افتتاحية العدد الرابع والستين

رئيس التحرير

يتميز هذا الشهر الكريم المبارك بخصائص روحية ومعنوية ثلاث: فهذا الشهر الذي نزل فيه {القرآن الكريم} على “رسول الله”، وهو الشهر الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بـ”ليلة القدر”، وهو الذي وقعت فيه معركة “بدر الكبرى” التي انتصر فيها الإسلام وترسخت قواعده، وسرت فيه أنوار رب العالمين إلى العالمين، ولولا تلك المعركة- المعجزة لما بقيت عصابة من “أهل الإسلام” تعبد في الأرض كما قال صلى الله عليه وآله.

وقد وحد رسول الله المسلمين توحيدًا كاملًا كخطوة أولى في سبيل توحيد العالم في باقة أخوية تسعد العالم، ولكن حدث أن عمل أعداؤه من الداخل والخارج لتفكيكه، وتمكنوا بالفعل من تفكيكه سياسيًا، ولكنهم عجزوا تمامًا عن تفكيك وحدته الأخوية التي بقيت صامدة أمام كل مكر وخداع، على الرغم مما بذلوه من مكر وخداع وتضليل، ومازال المسلمون يحققون وحدتهم كل يوم خمس مرات عندما ترتفع تهاليل الأذان في كل في صلاتهم، ويحققونها في أعيادهم فيبتهلون بدعاء واحد متعدد الألسنة، ويحتفلون كل عام بشهر واحد يصومون فيه جميعًا، وفي كل عام بلقاء واسع في عرفات، وفي كل ذلك تتوحد ألسنتهم ومشاعرهم في لقاء رائع.

وبهذه المناسبة المتميزة يسعد أعضاء مركز التراث والبحوث اليمني، أن يتقدموا بالتمنيات الطيبات إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، بهذه الوحدة الروحية الرائعة والمذهلة، راجين من المولى عز وجل أن يعضد مساعي الاتحاديين العاملين على إعادة اتحادهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لينجوا من مكر الماكرين، وليستفيدوا من عطاء ربهم، مما أنبتت الأرض ومما تحييه السماء وما ادخرته بحارهم وترابهم من ينابيع الخير، راجين من المولى عز وجل أن يجعله فاتحة خير لهم وسلامًا وأمنًا وإخاء وتعاطفًا ومحبة وتلاحمًا في مواجهة أعدائهم وانتصارًا للمظلومين على من ظلمهم.

وإذ تحتفل “المسار” بهذا الشهر، فإن أعضاء مركز التراث والبحوث اليمني ليتذكرون بحزن بالغ خسارة اليمن العلمية بوفاة عالمين كبيرين، هما الأستاذ البروفيسور الدكتور “سيد مصطفى سالم”، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس وجامعة صنعاء، والأستاذ الدكتور “يوسف عبد الله”، عالم الآثار اليمنية، أستاذ الآثار اليمني في جامعة صنعاء.

ولد سيد مصطفى في 8 شوال 1354/ 3 يناير 1936، وتخرج في آداب القاهرة قسم التاريخ، ونال درجة الماجستير بكتابه «تكوين اليمن الحديث»، والدكتوراه بكتابه «الحكم العثماني الأول لليمن»، ثم أعارته جامعة عين شمس -التي كان يعمل بها أستاذًا- مدرسًا في اليمن، في 19 شعبان 1391هـ/ 10 أكتوبر 1971، ومن ثم بقي في اليمن أكثر من 40 عامًا، نال في خلالها الجنسية اليمنية لخدماته التأريخية الرصينة، وكان له دور كبير في الإشراف على الرسائل العلمية التي أبلغت أكثر من 50 رسالة. كما أن له العديد من الدراسات والأبحاث التي نُشرت في مجلات يمنية وعربية ودولية.‎ وخلف وراءه 9 كتب هي: 1-تكوين اليمن الحديث. 2- الفتح العثماني الأول لليمن. 3- المؤرخون اليمنيون في العهد العثماني الأول. 4- مجلة الحكمة اليمنية. 5- نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر. 6- العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن، إبان الحكم التركي (مترجم). 7- وثائق يمنية -دراسة وثائقية تاريخية- نشر وتعليق. 8- البريد الأدبي اليمني، حلقة مفقودة من حركة التنوير في اليمن (دراسة ونصوص). 9- مراحل العلاقات اليمنية السعودية. وبعد جهاد علمي موصول ارتقى إلى ربه، في 19 جمادى الأولى 1442هـ/ 3 يناير 2021 في القاهرة، راضيًا مرضيًا.

وما لبث أن لحق به أحد علمائها الكبار المتخصصين بتاريخ اليمن قبل الإسلام، وهو الأستاذ الدكتور “يوسف محمد عبد الله” الذي رحل إلى ربه مخلفًا وراءه تراثًا تاريخياً أنار به عتمات من التاريخ عبر استنطاق اللسان الحميري، متوسعًا في الكشف عن حضارة مخبوءة تحت الأطلال.

ولد البروفيسور الدكتور يوسف محمد، في محرم 1353هـ/ مايو 1934، ودرس في إحدى مدارس محافظة تعز دراسته الأولى، ثم أخذ الثانوية في إحدى مدارس عدن، وفي لبنان حصل على البكالوريوس، ثم الماجستير عام 39-1340هـ/ 1970، وبمساعدة الدكتور المرحوم محمود الغول، أستاذ في الجامعة الأمريكية، نال درجة الدكتوراه من جامعو “توبنغن”، عام 1394هـ/ 1975، وفي 1400هـ/ 1980، حصل بمساعدة منها على شهادة مؤسسة “الكسندرفون هومبولت” الألمانية في البحث العلمي لما بعد الدكتوراه. ومن أهم كتبه “المعجم السبئي” الذي تعاون في تأليفه مع أستاذه ميلر. وكتابه الآخر “أوراق في تاريخ اليمن وآثاره”. وقد أسس كثيرًا من المراكز الباحثة عن التراث، وله العديد من المقالات والأبحاث، وقد ظل يواصل أعماله رغم أمراضه حتى أتاه اليقين في القاهرة، فصعد إلى ربه راضيًا، في 22 شعبان 1442هـ/ 5 أبريل 2021.

على اليمن للبروفيسورين دين يجب أن يسدد، وفاءً لما قدما لها من ريادة تاريخية في رسم طريقة جديدة للكتابة التاريخية، والكشف عن بداية رائدة لحضارة عظيمة مدفونة. وليست هذه الكلمة إلا دمعة رثاء لفارسين ترجلا ذات يومين حزينين.

❶ وثبة الهيصم بن عبد الحميد اليماني

تستهل مجلة “المسار” عددها الرابع والستين، بمقال يبحث عن مواقع تاريخية مجهولة إلا من آثار متفرقة بعضها ظاهر للعيان، وبعضها مطوي في الزمان، كأنهن آثار يظهر بعضها، ويختفي بعضها على نحو ما وصف “آثار أسوان” شاعر الإسلام الكبير “أحمد شوقي”:

قف بتلك القصور في اليم غرقى * ممسكًا بعضها من الذعر بعضا

كعذارى أخفين في الماء بضًّا * سابحاتٍ به وأبدين بضا

ومن يتتبع تاريخ اليمن منذ فجر الإسلام وحتى الآن، يجد أحداثًا مخفية وشخصيات كانت لها وقائع وأيام تجاوز ذكرها المؤرخون، إلا من خبر عابر، كوثبة الزعيم الخارجي: عباد الرعيني، في العهد الأموي، وآثارًا متقطعةً في أماكن مختلفة، بحاجة إلى تجميعها كلها أو معظمها حتى تستوي حدثًا كاملًا أو شبه كامل، ولذلك فإنه من المؤكد أن أي تاريخ لا تكتمل فصوله -بما فيه التاريخ اليمني- ما لم يتم توضيح أحداثٍ تجاهل المؤرخون تفاصيلها، فظلت في الزوايا المعتمة في انتظار من يستخرجها، ويزيح عنها ما راكمته الأعوام الطوال من أتربة ثقيلة، وتحتاج جهد معاناة المنقب عن الآثار التي توارت في السنين.

وقل كذلك عن: وثبة الهيصم بن عبد الصمد، وحركة إبراهيم بن أبي جعفر المناخي، وزعامة السلطان الدّعام بن إبراهيم، وعن الحواليين وبني طريف وبني الضحاك، والكثير الكثير من الزعامات اليمنية المهملة والمغيبة، والتي لن يكتمل تاريخ اليمن إلا بإخراجها من الظلمات إلى النور. ولهذا فأنا أدعو كل المؤرخين اليمنيين إلى أن يلتفتوا إلى تلك الزوايا، فسيجدون فيها كنوزًا مدفونة، لا يجب أن تظل حبيسة التراب.

❷ الشيخوخة ودوام الشباب بين الحقائق والخرافات

آتي إلى مقال ممتع ومفيد للأستاذ البروفيسور بركات محمد مراد، أستاذ الفلسفة الإسلامية، قسم الفلسفة والاجتماع، عن «الشيخوخة ودوام الشباب بين الحقائق والخرافات»، وهو موضوع لا يقدر عليه إلا من أعطي بسطة من عقل راجح وفكر خلّاق، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة عالجها علماء نفس وفلاسفة وشعراء وأدباء، استعرضها الأستاذ البروفيسور، وعالج تعقيداتها معالجة خبير بها عليم بأضرارها ومنافعها، قدمه في وصفة بالغة النفع من خلال المواضيع التي طرحها: حقيقة الشيخوخة وينابيع الشباب، والعلاقة بين العمر وطبيعة العمل، وأسباب الشيخوخة المبكرة والمتأخرة. وذكر «أن الأبحاث عن الشيخوخة ورعاية المسنين في الدول المتقدمة قد صارت علمًا خاصًا بها Geriatric Care يتطور باستمرار تبعًا لحاجات المسنين المتزايدة والرعاية التي تقدم لهم باضطراد”، وأن الآثار النفسية والعقلية لها دور في تهديم الجسد، لكن التقدم العلمي والطبي في العقود الأخيرة، في علاج كثير من الأمراض الخطيرة، والتي كانت تودي بحياة كثير من الناس في وقت مبكر من الحياة، وأصبحت الكشوف الطبية الآن غير مسبوقة، وتنبئ بثورة في عالمي العلاج والوقاية من كثير من الأمراض التي كان يعتقد أنه لا علاج لها، مما ساعد على إطالة عمر البشر عامة، وإطالة متوسطات هذا العمر في الدول المتقدمة، والتي تقوم بتقديم كل الخدمات الصحية والطبية اللازمة للإنسان، بحيث صارت مرحلة الكهولة والشيخوخة في هذه الدول تمثل عبئًا اقتصاديًا، من حيث إن أصحاب هذه المرحلة قد صاروا غير منتجين؛ بل صاروا يتلقون كل الرعاية والعناية، بل الرفاهية اللازمة».

وبعد الشيخوخة تحدث البروفيسور بركات عن «ينبوع الشباب، الذي يبطئ عملية الشيخوخة، فقد تمثل في تقييد السعرات الحرارية أو الحد منها، ولا شيء يعبّر عن هذا التقييد أفضل من الصوم. وقد لوحظ أن الحيوانات الأكثر تعميرًا هي التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ مولدها، وهو ما أثبتته التجارب في المعامل العلمية. ولقد دُرس الصوم في الإطار الطبي، وتبين أنه يطلق آليتين بارزتين داخل أجسامنا، أولاهما: اللجوء إلى التغذية الداخلية اعتمادًا على الاحتياطي الذي يصل إلى 40-45% من وزن الجسم. وثانيتهما: زيادة إطراح السموم، إذ يتخلص الجسم من تراكمات الفضلات والسموم في الأنسجة المريضة. وطبيعي أن يلحق بهاتين الآليتين عنصر الراحة الفيزيولوجية التي ينالها الجهاز الهضمي وملحقات سائر الأجهزة والغدد بدرجة أو أخرى، ونتيجة لذلك كله يتاح لعضوية الجسد العثور على فرصة للتجدد، فتعود الوظائف بعد فترة الراحة أنشط، ويصير الدم أصفى وأغنى بكريات الدم، وأكثر شبابًا. ولقد أشارت تجارب اثنين من علماء الفيزيولوجيا بجامعة شيكاغو، وهما الدكتوران “كارلسون” و”كوند” إلى ما يدعم حدوث التجدد، أي تأخير الشيخوخة أو تأجيل تفاقم مظاهرها، إذ تبين أن الصوم لمدة أسبوعين يكفي لتجديد أنسجة إنسان في الأربعين، بحيث تبدو مماثلة لأنسجة شاب في السابعة عشرة من عمره، وهذا ما يسمى الصوم الطبي، ويعتبر صوم رمضان الأقرب إلى هذا الصوم الطبي؛ بل يتفوق عليه في بعض الجوانب». ثم تحدث عن العلاقة بين العمر والعمل: حيث أكد أنه لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين نوع العمل والعمر؛ نفعًا وضرًا، وضرب لذلك الأمثال.

وباختصار أدعو القارئ الكريم ليجول مع الأستاذ الدكتور في مجال رحيب فيه ما ينفع الناس، ويسر العقل، ويروي الظمآن.

❸ معجم مصطلحات كوفيد-19: دراسة في المنهج والبناء

يقدم الدكتور حميد العواضي، أستاذ اللسانيات والترجمة، جامعة صنعاء -اليمن، وأستاذ اللسانيات والدراسات الثقافية، جامعة بوينت بارك الأمريكية، بحثه عن «معجم مصطلحات كوفيد-19: دراسة في المنهج والبناء». وكعادة الدكتور (الحميد)، فإن أبحاثه أبحاث عالم وقور، وفي ظل ظروف يحتاجها الناس للخروج من عماية لغوية، أو جائحة مرضية، وهو في ما كتب عليم خبير.

لخص بحثه بقوله: «مع ظهور كوفيد-19 بوصفه جائحة، تأثرت قطاعات صحية وتعليمية وخدمية واجتماعية وثقافية كثيرة، بما ترتب على هذا الظهور من إجراءات، وما صاحب هذه الجائحة من المخاطر والقيود. وكان المترجمون في الصف اللغوي الأول وهم يتلقون جملة المصطلحات، قبل أن تستتب تعريفاتها، ويقترحون ترجمتها إلى لغات عدة حول العالم. وهكذا نفهم أن ما يربط هذه الجائحة بالخدمات اللغوية والإرشادية، كان أساسه، في جل اللغات، عمل المترجمين واختصاصيي المصطلحات. ولأن هذه الدراسة ليست عرضًا بالمفهوم التقليدي، وإنما هي، من ناحية، بحث وتحليل هدفه التعريف بالقضية الاصطلاحية، ومحاولة لفهم تنوع طرق المعالجة، ترجمةً وتوليدًا واقتراضًا. ومن ناحية أخرى، إطلالة على وسائل التعريف صياغةً وإفادةً، من خلال نموذجها المدروس هنا “معجم مصطلحات كوفيد-19».

وختام الدراسة ملاحظات عامة ومقترحات تسهم في تطوير وتجويد إمكانية إخراج عمل معجمي يلبي الاحتياج إلى التوحيد والإفادة والشمول.

ثم تحدث عن «معجم مصطلحات كوفيد-19» وما له من أهمية خاصة من عدة وجوه فصلها في مقاله. ثم تحدث عن المصطلح وتجديد المصطلحات من أهم القضايا التي في الواقع تصوغ المجتمع على مثالها، وكانت الخطوة الثالثة هي عن الترجمة، وقسمها إلى: أ. الترجمة اللصيقة، وإلى ب. الترجمة بتصرف، وإلى ج. الترجمة المتعثرة. وواصل أبحاثه عن التوليد، وعن الاقتراض، وعن إضافات إلى المعجم. ثم بحث عن الجذاذات، وقائمة مع التعريفات، وأشتات وأشتات مجموعة، وأخيرًا: ملاحظات ختامية.

والحق أن وراء كل عنوان طرحه حديثًا ممتعًا ومفيدًا، وأنا على ثقة أن قراءه سيظفرون بمعلومات ترتقي بالمعرفة اللسانية إلى مكان رفيع.

❹ السحر والاتصال بالجن.. إشاعات ونصوص

وأنتقل الآن إلى موضوع مغرٍ لمعرفته، تناوله الدكتور عبد الله القيسي، بعنوان «السحر والاتصال بالجن.. إشاعات ونصوص»، والأستاذ “القيسي” مهتم بقضايا التجديد في الفكر الإسلامي. وفي بحثه هذا فتح بابًا يطل على عالم غامض لا تلمسه يد، ولا تنظره عين، ومع ذلك فهو ملء الأخيلة والتخيل؛ يتماوج في الذهن صورًا مرعبة حينًا، مريحة حينًا آخر، مشاغبة طورًا ثالثًا، مخادعة طورًا رابعًا؛ فجاء بحث الدكتور ليطرد من الذهنية كل تلك الأشباح المهوّمة والأوهام المتشكلة ضمن حديث عقل يتكلم لا وساوس تهمهم.

قدم الدكتور بحثه بمقدمة قال فيها: «لا بعض الناس يزال يعتقدون – عند إصابتهم بمرض نفسي – أن ذلك ناتج عن تأثير سحر دسه عليه عدو يسعى لتدمير حياته، على الرغم من أن تقدم العلم والتعمق في دراسة الظواهر قد كشف كثيرًا من الأسباب الحقيقية لمختلف أنواع الحالات النفسية والاضطرابات العقلية، وأصبحت معروفة لدى المختصين في هذا المجال، ولكن بعض البسطاء لايزالون متمسكين بتفسيرات خرافية، يبذلون جهدًا ووقتًا ومالًا في السعي وراءها، وهذه ليست المشكلة فقط؛ وإنما يضاف لها مشكلة أخرى أشد، وهي استحضار النص الديني كدليل وبرهان لتأكيد تلك الخرافات. ونظرًا لانتشار ظاهرة الإيمان بالسحر وتأثير الجن على الإنس، وإلصاق ذلك بالنص الديني، فقد كتب كثر من المحققين من علماء الشريعة قديمًا وحديثًا، عن ذلك، وبينوا -في كل مكان وزمان- ما يجب بيانه في ذلك الشأن، ونحن بدورنا نمضي على خُطاهم، فنحاول أن نقدم للقراء تفسيرًا لعلاقة الجن بالإنس، في ضوء قراءتنا للنص الديني».

ثم قسم بحثه إلى ثلاثة عناوين: 1- السحر، المصطلح والدلالة، 2- السحر وعلاقة الإنس بالجن، 3- جدل السحر بين الإشاعة والنص.

فعن السحر والمصطلح والدلالة، تحدث عن معاني السحر في كتب اللغة، وفي النص القرآني، إذ وجد في كتب اللغة عدة معانٍ للسحر، (وما يجمع بين تلك التعاريف أنه تلبيس وخداع وخلط)، ووصل إلى نتيجة خلاصتها أن «استخدام لفظ السحر بمعنى تغيير طبائع الأشياء، لا أساس له في اللغة». وفي النص القرآني انتهى إلى القول بأن «السحر بحسب هذه الآيات علم يستخدمه الساحرُ ليظهرَ الأشياءَ على غير حقيقتها، فيُخدع الناسُ بذلك ظنًا منهم أنه فعلًا قد قام بتغيير حقيقة الشيء إلى شيء آخر. وقد بات هذا التأثير والخداع اليوم علمًا يعرف بعلم الخدع البصريات».

ثم تحدث عن السحر وعلاقة الجن بالإنس وقال: «اعتبر كثير من علماء الشريعة ما ذكره القرآن في موضوع السحر، يرجع إلى معنى سحر الوهم والخداع فقط». وطاف حديثة في القرآن والحديث وآراء المعتزلة” والأحناف والعلماء المعاصرين، فانتهى إلى نتيجة مفادها أنه «ليس للجن مع الإنسان شيء وراء الدعوة والوعد والوسوسة والإغراء والتزيين ﴿فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ﴾.. وكما جاء في هذا القرآن.. يقطع بأن الذين يتأثرون بوسوسة الجن وإغوائهم إنما هم فقط ضعاف العقول والإيمان.. وقد استثنى الله من المتأثرين بها عباده المخلصين وقال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ﴾».

ثم تناول موضوعًا مهمًا هو تعليم الشياطين السحر، ورواية إسحار النبي صلوات الله عليه، ومس الشيطان للإنسان وما شابهه، وانتهى بعد أن جال جولة موفقة إلى رد تلك الرواية ومن ثم إسقاط الاستدلال بها في ما ذهبوا له من تعريف للسحر.

وهذا المقال يعتبر من أهم المعالجات لما هو ساكن في أذهان الكثيرين من ضلال بحيث إنه يحبط أعمالهم في الدنيا، ويجعلهم يتعاملون مع أوهام وأشباح في ظل خوف يظلم ليلهم ويغطش يومهم، فعسى الله أن ينفع به، ويستفيد منه كل من يحتاج إليه.

❺ وثائق الخارجية البريطانية عن اليمن

ويختم هذا العدد صفحاته بالوثائق البريطانية عن شهري صفر-ربيع الأول 1324هـ/ أبريل ومايو 1906، وربيع الثاني-جمادى الأولى/ يونيو ويوليو 1906، وجمادى الثانية 1324هـ/ أول أغسطس 1906. وكان المرحوم الأستاذ الفلسطيني تيسير كاملة، الحاصل على الماجستير في اللسانيات التطبيقية عام 1965، والدكتوراه في آداب اللغة الإنجليزية 1973، هو من قام بالترجمة، فرحمه الله على ما أسدى وبذل.

تشمل وثائق هذه الفترة عن رسالة الإمام “يحيى”، وعن العمليات العسكرية في اليمن، وعدد القوات العثمانية في اليمن، وعن المناطق الداخلية فيها، وتمرد الجيش العثماني على المشير فيضي، وعن معاهدة بريطانيا مع يافع العليا، وعن القتال بين اليمنيين والعثمانيين، وغيرها من أخبار الحديدة والمناطق الجنوبية المحتلة.

ومن أهم ما ذكرته الوثائق البريطانية قيام الإمام “الحسن الضحياني” في (فللة) إلى الغرب من “صعدة”، وتعريف بقيادات عسكرية عثمانية، والحديث عن الحركة التجارية والضرائبية في الحديدة، ومحاولة إنشاء ميناء جديد بالقرب من الحديدة، وغيرها من المواضيع التي تستحق النقاش.. ومعًا إلى قراءة مقالات نرتوي منها.

رئيس التحرير