يستهل هذا العدد مقالاته بمقال الدكتور «أيت بعزيز عبد النور» «من أبطال الثورة الجزائرية.. العربي بن المهيدي»، حيث ركز على جهاده من بدايته إلى أن استشهد، ومنذ قبل قيام الثورة التحريرية الجزائرية (خاصة في عاميها الأول والثاني، أي قبل أن تتضح معالمها وأسسها التنظيمية خلال مؤتمر الصومام (20 أغسطس 1956م)، مشيراً إلى أن عملية التحضير في جميع مراحلها تميّزت بالسرية والكتمان؛ لأن الثورة لا بد لها من توفّر القاعدة الشعبية التي تحتضنها، والقيادة التي تسهر على تنظيم وهيكلة قواعدها، حتى يتحقّق الهدف المتمثّل في الاستمرارية والشّمولية وتوحيد العمل للوصول إلى الهدف الأسمى لها، وهو الاستقلال التام.
وكان الشهيد «بن مهيدي» من أبرز الأعلام الذين جمعوا بين النضال السياسي والعمل العسكري خلال تلك الفترة، كما أن نشاطه شمل مختلف أنحاء الوطن». ومن هنا انطلق الكاتب بوقار الباحث القدير، ينسج صورة البطل الشهيد منذ طفولته حتى استشهاده، ومع أن الموضوع واسع ومتشعب، إلا أنه -والحق يقال- تمكن من تقديم صوة البطل بشكل متكامل، تفتح الشهية للمزيد من الاطلاع على المزيد من المعالم الفرعية.
وقد أعطانا الكاتب فكرة عن طفولة الشهيد ودراسته، وعن دخوله في النشاط السياسي مبكرًا، ودخوله سجون الاحتلال القاسية، وانخراطه في صفوف حزب الشعب الجزائري إبان تأسيسه (سنة 1937م)، وفي نشاطاته السياسية والعسكرية، وخص بالذكر دور بن مهيدي في حرب المدن، ودوره في مؤتمر الصومام (20 أوت 1956م)، ثم اعتقاله وتعذيبه وإعدامه نور الله ضريحه.
وهنا أود أن ألفت إلى أن روابط الصلات الأخوية بين الجزائر واليمن، ظلت قوية على مدى التاريخ، ولن يفكها قاطع رحم، وفي العصر الحاضر، ومن منا لا يتذكر جهاد المناصل الكبير «الفضيل الورتلاني» ودوره في «الثورة الدستورية اليمنية»؟ ومن منا لا يتذكر جهود الداعيين الكبيرين «عبد الحميد بن باديس» و«البشير الإبراهيمي» والفيلسوف الأشهر «مالك بن نبي»، ودعمهم قضية اليمن؟ ومن ثم يمكن القول بكل ثقة إن كل شهداء الجزائر -التي تحمل «المسار» مقالاً عن أحد كبار شهدائها- هم شهداء اليمن وشهداء الإنسانية المعذبة.
وهذه الوشائج تجعل العقد موصولاً، وتبقي السمات متشابهة، فإذا نظرنا مثلاً إلى طبيعة البلدين، فإننا نجد التشابه يكاد يكون تاماً، وما تحدث به الكاتب عن ثورية الجزائر وما قدمت من شهداء وتضحيات في مقاومة الاحتلال الفرنسي، نجد له شبيهًا في صمود اليمن ومقاومته لأي عدوان، وما قدم من شهداء في الثورة الدستورية.
حقاً.. إننا بحاجة ماسة إلى دراسة مثل هذه النماذج الرائعة السمو، واستمرار الكتابة عنها حتى تظل نموذجاً حيًا للشهادة في سبيل الأوطان، والدفاع عن كرامة الإنسان. وإنني إذ أحيي شهيد الجزائر الكبير، أحيي كل شهيد.