المتحف البريطاني

ترجمة: تيسير كاملة

وثائق الخارجية البريطانية عن اليمن (16)

تتضمن المجموعة (16) من الوثائق البريطانية عن اليمن، أحداثًا جرت في الثلاثة الأشهر الأولى من عام 1907م، وتضمنت مراسلات للإمام يحيى حميد الدين مع البريطانيين، ومفاوضاته مع العثمانيين، وأخبارًا عن جنوب اليمن والمشاكل التي كانت تقع بين القبائل، وعلاقة البريطانيين بتلك الخلافات وإبرام الاتفاقيات.

وبعد الأفراح، والليالي الملاح، والسهر إلى الصباح، أطل على فترة تمتد ثلاثة أشهر من تاريخ العلاقات بين الإمام يحيى والعثمانيين، وبينه وبين البريطانيين، وبين البريطانيين والمناطق المحتلة، وذلك من 20 القعدة 1324هـ/ 4 يناير 1907م إلى 10 صفر 1325هـ/ 24 مارس 1907م.

وفي هذه الوثائق أخبار عن جنوب اليمن وعن شماله، فأما عن جنوبه فقد أظهرت رسالة متبادلة بين الميجر جيكوب وزعيم الشعيريين -القبيلة التابعة لأمير الضالع- يحتج فيها على تدخل البريطانيين في مقاطعته، وجاء فيها أن إمام صعدة اتصل به، ولم يكن الإمام يحيى بصعدة آنذاك، ولم يسم باسمها إلا في هذه الوثيقة التي لم تفصح عن سبب اتصال الإمام يحيى بهم، وكان الإمام يحيى في هذه الفترة يجري مفاوضات غير ناجحة مع العثمانيين. كما ورد فيها أن الشعيريين ناشدوا الشيخ محمد ناصر مقبل مساعدتهم ضد أميرهم، وكان الشيخ محمد ناصر من رجال العثمانيين في اليمن. وفي هذه الوثيقة ذكرٌ للمصاعب التي يواجهها أمير الضالع في السيطرة على بعض قبائله، وعجزه عن اعتقال مجرم قتل أحد الرعايا الأتراك قرب الحدود. كما أن قائمقام قعطبة العثماني قد أصدر أوامره باستدعاء المسيميريين ورجال القبائل الأخرى القادمين من الأراضي التركية، والذين يدعمون الشعيريين في تمردهم على حاكمهم أمير الضالع. وفيها عن انسحاب البريطانيين من الضالع. وفيها أيضًا اتفاقية بين سلطان العبدلي والشيخ سالم باعبدالله، وعن الانسحاب الذي أعقبها لحاميات سلطان العبدلي التي كانت في «عم ريجا». وعن اكتمال انسحاب الجنود. سيبقى المعتمد السياسي مع قوة حماية مرافقة له هناك. وعن الأمور المتعلقة بجمع الضرائب في «الدوكة»، على حدود الصبيحة، باسم وزير ناحية «المفاليس» التركي، وكذلك المطالب المتعلقة بالرعايا الأتراك من ذوي المصالح الموجودة على الجانب البريطاني من خط الحدود المعلم.

وعن الشمال تحدثت وثيقة عن رسالة إمام صنعاء إلى الملك، نجد فيها أن وزير شؤون الهند بعثها إلى نائب الملك، الدائرة الخارجية، يقول لا داعي لإرسال رد على مفاتحات الإمام بخصوص إقامة تحالف. هذا رأي حكومة صاحب الجلالة. وأشارت وثيقة إلى أن الأتراك لم يحرزوا أي تقدم أو نجاح في إخماد التمرد الذي يجري منذ وقت طويل. وقد مات عدد هائل من الجنود (الأتراك) هناك، على أنها قالت إن المركز الروحي السامي للسلطان هو أمر لا ينكره حتى المتمردون المسلحون في اليمن، مع أن الدوافع الدينية تلعب دورًا هامًا، وتسهم في قوة عناد حركة التمرد هناك. وذكرت وثيقة أخرى من المقيم السياسي في عدن، أن الإمام يحيى بعث يوم 18 رمضان 1324هـ/ 4 نوفمبر 1906م، مبعوثًا يدعى السيد محمد بن علي لمقابلته، بواسطة سلطان العبدلي، وأن المبعوث قال إنه أتى ممثلًا للإمام ليقترح إقامة تحالف بينه وبين الحكومة البريطانية، وليطلب المساعدة لطرد الأتراك من اليمن، وأن الإمام يرغب في أن تأخذ هذه المساعدة شكل المال والسلاح، ويبدو أن الإمام، مقابل هذه المساعدة، على استعداد للدخول في تحالف صداقة مع الحكومة البريطانية. قال السيد إن الإمام تلقى بالفعل مبادرات من حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإيران، ولكن الإمام لا يرغب في الدخول في أي حلف مع أية دولة سوى الحكومة البريطانية. كما قال السيد أثناء المقابلة إن الإمام ليس مستعدًا لقبول أي شروط صلح مع الأتراك، وأن قريبًا لشريف مكة قد اتصل به، وكذلك ابن رشيد، أمير نجد، ولكن المفاوضات لم تسفر عن شيء. وقال إن الإمام يهدف إلى تحقيق الاستقلال الكامل، وأنه مصمم على مواصلة الكفاح من أجل الاستقلال عن الحكم التركي، وقال إن الإمام تعرض لضغوط لإيقاف القتال الذي أدى إلى إزهاق أرواح كثيرة، لكن لن يقر له قرار حتى يطرد الأتراك من اليمن. وأبلغ المقيم السياسي السيد بأنه سينقل رسالة الإمام إلى الحكومة، وأن ردها سيرسل إليه في الوقت المناسب.

تلك كانت أهم ما حملته هذه الفترة من أخبار، إلى جانب أخبار أخرى توفر للمطلع رؤية أوسع عن تلك الفترة المضطربة.