وإزاء ذلك، رأت «المسار» أن تستمر في واجبها لتفكيك مرادم التعصب؛ ونزع زبر التمذهب، حتى يهدم ذلك السور، وتحل محله أراضٍ خضر من المحبة لا تستطيع الكراهية لها نزعًا، وذلك من أجل أن يعود المسلمون إلى إخائهم العلمي القديم، فيعيدوا ما غَرَب من حضارتهم.
ومن هذا المنطلق، كتب مدير تحرير «المسار» العلامة الكبير «محمد يحيى عزان»، مقالًا عنوَنَه «قراءة في كتاب الأذان بـ”حي على خير العمل“»، بعد أن صارت هذه الجملة التي تهتف بخير العمل، مثار انشقاق وعداوة، مما يفصح بلسان جهير أن التعصب قد بلغ حد التراقي.
وفي مقاله هذا تناول التعريف بمؤلف الكتاب «الحافظ العلوي» وبمحتواه، ثم الاختلاف الروائي والجدل الفقهي، مستهلًا مقاله المفيد بكلمة لـ«ابن السمعاني» ترينا كيف كان حجب المعلومات في زمن التعصب.
وبعد أن دقق أستاذنا في بحثه، وغاص في تحقيقه، خرج من ذلك كله بنتيجة خلاصتها أن: «تلك الروايات توحي بأن المسألة موسع فيها، فمن أثبت ما صح له فليس بمبتدع، ومن تجنب ما لم يصح له فليس بمتجنٍّ، فالجميع متفقون على قدر مشترك في الأذان، وليس لأي مذاهب فقهية غرض سيئ في الإصرار على إثبات أي لفظ من تلك الألفاظ أو تركها. ولا ينبغي تحويل المسألة إلى دائرة التعصب، وجعلها سببًا للفُرقة والتباعد بين المسلمين… وما روي من تأذين بعض الصحابة بحي على خير العمل أو الصلاة خير من النوم ونحوهما، وما يروى عن آخرين من الأمر بترك هذه والتأذين بتلك؛ يدل على صحة ما ذهبنا إليه من وجود سعة في المسألة.. وإنما يسعى بعض المتعصبين لفرض مذاهبهم والتقليل من شأن مذاهب الآخرين، خصوصًا بعد اتخاذ بعضهم إثباتها أو نفيها شعارًا مذهبيًا ذا أبعاد واعتبارات سياسية».
والحق لقد استمتعت بما قرأت، وبالطريقة الاستقرائية التي اتبعها في بحثه، وأتمنى عليه أن يستكمل بحثه عن الأذان في الفجر بـ«الصلاة خير من النوم»، لأن هذه هي الأخرى من المواضيع التي يقف فيها الطرفان على شاطئين مختلفين، صحيح أنه أشار إلى الأذان بالصلاة خير من النوم في بحثه هذا، إلا أنها إشارات تستهوي المزيد من الفهم والتفصيل.