عبد الله يحيى السريحى

كتاب (نظم السلوك في الدخول إلى حضرة الملوك)

يُخلَّد الملوك بأعمالهم وكتبهم، وليس بسيوفهم، فالسيف لا يترك سوى آثار الدمار ورائحة الجثث المتعفنة، بينما القلم ينشر العلم وينفع الناس. سيظل الملك الأفضل حياً بفضل مؤلفاته وميتاً بسبب سيفه، ويعطينا كتابه فكرة عن تحول البساطة إلى فخامة، بل تأثرت بطقوس الإمبراطوريات، وهذا التحول ساهم في تفشي الطغيان والاستبداد، وأصبح التواضع والعدل استثناء في تاريخ المسلمين.

* قدم الأستاذ العلامة عبد الله السريحي نظم السلوك في الدخول إلى حضرة الملوك للملك الأفضل الغساني. والعلامة السريحي من العلماء المحققين الباحثين الذين يعملون في صمت عظيم لا يبتغون الشهرة ولا يسعون إليها، وإنما همه مرضاة الله والعمل الصالح، وله أبحاث تنويرية رائدة.

خرجت من قراءة مقاله هذا بظاهرة عجيبة وحقيقية، وهي أن الملوك والحكام يخلَّدون بكتبهم لا بسيوفهم، إذ إن السيف لا يترك إلا روائح الجثث المتعفنة، أما القلم فيقدم للناس ما ينفع، وسيظل الأفضل بكتبه حياً، وبسيفه ميتاً، وكتاب الملك  الأفضل هذا يعطينا فكرة واضحة كيف تحولت البساطة الإسلامية إلى فخفخة ملوكية  «لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة، بل هي منحولة عن طقوس ورسوم الإمبراطوريات السابقة على الإسلام وأبرزها الإمبراطورية الساسانية، ولا شك أن انتقال مثل هذه الطقوس الأعجمية الغريبة عن الإسلام وقيمه إلى التراث الإسلامي ونظام حكمه، قد ساعد في استفحال ظاهرة الطغيان والاستبداد التي ابتلي بها المسلمون، وساهم في ظهور عدد من الطغاة والمتجبرين على امتداد تاريخهم وبلدانهم، وصار التواضع والعدل استثناء».

وأتفق مع العلامة عبد الله يحيى السريحي فيما ذهب إليه تماماً، ومع ذلك يبقى لكتاب الأفضل والمؤلف وجود على مر الأيام يعتمد عليه المؤرخون، ثم إنه لولا هذا الكتاب لم نكن لنتعرف ‑ كشاهد من أهله ‑ على بلاط الرسوليين.

وهكذا يظل للملك العالم مكانة تفوق ما للملك السيّاف، الذي لم يترك وراءه إلا أخبار المعارك الحربية والمذابح الإنسانية. ونعرف أن هذا الملك من العلماء الكبار المتعدد المواهب، وبنظرة سريعة إلى كتبه الكثيرة نجده قد تناول موضوعات شتى، ولم يقتصر فيها على حقل واحد.