليس في البلدان التي نكبت به فحسب، وإنما في عقر داره أيضًا (…)، تصفية الفكر الاستعماري (الاستعلائي العدواني) لدى المستعمر، وتصفية الشعور الانهزامي (الدوني الاستسلامي) والانتقامي لدى المُستعمر، ولكل من الأمرين شروطه وأسلوبه بحيث ينشأ عالم جديد”[25].
وهي دعوة فكرية وسياسية وعملية لميلاد نظام عالمي جديد متعدد القطبية، وهو ما نراه ونطالعه أمامنا اليوم في صورة الطوفان الفلسطيني/ غزة، وحرب الإبادة، وفي صورة الحراك الطلابي العالمي، واصطفاف العالم كله مع غزة، باعتبارها مقاومة للاحتلال والاستعمار. وقاسم الوزير بموقفه ذلك يؤكد أنه لا يرفض الحضارة، بل يرفض الاستعمار وهيمنته.
ومن هنا تأكيدي في أكثر من موضع على أن الفقيد قاسم الوزير لحظة متطورة جامعة بين الإسلامي التنويري النهضوي والقومي التحرري واليساري التقدمي، على طريق ميلاد حضارة عالمية إنسانية واحدة، تجمع الشرق والغرب، الشمال والجنوب، على كل التناقضات الموضوعية والاقتصادية والطبقية التي تبرز في سياق صناعة وإنتاج هذه الحضارة في طابعها الإنساني الواحد، على قاعدة التعدد والتنوع، والقبول بالآخر المغاير، الوحدة في إطار المغايرة، أي القبول بالآخر المختلف كما هو.
ولا أجد الشاعر والمثقف والباحث، قاسم الوزير، إلا داعيًا لهذا التوجه بعيدًا عن التعصب المذهبي/ الديني والطائفي وبعيدًا عن الشوفينية القومية والقبلية والجهوية والمناطقية.
ويبقى موقفه المقاوم ضد الصهيونية وضد التطبيع واضحًا ومعلنًا بعيدًا عن شعار “الموت للغرب ولأمريكا وإسرائيل”، مؤكدًا على معنى المقاومة، ورافضًا المساومة والاستسلام باسم “السلام”، بعد وضع البعض “المفاوضات” ضد “المقاومة” وفي مواجهتها.
هذه باختصار هي تحيتي وقراءتي للفقيد قاسم بن علي الوزير، شاعرًا وناثرًا (مفكرًا)، وهي لا تصل إلى مستوى القراءة البحثية المعمقة لما كتبه، ولما يستحقه، شعرًا ونثرًا، على أنها جهد المحب للمعرفة والفكر، ولمن ساهموا في إثراء حياتنا بالجديد والمثمر والمفيد.
هي قراءة أكدت على معنى الاتفاق مع الكثير مما كتبه الفقيد، وتبقى هناك بعض التفاصيل الصغيرة المختلف حول معناها ومبناها، وهذا أمر طبيعي في الحوار بين الأفكار، وإلا تحولنا إلى نسخة وطبعة “دوجما”، مكررة من بعضنا البعض تتوقف معها المعرفة الإبداعية عن الإنتاج.
كان قاسم الوزير ينتظر شروق الشمس من عتمة طال ليلها، على أنني أتصور أنه ودع اللحظات الأخيرة من تعب الجسد بفرح العظمة الأسطورية الصاعدة من غزة/ فلسطين، باتجاه صناعة وصياغة ميلاد عالم جديد متعدد القطبية، يوسع من نطاق مساحة الاعتراف بالآخر، على قاعدة حضارة عالمية إنسانية واحدة يشترك الجميع في صناعتها.
[1] من كلمة ناشر “مجموعات شعرية”، دار المناهل: بيروت، ط(1)، 2011، ص5.
[2] د. راشد المبارك، “مجموعات شعرية”، ص13.
[3] قاسم بن علي الوزير، “مجموعات شعرية”، دار المناهل، ط(1)، 2011م، بيروت، ص12.
[4] قاسم بن علي الوزير، “مجموعات شعرية”، المصدر نفسه، ص15.
[5] قاسم الوزير، “مجموعات شعرية”، ص7.
[6] مجموعات شعرية، ص16.
[7] قاسم الوزير، “مجموعات شعرية”، ص26 من قصيدة أغنية للعاصفة.
[8] انظر قاسم الوزير، “مجموعات شعرية”، ص161. وورد في الصفحة المذكورة في هامش الصفحة القول التالي: “إن أول قصيدة كتبها كانت بالشعر المرسل (المدور)”.
[9] قاسم الوزير، “مجموعات شعرية”، ص161-162-163.
[10] من مقدمة زيد بن علي الوزير لكتاب “حرث في حقول المعرفة”، مركز التراث والبحوث اليمني/ صنعاء، طبعة (1)، 2022م، ص9.
[11] قاسم الوزير، “حرث”، ص101-102.
[12] قاسم الوزير، “حرث”، ص78.
[13] قاسم الوزير، “حرث…”، ص77-78.
[14] قاسم الوزير، “حرث”، ص100.
[15] أنظر حول هذا المعنى قاسم الوزير، “حرث”، ص101.
[16] قاسم الوزير، “حرث”، ص84-85.
[17] أنظر حول هذا المعنى قاسم الوزير، “حرث…”، ص99-100.
[18] قاسم الوزير، “حرث…”، ص110.
[19] قاسم الوزير، “حرث”، ص22-23.
[20] قاسم الوزير، “حرث”، ص23.
[21] قاسم الوزير، “حرث…”، ص24.
[22] قاسم الوزير، “حرث…”، ص24-25.
[23] قاسم الوزير، “حرث…”، ص26-27.
[24] قاسم الوزير، “حرث…”، 29.
[25] قاسم الوزير، “حرث…”، ص30.
في صفحتها الأولى، نشرت صحيفة الثورة الرسمية الصادرة في صنعاء بتاريخ 22 مايو 2024م، ما نصه:
بعث فخامة المشير الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، برقية عزاء ومواساة في وفاة المفكر والأديب القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، عن عمر ناهز 86 عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء في خدمة الوطن في المجالين العلمي والسياسي.
وأشاد فخامة الرئيس في برقية العزاء التي بعثها إلى أخيه زيد بن علي الوزير، ونجلي الفقيد عمر والبراء القاسم بن علي الوزير، وإلى نائب وزير العدل الدكتور إسماعيل الوزير، بمناقب الفقيد الوطنية والنضالية، وإسهاماته في خدمة وطنه ومجتمعه وأمته.
ولفت إلى مواقف الفقيد وسجله الحافل بالعطاء، حيث كان أديباً ومفكراً أثرى المكتبة اليمنية بالعديد من المؤلفات والإصدارات المهمة، وألقى المحاضرات والمداخلات وكتب المقالات عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت من أبرز القضايا الشاغلة له. وأكد أن اليمن خسر برحيل الأديب والمفكر القاسم بن علي الوزير واحداً من أبرز السياسيين الوطنيين الذين ناضلوا من أجل الحرية والاستقلال والسيادة اليمنية.
وعبر الرئيس المشاط عن خالص التعازي وعظيم المواساة لشقيق الفقيد ونجليه وأفراد الأسرة وآل الوزير كافة بهذا المصاب، سائلاً الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره، ننعي فقيدنا الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، المفكر الإسلامي، الأديب، والشاعر الأستاذ قاسم بن علي الوزير.
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. نسأل الله أن يعصم قلوبنا جميعًا، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته ورضوانه في زمرة سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
يعزي الأستاذ الدكتور محمد الخامس المخلافي، رئيس اتحاد الأكاديميين العرب، بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة عن زملائه، أعضاء الأمانة العامة والمكتب التنفيذي والمجلس الاستشاري، ورؤساء فروع الاتحاد في الدول العربية، في وفاة خال الدكتور طارق الأكوع، المفكر والشاعر قاسم بن علي الوزير.
وبهذا المصاب الجلل، نتقدم بالتعازي إلى الدكتور طارق الأكوع وإلى أسرته الصغيرة والكبيرة، وإلى الأكاديميين اليمنيين، وإلى كافة الأكاديميين العرب. داعين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يلهم أسرته الصبر والسلوان.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
ا.د. محمد الخامس المخلافي. رئيس اتحاد الأكاديميين العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
تعزية وحزن لوفاة المرحوم العزيز، المفكر الإسلامي، الأديب، الشاعر، الأستاذ قاسم بن علي الوزير رحمه الله. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الإخوة الأعزاء والأخوات، نطلب منكم بكل تواضع قراءة سورة الفاتحة على روح المرحوم العزيز، المفكر الإسلامي، الأديب، الشاعر، الأستاذ قاسم بن علي الوزير رحمه الله، وعلى روح أسرته ومحبيه. شكرًا لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خادمكم المحب عامر الشيخ عزيز الزبيدي امامّ مركز الكوفة للمعارف الإسلامية
بكل ألم وببالغ الحزن، يتقدم المركز الثقافي اليمني الأمريكي بأحر التعازي وأصدق المواساة بوفاة الأستاذ الشاعر والمفكر الأديب قاسم بن علي الوزير، الذي وافته المنية في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أقام المركز الثقافي اليمني الأمريكي فعالية لتأبين الفقيد الكبير يوم أمس السبت، واستقبل جموع المعزين في وفاة فقيد الوطن الكبير في ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد ألقى الأستاذ أحمد كلز، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية، كلمة أثنى فيها على مناقب الفقيد والصفات الحميدة التي كان يتمتع بها الأستاذ قاسم، وما بذله من جهد فكري في خدمة الإسلام. كما شكر كل من شارك في هذا التأبين وكل من قدم التعازي في وفاة فقيد الوطن.
الأستاذ الأديب والمفكر قاسم الوزير في حدائق قُدْس الله..
فلا يرهبنّ الموتَ من ظَلّ راكبًا | فإنّ انحدارًا في الترابِ صعودُ | |
وكم أنذرتنا بالسّيولِ صواعِقٌ | وكم خَبّرتنا بالغَمامِ رُعُودُ |
(المعري)
رحل عن دنيانا إلى رحمة الله يومنا هذا الثلاثاء الموافق 21 مايو 2024م، الأستاذ الأديب الشاعر والمفكر المستنير قاسم بن علي الوزير.
عاش الأستاذ قاسم -رحمه الله- مهمومًا بقضايا أمته العربية والإسلامية الكبرى، مشغولًا بما شغل زعماء النهضة ورجال الفكر والتنوير من قبله: الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، وشكيب أرسلان، ومالك بن نبي، ومحمد علي لقمان؛ وهو سؤال النهضة المؤرق حول سر تقدم الغرب وتأخر الشرق، وبالأخص العرب والمسلمين عن ركب الحضارة التي كانوا يومًا ما روادها وصانعي أنوارها.
للأستاذ قاسم مقالات وكتابات وأشعار وقصائد عدة، إلا أنه -للأسف- لم يكن مهتمًا بتجميع ما يكتب، ولولا جهد أخويه الأستاذين الجليلين: إبراهيم وزيد الوزير في تجميع كتاباته؛ لكانت قد ضاعت وطواها النسيان.
للأستاذ قاسم ديوان شعر بعنوان «في ثلاثية الشوق والحزن والإشراق»، قدم له صديقه الدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله.
أما في مجال الفكر، فله كتاب «حرث في حقول المعرفة»، ويضعه هذا الكتاب في مصاف المفكرين العرب المستنيرين الذين يقتبس من أنوارهم ويهتدى بأفكارهم. وقد قام بتقديمه شقيقه ورفيق دربه في الحياة التي عاشاها سوياً بحلوها ومرها: الأستاذ زيد الوزير.
وقد أحسن الوالد العزيز الأستاذ زيد صنعًا حين قام بتجميع محاضرات وكتابات الأستاذ قاسم، وقبله كذلك قام الأستاذ إبراهيم الوزير بتجميع القصائد المتناثرة للأستاذ قاسم في ديوان، ولولا ما قام به الأخوان الأستاذان: إبراهيم وزيد تجاه إرث أخيهما الفكري، لتوارى هذا التراث بالحجاب، ولحالت الظروف دون استجلاء شخصية ذات أثر مهم وفكر مستنير.
وقف الأستاذ قاسم ضد الحرب؛ ففي مقال له بعنوان «إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليستا قضيةً واحدة»، دعا إلى إرساء السلام في اليمن وفق رؤية عادلة لا يختلف عليها اثنان. كان مما قاله فيها: “إنّ الخطة المثلى والأدعى إلى النجاح والتوفيق هو أن يجتمع لذلك كل الساعين لإقامة العدل، وكل العاملين لتحقيق السلام؛ أي كل من يرون الرأي ذاته دون استثناء، أو إقصاء لأيٍّ كان فردًا، أو حزبًا، أو هيئةً، أو فعاليةً. فإذا اجتمعوا تدارسوا الأمر بكل جوانبه وخلصوا إلى “مشروع” متفق عليه بينهم تتكوّن على أساسه “كتلة” تنهض بالأمر دون تجاوز لفئة أو تحيّز لجهة.
وقال: “لقد آن للجميع أن يستشرفوا أفق مستقبل جديد؛ وذلك بالتداعي إلى كلمة سواء، ورأي جامع يؤلّف وحدة موقف منبثق من وحدة تصوّر يسفر عن عقد اجتماعي ليس بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل بين قوى المجتمع كلها؛ عقد قائم على العقيدة الواحدة التي تجعل المؤمنين إخوة، وعلى الوطن الواحد الذي يجعل المواطنة المتساوية أساس تلاحمه ووحدته، وعلى العدل الشامل الذي يحرسه ويصونه”.
إن ما كتبه الأستاذ قاسم، وخاصة موقفه من الحضارة الغربية التي يقف منها كثير من الناس بين طرفي نقيض كما يقول الأستاذ قاسم -رحمه الله-، حيث يصدر أحدهما عن «عقدة الخوف»، وهو الذي يتوجس من الحضارة الغربية ويرى فيها شرًا محضًا، وبين الآخر الصادر عن «عقدة نقص»، وهو يرى أخذ هذه الحضارة برمتها، والمشي في ركابها بخيرها وشرها، يضعه ضمن قلة قليلة من المثقفين العرب ذوي المرجعية الإسلامية المستنيرة التي تتوسط بين أمرين؛ وذلك في رؤيته لمحاسن الحضارة الغربية، وضرورة الاقتباس منها، وفي الوقت نفسه عدم الغفلة عن نقائصها التي تتعارض مع قيمنا، والتي قد تودي بهذه الحضارة إلى هوة الانحلال والفناء.
يقول هونيث: ”تقاس أخلاقية المجتمع بمدى إمكانية ضمان شروط الاعتراف المتبادل بين الأفراد“. ونرى أن مسؤوليتنا جميعًا هي التعريف وحسن التقدير في إبراز ما لهؤلاء الأعلام من آثار قيمة خدموا بها وطنهم اليمن وأمتهم العربية والإسلامية بفكرهم المستنير ومواقفهم الوطنية النبيلة.
رحم الله الأستاذ قاسم، وعزاءنا ومواساتنا لأخيه وشقيقه السيد الوالد المفكر والمؤرخ والإنسان زيد بن علي الوزير، وجميع آل الوزير الكرام. تغمد الله فقيدنا بالرحمة، وغشى روحه بالنعيم المقيم. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلوب يعتصرها الألم، وبنفوس يغمرها الأسى، وأرواح ملؤها الرضا بقضاء الله.. تلقت (مجلة المسار) خبر رحيل أحد كتابها وقرائها ورعاتها الأستاذ والمفكر والسياسي الكبير «القاسم بن علي الوزير» الذي شكل بوجوده علامة فارقة في تاريخنا الفكري والاجتماعي. لقد كان الراحل رمزًا للاستقامة وحسن السيرة، نسيجًا من فكر راقٍ وسلوك نبيل، عُرف عنه الخير والصلاح.
وهنا نرفع أسمى عبارات العزاء والمواساه لوالدنا الأستاذ المفكر زيد بن علي الوزير، وئيس تحرير مجلة المسار، وأبناء وبنات الراحل الكرام، وجميع أسرة آل الوزير وسائر أصدقاء الراحل ومحبيه.
لقد كان الفقيد ينبوعًا لا ينضب من التفكير الإيجابي، يسعى دومًا لزرع بذور الأمل في قلوب من حوله، ويستنهض الهمم نحو نهضة شاملة للمجتمعات. لقد كرس حياته لمبادئ سامية، يؤمن بقدرة الفكر على تغيير الواقع، وبأن النهضة تبدأ من داخل الإنسان قبل أن تمتد إلى خارجه.
رحيله خسارة لا تعوض، فقد ترك بصمة لا تُمحى في ميادين الفكر والسياسة، وحفر اسمه بأحرف من نور في ذاكرة الأمة. سيبقى إرثه الفكري وشخصيته الملهمة منارة تهتدي بها الأجيال القادمة، وستظل ذكراه خالدة في النفوس.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزيه عن جهوده خير الجزاء، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد يحيى عزان. مدير تحرير مجلة المسار
تتقدم أحزاب اللقاء المشترك بالعزاء والمواساة للإخوة في اتحاد القوى الشعبية، وعلى رأسهم الأخ الأستاذ نبيل الوزير، في وفاة المرحوم رئيس المجلس الأعلى للاتحاد، المفكر والأديب القاسم بن علي الوزير، الذي وافته المنية بالولايات المتحدة عن عمر ناهز الـ 86 عامًا، قضى معظمها في خدمة الوطن.
لقد كان للفقيد الراحل باع في الشعر والسياسة على حد سواء، وكان من المناضلين في سبيل نيل اليمن الاستقلال، كما له إسهاماته وبصماته في تأسيس حزب الاتحاد إلى جانب شقيقه الأكبر إبراهيم بن علي الوزير.
رحم الله الفقيد رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أحزاب اللقاء المشترك. اليمن – صنعاء
13 ذو القعدة 1445هـ. الموافق 21 مايو 2024م
توفي إلى رحمة الله الشاعر والمفكر والأديب قاسم بن علي الوزير في الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا المصاب الأليم، تتقدم الأمانة العامة للتجمع الوحدوي اليمني بالتعازي القلبية إلى أسرة الفقيد، العلم اليمني الكبير، وإلى كافة آل الوزير، متمنين أن يتقبل الله الفقيد مع الشهداء والصالحين، وأن يسكنه جنات النعيم.
إن وفاة شخصية بهذا الحجم لهو خسارة كبيرة على الوطن اليمني، فقد كان الفقيد علمًا بارزًا من أعلام اليمن، معروفًا للقاصي والداني، وصاحب رأي وفكر لا يُشق له غبار. لقد كان السيد قاسم -رحمه الله- مفكرًا إسلاميًا مجتهدًا، وصاحب منهج في التفكير لا يعرف الغلو ولا التزمت، كما كان شاعرًا مفوهًا وأستاذًا وأديبًا منشغلًا بالفكر والأدب في أمور الحياة. كما أنه لم ينفصل يومًا عن واقع وطنه ولا أمته، ولم تأخذه السياسة في دهاليزها ومساوماتها، بل كان محبًا لوطنه اليمن، تاريخًا وحضارة.
لقد صعدت روح الفقيد إلى بارئها، بعد سنوات طويلة من الفخر والعمل وخدمة الوطن وأبناء الشعب، وكان مخلصًا لأفكاره وتوجهاته وقناعاته، وهو ما جعله شخصية يمنية محورية وذات شأن.
الخلود والرحمة تغشى روحه، وإلى الجنة مثواه. إنا لله وإنا إليه راجعون.
د. عبد الله عوبل. الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي اليمني. عدن ٢٦ مايو ٢٠٢٤
الأخ المحامي إبراهيم الوشلي، رئيس فرع اتحاد القوى الشعبية بمحافظة ذمار، وأعضاء قيادة الفرع المحترمون.
تلقت سكرتارية منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة ذمار نبأ وفاة الأستاذ قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره. وإدراكًا لحجم الخسارة التي مُني بها الاتحاد، وبهذا المصاب الجلل، نرفع إليكم أحر التعازي والمواساة والمشاركة الوجدانية في مصابكم، وعبركم إلى قيادة وأعضاء اتحاد القوى الشعبية في الداخل والخارج، وإلى أسرة الفقيد وكافة آل الوزير. نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه مساكن الأخيار الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يعصم قلوب أهله ورفاقه ومحبيه بالصبر والسلوان. عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وجبر مصابكم.
سكرتارية منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة ذمار
ببالغ الحزن والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، رحمه الله. وإننا بهذا المصاب الجلل، يتقدم حزب التحرير الشعبي الوحدوي وحزب الرابطة اليمنية بخالص العزاء والمواساة إلى زملائنا في حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية، وإلى أسرة الفقيد، وإلى آل الوزير كافة. وإننا نشاطركم أحزانكم، سائلين الله العلي القدير أن يتغمد فقيد الوطن بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهمكم جميعًا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
حزب الرابطة اليمنية، وحزب التحرير الشعبي الوحدوي
بعميق الحزن وبالغ الأسى، ينعي فرع اتحاد القوى الشعبية بأمانة العاصمة رحيل السياسي والمفكر الكبير قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى للاتحاد، والذي فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها مساء يوم الاثنين 12 ذو القعدة 1445هـ، الموافق 20 مايو 2024م، إثر مرض عضال ألمّ به. بعد حياة حافلة بالجهاد والكفاح، وهبها الفقيد منذ نعومة أظافره في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة والنهوض بالوطن، وكذلك في سبيل القضية الفلسطينية، التي كانت من أبرز القضايا الشاغلة له، والتي كانت وما زالت من أهم القضايا المركزية لاتحاد القوى الشعبية.
إن رحيل هذه القامة الوطنية يشكل خسارة فادحة، حيث خسر الوطن والأمة الإسلامية برحيله واحدًا من أبرز رجالاتها الذين بذلوا أنفسهم في خدمة القضايا الوطنية والمجتمعية المختلفة، وكذلك القضايا العربية والإسلامية.
فهو السياسي المحنك الذي لم يفرط في مبادئه ولم يحد عن مساره قط، وهو الإداري اللامع الذي ما لامست أنامله شيئًا إلا توهج وأضاء وخصب ونما وطاب، وهو الشاعر الملهم، وهو المفكر الذي لم تسحبه أمواج الرؤى والنظريات عن شطآن الواقع، بل أخرجها فكراً وشعراً ومواقفاً وأحداثًا.
وإذ ينعي فرع اتحاد القوى الشعبية بأمانة العاصمة كافة قياداته وكوادره وأنصاره وكافة أبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية، رحيل هذه الشخصية الإنسانية والوطنية الشامخة والفريدة والاستثنائية.
نسأل المولى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته. إنا لله وإنا إليه راجعون.
صادر عن فرع اتحاد القوى الشعبية بأمانة العاصمة.
بقلوب حزينة وأعين دامعة وأنفس راضية بحكم الله وقدره، ينعي فرع اتحاد القوى الشعبية اليمنية بمحافظة ذمار إلى أبناء المحافظة واليمن عامة وكافة الاتحاديين رحيل الهامة الوطنية، السياسي والمفكر الكبير قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى للاتحاد، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عمر جهادي ونضالي طويل قضاه في خدمة الإنسان اليمني، دفاعًا عنه وتوعية له بكل ما أوتي من قوة وبصيرة.
أعضاء فرع اتحاد القوى الشعبية بذمار، وهم ينعون أحد أبرز قياداته التاريخية، ليؤكدون أن الخطب جلل والمصاب فادح بهذا الرحيل المفاجئ الذي أدمى القلوب وأسبل الدموع، ولكنها سنة الحياة، ولا يسعنا إلا التأسي بالمؤمنين والقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.كما نؤكد أن الاتحاد وأعضاءه بالمحافظة سيكونون أوفياء لنهج الفقيد ونضالاته، وستكون محطاته النضالية معينًا صافياً نتزود منه ونقتبس من شذراته كل ما يعزز خدمة الوطن والمواطن، وينير الفكر ويهدي إلى الصراط المستقيم. رحم الله الفقيد، وعزاؤنا لقيادة الاتحاد وكل أعضائه وكل أبناء الوطن. إنا لله وإنا إليه راجعون.
صادر عن فرع اتحاد القوى الشعبية اليمنية، محافظة ذمار
بقلوب حزينة وأعين دامعة وأنفس راضية بحكم الله وقدره، ينعي فرع اتحاد القوى الشعبية اليمنية بمحافظة صعدة إلى أبناء المحافظة وكافة الاتحاديين رحيل الهامة الوطنية، السياسي والمفكر الكبير قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى للاتحاد، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عمر جهادي ونضالي طويل قضاه في خدمة الإنسان اليمني، دفاعًا عنه وتوعية له بكل ما أوتي من قوة وبصيرة.
إن فرع اتحاد القوى الشعبية بصعدة، وهو ينعي أحد أبرز قياداته التاريخية، ليؤكد أن الخطب جلل والمصاب فادح بهذا الرحيل المفاجئ الذي أدمى القلوب وأسبل الدموع، ولكنها سنة الحياة، ولا يسعنا إلا التأسي بالمؤمنين والقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. كما نؤكد أن الاتحاد وأعضاءه بالمحافظة سيكونون أوفياء لنهج الفقيد ونضالاته، وستكون محطاته النضالية معينًا صافيًا نتزود منه ونقتبس من شذراته كل ما يعزز خدمة الوطن والمواطن، وينير الفكر ويهدي إلى الصراط المستقيم. رحم الله الفقيد، وعزاؤنا لقيادة الاتحاد وكل أعضائه وكل أبناء الوطن. إنا لله وإنا إليه راجعون.
صادر عن فرع اتحاد القوى الشعبية اليمنية، محافظة صعدة .ا لثلاثاء 2024/5/21
بقلوب يملؤها الأسى والحزن، تلقينا نبأ وفاة الأستاذ والأديب والمفكر قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، بعد رحلة حافلة بالعطاء والنضال والتوهج.
فمنذ نعومة أظافره وهو يقارع الظلم والطغيان، كيف لا وهو سليل الثائر العظيم علي الوزير، أبرز شهداء الثورة الدستورية 1948م، الذين قدموا دماءهم الزكية وأرواحهم الطاهرة فداء للوطن وترسيخًا لقيم الحرية والعدل والمساواة.
لقد سار الفقيد على درب آبائه الكرام، مجاهدًا صلبًا لا تلين له قناة، مدافعًا حرًا عن قيم العدل في المال والخير في الأرض والشورى في الأمر. ولم تزده قسوة القيود إلا قوة، ومرارة النفي والشتات والاغتراب إلا ثباتًا ويقينًا بالمبادئ وقربًا والتصاقًا بالوطن ومعاناة وتطلعات أبنائه. فإلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وإلى جنة الخلد يا سيد الثائرين. وستظل منارات فكرك تتوهج نورًا يهدي السائرين إلى دروب الحرية والخلاص. وستظل قصائدك تلهم الشعراء إلى قوافي عشق الأوطان ومرافئ سمو ونقاء الإنسان. وسيظل دربك أخضر، وستعشب خطواتك فجرًا تضج آفاقه بضوء الأمل وصبح الحرية وضحى الخير والحب والسلام.
وسلام عليك في الأولين والآخرين، والصادقين والثائرين والثابتين، وفي كل حين وأوان. سلام عليك يا سيد الكلمات والمواقف، وسلام عليك يا صاحب المآثر والمفاخر، وسلام على نهجك القويم وفكرك المنير وشخصك الكريم ومبادئك السامية. ونؤكد لروحك الطاهرة أننا على دربك سائرون، ولن يزيدنا فراقك إلا قربًا وثباتًا ويقينًا.
اتحاد القوى الشعبية اليمنية بمحافظة حجة
الأستاذ القدير زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية المحترم.
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ونفوس يملؤها الحزن العميق، تلقينا نبأ وفاة الأخ الأستاذ الكبير والقدير قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية. وإننا إذ نعبر لكم وعبركم لأولاد الفقيد المرحوم وأسرته وكافة إخواننا من آل الوزير، وأهاليكم جميعاً، عن خالص العزاء والمواساة. نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يجعله مع الأنبياء والصالحين والصديقين، إنه غفور رحيم. كما نسأل الله تعالى أن يجبر مصابكم وأن يلهمكم الصبر. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الشيخ غالب بن محسن ثوابة. محمد بن غالب ثوابة، عضو مجلس الشورى. وكافة إخوانكم وأولادكم من آل ثوابة
ببالغ الأسى والحزن الشديدين، تلقينا نبأ وفاة الأستاذ قاسم بن علي الوزير، رئيس اتحاد القوى الشعبية اليمنية، رحمه الله. بهذا الرحيل، فقدت اليمن واتحاد القوى الشعبية اليمنية رجل فكر وعلم وسياسة وإنسانية، ومناضلًا وطنيًا جسورًا من أكمل وأعظم الرجال صمودًا وحبًا لوطنه. فقد بذل جل جهده مع إخوانه عباس وإبراهيم وزيد، وأسرتهم جميعًا من آل الوزير ومن مناضلي اليمن، مثقفين ومشايخ ووطنيين وقيادات اتحاد القوى في مساعدة قيام الثورات اليمنية للتحرر من الجهل والظلم والفقر والمرض، وإيجاد العدل والمساواة والحرية لكل أبناء الشعب اليمني. لهذا نجد أن له تاريخًا ثوريًا ونضاليًا سيظل حاضرًا متجددًا ومستقبلاً زاهرًا واعيًا، رمزًا للإنسانية وكل القيم والأخلاق الدينية والإنسانية.
أحر التعازي والمواساة لكل قيادات اليمن والشعب اليمني، وللإخوة الأساتذة المناضلين من أسرة آل الوزير، والإخوة النقباء من آل أبو راس جميعًا، ولكل الشعب اليمني والعربي والإنسانية جمعاء. أعظم الله الأجر والثواب، وللفقيد الرحمة والمغفرة، وأعلى الدرجات في جنات الفردوس الأعلى. إنا لله وإنا إليه راجعون.
قضاة السهمان في خولان الطيال، محافظة صنعاء
بعث الأستاذ ناجي صالح السهمي، رئيس فرع اتحاد القوى الشعبية بخولان الطيال، محافظة صنعاء، بأحر التعازي وعميق المواساة من أبناء قبيلة السهمي بخولان الطيال، إلى الأستاذ المجاهد زيد بن علي الوزير، والأخ الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير، وكافة آل الوزير ببالغ الحزن والأسى، وذلك بوفاة الأستاذ والمفكر الكبير، الأديب قاسم بن علي الوزير، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته. إنا لله وإنا إليه راجعون.
ناجي صالح حسين السهمي. رئيس فرع خولان الطيال، محافظة صنعاء
وكافة أعضاء الاتحاد بالمديرية وقبائل آل السهمي بخولان الطيال
الأستاذ المجاهد زيد بن علي الوزير، الأكرم، حفظكم الله، وكافة آل الوزير،
ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر وفاة المغفور له بإذن الله أخيكم الأستاذ المجاهد قاسم بن علي الوزير، بعد حياة من المعاناة والجهاد عامرة بالعطاء في سبيل الله واليمن والإسلام والأمة الإسلامية. لقد عاش المرحوم حياته متمسكًا بالمبادئ والقيم التي آمن بها، متحملًا آلام الغربة والصعاب، متحديًا التهديدات، رافضًا للإغراءات والمصالح الشخصية الضيقة، شأنه في ذلك شأن أخيه المغفور له بإذن الله المجاهد الكبير إبراهيم بن علي الوزير رحمه الله.
إن رحيل الأستاذ قاسم بن علي الوزير إلى جوار ربه لا يُعد خسارة عليكم فقط، بل إن فقدانه خسارة علينا جميعًا وعلى كل من آمن برسالته ومبادئه، وعلى شعبنا اليمني والأمة الإسلامية جمعاء.
وإننا بهذا المصاب الجلل إذ نعزيكم، نعزي أنفسنا ونعزي شعبنا اليمني وأمتنا الإسلامية على فقدان علم من أعلام الأمة. نسأل الله للفقيد الرحمة والمغفرة والدرجات العليا في الجنة، ولكم ولكافة آل الوزير الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
إخوانكم كافة آل القوسي عنهم، أخوكم المهندس زياد
بقلوب مؤمنة بقضاء الله، وبمشاعر المواساة المخلصة، يتقدم أولاد الشاعر الأديب محمد يحيى المداني، وكافة آل المداني، بأحرِّ التعازي والمواساة إلى الوالد المفكر زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، في وفاة الشاعر الكبير، الأديب، والسياسي المفكر قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية. وإننا إذ نعزيكم ونعزي أنفسنا ونعزي كافة آل الوزير بهذا المصاب الجلل، لا يسعنا إلا أن ندعو المولى عز وجل أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته وعفوه ومغفرته، وأن يُلهمنا جميعًا وأهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
يحيى، أحمد، إبراهيم محمد يحيى المداني وكافة آل المداني
الوالد العزيز المفكر زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الأكرم.
الإخوة الأعزاء: البراء وعمر قاسم بن علي الوزير، وكافة آل الوزير الأكارم.
الإخوة الأعزاء: كافة قيادات وأعضاء المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الأكارم.
نبعث إليكم بخالص العزاء وصادق المواساة في وفاة المفكر الإسلامي، الأديب والشاعر الكبير، والسياسي الوطني الجسور، المغفور له بإذن الله قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الذي وافته المنية بعد حياةٍ حافلةٍ بالجهاد والعمل السياسي والنضال الوطني والعطاء الفكري والأدبي طيلة فترة حياته.
وإننا بهذا المصاب الجلل، نبعث لكم بأحر التعازي القلبية ونعزي أنفسنا، ونشاطركم الألم ونتقدم لكم وكافة آل الوزير، ورفاق ومحبي وأصدقاء الفقيد بجزيل وعظيم التعازي، وصادق المواساة، سائلين الله عز وجل أن يغفر له، ويرحمه، ويسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مشايخ وقبائل آل المنتصر بمديرية بني حشيش، محافظة صنعاء
عنهم منصور أحمد حاتم المنتصر
الوالد العزيز المفكر زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الأكرم.
الأخوان العزيزان: البراء وعمر قاسم بن علي الوزير، وكافة آل الوزير الأكارم.
الإخوة الأعزاء: أعضاء المجلس الأعلى، والأمانة العامة، ومجلس الشورى، وكافة منتسبي اتحاد القوى الشعبية، الأكارم.
نبعث إليكم بخالص العزاء وصادق المواساة في وفاة المفكر الإسلامي، الأديب والشاعر الكبير، والسياسي الوطني الجسور، المغفور له بإذن الله قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الذي وافته المنية بعد حياةٍ حافلةٍ بالعمل السياسي والنضال الوطني والعطاء الفكري والأدبي طيلة فترة حياته. لقد عاش عمره المديد، حرًا أبيًا، شهمًا كريمًا، شجاعًا جسورًا، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يخشَ أحدًا إلا الله، وكفى بالله حسيبًا.
كان الفقيد مدرسة تنويرية تحررية مناهضة لكل أشكال الاستبداد والظلم والطغيان، وقامة فكرية وثقافية بحجم الأمة، وهامة وطنية وسياسية سامقة، وطودًا شامخًا من أعلام الشعر والأدب. لقد أثرى المكتبة اليمنية والعربية بمؤلفاته وأعماله الشعرية والفكرية والفلسفية على مدى عقود، ومثل رحيله خسارة فادحة على اليمن خاصة، والأمتين العربية والإسلامية عامة.
ونحن إذ نعزي أنفسنا أولاً، فإننا نشاطركم الألم ونتقدم لكم وكافة آل الوزير، ورفاق ومحبي وأصدقاء الفقيد بجزيل وعظيم التعازي، وصادق المواساة، سائلين الله عز وجل أن يغفر له، ويرحمه، ويسكنه فسيح جناته، وأن يحشره مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. ونسأل الله أن يعظم لكم الأجر والثواب، ويجبر مصابكم، ويعصم قلوبكم بالصبر والسلوان، وأن يخلفه عليكم بأحسن خلافة. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مشايخ وقبائل آل النهمي بمديرية جهران. عنهم أ. أمين صالح محمد النهمي. و د. إبراهيم أحمد صالح النهمي.
إلى الوالد العزيز زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، والأخوين عمر والبراء بن القاسم بن علي الوزير، وكافة آل الوزير الكرام، وقيادات الاتحاد وكوادره وأعضائه ومناصريه، وإلى الشعب اليمني العزيز.
ببالغ الحزن والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة المناضل الجسور والمفكر الإسلامي قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية – رحمه الله. إن رحيل الفقيد خسارة كبيرة ليس فقط لكم كعائلة، ولكن للحزب وللوطن وللأمة العربية والإسلامية جمعاء.
فقد كان الفقيد نموذجًا للعطاء والإخلاص والتفاني في خدمة وطنه وأمته، وساهم بفكره المستنير ونضاله الدؤوب في تعزيز القيم والمبادئ التي ترسخت في أدبيات الاتحاد وجاهد طيلة حياته من أجل تحقيقها.
إن ذكراه ستظل حية في قلوب كل من عرفه وتعامل معه. نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهمكم جميعًا الصبر والسلوان في هذا المصاب الجلل.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
قبائل اليتمة بمحافظة الجوف، ممثلة بالشيخ عزيز بن طارش سعدان، والإعلامي والصحفي خالد حميد الشريف
عظم الله أجرنا جميعًا، وما علينا سوى الصبر. المتوفي عزيز، أسكنه الله جنته، والله أعلم أين الخير له، الوفاة أم أوجاع المرض، لكن الألم عند من بعده من قريب أو صديق. دمتم بخير وعافية.
الأستاذ/ زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية المحترم. الإخوة/ البراء وعمر قاسم بن علي الوزير وكافة آل الوزير المحترمون. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ببالغ الحزن والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة المغفور له بإذن الله الأستاذ السياسي والأديب: قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال، والذي بوفاته خسرت الأمة وشعبنا اليمني وقيادة وكوادر وأعضاء اتحاد القوى الشعبية.
لقد كرس الراحل حياته النضالية والجهاد السياسي في مقاومة الاستبداد والانحراف السياسي والفكري، والتحرر من التبعية والارتهان، والذي يمثل رحيله خسارة فادحة للشعب اليمني وللأمة العربية والإسلامية. وبرحيله، خسرت الأمة أحد عمالقة الفكر والسياسة والأدب والشعر، خاصة في هذا الظرف والتحديات التي تمر بها الأمة. وبهذا المصاب الأليم، نعبر لكم عن تعازينا ومواساتنا لكم ولأنفسنا، ومن خلالكم إلى كافة أهله وذويه وكافة آل الوزير، وقيادة وكوادر وأعضاء اتحاد القوى الشعبية ومحبيه، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته وغفرانه، ويلهمكم وجميع أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. رحم الله الوالد الفاضل القاسم، وأسكنه فسيح جناته، وعظم الله أجركم وأجر الجميع. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن لفراقهم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى. وعصم الله قلوبكم بالصبر، وأحسن الله عزاءكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اليوم يطوي العُلى من أفقه علما * ويفقد الشرق من أقلامه قلما
سيدي وأخي العزيز زيد بن علي الوزير وكافة الأهل، علمت الآن خبر ترجل الفارس الأديب الكريم أخي قاسم عن صهوة الدنيا الفانية، وإني في أشد الحزن، فالمصاب واحد والأحزان مشتركة، لكنها مشيئة الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. رحم الله فقيدنا العزيز وشمله بكريم عفوه ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعًا الصبر، وعظم الأجر، ووقاكم كل سوء، وجعل آخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
ببالغ الأسى والحزن الشديدين على قلوبنا تلقينا نبأ وفاة الأستاذ قاسم بن علي الوزير، رئيس اتحاد القوى الشعبية اليمنية، رحمه الله عليه.
بهذا الرحيل فقدت اليمن واتحاد القوى الشعبية اليمنية رجل فكر وعلم وسياسة وإنسانية، ومناضلًا وطنيًا جسورًا، من أكمل وأعظم الرجال صمودًا وحبًا لوطنه، فقد بذل جل جهده مع إخوانه عباس وإبراهيم وزيد وأسرتهم جميعًا من آل الوزير ومن مناضلي اليمن مثقفين ومشايخ ووطنيين وقيادات اتحاد القوى في مساعدة قيام الثورات اليمنية للتحرر من الجهل والظلم والفقر والمرض، وإيجاد العدل والمساواة والحرية لكل أبناء الشعب اليمني. لهذا نجد له تاريخًا ثوريًا ونضاليًا سيظل حاضرًا متجددًا ومستقبلًا زاهرًا واعيًا، رمزًا للإنسانية وكل القيم والأخلاق الدينية والإنسانية.
أحر التعازي والمواساة لكل قيادات اليمن والشعب اليمني، وللإخوة الأساتذة المناضلين من أسرة آل الوزير والإخوة النقباء من آل أبوراس جميعًا، ولكل الشعب اليمني والعربي والإنسانية جمعًا أعظم الأجر والثواب، وللفقيد الرحمة والمغفرة، وأعلى الدرجات في جنات الفردوس الأعلى في الجنة.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
خالص التعازي للأستاذ والمفكر اليمني الكبير زيد الوزير برحيل شقيقه الأستاذ والشاعر الكبير القاسم بن علي الوزير إلى الرفيق الأعلى. أسأل الله العلي العظيم أن يتغمد الفقيد القاسم الوزير بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل في قبره الضياء والنور والبهجة والسرور من يومنا هذا إلى يوم البعث والنشور. آمين اللهم آمين. العزاء موصول لأولاده البراء وعمر، وللأخوين الأستاذ نبيل الوزير والدكتور طارق الأكوع.
نائب وزير العدل
بكل أسف وحزن ننعي وفاة عمي قاسم بن علي الوزير رحمه الله، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الذي كان مثالًا للنقاء والنضال والصبر والتحمل، وأديبًا وشاعرًا ومفكرًا قل أن يوجد مثله، وسياسيًا محنكًا ترك آثارًا يعرفها الكثير ممن عاصروه في اليمن أرضًا وشعبًا وكذلك خارج اليمن كما صنوه إبراهيم بن علي ووالدي إبراهيم بن محمد الوزير وبقية أفراد الأسرة آل الوزير، رحم الله من توفى منهم وحفظ من بقي.
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره ننعى فقيدنا المنتقل إلى رحمة الله تعالى المفكر الإسلامي الأديب الشاعر الأستاذ قاسم بن علي الوزير. تغشاه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وعصم الله قلوبنا جميعاً وجمعنا بهم في مستقر رحمته ورضوانه في زمرة سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
عظم الله أجركم وجبر مصابكم، ورحمهم الله رحمة الأبرار وغفر لهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة المغفور له بإذنه تعالى الأديب والشاعر والمفكر الإسلامي الكبير المجتهد العلامة المجاهد القاسم بن علي الوزير. وهو مصاب جلل نزل علي كالصاعقة، تيبست الكلمات في فمي، وجهشت بالبكاء حزنًا على الفقيد، وتذكرت كلمات شقيقه المجاهد العلامة المجد العم زيد قبل أسبوع؛ أنه لا يتصور أن يفارق أخاه القاسم الذي عاش معه في السراء والضراء طوال عمريهما، وحكى لي قصة حزينة: أنهما سجنا في غرفة مظلمة لمدة ثلاثة أشهر وهما في ريعان شبابهما، وذلك بعد فشل ثورة اليمن الدستورية عام 1948م. وعندما توسط لهما العلامة العم قاسم العزي نقلا إلى سجن آخر. وعقب خروجهما من القبو لم يقوَ نظرهما على رؤية أي شيء، وأنهما ظلا مغمضين فترة حتى استرجعا الرؤية الطبيعية. وقد عاشا معًا شظف العيش واليتم والغربة منذ أن وعيا الوجود.
وماذا عسى الحرف أن يقول، وماذا عساي أن أذكر من صفات الفقيد؟ وهي كثيرة. تغمد الله الفقيد بواسع الرحمة وأسكنه فسيح جناته جوار الشهداء والأنبياء والصديقين، وحسن أولئك رفيقًا.
تلقينا نبأ وفاة المناضل الأستاذ القاسم بن علي الوزير. وبهذا المصاب الجلل نعزي أنفسنا ونتقدم إليكم وإلى كافة أفراد أسرة الفقيد، بأصدق التعازي وأحر المواساة.. سائلين العلي القدير أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهمكم الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أعزيكم وأعزي الدكتور سعيد وجميع الأصدقاء في وفاة شقيقي الراحل الكبير القاسم بن علي الوزير، تغمده الله بواسع رحمته.قد مضى إلى ربه طاهر الثوب، لكنه ترك في قلبي جرحًا لا يبالي، لأننا ترافقنا يدًا بيد طيلة 89 عامًا، عشناها سويًا في السجون والمنافي، في الشدة والرخاء. وقد مضى إخوتي إلى ربهم، وبقيت في هذه الحياة وحيدًا أحثُّ إليهم الرحيل. والله يحفظكم لأمتكم.
العم العزيز زيد بن علي الوزير. عظم أجر الجميع في وفاة العم الغالي قاسم بن علي الوزير. نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته، ونسأله جل وعلا أن يلهمكم وجميع الأهل والأصدقاء جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
رئيس الاتحاد العالمي للعلماء والباحثين
نعى المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي الأديب اليمني القاسم بن علي الوزير، عضو اتحاد الوطن العربي الدولي، سائلًا العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم عائلته وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
رئيس فرع اتحاد القوى الشعبية بمديرية الطيال
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقينا نبأ وفاة المرحوم الوالد قاسم بن علي الوزير. وعلى إثر هذا المصاب الجلل يتقدم الشيخ علي أحمد يحيى القاضي باسمه وباسم جميع أسرة آل القاضي خاصة، وقبيلة السهمان عامة،
بأخلص عبارات التعازي والمواساة للوالد زيد بن علي الوزير وأولاد الفقيد المرحوم قاسم بن علي الوزير، وأولاد المرحوم إبراهيم بن علي الوزير، وأولاد المرحوم عباس بن علي الوزير، وأولاد المرحوم محمد بن علي الوزير، وإلى كافة آل الوزير. داعيًا المولى العلي القدير أن يلهمهم الصبر والسلوان، ويتغمد الفقيد برحمته الواسعة في جنة الرضوان. لله ما أعطى، ولله ما أخذ. عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم. إنا لله وإنا إليه راجعون.
إنا لله وإنا إليه راجعون. عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، ورحم الله أخي قاسم، وأسكنه الفردوس الأعلى.
القائم بأعمال الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي “حشد”
المفكر الأستاذ زيد بن علي الوزير. الأخ محمد البراء قاسم علي الوزير
وكافة آل الوزير الكرام. الإخوة قيادة وأعضاء حزب اتحاد القوى الشعبية.
ببالغ الأسى والحزن تلقينا نبأ وفاة المفكر والأديب الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، والشخصية الرائدة أدبيًا وسياسيًا وثقافيًا.لقد مثّل رحيله خسارة فادحة للوطن وللأمة العربية والإسلامية، وفقد الوطن أحد أبرز السياسيين ومناضلي الحركة الوطنية اليمنية.
وأمام هذا المصاب الجلل أتقدم إليكم جميعًا، وبالنيابة عن قيادات وأعضاء حزب الشعب الديمقراطي “حشد”، وعبركم إلى كافة محبي وأصدقاء الفقيد وأبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية، بخالص التعازي القلبية وعميق المواساة في رحيل هذه الشخصية الإنسانية والوطنية الشامخة والاستثنائية.
نسأل الله أن يتغمد فقيدكم وفقيد الوطن والأمة بواسع رحمته، ويلهمنا جميعًا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجركم أستاذنا القدير والغالي في وفاة الأستاذ القدير والأديب المفكر قاسم بن علي الوزير. الله يرحمه ويحسن إليه، ويتغشاه بواسع رحمته. الله يعصم قلوبكم جميعًا على فراقه. إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تعازينا ومواساتنا لكم يا آل الوزير في وفاة المغفور له بإذن الله فقيد الوطن المفكر السياسي والأديب والشاعر المرحوم قاسم بن علي الوزير. المعزون قبيلة السهمان كافة، وأسرة آل القاضي خاصة.
نائب رئيس مجلس الشورى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية
الأستاذ الجليل زيد بن علي الوزير وأولاده المحترمين. الإخوة أولاد القاسم بن علي الوزير وأولادهم المحترمين. الإخوة أولاد العباس وإبراهيم ومحمد بن علي الوزير وأولادهم، وكافة آل الوزير الأكارم.
بقلوب مؤمنة وراضية بقضاء الله وقدره تلقينا اليوم خبر وفاة المفكر السياسي الأديب والشاعر الأستاذ/ قاسم بن علي الوزير رحمه الله، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية، الذي أفنى حياته في نضال دائم مناهضًا للنظم المستبدة، وداعيًا إلى الشورى والعدل والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان رفيق النضال لإخوانه المناضلين/ العباس وإبراهيم ومحمد رحمهما الله. وله أدوار وإسهامات عظيمة في محطات تاريخ اليمن وقضايا الأمة والإسلام. وشكل رحيله خسارة على الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية.
وإننا بهذا المصاب الجلل، إذ ننعي أنفسنا وإلى كافة أعضاء ومنتسبي اتحاد القوى الشعبية اليمنية، نتقدم إليكم بخالص العزاء وعظيم المواساة، ونشاطركم الحزن والأسى، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه جنات الفردوس الأعلى. عصم الله قلوبكم جميعًا بالصبر والسلوان، وجمعنا بهم في واسع رحمته ورضوانه، رفقة سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. إنا لله وإنا إليه راجعون.
السلام عليكم عم زيد. عظم الله أجركم وجبر مصابكم في عمي قاسم. الله يصبركم ويعينكم، ويشرح صدركم. فالمصاب جلل، وعمي قاسم من الملائكة الذين يسيرون على الأرض. الله يعينكم ويشرح صدركم وصدور أولادهم والعائلة كاملة.
سيدي الكريم.. بلغنا وفاة السيد القاسم بن علي فعظم الله أجركم، وجبر الله مصابكم، ورحم الله المنتقل إليه. وانا لله وانا اليه راجعون
أخي العزيز وأستاذي الجليل والمفكر والإنسان زيد بن علي الوزير. عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر للفقيد العظيم الأستاذ الجليل قاسم بن علي الوزير. تعرفت عليه في لقاء عابر في مركز الدراسات والبحوث اليمني مع عزيزنا الدكتور عبد العزيز المقالح. وللأسف الشديد لم أقرأ للفقيد أعماله الفكرية والأدبية بسبب من الانقطاع الذي عشناه معًا. عزاؤنا في المصاب الأليم، وعزاؤنا وعزاء أسرتنا لأسرتكم الكريمة المكلومة وأبنائه ومحبيه.
عظم الله لكم الأجر، وجبر مصابكم، وأسكنه فسيح جناته. خسر العالم الإنساني علمًا سخّر حياته لخدمة الإنسانية. أطال الله للعالم والإنسانية بحياتكم، ولا أراكم سوءًا ولا مكروهًا.
رحمة الله تغشى سيدي الفقيد القاسم شقيقكم، وأدخله فسيح جناته، وألهمكم وأهله وأسرته الكريمة الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مستشار المجلس السياسي الأعلى
بعث مستشار المجلس السياسي الأعلى البروفيسور عبد العزيز الترب برقية عزاء ومواساة في وفاة فقيد الوطن الأديب والشاعر القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، والذي وافته المنية في الولايات المتحدة الأمريكية إثر مرض عضال ألم به، وذلك بعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد في سبيل الحرية والاستقلال. وأكد في برقية بعثها للأستاذ زيد بن علي الوزير، والبراء وعمر قاسم بن علي الوزير، وقيادة وكوادر وأنصار اتحاد القوى الشعبية اليمنية، أن رحيل القاسم بن علي الوزير يمثل خسارة فادحة للشعب اليمني وللأمة العربية والإسلامية لما قدمه خلال مسيرة حياته الجهادية من نضال دءوب في سبيل الحرية والوحدة والاستقلال وسيادة الوطن. وبهذا المصاب الجلل نبعث لكم بأحر التعازي والمواساة، ونعزي أنفسنا برحيل هذه الشخصية الإنسانية والوطنية الشامخة والاستثنائية. رحم الله فقيد الوطن والأمة العربية والإسلامية، وتغشاه بواسع المغفرة، وأسكنه فسيح جناته.
أستاذي العزيز زيد بن علي الوزير..أنا مدرك لكل مثقال ذرة في حزنكم هذا وصدمتكم بفقدان سندكم الأول بعد أن سبق ذلك فقدان الأستاذ إبراهيم الوزير ورفيق دربكم على مدى عشرات السنين. عشتم خليلين على قلب واحد ورب واحد وعلى مبدأ أبدي لم تغيره أو تبدله تقلبات كل هذه المراحل، بل ودفعتم ثمنها باهظًا بعد أن سبقكم الخليل الأستاذ إبراهيم الوزير الذي هو كمان دفع ثمن ذلك باهظًا ومبكرًا، بل واستمر في دفع هذا الثمن حتى آخر نفس في حياته، وجنبًا إلى جنب وبحضوركم سعيا وراء تحقيق المشروع الكبير والحقيقي للأمة الإسلامية. ربنا يصبركم ويمدكم بالصحة والعافية والعمر المديد.
أتقدم إلى أستاذي القدير زيد بن علي الوزير، وإلى آل الوزير الكرام، وإلى قيادات وأعضاء اتحاد القوى الشعبية اليمنية، بخالص العزاء والمواساة في وفاة المغفور له بإذن الله الأديب والمفكر الكبير قاسم بن علي الوزير، صبرًا جميلًا وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأخ العزيز والأستاذ القدير زيد بن علي الوزير الأكرم حفظه الله وأبقاه. تلقيت بأسى وحزن عميقين نبأ رحيل المفكر الكبير الأديب الأريب الشاعر المبدع قاسم بن علي الوزير إلى مثواه الأخير.
وإنني بهذه المناسبة الأليمة، أتقدم إليكم ومن خلالكم لكافة أسرة آل الوزير، وخاصة أسرته وأولاده الكرام، بصادق العزاء وجميل المواساة، راجيًا الله العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته، وأن ينزل عليه شئابيب رحمته، وأن يلهمنا جميعًا الصبر والسلوان. لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بحسبان. إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
السيد الكريم/ زيد بن علي الوزير الأكرم..
بلغنا نبأ وفاة أخيكم السيد المفكر/ القاسم بن علي الوزير، طيب الله ثراه، وأدخله في واسع رحمته، وأنار قبره، وجعله روضة من رياض الجنة. ونحن إذ نعبر عن تعازينا لشخصكم الكريم، ولأولاده الكرام، وآل الوزير. عظم الله أجركم، وجبر الله مصابكم، وألهمكم الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقينا نبأ وفاة الوالد العزيز المفكر والشاعر الأديب/ القاسم بن علي الوزير، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته. أسأل الله أن يكرم نزله، وأن يتقبله من عباده المؤمنين، وأن يلهم الأسرة الصبر والسلوان.
وبرحيله فقدت اليمن من أعظم الرجال، هامة سياسية وثقافية كبيرة. لديه العديد من المؤلفات والأبحاث، أثرى بها المكتبة اليمنية التي أسهمت في تنوير الفكر اليمني، وكان الفقيد من مناضلي الحركة الوطنية اليمنية. نسأل من الله أن يجزيه عنا خير الجزاء..
حزين نعم والحزن إحدى مواهبي | فلا تسل عني سل عن المصائبِ | |
تجرعتها طفلاً صغيرا ويافعاً | وكهلاً لقد أُتعبت حتى متاعبي |
بهذه الكلمات رثاء الوالد قاسم أحد أصدقائه، واليوم ارثيه بها.. خالص العزاء لأخيه الوالد العزيز الأستاذ زيد بن علي الوزير وكافة الأهل الكرام.
عضو الأمانة العامة لحزب الحق عضو مجلس الشورى
الأستاذ زيد بن علي الوزير، عضو المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية الأكرم. الإخوة أمين عام وأعضاء الأمانة العامة للاتحاد المحترمين.
تلقينا ببالغ الأسى والصبر والحزن نبأ وفاة المفكر الأستاذ القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية.
وإننا إذ نعزيكم في رحيل أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المستنير، والأديب والسياسي الفذ الذي مثل رحيله خسارة للشعب اليمني وللأمة العربية والإسلامية. سائلين الله تعالى أن يحسن مثواه، ويغفر له، ويجزيه عن علمه وعطائه ونضاله خير الجزاء. إنا لله وإنا إليه راجعون..
انتقل إلى دار البقاء الشيخ قاسم بن علي الوزير، عليه رحمة الله ورضوانه.
تعرفت على الشيخ قاسم في مطلع الثمانينات في بريطانيا حين كان أحد ناشري مجلة “أرابيا” مع الشيخ محمد صلاح الدين، رحمهما الله.
كان رحمه الله من أطيب الناس خلقًا، وأكثرهم تواضعًا وحسن معشر. وقد سمعت منه حكاية تُظهر روعة سودان 56 (والأصح سودان 53). فقد وصل مع بعض إخوانه إلى بورتسودان في عام 1954 مهاجرًا من اليمن بعد سنوات قضوها في السجن وهم بعد صبية. وقد أُعدم والدهم وعمهم وعدد من أعضاء الأسرة لدورهم في ثورة 1948 الشهيرة. وأثناء انتظارهم إتمام الرحلة إلى مصر، علموا أن السفينة ستحول إلى جدة، فأصابهم الفزع من احتمال اعتقالهم وإعادتهم إلى صنعاء التي فروا منها. عندها استشاروا بعض كبار التجار اليمنيين من أهل بورتسودان، فرحبوا بهم أي ترحيب. وعندما سمعوا بقصتهم وعرفوا هويتهم زاد الترحيب، وطلبوا منهم إنزال متاعهم من السفينة، ثم اصطحبوهم إلى مركز شرطة المدينة لترتيب أمر إقامتهم. وقد دهشوا غاية الدهشة حين رفع الضابط سماعة الهاتف واتصل مباشرة برئيس الوزراء إسماعيل الأزهري الذي أمر بدوره بإرسالهم بالطائرة إلى الخرطوم، حيث لقوا من الحفاوة ما لم يخطر لهم على بال. ومن هناك انتقلوا إلى القاهرة، وترك ذلك في قلوبهم حبًا لا ينقضي للسودان وأهله.
كان الشيخ قاسم رحمه الله رجلًا من أهل العلم والخلق والكرم، محبًا للعدل ونصيرًا للحرية. لا تمل صحبته، ولا تكاد تجد فيه ملامة. رحمه الله وأحسن إليه وأدخله جنات النعيم.
الأستاذ الفاضل زيد بن علي الوزير، وكافة أفراد أسرة بيت آل الوزير، وأسرة المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ الفقيد قاسم بن علي الوزير، والمجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية وكافة قيادته وكوادره. نعظم لكم الأجر جميعًا في وفاة المغفور له الفقيد قاسم بن علي الوزير، وأحسن عزاءكم، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين، وعصم قلوبكم في هذا المصاب الجلل. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الأستاذ الفاضل زيد بن علي الوزير وآل الوزير جميعًا. بقلوب حزينة ومؤمنة بقضاء الله وقدره، أرجو أن تتقبلوا صادق العزاء مني ومن عائلتي وأولادي وبناتي جميعًا بوفاة أخيكم الصديق العزيز قاسم بن علي الوزير. تغمده الله بواسع رحمته، وأنزله منزلة الصالحين والأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة، وألهمكم جميعًا الصبر والسلوان. عظم الله أجر الجميع. إنا لله وإنا إليه راجعون.
ببالغ الأسى والحزن، وبعيون دامعة، وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره تلقينا نبأ وفاة سيدي ووالدي عمي/ قاسم بن علي الوزير. بهذا المصاب الجلل نعزي أنفسنا وجميع الأسرة الكريمة، وجميع محبيه وأصدقائه، سائلين الله عز وجل أن يسكنهم الجنة، ويتغمد روحهم الطاهرة بواسع رحمته وغفرانه، ويلهمنا وأهله وذويه الصبر والسلوان.إنا لله وإنا إليه راجعون.
خالص التعازي والمواساة للأستاذ والمفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير، وللشيخ صادق بن أمين أبو راس، ولآل الوزير وآل أبو راس الكرام، والوطن في وفاة السياسي والشاعر والمفكر الكبير الأستاذ قاسم بن علي الوزير، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد مسيرة حياة مشرفة في النضال الوطني منذ مشاركته وإخوانه مع والدهم في ثورة 1948م، وقدم في حياته للفكر الإسلامي والعربي العديد من الدراسات والبحوث والجهود الفكرية المقدرة طوال فترة حياته في المهجر في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
والعزاء موصول لكم سعادة السفير الشيخ فيصل بن أمين أبو راس، في بزيكم أحد أعلام اليمن البارزين. تغمده الله بواسع رحمته، وأدخله فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون..
وزير حقوق الإنسان
الأستاذ المفكر الكبير زيد بن علي الوزير. الأخ عمر والبراء قاسم علي الوزير. الإخوة كافة آل الوزير الكرام. الإخوة قيادات حزب اتحاد القوى الشعبية.
ببالغ الأسى والحزن تلقينا نبأ وفاة المفكر والأديب الكبير الأستاذ القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية.
في هذا المصاب الجلل نستذكر سنوات عديدة من روابط الأخلاء والمودة المتينة، والمليئة بالمواقف والأحداث في مختلف مراحل النضال الوطني. لقد استمر تواصلنا على مدى السنوات الأخيرة في ظل المتغيرات والتحولات التي أحدثتها ثورة الشعب الفتية، والتحديات التي واجهها الوطن والأمة جمعاء على طريق الحرية والاستقلال والسيادة والنهوض بالوطن، التي وهب لأجلها الراحل معظم سنوات عمره، وتكبد لأجلها هو وأسرته ورفاقه كافة أنواع المعاناة.
لقد كان الفقيد الراحل رجلًا محبًا للخير والسلام والحرية، إلى جانب كونه أديبًا وشاعرًا ومفكرًا أثرى المكتبة اليمنية بأدبه وشعره وأطروحاته الفكرية والفلسفية التي أسهمت في تنوير الفكر اليمني، ناهيك عن كونه أحد أبرز السياسيين ومناضلي الحركة الوطنية اليمنية. ونحن نعزيكم اليوم برحيل هذه الشخصية الرائدة أدبيًا وسياسيًا وثقافيًا، نؤكد أن رحيله يمثل خسارة فادحة للوطن وللأمة العربية والإسلامية، خاصة في ظل هذه الظروف العصيبة التي تحدق باليمن وبالمنطقة العربية. أتقدم إليكم جميعًا، وعبركم إلى كافة محبي وأصدقاء الفقيد وأبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية، بخالص التعازي القلبية وعميق المواساة في رحيل هذه الشخصية الإنسانية والوطنية الشامخة والاستثنائية. نسأل الله أن يتغمد فقيد الوطن والأمة بواسع رحمته، ويلهمنا جميعًا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
مسؤول التنسيق والتواصل مع الأحزاب بالمكتب السياسي لأنصار الله
نتقدم بالتعازي والمواساة في وفاة فقيد الوطن، رئيس المجلس الأعلى لحزب اتحاد القوى الشعبية، الدكتور قاسم بن علي الوزير رحمه الله، وإلى قيادات حزب اتحاد القوى الشعبية، وإلى الشعب اليمني وأسرة فقيد الوطن رحمه الله تعالى. إنا لله وإنا إليه راجعون.
عضو الهيئة المركزية لحزب الرابطة (رأي)
الوالد الفاضل زيد الوزير المحترم. تلقينا نبأ وفاة المناضل الأستاذ القاسم بن علي الوزير. وبهذا المصاب الجلل، نتقدم إليكم وإلى كافة أفراد أسرة الفقيد، وجميع قيادات كوادر اتحاد القوى الشعبية، بأصدق التعازي وأحر المواساة، سائلين العلي القدير أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهمكم الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وعظم الله أجركم، وأحسن الله عزاءكم، وألهمكم الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
رحم الله الوالد العزيز أ. قاسم بن علي الوزير.. وعظم أجركم وأجر الجميع
إنا لله وإنا إليه راجعون.
عظم الله أجركم وجبر الله مصابكم، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الله يرحمهم رحمة الأبرار ويسكنهم الفردوس الأعلى يا رب العالمين. الفاتحة وسورة الإخلاص لله تعالى ثم إلى روحهم الطاهرة.
الأستاذ المجاهد زيد بن علي الوزير، حياكم الله ورعاكم..
نتقدم إليكم وإلى أولاد المرحوم وكافة آل الوزير بخالص العزاء والمواساة في فقيد الوطن قاسم بن علي الوزير. سائلين الله سبحانه أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وأن يعظم أجركم ويعصم قلوبكم بالصبر.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
أمين عام الأمانة العامة لاتحاد القوى الشعبية اليمنية
الوالد العزيز المفكر/ زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية الأكرم. الإخوة الأعزاء/ البراء وعمر قاسم بن علي الوزير وكافة آل الوزير الأكارم
بقلوب يملؤها الحزن العميق أبعث إليكم بخالص العزاء وصادق المواساة القلبية في وفاة المفكر الإسلامي والأديب والشاعر الكبير والسياسي الوطني الجسور المغفور له بإذن الله الوالد القدير القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، الذي وافته المنية بعد حياةٍ حافلةٍ بالعمل السياسي، والجهاد الديني والنضال الوطني، والعطاء الفكري، والأدبي طيلة حياته، حيث عاش الفقيد الغالي حرًا أبيًا، شهمًا كريمًا، شجاعًا جسورًا، رافضًا لمختلف مغريات الدنيا، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يخش في الله أحدًا.
كان أستاذنا الفقيد النور الذي نهتدي به في حزبنا اتحاد القوى الشعبية، خاصة بعد وفاة الأستاذ والمفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير، مؤسس حزبنا اتحاد القوى الشعبية. فخلفه الأستاذ الكبير القاسم، الذي كان مدرسة تنويرية تحررية مناهضة لكل أشكال الاستبداد والظلم والطغيان، وقامة فكرية وثقافية بحجم الأمة، وهامة عملاقة من عمالقة الشعر والأدب ليس على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى العالمي.
فأثرى المكتبة اليمنية والعربية بمؤلفاته وأعماله الشعرية والفكرية، والفلسفية على مدى العقود الماضية، لذلك مثّل رحيله خسارة فادحة على اليمن خاصة، والأمتين العربية والإسلامية عامة.
وإننا إذ نعزي أنفسنا أولًا، فإننا نشاطركم الألم والفقدان، ونعاهدكم المضي على درب الفقيد الراحل القاسم بن علي الوزير، ودرب شقيقه المؤسس معلمنا الأول المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير.
سائلين المولى عزّ وجل أن يغفر له، ويرحمه، ويسكنه فسيح جناته، وأن يحشره مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. وأن يعظم لكم ولنا ولكل محبيه وأصدقائه وتلاميذه الأجر والثواب، ويجبر مصابنا جميعًا، ويعصم قلوبكم وقلوبنا بالصبر والسلوان، وأن يخلفه عليكم بأحسن خلافة.
عضو المجلس السياسي الأعلى
الأخ العزيز/ زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية المحترم. الإخوة/ البراء وعمر قاسم بن علي الوزير وكافة آل الوزير المحترمون. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ببالغ الحزن والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة المغفور له بإذن الله الأستاذ السياسي والأديب والشاعر/ قاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال، والذي بوفاته خسرت الأمة وشعبنا اليمني وقيادة وكوادر وأعضاء اتحاد القوى الشعبية، وخسارتي شخصيًا أستاذًا وقائدًا وإنسانًا.
لقد كرس الراحل حياته النضالية والجهاد السياسي في مقاومة الاستبداد والانحراف في الحكم، وجعل من مبادئ اتحاد القوى الشعبية «الشورى في الأمر، والعدل في المال، والخير في الأرض»، بوصلة نضاله السياسي والفكري والتحرري من التبعية والارتهان، ولقد مثّل أحد عمالقة الفكر والسياسة والأدب والشعر.
وبهذا المصاب الأليم نعبر لكم عن تعازينا ومواساتنا لكم ولأنفسنا، ومن خلالكم إلى كافة أهله وذويه وكافة آل الوزير، وقيادة وكوادر وأعضاء اتحاد القوى الشعبية ومحبيه، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته وغفرانه، ويلهمكم وجميع أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
سيدي وأستاذي وعمي الجليل عظم الله أجركم وأجرنا جميعًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تخونني العبارات وتخنقني العبرات ولا أدري ماذا أقول غير أن قلبي يتمزق على فراق سيدي وأستاذي وعمي الحبيب قاسم.
أعزيكم وأعزي نفسي، وأسأل الله العلي القدير أن يتغمدهم بواسع رحمته، ويسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والشهداء، وأن يعصم قلبكم وقلوبنا جميعًا بالصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أشارككم أحزانكم وأتمنى من الله أن يمتعكم بالصبر الجميل وعزائكم الكبير في ثقتنا أنه الآن أمام أرحم الرحمين وهو العادل المطلق سيثيبه عما سبق من خير في حياته وخدمات لأهله وشعبه إلى جانب أنا جميعا لله وإنا إليه راجعون وأسأله أن يتتعكم بالصحة والعافية وأن يعينكم فيما تسعون إليه من أهداف خيرية ولكم صادق مودتي وبالغ تقديري واحترامي.
الشقيق الأكبر للرئيس الراحل إبراهيم الحمدي
برقية عزاء ومواساة للأستاذ والمفكر الكبير زيد بن علي الوزير، نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية، وذلك في وفاة الأستاذ والمفكر السياسي الأديب والشاعر القاسم بن علي الوزير، رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية. أشاد فيها بمناقب الفقيد ودوره النضالي الكبير في سبيل الحرية والاستقلال، وفي مختلف القضايا الوطنية. سائلًا الله تعالى أن يتغمد الفقيد بالصبر والسلوان، وأن يعصم قلب أهله ومحبيه بالصبر والسلوان.
كما أقام الأستاذ محمد الحمدي درسًا في أحد المساجد لثلاث ليال من يوم أمس السبت، إلى روح الفقيد الأستاذ الكبير القاسم بن علي الوزير، وقد خرج الوالد الحمدي بنفسه رغم مرضه للمشاركة في الدرس إلى روح الفقيد.
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أيها القاسم يا فقيد القلم. رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته.استسمحك عذرًا، فلقد عرفت إبداعاتك متأخرًا. ولكن ها أنا عاكف على قراءة كتابك الرائع «حرث في حقول المعرفة».لقد قرأتها وتمعنت فيما بها من روعة الإبداع، وما تحمله في طياتها من رؤى ناضجة، وحس وطني، واستشعار بمتغيرات الحياة.لقد شخصت الحلول الحقيقية والجذرية لمشاكلنا التي أخرت نمونا ونهضتنا، ونظرتنا الخاطئة لوضع الحلول الجذرية حينما سارعنا لوضع الحلول الشكلية. وبنينا مدارس وهمشنا المعلمين، وخططنا لكي يكون السور متسعًا للعب الأطفال، ونسينا صناعة المنهج الذي يحصن ويحمي ويقوي مجتمعاتنا.
وعندما نظرنا للوراء لم نجد لتعبنا نتائج، والسبب أنه كان يستنفذ جهودنا وثرواتنا في غير محلها. حقيقة، لا مبالغة، شعرت أن المؤلف يتكلم بما هو في داخلي ويزعجني ويقلقني ويجعلني أفكر: هل أنا أعاني من مشكلة؟ وهل أنا المخطئ أم من هم حولي؟ لم أستطع أن أجد حلاً أو نتيجة. عند بدايتي لقراءة محتوى الكتاب، اتضح لي أن هناك في الطرف البعيد من هذا الكوكب من شعر بي. ولم تكن مشاعري جوفاء، بل كانت نتيجة الألم الذي كانت بلادي تسير عليه، ونحن كنا أدوات التنفيذ لمصالح مجهولة رسمها لنا عدونا على أنها الطريق إلى التقدم والتطور.ولكن خبث العداء كان يعطينا العبوات التطويرية فارغة جوفاء خالية من المضمون.
شكل التطور كان يُصدر لنا فقط لا غير. بعد أن يستنفذوا مضمونه في بلادهم، يهدونا عبوات فارغة ونحن نجري ونجري ونجري، ونحاول أن نغرس العوات الخرقاء في مجتمعنا، وننتظر متى تثمر. كيف ستثمر وهي خالية من البذور؟! نعم، هكذا كان.
والمصيبة أنهم إذا سهوا عن بقايا بذرة هزيلة نشبت في عرض قنينة، كانوا يرسلون لنا ما يقويها من مواد كيميائية مركبة في معاملهم خصيصًا لتفسد أرضنا.
حتى العقاب كان جائرًا وظالمًا؛ كيف تفسد الأرض لأنك ظننت أنك نسيت ما يمكننا الاستفادة منه. لا تخف، فالبذرة بصغر حجمها لم تهمنا لأننا مشغولون بمراقبة عبواتك الفارغة.
عظم الله أجر الجميع في فقيدنا حبيبنا الأخ العزيز والصديق الوفي الأستاذ قاسم. رحمه الله وتغمده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته. أعانكم الله على فراقه، وأعاننا جميعًا، وهي إرادة الله، ولا راد لقضائه. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلوب مطمئنة بقضاء الله وقدره نعزيكم ونعزي أنفسنا وجميع الأسرة في وفاة سيدنا الوالد القاسم بن علي الوزير. نسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يغفر له ويرحمه، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، ويسكنه الفردوس الأعلى. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أستاذي العزيز زيد بن علي الوزير، تحية طيبة وبعد،
بحزن شديد وأسًى عميق تلقيت نبأ وفاة شقيقك الأصغر، الشاعر الكبير القاسم، وقد أحزنني رحيله كثيراً، كونه كان ملء السمع والبصر، وشعره كان في مقدمة الشعراء اليمنيين. فأنا أحفظ الكثير من شعره عن ظهر قلب.
ولقد أحزنني كثيراً مقالك الصحفي الذي نشرته عن الراحل الجليل، عندما صرحت فيه، بما معناه، أنك تعاني من العزلة بعد القاسم الذي كان يدير، وهو يصغرك ببضع سنين. وإني لأسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويجزيه عن شجاعته ودفاعه عن وطنه وأمته خير الجزاء. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا يسعني في نهاية هذه التعزية، التي أبعثها من فؤاد مكلوم، إلا أن أنهيها ببيت من الشعر للشاعر أحمد شوقي، يترجم عما في صدري من حزن وأسى، وهو من مرثيته في صديقه الشاعر إسماعيل صبري حين خاطب الحياة بقوله:
ما أنتِ يا دنيا، أرؤيا نائمٍ * أم ليل عرسٍ أم بساط سلافِ؟
السلام عليكم سيدي وعمي الحبيب حاولت عدة مرات الاتصال ولم اوفق رحمة الله تغشى عم قاسم ورحمهم الله رحمة الابرار وعظم الله اجر الجميع تعازي للجميع لديكم وبغاية الشوق لرؤيتكم ابنكم
أخي العزيز الأستاذ زيد، علمت الآن بالمصاب الجلل بأخي الحبيب القاسم، تغمده الله بشآبيب رحمته، وأسكنه فسيح جنانه.
لقد وصلت مساء الأمس، وكنت أرجو من الله أن يجمعني به لأعبر له عن فرحي بصدور ديوانه الذي طال انتظاره، ومجموعته الفكرية القيمة، لكنه قضاء الله ولا مرد لقضائه. ولا أقول إلا ما يرضي الرب. إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لغيابك أيها الحبيب الغالي لمحزونون..
الأخ السيد الفاضل/ زيد بن علي الوزير المحترم
تلقينا نبأ وفاة المناضل الأستاذ القاسم بن علي الوزير. وبهذا المصاب الجلل، نعزي أنفسنا ونتقدم إليكم وإلى كافة أفراد أسرة الفقيد، بأصدق التعازي وأحر المواساة.. سائلين العلي القدير أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهمكم الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الأستاذ الأديب والمفكر قاسم الوزير في حدائق قُدْس الله
فلا يرهبنّ الموتَ من ظَلّ راكبًا | فإنّ انحدارًا في الترابِ صعودُ | |
وكم أنذرتنا بالسّيولِ صواعِقٌ | وكم خَبّرتنا بالغَمامِ رُعُودُ |
(المعري)
رحل عن دنيانا إلى رحمة الله يومنا هذا الثلاثاء الموافق 21 مايو 2024م الأستاذ الأديب الشاعر المفكر المستنير قاسم بن علي الوزير.
عاش الأستاذ قاسم -رحمه الله- مهمومًا بقضايا أمته العربية والإسلامية الكبيرة، مشغولاً بما شغل زعماء النهضة ورجال الفكر والتنوير من قبله: الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، وشكيب أرسلان، ومالك بن نبي، ومحمد علي لقمان؛ وهو سؤال النهضة المؤرق عن سر تقدم الغرب وتأخر الشرق، وبالأخص العرب والمسلمين عن ركب الحضارة التي كانوا يومًا ما روادها وصانعي أنوارها.
للأستاذ قاسم مقالات وكتابات وأشعار وقصائد عدة إلا أنه -للأسف- لم يكن مهتمًا بتجميع ما يكتب، ولولا جهد أخويه الأستاذين الجليلين: إبراهيم وزيد الوزير بتجميع كتاباته؛ لكانت قد ضاعت وطواها النسيان.
للأستاذ قاسم ديوان شعر بعنوان « في ثلاثية الشوق والحزن والإشراق»، قدم له صديقه الدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله.
أما في مجال الفكر، فله كتاب «حرث في حقول المعرفة»، ويضعه هذا الكتاب في مصاف المفكرين العرب المستنيرين الذين يقتبس من أنوارهم، ويهتدى بأفكارهم. وقد قام بتقديمه شقيقه ورفيق دربه في الحياة التي عاشاها سويًا بحلوها ومرها: الأستاذ زيد الوزير.
وقد أحسن الوالد العزيز الأستاذ زيد صنعًا حين قام بتجميع محاضرات وكتابات الأستاذ قاسم، وقبله كذلك قام الأستاذ إبراهيم الوزير بتجميع القصائد المتناثرة للأستاذ قاسم في ديوان، ولولا ما قام به الأخوان الأستاذان: إبراهيم وزيد تجاه إرث أخيهما الفكري، لتوارى هذه التراث بالحجاب، ولحالت الظروف دون استجلاء شخصية ذات أثر مهم وفكر مستنير.
وقف الأستاذ قاسم ضد الحرب؛ ففي مقال له بعنوان «إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليستا قضيةً واحدة»، دعا إلى إرساء السلام في اليمن وفق رؤية عادلة لا يختلف عليها اثنان، كان مما قال فيها: “إنّ الخطة المثلى والأدعى إلى النجاح والتوفيق هو أن يجتمع لذلك كل الساعين لإقامة العدل. وكل العاملين لتحقيق السلام؛ أي كل من يرون الرأي ذاته ودون استثناء، أو إقصاء لأيٍّ كان فردًا، أو حزبًا، أو هيئة، أو فعالية. فإذا اجتمعوا تدارسوا الأمر بكل جوانبه وخلصوا إلى “مشروع” متفق عليه بينهم تتكوّن على أساسه “كتلة” تنهض بالأمر دون تجاوز لفئة أو تحّز لجهة. وقال: ” لقد آن للجميع أن يستشرفوا أفق مستقبل جديد؛ وذلك بالتداعي إلى كلمة سواء، ورأي جامع يؤلّف وحدة موقف منبثق من وحدة تصوّر يسفر عن عقد اجتماعي ليس بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل بين قوى المجتمع كلها؛ عقد قائم على العقيدة الواحدة التي تجعل المؤمنين إخوة، وعلى الوطن الواحد الذي يجعل المواطنة المتساوية أساس تلاحمه ووحدته وعلى العدل الشامل الذي يحرسه ويصونه”.
إن ما كتبه الأستاذ قاسم، وخاصة موقفه من الحضارة الغربية التي يقف منها كثير من الناس بين طرفي نقيض كما يقول الأستاذ قاسم- رحمه الله-، حيث يصدر أحدهما عن «عقدة الخوف»، وهو الذي يتوجس من الحضارة الغربية، ويراها كلها شرًا محضًا، وبين الآخر الصادر عن «عقدة نقص»، وهو يرى أخذ هذه الحضارة برمتها، والمشي في ركابها بخيرها وشرها- يضعه ضمن قلة قليلة من المثقفين العرب ذوي المرجعية الإسلامية المستنيرة التي تتوسط بين أمرين؛ وذلك في رؤيته لمحاسن الحضارة الغربية، وضرورة الاقتباس منها، وفي الوقت نفسه عدم الغفلة عن نقائصها التي تتعارض مع قيمنا، والتي قد تودي بهذه الحضارة إلى هوة الانحلال والفناء. يقول هونيث: “تقاس أخلاقية المجتمع بمدى إمكانية ضمان شروط الاعتراف المتبادل بين الأفراد”. ونرى أن مسئولينا جميعًا هو التعريف وحسن التقدير في إبراز ما لهؤلاء الأعلام من آثار قيمة خدموا بها وطنهم اليمن وأمتهم العربية والإسلامية بفكرهم المستنير ومواقفهم الوطنية النبيلة.
رحم الله الأستاذ قاسم، وعزاءنا ومواساتنا لأخيه وشقيقه السيد الوالد المفكر والمؤرخ والإنسان زيد بن علي الوزير، وجميع آل الوزير الكرام، وتغمد الله فقيدنا بالرحمة، وغشى روحه بالنعيم المقيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أرى الأيام عابسة وسود | صدى أنفاسها يدوي رعودا | |
تأبطت المصائب والرزايا | وقبضتها انتضت نصلا حقودا | |
تجرعنا كؤوس الحزن قهرا | ولا تبدي لصولتها حدودا | |
خطبنا ودها جيلا فجيلا | وتهدينا التجافي والصدودا | |
وجدنا في العطاء لها لتصفو | وما أبدت لنا وجها ودودا | |
وتمضي تنشب الأرزاء فينا | وتجزل في العطا كر ما وجودا | |
تعربد بالردى فينا وتلهو | وتردي في العرين لنا أسودا | |
وتحجب عن سمانا النور تطفي | كواكبنا وتودعها اللحودا | |
وها هي قد أصابتنا بخطب | وفاجعة وزلزلت الوجودا | |
بفقد (القاسم) الفذ المجلي | بساحات النضال أشد عودا | |
ومن بضياه شع نهى وفكرا | وفي الأدب الرفيع سما خلودا | |
رحيلك سيدي أدمى فؤادي | ودمع العين قد خد الخدودا | |
فأنت أخي وأستاذي وأوفى | صديق صادق يرعى العهودا |
السلام عليكم ورحمة الله يا عم زيد، وعظم الله أجركم وأجورنا جميعًا في وفاة الأستاذ والأديب المغفور له بإذن الله عمي قاسم بن علي بن عبد الله الوزير. كما هي للأسرة الكريمة جميعًا.
هذه قائمة بأسماء الإخوة والأخوات الذين عزّونا عبر المكالمات الصوتية، نسأل الله أن يكتب لهم الأجر.
وننوه هنا إلى: أنه تعذّر علينا ذكر من اتصلوا ولم يذكروا أسماءهم. ولم نذكر أسماء الإخوة من آل صارم الدين باعتبارهم من الأسرة المصابة، فهم أحق بالعزاء، فالمصاب واحد.
هذا وقد رتبنا الأسماء حسب حروف الأبجدية، مع حفظ الألقاب، ونسأل الله للجميع المثوبة والأجر.
زيد بن علي الوزير