في هذا العدد أبدأ بتقديم بحث العلامة المحقق الفاضل عبد الله السريحي، عن «علاء الدين خوارزم شاه.. صور من مغامراته وحروبه»، باعتباره امتدادًا لحزن الحاضر وإن اختلفت الصفات والأشكال، وباعتباره درسًا مفيدًا في استقراء وقائع التاريخ، وأخذ العبرة والاعتبار، وهذا البحث القيم يعرض لنا مجدًا وحدويًا قام به هذا السلطان، تدل على عبقرية فاتحة، ولكنه يرى خلف هذا الألق سوادًا كثيفًا، كان سببًا في سقوط إمبراطورية واسعة الأطراف، ما لبثت أن سقطت في مخالب الهزيمة وذل النفي.
مما يدل دلالة حاسمة أن القوة لا تؤسس، وأن الظلم لا يبني، وأن انتصار القوة وحدها يصيب قائدها بالغرور والكبرياء، فيلويان به ليًا، وفي هذا المقال تصديق لهذا، فالسلطان الفاتح مسه الغرور، وظن أن لا أحد قادر عليه، فتصرف مع رسل القائد جنكيز خان تصرفًا مغرورًا دفع بموجبه ضريبة فادحة.
كان جنكيز خان يهاب الاحتكاك به وبالعالم الإسلامي، فلما دفعه إلى قتاله تبين له ضعف حكم لا تحرسه العدالة -وإن تراءت أنها ذات قوة- وتمكن جنكيز خان من طي الإمبراطورية الخوارزمية طيًا، وأدرك بعد سقوط هذه الإمبراطورية بسهولة، أن الطريق إلى بغداد أصبح مفتوحًا على ما هو معروف.
في تمهيده للبحث قال الكاتب: «ابتلي العالم الإسلامي في بعض حقب التاريخ، بطغاة جلبوا على شعوبهم؛ بل على العالم الإسلامي، المصائب والنكبات، وكان من بين أسوأ هؤلاء الطغاة خوارزم شاه علاء الدين مُحَمَّد بن تِكش بن إِيلْ أرسلان بن آتْسِز بن مُحَمَّد بن أنوشتِكين (596-617هـ/ 1199-1220م)، أحد حكام الدولة الخوارزمية، في شرقي العالم الإسلامي؛ حيث نتج عن طمعه وتهوره وطيشه وسوء تقديره للعواقب؛ أن جلب على نفسه وعلى الأمة أكبر نكبة وكارثة مرّت بها في تاريخها القريب والبعيد، ممثلًا في الغزو المغولي (التتار) للبلاد الإسلامية، مطلع القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي».
وقد اعتمد الباحث على “ياقوت الحموي” (ت 626هـ/ 1229م) في معجمه الشهير: “معجم البلدان”، بذكر صور للفظائع التي ارتكبها خوارزم شاه في حق تلك البلاد، وقبل أن يستعرض تلك الفظائع، قدم صورة عن نشأة “الدولة الخوارزمية” ومغامرات “خوارزم شاه مُحَمَّد بن تِكش”، وعن قضائه على “الدولة الغورية” وقضائه على “دولة الخطا” (القرطائين)، ومحاولاته استهداف “الدولة العباسية”، ثم تحدث عن خوارزم شاه والمغول، وبعد أن تحدث الباحث المؤرخ عن هزيمته تحدث عن ملامح شخصيته، وعددها: الكِبر والغرور والبذخ الزائد والغدر والخديعة والاستبداد والتفرد، ثم أنهى بحثه بالحديث عن فظائع خوارزم شاه كما وصفها الحَمَوي.
خرجت من هذا البحث بأن الدولة الخوارزمية ليست وحدها من سار على هذا الخط؛ بل سبقتها كثير من الدول، وبالتحديد عندما تحولت الفتوح من فتوحات “رسالية” إلى فتوحات “ذرائعية”، وبالمقارنة بين فتوحات الإمارة الراشدة وفتوحات ما بعدها، يتبين الفرق بين “الرسائلية” و”الذرائعية”.
ولا يخالطني شك في أن أقول بأن الكاتب المؤرخ ببحثه هذا -وبقية بحوثه وتحقيقاته القيمة- يقدم لنا عبرًا متتابعة نقرأها لنستفيد منها في حاضرنا سواء أتوسعت الدول أم انكمشت، فما يجري اليوم في الساحات العربية هو انعكاس مصغر لعبث تلك الدول الكبرى.