مجموعة مشاركات

وثائق تاريخية عن ثورة الدستور

في إطار سعيها لاستكمال صورة المشهد تقدم «مجلة المسار» أربع وثائق تاريخية مهمة، لها علاقة مباشرة بالثورة الدستورية، سيساعد نشرها على الإحاطة بالصورة من مختلف جوانبها، وتلك الوثائق هي: نص الميثاق الوطني المقدس. الوثائق البريطانية. بلاغ رسمي عقب النصر. مأساة سقوط صنعاء

نص الميثاق الوطني المقدس

يتبار إلى الذهن أثناء حديث الكتاب عن نص الميثاق الوطني المقدس ما هو وأين هو، ليتمكن المؤرخون والدارسون والمتَتَبعون للأحداث من النظر فيه كما هو دون توجيه واجتزاء.

وها نحن ننشر نصه هنا كما جاء في (كتاب رياح التغيير) لأستاذنا «أحمد محمد الشامي» رحمه الله وهو الذي كتبه بخطه بعد إقراره وتداول القيادات فيه، وقد نبّه عقب ذكره على ما طرأ على ملحقه المتضمن أسماء أعضاء الحكومة ومستشاريها من تغييرات في الأسماء والمناصب، وليس في نص الميثاق نفسه.

آملين أن ينال مزيداً من الدراسة والتحليل، فهو نص ميثاقي يعبر عن نفسه ويعكس – أكثر من أي شيء آخر – مستوى وتوجه تفكير القائمين عليه.

الوثائق البريطانية

وأصل أخيراً إلى القسم الثالث من أقسام هذا العدد، وهو عن الوثائق، وأبدأ بما جاء قبل عام من قيام الثورة الدستورية في الوثائق البريطانية أي لعام 1947م الموافق من 9 صفر 1366ه إلى 2 صفر عام 1367ه ولكنها لم تستقر على أخبار هذا العام بل كانت ترحل أحيانا إلى سنوات خوالي، فتسجل وقائعاً متقدمة من أعوام سابقة.

قام بترجمة هذه الوثائق، المرحوم الأستاذ الأديب الواسع الاطلاع «تيسير كاملة» الذي عرفته «مجلة المسار» من أبرز كُتَّابها، في أكثر من مقال، وهو ضليع في اللغتين العربية والإنكليزية، وحسبك ذكراً أنه ترجم قصيدة الشاعر البريطاني الكبير «شللي»[1] «ثورة الإسلام» التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية، كما ألف كتاباً شهيراً عن الأدب الإنكليزي. وإلى جانب اهتمامه بدراسة الشعر الإنكليزي اهتم بالجانب السياسي، فترجم رحمه الله كثيراً من الوثائق البريطانية والإيطالية عن اليمن والحجاز ونجد وفلسطين والبحرين، وبقي يكافح ويناضل رغم ما حلّ به من «مرض السرطان» وأوجاعه ومتاعبه، ومع ذلك لم يكف قلمه عن النشاط رغم كل تلك الأوجاع حتى انطفأ سراج حياته رحمه الله يوم السبت 16 جمادى الأخرة 1431ه/29 مايو 2010م. فجف القلم المبدع.

وقد سبق لـ «مجلة المسار» أن نشرت عدداً ممتازاً عن الثورة الدستورية ضم الوثائق البريطانية والامريكية باللغتين العربية والإنكليزية بترجمة المرحوم «تيسير كاملة»[2].

وفي هذا العدد ننشر ما جاء في هذه الوثائق البريطانية عن فترة الإعداد للثورة الدستورية قبل عام من قيامها، وقد قمت بسلّها منها من ضمن ما جاء فيها من أخبار ليس لها صلة بـ الثورة الدستورية في ذلك العام؛ لأن وثائق ذلك العام الكامل سوف تنشر عندما نصل إليها، علماً بأن مجلة المسار قد بدأت بنشر الوثائق البريطانية عن اليمن منذ عام 17-1318ه/1900م.

وأحب أن أُلفت النظر إلى أن ما جاء في هذه الوثائق من اتهامات تعرضت لسلوك بعض الأمراء الشخصية السياسية، تظل اتهامات لم تقم على توثيق، وكذلك اتهامات الرشوة لبعض السياسيين فإنها قامت على أساس كلمة: يقال، ولم تتعزز من مصدر أخر، ولولا الأمانة العلمية في ضرورة النقل كاملاً ودقيقاً لأضربت صفحاً عنها، وانتقاء الأخبار – كما هو ثابت – مرفوض في لغة العلم أيضاً ومجانب للأمانة التاريخية.

وقد ألحقت بعض الحواشي على النص توضيحاً لما رأيته غائماً أو ملتبساً، أو تصحيحاً لما رأيت فيه خطأ، كما صحّحت بعض الأسماء التي كانت تلتبس على المترجم رحمه الله نتيجة كتابتها بـ الحروف “الإنكليزية كـ تصحيح مدينة «اللهية» بـ : «اللحية»، وكـ مدينة «قعطبة» عندما تكتب «قاطبة» الخ

كما قمت بإدخال التقويم الهجري عند كلّ تاريخ ميلادي، لأني أعتقد أن الاكتفاء بالتاريخ الميلادي هو ابتعاد عن الهوية التاريخية؛ بل انسلاخ عنها، وقد اعتمدت على معرفة التاريخ المقارن في هذا العدد على برنامج Islami City، وكان معرفة اسم اليوم خير عون في ضبط التاريخ الميلادي؛ لأن اليوم في أي شهر لا يختلف وتاريخه لا يختلف، وهذا يقربني من فهم موقع التاريخ الهجري. وكما نعرف فثمة خلافات في حساب بداية الشهر القمري مما صعّب دقّة المجانسة بين التاريخين، وأعتقد أن هذا يعود إلى واضعي الحساب المقارن بالعربية قد اتبعوا مذاهبهم بسبب اختلافها في تنزيل منازل القمر التي عليه الاعتماد الكامل في التاريخ الهجري.

البلاغ الرسمي عقب انتصار الإمام أحمد

من أهداف «مركز التراث والبحوث اليمني» هو تحقيق الرؤية من زوايا مختلفة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد قدّمنا رأي المعارضة الدستورية تقريباً، وبقي علينا أن نعرض رأي الجانب المضاد «أي رأي الحكومة المتوكلية»، وقد اخترنا نشر «البلاغ الرسمي» الذي أصدرته هيئة التحقيق التي شكّلتها الحكومة المتوكلية،  وذلك من أجل أن يعطينا فكرة عن وجهة نظرها، لقراءة حجة الطرفين، وبذلك يكون المركز قد عرض وجهتي النظر المختلفين.. وإذا كان الدستوريون قد قدّموا أهدافهم ووجهة نظرهم في نظام الحكم من خلال «الميثاق الوطني المقدس» فإن الحكومة المتوكلية لم تقدم في «البلاغ الرسمي» وجهة نظرها في طبيعة الحكم الذي مارستها أو ستمارسه، ولكنه قدم وصفاً شاتماً لما حدث من الاغتيال، وهو على كلّ حال يكشف جانباً من تصور الدولة المنتصرة.

وكم كنت أتمنى أن يعلق عليه غيري، وما يزال الباب مفتوحاً؛ لأني أنتمي إلى وجهة نظر “الدستوريين” مما قد يبعدني عن الحيادية، ولكني على يقين من صحة الوقائع التي أوردتها، مما لا يجوز أن يكون عليها خلاف، أما الرأي فإن الخلاف وارد على كل حال.  ولكن ذلك لا يمنعني من التعليق عليه؛ لأني فعلاً أسعى مخلصاً إلى فهم الوقائع وتجليسها على حقيقتها، والإعلان الرسمي يعكس وجهة نظر الحكومة المنتصرة، وفي رأيي أن الإعلان الرسمي لم يقترب من التهم الموجهة إلى حكومة الإمام يحيى ولا إلى نظامه، وإنما ركز علي الاغتيال ليثير مشاعر الناس بدون أن يتعرض لتهمة واحدة للنظام، أو يذكر الميثاق المقدس بحرف، ثم إن من يقرأ «البلاغ الرسمي» فسيقرأ فيه انفعالاً ممضّاً وتوتراً سائلاً، وكمية من الشتائم والسباب، تعكس نفسية عاجزة عن الدفاع عن صلاحية الحكم ومقارعة الحجة بالحجة.

على أن أهم ما في البلاغ الرسمي هو أنه قدّم – ولو بصيغة مملؤة بالشتائم – رجال الثورة الحقيقيين والمهمّين الذي قاموا بتفجير الثورة الدستورية.

نص يؤرخ جانباً من الأحداث عقب سقوط الثورة

وفي أطار هذه الوثائق سنأتي بنصٍ يتحدث عما أعقب سقوط الثورة الدستورية مباشرة، وكما يلاحظ القارئ أننا بدأنا بنص مرحلة ما قبل  قيام الثورة، ثم ثنّينا بالحديث عن مقتل الإمام يحيى من وجهة النظر الرسمية المعادية، ولكي تكتمل الصورة فقد ثلَّثنا بنصٍ يوضح ما حدث بعد سقوط الثورة الدستورية، وهو نص كتبه عالم مشارك فيها، ومتحمل عذابها ومعاناتها، وكان مع  زعماء الثورة وهم يقادون بالسلاسل والأغلال إلى معتقلات حجة، ليلقى البعض ربه مضمّخاً بدم شهادته، وليبق في السجن من بقي منهم يعاني ثقل الحديد والخوف، وانتظار الموت علي يد سيف قاتل، أو بفعل وباء سجنٍ قذر، أو على أمل إطلاق.

وبهذا النص نصل الى خاتمة المطاف لهذا العدد الممتاز.

[1]. وُلد في16 الحجة 1206ه/4 أغسطس 1792 وتوفي في 19 شوال 1337ه/8 يوليو 1822م).

[2]. انظر مجلة المسار العدد العاشر الممتاز، صدر عام 1424ه/ 2003م.