ومن المغرب الأقصى إلى المغرب الأوسط، إلى الجزائر الثائرة، لأقرأ عن إمام جهاد إسلامي واسع النشاط والحركة، تجاوز نضاله الحدود السياسية، مؤمنًا بالأمة الواحدة. وبين إمام العلم وإمام الجهاد فوارق حميدة، هي الفوارق التي كانت بين السيد جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده. وإذا مثَّل الأستاذ عبد السلام ياسين منهاج الإمام محمد عبده، فقد جسّد السيد الفُضَيل الورتلاني منهاج السيد جمال الدين.
وفي هذا المقال كتب الدكتور أيت بعزيز عن «الورتلاني والقضية الفلسطينية»، وقد أحسن الكاتب غاية الإحسان في تناوله القضية الفلسطينية عند الزعيم الكبير الفضيل الورتلاني في هذا الوقت العصيب، الذي يمر به المسلمون من ضعف وخذلان لقضية فلسطين؛ يشبه إلى حد بعيد ما واجهه المسلمون في حالة الغزو الفرنجي من الغرب، والمغول من الشرق، فقيض الله لنور الدين زنكي أن ينهض، فتنحسر الموجتان الرهيبتان، ويستعيد الحكام المسلمون ما خسروه، ولكنهم لم يتعظوا ولم يعتبروا، فعادوا إلى اختلافاتهم مما جعل الاحتلال الغربي يمزقهم تمزيقًا ويقتنصهم واحدًا بعد واحد، ويقيمهم حكامًا موالين له سرًا وجهرًا، لا يدينون لشعوبهم؛ لأنهم لم يختاروهم، وإنما لمن صنعهم وحماهم. ومن الطبيعي ألا يسمعوا لعلمائهم المصلحين، ولا يصغوا إلى تحذيراتهم؛ لأن آذانهم سُدت بعويل الغرب الذي أنشأهم إنشاءً. والسيد الفضيل نموذج صارخ لصراخ علماء الأمة وإنذاراتهم المتكررة التي لم يقرأها الحكام ولا أحبوا أن يفهموها.
في مقاله هذا عرض الكاتب جهود الزعيم الورتلاني في دعم وتأييد القضية الفلسطينية لأكثر من عشرين سنة. بدءًا منذ أن كان في العاصمة الفرنسية باريس بصفته رئيسًا ومشرفًا على حركة نوادي التهذيب الجزائرية التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين 1936 و1938م. وفي سنة 1937م، تشكّلت في الجزائر العاصمة «اللجنة المؤقتة لإغاثة فلسطين»، واغتنم مشاركته في المؤتمر الدولي للكتّاب الأحرار في باريس، أواخر شهر يوليو 1938م، وألقى كلمة تطرّق فيها إلى القضية الفلسطينية. وفي عام 1947م زار فلسطين المحتلة، ثم أواخر سنة 1953 وأوائل سنة 1954م للمشاركة في المؤتمر العالمي بالقدس، وتحدث مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم داخل الأراضي المحتلة. وكانت كتاباته التي نشرها في الصحف المصرية والجزائرية تمثل خلاصة تجاربه العلمية والفكرية وملاحظاته الميدانية والعملية، فضلًا عن قيمتها الموضوعية وطابعها النقدي والواقعي، الذي لا يعتمد على العاطفة والخيال؛ بل على الواقع الميداني، مع تقديمه اقتراحات عملية حول طرق ووسائل وأساليب المحافظة على ما بقي من حقوق ومصالح الفلسطينيين واسترجاع ما ضاع منها. ولم يترك السيد الفضيل أية مناسبة إلا ودافع عن القضية الفلسطينية، وكان يشجب ما تقوم به «عصبة الأمم» -يد القوى الكبرى- بحق الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ويهود. وعندما استقر في القاهرة، ربط علاقات وثيقة مع العديد من الشخصيات الفلسطينية التي تنشط لصالح القضية الفلسطينية.
وخَلُص الكاتب إلى القول إن هذه المساهمات والجهود التي قام بها الورتلاني في مصر لصالح القضية الفلسطينية وقادتها من المناضلين الوطنيين تظهر لنا الدور البارز الذي قام به لمساندة قادة وزعماء الحركة الوطنية الفلسطينية، والمكانة الرفيعة التي كان يحتلها وسط كبار الزعماء والشخصيات العربية والإسلامية المقيمة في القاهرة آنذاك.
ثم لخص ما كتبه الزعيم الكبير من مقالات عن القضية الفلسطينية أو الجرح الذي لم يلتئم، بل توسعت الجراح من الداخل العربي ومن الغرب الصهيوني.
ويذكر الكاتب مساهمة السيد الفضيل العملية في نصرة القضية الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع قضية الجزائر وغيرها من البلدان المحتلة. فقد شارك في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد من 3 إلى 9 ديسمبر 1953م، وأسهم في صياغة توصيات المؤتمر. كما تحدثت عنه الصحف العراقية وزياراته إليها. وترأس وفد مكتب المؤتمر الإسلامي إلى أمريكا. وظل ينشر الحقائق عن فلسطين طوال مدة حياته، وكان يرى أن العرب لم يُدركوا مدى أهمية ما بقي في أيدي الفلسطينيين من أرضهم.
وأضاف خلاصة لجهاد الورتلاني على نحو ما ستقرأه ووضع خاتمة خرج منها بملاحظات قيّمة سأتركها لقارئها كاملة غير منقوصة. فسلام على الزعيم المجاهد الكبير، والشكر للدكتور على مساهمته في جلاء موقف الزعيم المجاهد من قضية فلسطين الفردوس المفقود والموعود.