وأصل أخيراً إلى القسم الثالث من أقسام هذا العدد، وهو عن الوثائق، وأبدأ بما جاء قبل عام من قيام الثورة الدستورية في الوثائق البريطانية أي لعام 1947م الموافق من 9 صفر 1366ه إلى 2 صفر عام 1367ه ولكنها لم تستقر على أخبار هذا العام بل كانت ترحل أحيانا إلى سنوات خوالي، فتسجل وقائعاً متقدمة من أعوام سابقة.
قام بترجمة هذه الوثائق، المرحوم الأستاذ الأديب الواسع الاطلاع «تيسير كاملة» الذي عرفته «مجلة المسار» من أبرز كُتَّابها، في أكثر من مقال، وهو ضليع في اللغتين العربية والإنكليزية، وحسبك ذكراً أنه ترجم قصيدة الشاعر البريطاني الكبير «شللي»[1] «ثورة الإسلام» التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية، كما ألف كتاباً شهيراً عن الأدب الإنكليزي. وإلى جانب اهتمامه بدراسة الشعر الإنكليزي اهتم بالجانب السياسي، فترجم رحمه الله كثيراً من الوثائق البريطانية والإيطالية عن اليمن والحجاز ونجد وفلسطين والبحرين، وبقي يكافح ويناضل رغم ما حلّ به من «مرض السرطان» وأوجاعه ومتاعبه، ومع ذلك لم يكف قلمه عن النشاط رغم كل تلك الأوجاع حتى انطفأ سراج حياته رحمه الله يوم السبت 16 جمادى الأخرة 1431ه/29 مايو 2010م. فجف القلم المبدع.
وقد سبق لـ «مجلة المسار» أن نشرت عدداً ممتازاً عن الثورة الدستورية ضم الوثائق البريطانية والامريكية باللغتين العربية والإنكليزية بترجمة المرحوم «تيسير كاملة»[2].
وفي هذا العدد ننشر ما جاء في هذه الوثائق البريطانية عن فترة الإعداد للثورة الدستورية قبل عام من قيامها، وقد قمت بسلّها منها من ضمن ما جاء فيها من أخبار ليس لها صلة بـ الثورة الدستورية في ذلك العام؛ لأن وثائق ذلك العام الكامل سوف تنشر عندما نصل إليها، علماً بأن مجلة المسار قد بدأت بنشر الوثائق البريطانية عن اليمن منذ عام 17-1318ه/1900م.
وأحب أن أُلفت النظر إلى أن ما جاء في هذه الوثائق من اتهامات تعرضت لسلوك بعض الأمراء الشخصية السياسية، تظل اتهامات لم تقم على توثيق، وكذلك اتهامات الرشوة لبعض السياسيين فإنها قامت على أساس كلمة: يقال، ولم تتعزز من مصدر أخر، ولولا الأمانة العلمية في ضرورة النقل كاملاً ودقيقاً لأضربت صفحاً عنها، وانتقاء الأخبار – كما هو ثابت – مرفوض في لغة العلم أيضاً ومجانب للأمانة التاريخية.
وقد ألحقت بعض الحواشي على النص توضيحاً لما رأيته غائماً أو ملتبساً، أو تصحيحاً لما رأيت فيه خطأ، كما صحّحت بعض الأسماء التي كانت تلتبس على المترجم رحمه الله نتيجة كتابتها بـ الحروف “الإنكليزية كـ تصحيح مدينة «اللهية» بـ : «اللحية»، وكـ مدينة «قعطبة» عندما تكتب «قاطبة» الخ
كما قمت بإدخال التقويم الهجري عند كلّ تاريخ ميلادي، لأني أعتقد أن الاكتفاء بالتاريخ الميلادي هو ابتعاد عن الهوية التاريخية؛ بل انسلاخ عنها، وقد اعتمدت على معرفة التاريخ المقارن في هذا العدد على برنامج Islami City، وكان معرفة اسم اليوم خير عون في ضبط التاريخ الميلادي؛ لأن اليوم في أي شهر لا يختلف وتاريخه لا يختلف، وهذا يقربني من فهم موقع التاريخ الهجري. وكما نعرف فثمة خلافات في حساب بداية الشهر القمري مما صعّب دقّة المجانسة بين التاريخين، وأعتقد أن هذا يعود إلى واضعي الحساب المقارن بالعربية قد اتبعوا مذاهبهم بسبب اختلافها في تنزيل منازل القمر التي عليه الاعتماد الكامل في التاريخ الهجري.
[1]. وُلد في16 الحجة 1206ه/4 أغسطس 1792 وتوفي في 19 شوال 1337ه/8 يوليو 1822م).
[2]. انظر مجلة المسار العدد العاشر الممتاز، صدر عام 1424ه/ 2003م.