وقد أشار الدكتور العواضي إلى هدف مقاله بقوله: «يهدف البحث أساسًا إلى إصابة مقصدين علميين يخدمان عملية التاريخ للغة العربية في شكلها المعجمي:
ولا شك أن هذه المقاربة تحتاج إلى بيان العلاقة بين الدراسات المعجمية، ودراسات النقوش القديمة، وتحديد كيفية الاستفادة المتبادلة بينهما لبناء ما نحن بصدد الحديث عنه، أي المعجم التاريخي العربي».
ولن أتحدث عما جاء فيه من موضوعية وبحث جاد، فما فيه يثري القاري بمعلومات هو بحاجة إليها، ولكني سأشير إلى أهمية هذا البحث العلمي من جانب آخر يشعّ منه البحث، ومن المعلوم أن معرفة لسان قوم من نحو وصرف ونثر وشعر هي علم بحدٍّ ذاتها كشف لما ورائها من فنون الحياة وأساليب المعيشة وعلى الإبداع و الابتكار، ومن هذا اللسان نعرف بالضبط وبالدقة المطلوبة طبيعة تلك الحضارة ودرجة ارتفاعها وسعة مجالاتها، ذاك أن اللسان هو مرادم الحضارة أي حضارة، وبقدر سعة اللسان -أو ما يسمى اليوم خطأ باللغة-، يكون الدليل على توسع الحضارة وكلما توسعت الحضارة توسعت مفردات لسانها، ولا نعرف حتى اليوم حضارة ليس لها لسان مكتوب، وقد أضاف العلامة الزبيدي – (ت شعبان 1205هـ/أبريل 1719م) في كتابه «تاج العروس من جواهر القاموس» ويقصد به القاموس المحيط للعلامة الفيروز آبادي (ت817ه/1414م) – ما يقرب أو يزيد عن عشرين ألف كلمة لم تكن موجودة في «القاموس» مما يدل على استمرار توسع الحضارة الإسلامية فإذا أضفنا إلى ما كان قد استوعب هذا اللسان من مصطلحات اليونان والصين والهند وفارس ندرك وبالدقة العلمية حجم الحضارة الإسلامية.
هذا البحث الممتع ليس في الألفاظ اليمانية وبناء المعجم التاريخي فقط، وإنما هو إلى جانب ذلك رؤية حضارة. وإذا أدركنا اليوم كمية الألفاظ والكلمات المتداولة أدركنا مدى التخلف الحضاري الذي نمارسه بشغف!!
ومثل هذا البحث ينقلنا نقلة نوعية فعلياً في طريقة الدراسات اللسانية فهو لم يكتف بما هو مسجل في الكتب بل أضاف إليه ما هو منقوش في الحجر ليوجد بغية البحث عن جذور اللسانين ومن ثم الربط بين حضارتين زاهيتين وهل لسان المسند إلا لسان حضارة متقدمة؟