الأمير الحسين بن بدر الدين

ترجمة:تحقيق: جمال الشامي

حكم التعامل مع أئمة الجور عند الزيدية

قدم الدكتور جمال الشامي كتاب «حكم التعامل مع أئمة الجور عند الزيدية»، للأمير الحسين بن بدر الدين بن محمد اليحيوي بعد أن حققه، وهو عبارة عن تحليل لموضوعه، تضمن ذكر آراء أئمة وعلماء الزيدية في توصيف الحاكم الظالم، وأحكام التعامل معه. وكيف أن بعضهم كان صارمًا في المقاطعة بينما لم يمنع آخرون التعامل مع الحكام الجائرين في نطاق محدود.

وأعود بعد الفاصل التاريخي إلى تحقيق الدكتور جمال الشامي لكتاب «حكم التعامل مع أئمة الجور عند الزيدية»، للأمير الحسين بن بدر الدين بن محمد اليحيوي الذي يعتبر من علماء اليمن وفضلائهم ومنصفيهم. وهذا الكتاب عبارة عن تحليل دقيق لموضوعه، وضمنه ذكر آراء أئمة وعلماء الزيدية في توصيف الحاكم الظالم وأحكام التعامل معه.

وهذا البحث القيم يتناول ثلاث قضايا ينسجم بعضها مع بعض كلوحة فنية تناغمت فيها الألوان والظلال، وهي: 1- الاختلاف في حكم التعامل مع حكام الجور. 2- الجمع بين الأقوال، وتصويب الاجتهادات. 3- حكم الأخبار الظنية الواردة في الموضوع، والاجتهاد في تفسير النصوص.

وبدأ البحث عن موقف الزيدية الصارم تجاه أي حاكم جائر، مهما كان نسبه ومذهبه وتاريخه، وسيجد القارئ فيه تفصيلًا لآراء عموم علماء الزيدية، في جوانب التعامل مع الحاكم الجائر.

وكان للدكتور جمال الشامي فضل تحقيقه، ودقة صوابه، ولـ«المسار» طبعه في عددها هذا. والناظر إلى المراجع التي عاد إليها يدرك سعة اطلاعه وطول تعبه من أجل تصحيح كلمة أو ترقيم آية أو إخراج حديث، وهو ولا شك قد بذل جهدًا في موضوع من أهم المواضيع التي ترتكز فيها الزيدية والهادوية الزيدية، والتي لا يختلف عليها أحد من علمائها الكبار، إلا من رأى في القرب منهم ومخالطتهم منفعة شخصية.

وهذا الكتاب عبارة عن سؤال وجواب أفاض المؤلف في شرح كل سؤال بطريقة تعكس سعة علمه وإحاطته بما سئل عنه، ولست بمتتبع هنا المواضيع التي طرقها الكتاب، وسوف أكتفي فقط بالإشارة إلى الأسئلة، كطعم يثير شهية القارئ، وكان السؤال الأول عن: ما يجوز وما لا يجوز من مخالطة الظلمة. وقد قسمهم المؤلف إلى قسمين؛ قسم نابذ الظلمة منابذة حاسمة قاطعة، فلم يشايعهم أو يقاعدهم أو يواكلهم أو يشاربهم أو يصاحبهم، أو نحو ذلك، وهم كثر. والصنف الثاني «كانوا يأتون الظلمة الفجار ويأخذون عطاياهم بلا إنكار». وذكر مجموعة من أفاضل علماء البيت ممن كانوا يأخذون عطاياهم، ويجدر بي توضيح الفرق بين أخد العطايا وبين المعاضدة والتولي، فأخذ العطايا لا يعني الموالاة باعتبار ما يأخذونه منهم هو من حقهم، أما المعاضدة والمعاونة، فهي تعني مشاركة الظلمة في ظلمهم. وهو ما تنكره الزيدية والهادوية بخلاف موضوع العطايا التي أجازها كبار من العلماء، وحرمها كبار منهم، وعلى رأسهم الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، المتشدد في المقاطعة والمنابذة.

وقد تعرض المؤلف لقضية تكفير مكاتبة أعداء الإسلام، فقال هذا معلوم حظره شرعًا ضرورة، ويبقى الكلام حول من يقوم بذلك، هل يكفر أم يفسق. وأجاب: إن ظن أنه لا يضر في الدين فلم يكفر. وأما إذا فعل ذلك فاعل وقصد به مضرة الدين وأهله ونفع الكفر وأهله، فإنه يكون كفرًا.

وتناول موضوع إطعام الكافر واليتيم منهم، فأجازه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ». ومنها: إطعامهم مكافأة على جميل قد تقدم منهم، وذلك جائز؛ لقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ومنها: إطعامهم على وجه دفع شرهم عن المسلمين، وكف بأسهم، ومنها: قضاء حوائجهم طلبًا للثواب أو مروءة حملت الفاعل على دخول هذا الباب.

وتناول موضوع مكارم الأخلاق، التي مثلها الإمام الأعظم أبو حنيفة مع جاره اليهودي الذي كان يسكر ويعلي صوته ويغني: أضاعوني وأي فتى أضاعوا، فلما كان ذات ليلة خفي على أبي حنيفة صوته، فسأل عنه، فأعلم أنه شرب فسكر فخرج ووقع في الحرس فحبسوه، فشفع فيه حتى أخرجه، وقال له: هل أضعناك؟ قال: لا أو كما قال. وكل ذلك من مكارم الأخلاق. وعلى الجملة كل ما كان من مكارم الأخلاق جاز فعله مع الفسقة الأشرار.

وتناول موضوع الهجرة عن الأوطان إلى بلاد غير إسلامية ومعادية، وجعله قسمين: فمن هاجر فعمر بلادهم وكثر سوادهم، فهذا يخرجه من دائرة الإيمان، ويوجب خلوده في النيران. وبحسب رأيه، فإن الدول الإسلامية التي تستثمر أموالها في العواصم المعادية من أجل أغراض سياسية بغية تثبيت حمايتهم، فيدخلون القسم الأول. أما إذا كانت الهجرة من أجل هدايتهم إلى الدين، فالمعلوم جواز ذلك من الدين، كما ناقش قضية دار الحرب ودار الجبرية، كما ستقرأه.

ثم أجاب على سؤال عمن يأمر الظلمة بحبس الفساق وإهانتهم، ثم على سؤال عن توبة من فعل ذلك هل تصح إذا لم يعتذر؟ وعن نكاح الزوجة البالغة والقاصرة.

وبالجملة فقد أجاب المؤلف المجتهد بتصافٍ وعمق على قضايا عالقة، فأوجد لها حلًا قد يستفيد منه علماء اليوم.