من حديث الاستشراق إلى بحث عن «منهج كتاب سيبويه بين الإثبات والنفي» للدكتورة «هدى أحمد عبد الله الحمزي»، وهي متخصصة في علوم العربية من نحو وصرف، مما يجعلها تتحدث عن مؤسس النحو بمعرفة ومكان منه قريب.
وقبل الكلام عن البحث، أريد أن أذكِّر بدور النساء العلمي في الحياة اليمنية المعاصرة، وألفت إلى أن النساء تمكنّ -بعدما تهيأت لهن أسباب الخروج من قمقم الاحتجاز الطويل- من ترييش أجنحتهن في فترة قصيرة، وحلّقن عاليًا بأجنحة قوية في الأجواء العالية، وأثبتن بذلك وجود الخسارة الكبيرة في تغييبهن زمنًا شقيًا بسبب التعصب الذي لا حدود له. وقد سجلت «المسار» لبعضهن أبحاثًا تسبق الرجال الخُطى، وتتفوق عليهم أحيانًا.
وفي هذا البحث تساءلت الكاتبة: «هل كان لسيبويه منهج معروف في كتابه؟»، واستعرضت في الإجابة في هذا الفصل آراء المثبتين والنافين، ثم منهج ترتيب موضوعات الكتاب، وقد خلصت من بحثها حول منهجية الكتاب، إلى أن الدارسين منقسمون على قسمين: قسم ذهب لإثبات وجود منهج دقيق في ترتيب الأبواب النحوية، وقسم آخر يرى أنه لم يتبع منهجًا واضحًا في تبويب أبوابه، وخلطه لموضوعات الكتاب كان نتيجة لعدم وجود خطة واضحة في ذهنه أثناء التأليف.
وتوصلت الباحثة إلى: «أن الحكم على (كتاب سيبويه) بوجود منهج فيه أو عدمه، ينبغي ألا يعتمد فيه على أقوال من لم يفردوا مؤلفاتهم لدراسة منهج الكتاب بصفة خاصة؛ لأنها دراسات جزئية لباب نحوي أو ظاهرة معينة، ومثل هذه الدراسات لا يمكن من خلالها إصدار حكم قاطع على الكتاب، ومن الإنصاف أن تؤخذ الأحكام من أولئك الدارسين الذين أفنوا جلّ وقتهم في دراسة الكتاب وتتبع منهجه، ومن خلال هذه الدراسات يمكن أن يؤخذ بما يصدر عنها من أحكام. إن سيبويه بنى كتابه على أساس نظرية العامل، حيث بدأ الحديث فيه عن الأفعال، ثم تلاه حديثه عن كل ما يتعلق بها من أبواب متممات الجملة، كالفاعل والمفعولات والحال والتمييز والمنصوبات الأخرى، فجاءت أبوابه مترابطة ببعضها بحيث لا يمكن فصل باب عن نظائره، أو تقديم باب على آخر».
ولقد أحسنت الدكتورة هدى في اختيارها هذا البحث، لأنها أولًا تحدثت عن عَلَم من أكبر النحاة، كان له الفضل في إنشاء علم جديد، أو قل فنًّا مستجدًّا، وثانيًا لأن النحو نفسه هو ”طبيب اللسان“، يعالج خلله ويقيم اعوجاجه ويحافظ على إبداعه، بخاصة واللسان العربي لا يضارعه لسان آخر، مما جعل العرب يفاخرون به الأمم الأخرى.
وقد كان اللسان العربي معجزة القرآن الكريم، وتعني كلمة «عربي»: فصيح. وقد وصف الله سبحانه «القرآن الكريم» بقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ… بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُّبِینٍ﴾[الشعراء: 192-195]، أي بلغة فصيحة، ولم يعنِ بها قومية اللغة، وبهذا المعنى يسمى هذا اللسان: لسان الفصحاء من الناس؛ من أتقنه أصبح فصيحًا.
ومن هنا تأتي أهمية الكتابة عن اللسان العربي، وهذا اللسان واسع فسيح، وسعته تأتي من ناحية شموليته لكل فن ودليل على استيعاب كل إبداع حضاري.