مقالات العدد السابق

مقالات المسار

يكشف مقال «شيخ الليل وإجلاء يهود صنعاء» للكاتب الشاعر إبراهيم بن محمد إسحاق، صورةً عن جانبٍ من الصراع بين علماء الزيدية حول بقاء اليهودِ في بيوتٍ مجاورةٍ لبيوت المسلمين، أو انتقالهم إلى حيٍ خاصٍ بهم، وذاك نتيجة تصرفاتٍ يهوديةٍ أزعجت جيرانهم، وخالفت القانون المعمول به، وقد شرح الكاتب تفاصيل تلك المشكلة بطريقةٍ محايدةٍ وبأسلوبٍ رصينٍ، وبعقليةٍ تعاملت مع تلك القضية تعاملها مع توازن الأدوية، على يد صيدليٍ ماهرٍ، يقدمها للمرضى علاجًا ناجعًا.
يعود بنا مدير التحرير إلى مقال بعنوان: "تفهم آراء المختلفين مع المشاكل الدينية" إلى نغمة التسامح؛ فينتقي نصوصًا ثلاثةً من كتاب الإمام العظيم يحيى بن حمزة، الذي لا يختلف في سعةِ علمه وفكره وعدله اثنان، وهي نصوصٌ تصب مباشرةً فيما تسعى إليه مجلة المسار، وما يسعى إليه علّامتنا من فتح باب التسامح المغلق، والحوار الموصد، وصبِّ الماء على التعصب الملتهب والملهِب، الحارق والمحرِق، عسى تُشفى الجراح، وتَبرأُ الأمراض.
يضعنا مقال الأستاذ الأديب محمد بن عبدالله شرف الدين، عن الأمير الشاعر أحمد بن محمد شرف الدين، أمام صورةِ فارسٍ شاعرٍ أكثر منه أميرٍا شاعرٍا، ففروسيته في ميادين النزال تطغى على صورته كأميرٍ في قصر مترف، وقد تعودنا على أن يكون الأمير الشاعر رومانسيًا حالمًا يتعشق الخيال ويهيم في ميادينه، ولكنّا نرى إلى جانب ذاك فارسًا قاتل بشجاعةٍ واستسلم بكرامةٍ، عاش فارسًا شهمًا، وشاعرًا غزليًا، وصوفيًا خاشعًا، طيلة حياته.
يسعى الكاتب من خلال هذا البحث إلى تقديم مراجعة جادة تصحح مسار التعامل مع الروايات، بعيداً عن الإفراط في تقديسها والتفريط الذي يدفع البعض إلى تجاهلها وكأنها لم تكن أو أن ليس لها أي قيمة معرفية بالمطلق. خصوصا وأن الأهواء والتعصب المذهبي قد جعل من الأحاديث مسرحاً للروايات المتصارعة، ومسرحاً للتكفير والتفسيق، ومسرحاً للوضع والاختلاق، حتى جعل بعض العلماء - لكثرة تناقض الروايات واضطرابها - ينأى بنفسه عن الأحاديث المروية عن النبي كلها أو بعضها أو أكثرها.
يتابع الكاتب البحث عن عقائد طائفة (الموحدين "الدروز" من أقوالهم ورواية خُصومهم)؛ لأنه يرى أن عمى التعصب قد أسدل ستاراً من البغضاء بين المسلمين، دفعتهم إلى أن يكفرون بعضهم بعضاً في ازدواجية تمثل انشقاقاً داخلياً، وانفصاماً نفسياً في ذهن المتعصبين، فهم يقفون مع الدولة الصهيونية ويرفضون من يحاربهم في تياه بليد نتيجة اختلاف مذهبي.
يتحدث عن جيلان وديلمان بعد ضعف الدولة الزيدية هناك، بسبب الخلاف المذهبي داخل الزيدية نفسها في تلك الفترة، فالخلافات بين الناصرية والقاسمية قد كانت سببًا من أسباب إذكاء الصراع، وإنهاك الدولة الزيدية المتهاوية. وهذا يساعداننا على تفهم أضرار الخلافات على وحدة أي كتلة كبيرة كانت أو صغيرة؛ داخل أي مذهب ومع المذاهب الأخرى.
وأخيرًا نختم هذا العدد ببعض وثائق الخارجية البريطانية لعام 1904م والتي ترصد أحداثا هامة من تاريخ الصراع بين القوى السياسية في اليمن، يمكن من خلالها استخلاص العبر وطبيعة توجه تلك الصراعات وكيف كان الاستعمار البريطاني والوجود التركي يديران شؤونهما ويتعاملان مع الحراك الشعبي اليمني. راجين العفو عن أي تقصير. ووعدًا علينا أن نظل على العهد سائرين.