وفي هذا العدد، نولي شطر الجزائر الشقيقة، ومن نافذة الدكتور «عبد النور أيت بعزيز»، نطل على مروجها العلمية الخضراء، وقلاعها الحصينة، فنلج بصحبته قلعة علم، لنرى فيها «أعلام الفكر والأدب في قلعة بني حماد»، حيث «تزخر الجزائر بالعديد من المدن والحواضر التي كانت منارات يشع منها العلم، وعواصم لدول إسلامية كثيرة، كالدولة الرستمية والفاطمية والحمادية».
مهّد الدكتور لبحثه هذا بمقدمة شرح فيها مشقة البحث في موضوعه. ومن أهم الصعاب التي واجهها متابعة تشتيت الحروب الداخلية لرجال العلم والفكر والأدب «إلى الهجرة من مدينة القلعة نحو مدينة بجاية بالخصوص، وإلى عدد من المدن والبلدات الجزائرية الأخرى، وإلى الأقطار العربية كالمغرب الأقصى وتونس ومصر والحجاز والشام والعراق».
ويؤكد الدكتور أن القلعة «أصبحت قبلة للعلماء والأدباء وطلبة العلم.. وارتحل إليها طلاب العلم وهواة الفن والتجارة من الثغور والبلاد القاصية، واستوطنها أرباب الصنائع والحرف، فكانت الرحال تشد إليها من مصر والشام والحجاز والعراق وسائر بلاد المغرب.. يُعملون عقولهم في ميدان التعليم والتدريس والكتابة والتأليف».
وتحدث عن شعرائها وعلمائها وتراثهم حديثاً يعطينا صورة مجسمة لما كان يجري في تلك القلعة العلمية، وهي تشبه في نظري ما كان عليه حصن ذي مرمر اليمني، وبالذات عهد الأمير العلامة علي بن الإمام شرف الدين (ت978هـ/1570م)، وبمعرفتنا برجال قلعة بني حماد ورجال حصن ذي مرمر يبدو التلاقي العلمي بين الجزائر واليمن متماثلاً.
إن الصفحات الجزائرية التي يوالي أبحاثها الدكتور عبدالنور أيت بعزيز، في «مجلة المسار»، تزيد من تعميق أواصر الروح الجزائرية -اليمنية، بفضل قلمه ومعلوماته، وكما هو معروف فإن اليمن تكن للجزائر مكانة خاصة في هذا العصر بفضل ثلاثة رجال هم الثعالبي (ت13 شوال 1363هـ/1 أكتوبر 1944م) و(الورتلاني (ت2 رمضان 1378هـ/12 مارس 1959م) ومالك بن نبي (ت4 شوال 1393هـ/31 أكتوبر 1373م)، ويضاف إلى هؤلاء الفرسان الثلاثة، دكتورنا الوقور عبدالنور أيت بعزيز، طول الله عمره، فهو بفضل مقالاته، سيظل التواصل عبر المسار مفيداً غدقاً خصباً للشقيقتين، فأهلاً به وبعلمه في يمنه.