ترجمة:ترحمة: حميد العواضي
وجه آخر مختلف لما يكتبه الغربيون عن اليمن في هذا العدد، بينهما من الفوارق ما بين الصبح المبين والليل المدلهم؛ وإذ مثل الأستاذ «بينوا» وضوح الصبح، مثل «فارتيما» ظلمة الليل، ويتضح ذلك من خلال كلمة المترجم في توصيف الرحلة، وانعكاس الرحلة في لوحات «يورغ برو»، والإقبال الأوروبي على الرحلة، وخيال الصورة ومجافاة الواقع.
ليس لي ما أضيفه هنا بعد أن استخرج الأستاذ الدكتور حميد العواضي (حميد التوضيح والتبيين) كل ما في الكتاب من أساطير، وسأنقل كلمة المترجم كلها هنا كاملة، لأنه ليس في الإمكان اختصارها لشدة ترابطها ووضوحها وقدرة دكتورنا الحميد على حسن العرض وعمقه. بحيث أن تأخذه كله، أو تدعه كله، فلا حيلة في أخذ بعضه.
وإذا كان لي أن أتحدت في هذه الافتتاحية عنه، فسأتحدث عما إذا كان لقائل أن يقول: ما لنا ولمثل هذه المقالات وهي تنضح كذبًا؟ فأقول إن ضرورة الاطلاع على الرديء قد يكون في مستوى الجيد، فالاطلاع على الرديء ضرورة لتفنيده، حتى لا يتسرب إلى النقي، فيختلط فيه، ثم إن أصوات المدح لا تجذب الحديث عنه، ولكننا بحاجة إلى أن نعرف ما يقال عنا من أصوات القدح، حتى نفرز الصحيح من الكذب، وهذا بالفعل ما قام به أستاذنا “العواضي”، فأحسن إلى التاريخ اليمني بما ينقله من صورتي المدح والقدح، لنكون بتاريخنا عالمين.
يقول الأستاذ الدكتور “الحميد”: «شكلت رحلة ليودفيكو دي فارتيما -الجندي الإيطالي المغامر- مصدر إلهام للأوروبيين عن الشرق في مطلع النهضة الأوروبية. وثَمّ إجماع بين المؤرخين أن سردية الرحلة تنطوي على كثير من التشويش وعدم الصدقية. ولم يعدُّها أحدٌ مصدرًا تاريخيًا موثوقًا به، وإن انطوت على تجربة إنسانية طريفة، تخللتها ثنائية الصدق والكذب، المعقول والمتخيل، الملموس والوهم، مع غلبه الشطر الثاني من هذه الثنائية.
وقد تُرجمت هذه الرحلة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تحت عنوان: «رحلة يونس المصري»، لأن «فارتيما» تَسَمى بيونس، وادعى الإسلام أثناء رحلته هذه. كما ترجم الزميل والصديق الدكتور عبد الغني الحاجبي نصه الخاص بتنقلاته في اليمن، وكشف ما اعتور روايته من خلل في السرد، وارتباك في الوصف، وضعف في المعلومة، وخيال لم يخلُ من سقم.
وتلقف الأوروبيون في حينها سردية فارتيما بشغف وولع، وتمت ترجمتها إلى جل اللغات الأوروبية، كما وقع رسم مشاهدها رسمًا اعتمد على الرواية المكتوبة والمترجمة.
وفي ما يخص رحلته في اليمن وقع الوقوف على أربع لوحات رسمها «يورغ برو» في ألمانيا، ونشرت آنذاك، وقد كان للدكتورة «ليلي فيلصن» فضل الوقوف عليها -مع كونها الآن متاحة على الشبكة- وصياغة هذه المادة عن اللوحات المرفقة بها.
وننشر المادة هنا من باب ربط الفن بالتاريخ، وتقدير الخيال بما له من علاقة بالواقع، مع التنبيه أن ما تمثله الصور هو انعكاس لما جاء في رواية فارتيما. وجِمَاع الأمر في أن الغرب قد تخيل الشرق بصورة عجيبة يجهلها الشرقيون، ولكنها صورة أخذت تتبلور في الذاكرة الغربية لصنع مزيد من الوهم في فهم هذا الشرق العجيب، وكما يشير إدوارد سعيد بما مؤداه أنها صورة الشرق كما يراها الغرب، لا كما يبدو عليه الشرق حقيقة تاريخية وواقعية».