قراءة جديدة لتفاصيل قديمة عن الثورة الدستورية

المقالة تسلط الضوء على محاضرة للأستاذ لطفي نعمان بعنوان “قراءة جديدة لتفاصيل قديمة”، حيث تناول وقائع التاريخ بلطف وتحليل منطقي. أكد المحاضر أن لكل طرف في الأحداث التاريخية ظروفه وحججه، مشددًا على أهمية التوازن بين الرضا والسخط في دراسة الماضي. ركز على دراسة الطبائع ودوافعها بعيدًا عن إصدار الأحكام، مؤكدًا أن المؤرخ يجب أن يكون نزيهًا في استكشاف الحقائق وعرضها، مع دعوة للاعتبار والتعلم من العبر التاريخية.

أصل الآن إلى ختام المحاضرات، وختامها لطفٌ ناعم، ألقاها «لطفي نعمان» بما عرف عنه من لطف، وكانت محاضرته تحت عنوان «قراءة جديدة لتفاصيل قديمة» والأستاذ لطفي فؤاد نعمان كاتب صحافي وباحث سياسي، ورئيس «منتدى النعمان الثقافي للشباب»، والانطباع الأول الذي خرجت به من قراءة محاضرته الممتازة أنه تناول وقائع التاريخ القاسية بلطفٍ كاسمه.

ويبدأ اللطف التاريخي بقوله مستشهداً بفقرة وردت في حوار «وراء الأسوار»، شخّصها الشهيد رجل الحوار الأستاذ محمد أحمد نعمان رحمه الله بقوله: «لقد كانوا طبيعيين في تصرفاتهم، متمشين مع منطقهم وتفكيرهم، منسجمين وعقلياتهم واعتقاداتهم، فأتوا ما أتوا من الأمر ولم يشذوا عن طبائعهم في شيء». فاعتمد محاضرنا الكريم على هذه المقولة التي أتفق معه فيها، وعلى ضوئها مضى في تحليل الحدث وانتهى إلى القول: «لعله من المفضل ألا تغفل عين الرضا عمّا تبديه عين السخط والعكس كذلك. وأن نتذكر أن لكل طرفٍ ظرفه ولكل خصمٍ حجته ولكل داعٍ بيانه الداعم لدعوته ولكل ثائرٍ موجب لثورته ومثير لسخطه وموجه لتحركه، فمثلاً: للإمام يحيى حجته ضد العثمانيين وإن بدت اضطراراً للالتزام بالقاعدة الزيدية: الخروج على الحاكم الظالم. وللإمام الدستوري حجته ضد الإمام يحيى اضطراراً للالتزام أيضاً بما سبق للإمام يحيى الاضطرار للالتزام به، علاوةً على المبادئ الدستورية والبيعة السابقة.. المتجددة.

وللإمام أحمد حجته ضد الإمام الدستوري اضطراراً للالتزام بما سبق سابقوه، متكئاً على البيعة السابقة له أيضاً، رافعاً قميص الإمام القتيل! بالتالي يكونوا جميعاً طبيعيين فيما اضطروا أن يذهبوا إليه، حتى انتهوا في ذمة التاريخ، مضيفين عِبرةً على العِبر، توجب الاعتبار، فهل من معتبر؟ ألا فليعتبر كل ذي لبٍ وعينين. ويرحم الله الجميع من معتبرين استثنائيين وغير معتبرين طبيعيين!»

لا أخالني أخالفه في أن كل واحد يعكس في أعماله عملاً صالحاً أو طالحاً، ماكراً أو مثالياً، فمن الطبيعي أن  كل إنسان ينضح بما فيه، حتى لو تستر خلف كلمات معسولة، أما أن تكون هذه الخليقة الطبيعية قد عملت سيئاً وأخرى عملت حسناً، فهذا بالضبط مجال المؤرخ المنصف ليستكشف ويكشف، ثم  يعرض ما استكشف وكشفَ بأمانة ونزاهة، وبدون أن يصدر حكماً، فدراسة هذه الطبائع جزء من دراسة التاريخ، والكشف عن طبيعتها هي نتيجة تلك الدراسة، وعليه فإن  معرفة دوافع تلك الطبائع، ومن ثم معرفة حسن فعالها أو سوؤها، أمر تقتضيه طبيعة التاريخ، والّا فسيكون موقف أيّ مؤرخ موقف علماء السلطة: «قتل سيدنا معاوية رضي الله عنه، سيدنا حجر بن عدي رضي الله عنه» ويقفل البحث على فاجعة.

وأنا على يقين أن صديقنا الكريم الباحث الموضوعي ليس من هذه النوع، فهو لا يبرر عمل قاتل، ولا يتجاهل دم مقتول قط، ولا يذهب هذا المذهب قط، ولكن لطفه الغامر قد يظهر هذا القول بهذا المظهر الملتبس، فعلينا أن نقرأه بأسلوبه، مع  أن للتاريخ مقالع قوية بها وحدها يستكشف الكنز المدفون، إن لم أقل له مخالب وأنياب تفري جسد الباطل، ولكن من دقّق ما في خلف الستار يدرك أن الأستاذ المحاضر يريد أن يقرر حقيقة – أتفق معه فيها تمام الاتفاق – وهي «لعله من المفضل ألا تغفل عين الرضا عمّا تبديه عين السخط والعكس كذلك» ومن خلال هذه الجملة تقرأ محاضرته بحفاوة.

وأتفق معه فيما ذهب اليه من «الأنة الأولى» وأضيف فقط أنها كانت إلى جانب ما ذكره السيد المحاضر ترى الحل من خلال «ولي العهد»، وتلك وجهة نظر رآها الأستاذ النعمان ومن بعده الزبيري وحملها زمناً، وليس من اعتراض على ما حمل؛ لأن هدفه كان إصلاح الوضع، كما كان غيره يهدف إلى التصحيح عبر طريق آخر، فالمؤرخ لا يُحاسِب على النوايا المستورة، ولكنه يُفتش على ما وقعت يداه، وما وقعت عليه يداه في قضية العمل للدستور هو أن جميع أجنحة المعارضة كانت تهدف إلى الإصلاح أو التغيير، وكان لكل جناحٍ رؤيته، والخطأ والصواب وارد عند الجميع.

وأتفق معه – كما ذكرت ذلك في محاضرتي – أن بعض أركان الدولة الأقوياء الذين كانوا داخل الحكم، كانت لهم مبادرات مبكرة، وأنها قبل أن تتبلور إلى قرار مبكر تعتبر في إطار النصائح غير المعلنة – كما أسمّيها – أو «المنشورات غير العلنية» كما يسميها خلاصة اللطف «لطفي»، أما مَن كان السابق الأول فما يزال موضع بحث وبحاجة إلى تدقيق وتوثيق.