حمدوش رياض

تطوّر مفهوم بناء السلام -دراسة في النظرية والمقاربات

يستعرض الدكتور حمدوش رياض في بحثه «تطوّر مفهوم بناء السلام من حيث النظريات والمقاربات»، مشيرًا إلى ارتباطه بالتحولات العالمية بعد الحرب الباردة. ويناقش ثلاث مسارات لبناء السلام (المفاوضات وحفظ السلام، المساعي الحميدة والتوفيق، بناء الترابط المجتمعي)، ويحلل نظريات العلاقات الدولية (الواقعية، الليبرالية، الماركسية)، وأربعة مستويات للتغيير (سلوكي، علاقاتي، بنيوي، ثقافي). كما يبرز دور الوساطة والحوار والمعرفة والمرأة في ترسيخ السلام، ويختم بتحليل نظرية نضج النزاع كمدخل للحل السياسي.

يقدّم د. حمدوش رياض، المتخصص في العلاقات الدولية، بحثه الممتع تحت عنوان «تطوّر مفهوم بناء السلام -دراسة في النظرية والمقاربات». والسلام هو لُبّ الحضارة الروحية، والإخاء الإنساني، والتماسك المجتمعي، وقد جاءت الديانات السماوية به، لكن أهلها انقلبوا عليه، ولم يعملوا بالسلام، وغيّروا مفاهيمه، كما فعل متعصّبو اليهودية بتوراتهم، بحيث دعت إلى حروب الإبادة لمن ليس على دينهم كـ”العيساوية”، التي جعلت السلام أساس دعوتها، فلمّا تحوّلت إلى دولة انقلبت إلى وحشية ذات مخالب وأنياب، يفري بعضهم بعضًا، كما صوّرها شوقي العظيم مخاطبًا السيد المسيح عليه السلام: قم، انظر اليوم، فهي اليوم دماء.

ونحن نعرف أن الحضارة الغربية قامت على القوّة، وأبادت أقوامًا، كما فعلت أمريكا بالهنود الحمر، وكما فعلت بريطانيا بالأستراليين الأصليين، إلخ. ومن ثم، وفي هذا المناخ الحضاري الدامي، تداعى الناس إلى محاولات إحياء السلام وضبط قواعده، وهو ما يكتب عنه الآن الدكتور الباحث.

بدأ الدكتور بحثه بمقدمة تحدّث فيها عن ظهور أشكال جديدة من النزاعات مع نهاية الحرب الباردة وبروز النظام الدولي الجديد. والبحث عن السلام وسط محيط من صراعات الدول الكبرى أكثر تعقيدًا من أي بحث آخر، حيث لكل دولة كبرى مكايدها الخفية ضد بعضها البعض، وضد الدول المفترسة مجتمعةً عليها، تتناول كلٌّ منها قطعة متناثرة من جسم كبير.

ثم تناول تطوّر مفهوم بناء السلام، والنظريات، والمقاربات، وتعريف مفهوم بناء السلام، وأرجع ملامحه الأولى إلى هذا العصر، مبادئ الرئيس الأمريكي «ويلسون» الأربعة عشر، التي كان يُنظر إليها على أنها ركائز لديمومة السلام بعد الحرب العالمية الأولى، لكن هذا المفهوم بدأ يتبلور مؤسسيًّا مع تقرير الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي، الصادر عام 1992م.

وبعد أن ساح في كل شُعَب هذا الموضوع سياحة مطوّلة ومفيدة، انتقل إلى بحث تطوّر مفهوم بناء السلام، والنظريات، والمقاربات، وذكر أن مسارات بناء السلام ثلاث مسارات:

المسار الأول: المفاوضات، حفظ السلام، التحكيم، دعم السلام. الوساطة العضلية: سياسة التهديد بالقوّة بين الأطراف.

المسار الثاني: ويتم فيه استعمال كلٍّ من: المساعي الحميدة، التوفيق، والوساطة النقيّة، نهج حلّ المشكلة: التكامل، وسيادة التهديد بالقوة.

المسار الثالث: دوائر السلام داخل بؤرة النزاع، بناء الترابط الاجتماعي، إيجاد أرضية مشتركة، التكامل، وسيادة التهديد بالقوّة.

ثم تحدّث عن ظروف دولية أدّت إلى ظهور مفهوم بناء السلام، وبعد أن جال وصال، انتقل إلى تطوّر مفهوم بناء السلام، والنظريات، والمقاربات، فبحثها وتجول فيها، ومنه انتقل إلى مفهوم بناء السلام من خلال منظور العلاقات الدولية، واستعرض فيه النظريات الواقعية التي ترى أن النظام العالمي هو نظام فوضوي يعمه العنف والصراع الذي تحكمه القوّة، ودول تقودها المصلحة، ولما انتهى من استعراضها، انتقل إلى بحث النظرية الليبرالية التي ترى أن المجتمع الدولي يجب أن يخلق منظمات دولية تقوم على قواعد ومعايير للحفاظ على الأمن والاستقرار والسلام الدائم. ومنها انتقل إلى النظرية الماركسية، التي تركز تحليلها على العدالة والمساواة، وعملية بناء السلام عندها تُمثّل عملية فورية لتحريك أو تعبئة الجماهير من أجل تحقيق التغيير الجذري في النظام الدولي.

ثم طرح أهم المقاربات المفسّرة لمفهوم بناء السلام، وحدّد أربعة مستويات للتغيير، مختلفة وبأهداف مختلفة، مع درجات متفاوتة من النجاح، وهي: التغيير السلوكي. التغيير في العلاقات. التغيير الهيكلي البنيوي. التغيير الثقافي.

ثم شرح كل واحد منها شرحًا تفصيليًّا. ثم انثنى فبحث عوامل الدفع في بناء السلام، فذكر أربعة وسائل هي: الوساطة. الحوار. الطبقة الجماهيرية. تنمية المعرفة وتعزيز القيادة، من خلال تنمية معرفة العملية السياسية، وعملية بناء السلام. القدرة والتأثير. وفيه حديث عن دور المرأة في السلام، وأنها الأقدر على المحافظة عليه، حيث تناوله ببحث متكامل.

بعد ذلك عاد فتحدّث عن نظرية نضج النزاعات الدولية للحل، التي لا تتم إلا على إدراك أطراف النزاع أنهم يعيشون مأزقًا صعبًا لا تبدو في الأفق أيّة نهاية له، وأن صنّاع القرار في النزاعات المستعصية يمرّون عبر أربعة مراحل تحدّث عنها تفصيلًا.

وأخيرًا، بعد أن صال وجال، انتهى إلى خاتمة لخّص فيها جولته الناجحة في بحرٍ مضطرب الأمواج، لم يتحقّق فيه سلام، ولم يجفّ فيه دم.