تلك مقدمة موجزة أفرشها أمام مقال البروفيسور الدكتور «بركات محمد مراد»، أستاذ الفلسفة الإسلامية، في «الحوار منهج التواصل الإنساني»، الذي طاف بنا معه في أودية تتكسر فيها الأجنحة، ليسهم بجهد العلامة المطلع على العوائق التي حالت وتحول دون حوار إنساني جديد، يلغي نار العنصرية وطينة التعصب، وليس أمام الإنسانية كلها من ملاذ إلا عبر الحوار النقي لإطفاء نار العنصرية، وتنقية طينة التعصب من أوحاله وجراثيمه.
ويوضح البروفيسور الوقور: «إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين الأطراف، واحترام كلِّ جانبٍ لوجهة نظر الجانب الآخر. وبهذا المعنى فإنَّ الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترام الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به. وليس الهدف من الحوار مجرد فكِّ الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر، وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر في ما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تُشكِّل الأساس المتين للتعاون البنَّاء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يُعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.
ولا جدال في أنَّ الحوار قد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحاً من أيِّ وقتٍ مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر، وليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة. وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لاتزال تُفضِّل شريعة الغاب بدلاً من اللجوء إلى الحوار، فإنَّ على المجتمع الدولي أن يُصحِّح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانية والحضارية، إلى صوابها، حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل مع الحوار. فليس هناك من سبيلٍ إلى حلٍّ المشكلات وتجنُّب النزاعات إلَّا من خلال الحوار».
ثم توسع البروفيسور في الحديث عما للتعارف من الأهمية البالغة في النسيج الإنساني، وأن القرآن الكريم أمر به، وحث عليه وأوجبه، ثم شرح ضرورة الحوار، في إقامة العلاقات الإنسانية الحميدة، ثم تحدث عن علاقته بالحضارة والثقافة، وبحوار الحضارات، كما توسع في الحديث عن الحضارة الإسلامية وانفتاحها على الحضارات الأخرى، والتعددية الموجودة فيها، وأفرد عنواناً للحديث عن الإسلام والتسامح، وموقف الحضارات الأخرى من الآخر، وموقف الإسلام من الآخر، وعن «صحيفة المدينة» أو دستور المدينة، التي تعتبر أول ميثاق للتعايش في الاجتماع الإسلامي بين مختلف الأديان.