بدر بن سالم العَبري

رحلتي إلى جزيرة جربة التونسية

تناول الباحث بدر العبري في رحلته إلى جزيرة جربة التونسية جوانب متعددة من تراث الجزيرة، مركزًا على والتنوع الديني، والتعايش المشترك بين مكوناتها، وشملت جولته معالم ثقافية ودينية، أبرزها مشاريع ترميم المخطوطات، ومكتبات قديمة، كما زار متحف الجزيرة، وفي ثنايا الحديث قدم قراءة نقدية للفكر السياسي الإباضي، محاولًا جمع وتفسير أفكاره المتناثرة، مؤكدًا على اعتدال الإباضية وانفتاحها، ونافياً ارتباطها بالخوارج، ما يجعل من بحثه مرجعًا جادًا لفهم المدرسة الإباضية وتاريخها.

أسافر في هذا المقال مع أستاذ جليل هو الرحّالة البحّاثة بدر بن سالم العَبْري العُماني، إلى جزيرة جربة الثرية بتراث المدرسة الإباضية، حيث التاريخ والتنوع والعيش المشترك. فتجولتُ معه في معالم خصبة، هي: المعالم الثقافية في الجزيرة والتنوع الديني. حضور الإباضية الثقافي والمشاركة المجتمعية. استكشاف ما بها من آثار ومخطوطات وأنشطة إباضية في الجزيرة.

ومعلوم أن الإباضية تعرّضت لاختلاف كبير في تقويمها القديم، أما تاريخها المعاصر فلا يختلف أحد في اعتدالها وتسامحها وانفتاحها على المدارس الأخرى، وقد أشار الكاتب في بحثه هذا إلى شيء من ذلك في نهاية بحثه القيّم.

وكما جرت العادة، فإن المسافر إلى أي محل، لا بد أن يقرأ عنها قبل أن يدخل إليها، وهذا ما فعله الأستاذ الرحّالة والمؤرخ، فبدأ بالتعريف بـ: جزيرة جربة، وموقعها، وجمالها الطبيعي، وتاريخها، وتنوعها الثقافي، حيث يعيش فيها، إلى جانب الأكثرية الإباضية، المدرسة المالكية، كما يعيش فيها جماعة من اليهود غير الصهاينة، في تعايش سليم فيما بينهم.

وليست جزيرة جربة هي وحدها من تعيش في ظل هذا التنوع الثقافي، فإن منطقة سلطنة عمان هي مثال رائع للتعايش الثقافي المتنوع، ويعود الفضل في ذلك إلى تسامح المدرسة الإباضية وانفتاحها، وعدم تعصبها، كما هو مشاهد وملموس. وهو تعايش لا يوجد في غيرها من البلدان الإسلامية في ما أعلم.

ويظن كثير من الناس أن الإباضية هم فرع من “الخوارج”، ولكن الأبحاث الحديثة، وهم أنفسهم، يُنكرون تلك الصلة وذلك الارتباط، ويعتبرون أنفسهم مدرسة إسلامية مستقلة، معتدلة، ومنفتحة على غيرها من المدارس الأخرى ممن يسمّون “الشيعة” و”السنة”. وقد أشار الكاتب المنصف إلى هذه القضية في بحثه هذا كما سترى.

طاف الأستاذ الباحث، وطُفتُ معه، في معالم جزيرة جربة، مبتدئًا بذكر المخطوطات، ومشروع تجليدها وترميمها، وحفظ ما تبقّى من مخطوطات المدارس العلمية. وفي هذه الجولة، عُثر على كتب في الفقه غير الإباضي، وكتب في اللغة العربية وفقهها، وكتب في علم الحساب، وكتب في الطب، وأغلب هذه الكتب تعود إلى أواخر الدولة العثمانية. كما وُجدت نسخة أخرى لنسخ كان يُظن أنها قد فُقدت أو أنها نسخة ظُنّ أنها وحيدة.

ثم طاف بي حول المكتبات والمختبرات القديمة التي كانوا يحافظون عبرها على الكتب من الرطوبة ومن كل ما يأكل الكتب من العثيّات ونحوها. ولا شك أن جوهرة المكاتب في جزيرة جربة هي المكتبة البارونية. ولقد كان للسلطة العُمانية فضل في بنائها الجديد، الذي افتُتح في 25 جمادى الأولى 1437هـ/ 5 مارس 2016م، على طراز حديث، ضمّت إلى جانب الكتب الإسلامية كتبًا باللغتين الفرنسية والإنجليزية بجانب العربية، وتوجد فيها كتب في مختلف الفنون، ومنفتحة على كتب المذاهب الأخرى، فلم تقتصر على المذهب الإباضي، بجانب المجلات والدوريات. ففيها مثلًا غالب أعداد مجلة العربي الكويتية، وفيها كتب معاصرة أيضًا، وقاعة لورشة ترميم المخطوطات والصيانة والفهرسة، ومخبر أو قسم خاص بالتجليد.

ومن المكتبات إلى المتحف الوحيد في الجزيرة، وهو يختصر تاريخ جربة وحضارتها، من العهود القديمة والوسطى وحتى العصر الحديث، وفيه، كعادة المتاحف، ما حُفظ من ثقافة جربة في الصناعات، واللباس، والبناء، والتجارة، والزراعة، والبحر، وحياة الإنسان، وتقاليد المرأة والطفل، والأعياد والأعراس.

وبعد أن أجرى بحثه الميداني، بثّ في قناة أنس اليوتيوبية قراءة نقدية للفكر السياسي الإباضي، واهتم بهذا الجانب، لأن أفكاره مفرّقة ومبعثرة، فجمع ما استطاع وأخرج أطروحته عن بعض أساتذة المدرسة. ثم استعرض بإيجاز تاريخ المدرسة الإباضية بفروعها في دراسة تاريخية متجردة، يُعتمد عليها في أي دراسة عن هذه المدرسة.