خزانة مخطوطات ببني ورتلان

خصص الدكتور أيت بعزيز عبد النور مقاله هذا للحديث عن مكتبة بني ورتلان في الجزائر، وما تحتوي من مخطوطًا ووثائق، موضحا كيف انها بقيت مجهولة ومنسية حتى اكتشفها الشيخ الموهوب أولحبيب (مشهد) ونسّقها، وقام بنشر مقالات علمية عنها، وساهم في إقامة معارض وطنية ودولية، للتعريف بمحتوى ومضمون المخطوطات، والمحافظة عليها. وإبراز قيمتها الفكرية والثقافية.

وكعادة “المسار”، فإنها تختم عددها بمسك الختام، حيث يتناول الدكتور أيت بعزيز عبد النور بحثه الشيخ الموهوب أولحبيب (مشهد) صاحب خزانة المخطوطات ببني ورتلان، وتأسّست هذه المكتبة في حدود سنة 1268ه/ 1852م، وتحتوي على أكثر من 580 مخطوطًا ووثيقة. وبقيت هذه المكتبة مجهولة ومنسية حتى سنة 1405ه/ 1985م، إذ اكتشفها السيد جمال الدين مشهد، ونسّقها، وتعاون مع جمعية ومخبر جيهيماب- لاموس (gihemab- lamos)، وقام هو والبروفيسور جميل عيساني، رئيس الجمعية والمخبر، بنشر مقالات علمية، وإقامة معارض وطنية ودولية، للتعريف بمحتوى ومضمون المخطوطات، والمحافظة عليها. وقدّم بعض مخطوطاتها إلى هيئات علمية ورسمية لم تسترجع لحد الآن، منها 19 مخطوطًا خاصة بعقائد السنوسي سلّمت إلى هيئة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامي.

إن دكتورنا الباحث الفاضل مشكورًا أقام بأبحاثه جسرًا ثقافيًا بين الجزائر واليمن، وكما قلت مرارًا فبين البلدين أواصر قربى منذ زمن قديم، لذلك فالتلاقي بينهما ضرورة ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية، خاصة والبلدان حافظان للعهد، وليس من شك أن لدكتورنا فضل السبق في إقامة هذا الجسر الثقافي بين الأخوين، بخاصة وأن المكتبات هي التي حفظت جميع الكتب من كل نوع، فلها الفضل في بقائها، وكان لها الأثر الضار في غيابها، ولكن بعودتها ستعود معها حضارتها الغاربة، ومن المؤكد أنه لولاها لما بقيت أوراق نقرأها، ولما بقيت حضارة نستعيدها، ومن هنا فالاهتمام بالمكتبات والكشف عنها وإيضاح محتوياتها من أوجب الواجبات لما فيها وما فيها من الكشف عن تواجدها ومعرفة هجراتها ولاستخراجها ونشرها بين الناس، بخاصة تلك التي لم تُعرف من قبل.

ولهذا فأنا أرى في ما ذكره الدكتور من وجود جمعية تولت الاهتمام بهذه المكتبة، نموذجًا يتبع، في اليمن، لما فيه من فائدة مادية في نشر التراث ودراسته وطبعه، وليس في مكنة أحد أن يستطيع القيام مهما أعطي من قوة كمثل الذي تقوم به مثل هذه الجمعيات، مع العلم والشكر لتلك المحاولات التي قام بها كل من العلامة الحبشي والدكتور العمري والعلامة الوجيه الذي بلغ هذا التجمع على يديه مرحلة لم يسبقها إليه أحد، حيث قام بتسجيل ما في معظم المكتبات الخاصة من تراث، في مجلدين ضخمين بجهده الخاص، وليس من ورائه جمعية علمية تقوم بطبع الكتب، وكم أتمنى أن تشكل جمعية للتراث اليمني الشامل من شماله إلى جنوبه، ومن شرقيه إلى غربيه، ولو تم هذا الأمر لرأى العالم أي كنوز تحتويها اليمن، وأي علماء أبدعوا تلك الفنون.

قام الدكتور أيت بعزيز عبد النور في بحثه بالتعريف بمؤسّس هذه المكتبة الذي لم يكن عالمًا ورجل دين فقط، بل كان مصلحًا ومقاومًا ومدرّسًا ومربّيًا، ونسّاخًا ومؤلّفًا وجامعًا للمخطوطات، تعرّض للتّغريم والسّجن والإقامة الجبرية، وأُحرقت داره ومكتبته من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، بسبب مشاركته في ثورة الشيخ الحداد والمقراني (1871م)، وهذا بالفعل هو حال المصلحين في هذه الأمة.

وبعد أن عرف بهذا العالم المصلح المجاهد، تحدث عن محتوى الخزانة وتاريخها، وما لاقى هو ومكتبته من مصائب، ثم دخل في وصف إجمالي للمخطوطات، فعرض ما فيها عن الأدب والشعر واللغة والنحو والصّرف والفقه وعلم الكلام والعقائد وتفسير القرآن والتجويد والرسم والقراءات، والتصوّف والزّهد والأذكار والتنجيم والفلك، والخطب المنبرية وعلوم الحديث والبيوع والتاريخ والسير والأعلام والأنساب والمنطق، وصناعة الحبر وتسفير المخطوطات، والطب والمصاحف والحساب، والهندسة، والبيان، والبلاغة.

أي أنها احتوت على كل العلوم الإسلامية تقريبًا من خلال حوالي 580 مخطوطًا، وتنوّع علومها وفنونها (20 فنًا وعلمًا)، ثم ختم بحثه العلمي بخاتمة استخلص فيها نتائج بحثه.