العدد 53

27/08/2017

بعد عدة مقالات عن «إتفاقية الدعان» يتساءل رئيس التحرير «هل أقفل ملفها؟» وفيه راجع بنود الاتفاقية الموقعة بين العثمانيين والإمام يحيى، وقارن بين النصوص المنشورة منها بالعربية والمترجمة عن التركية، وكشف عن مواضع الاختلاف في النسخ المنشورة، ويحمل ذلك من تلاعب سياسي سواء في الترجمة أو التفسير بغرض تسجيل مواقف ومكتسبات تاريخية أمام الأنصار والجمهور.

سؤال عنوان المقال نابع من بعد قراءة الكاتب كتاب الدكتور (فؤاد الشامي) «علاقة العثمانيين بالإمام يحيى في ولاية اليمن» والتي عثر عليها في «الأرشيف العثماني» وعثر في الوقت نفسه على المواد السريةّ التي ظلت محتجبة تماماً طيلة العقود الماضية حتى ظهور كتابه القيم والمفيد، وبنشر «المواد السرية»، والنص المترجم من النص العثماني بدأ الأمر وكأن الملف قد أقفل، وهو كذلك لولا أنّ هذه الاتفاقية قد ترجمت من «النسخة العثمانية» التي قال عنها المؤلف: إنها طبق الأصل من النسخة العثمانية الأم، وليس من النسخة الأم نفسها، وليس في هذا ما يعيبها، لكنه يثير تساؤلاً حصيفا، هو: أين النسخة العربية الأم؟ أو أين النسخة العربية الغائبة التي هي طبق الأصل من النسخة العربية الأم أيضاً، مما يثير تساؤلات كثيرة منها -كمثال – أن الجانبين ربماّ راعيا أن تكتبُ الاتفاقية بما يناسب كلاً منهما؛ فغياب الوثيقة العربية يزيل مدماكاً في الجدار الذي أقيم، ثم إن الاتفاقية العثمانية التي نشرها المؤلف لم تحمل توقيع «الإمام يحيى» ولا «المشير عزت» ولكنها حملت اسم الإمام يحيى بدون توقيعه أو ختمه، ولم تحمل اسم المشير عزت باشا ولا توقيعه ولا ختمه، وكان من المفروض أن تحمله. وهذه بدورها ساعدت في إزالة مردم آخر في الجدار الذي أنجز أيضاً.

لهذه الأسباب مجتمعة تساءلت: هل أقفل ملفها؟ مع العلم أنّ الدكتور قدم ما لمّ يقدمه مؤرخ عربي أخر – حسب علمي – في هذا الموضوع، وإنما هذه الملاحظات حواش توضيحية ليس أكثر فله الشكر على ما أنجزأ.

وفي هذا المقال كتب مدير التحرير الأستاذ محمد عزان «عن المرأة.. هكذا تحدث القرآن»، حيث استعرض الآيات في تبويب موضوعي يمكن من خلاله إلقاء نظرة عامة على طبيعة النظرة القرآنية للمرأة، كنفس وإنسان وأنثى وامرأة وزوج، وما يتعلق بذلك من إجراءات وأحكام متعددة.

عالج الأستاذ العلامة المتمكن “محمد يحيى عزان” في مقاله الممتع «عن المرأة.. هكذا تحدث القرآن» موضع معاناة المرأة عبر تاريخ طويل وما أصابها من ظلم اجتماعي وسياسي وتدييني، وما قدمهّ لها القرآن الكريم من حلول عادلة. وهو موضوع بالغ الأهمية تناوله بجدارة عالم متمكن، وكتبه بإنصاف عادلٍ، وابتعد فيه عن التفريط والافراط، ولأنه عالم مجتهد منصف يسعى لإقامة موازين العدل كما أمر القرآن العادل، وقد ركزّ في بحثه على المخارج القرآنية بشكل رئيسي، وهي مخارج لم يسبقه إليه أحد ولم يلحقه، في إطار من الكرامة والإنسانية، وليس بعد كلام القرآن لإتباعه من كلام، فهو مرجع الأحكام النهائي وما قدم الحلّ القرآني حلَّ به مشكلة تعتّقت في دنان الظلم سنين طوالاً.

«وفي هذه الدراسة نلقي نظرة على ما جاء فيه عن المرأة، وهذا الموضوع لم يعد بكراً فقد طرق بأساليب وطرق شتى وقتل بحثاً ودراسة، ولكنني أحاول أن أقدمه من زاوية مختلفة، انطلق فيها من دراسة النص القرآني ذاته مجرداً عن المؤثرات التاريخية من تفسير اجتماعي ونسق ثقافي، إيماناً مني بأن نصّ القرآن يختلف عن غيره من حيث سلامة النصّ ودقة التعبير وبُعد نظر التشريع ومرونته».

وأشهد أنه بحث جديد من زاوية مختلفة، وأنه فتح الطريق للنساء أن يناضلن خصومهن من منكري الحقوق المتساوية بنفس الأسلحة التي رفعوها، بعد أن أوّلوها حسب مشاريعهم وأهوائهم، وبخداع نطقهم ومكر ألفاظهم، أي بحمل راية الحقوق تحت راية القرآن المجيد نفسه، وتحت عنوان: حيثما تكون المصلحة يكون شرع الله.

وثالث المقالات كتبه الدكتور حميد العواضي» بعنوان «الألفاظ اليمانية وبناء المعجم التاريخي العربي» فقدم ما يساعد على ضبط المحطات التاريخية لبعض الألفاظ من خلال النقوش، إلى جانب التأصيل لفهم بعض الألفاظ العربية والتطور الدلالي والصرفي لها.

تسعى هذه الدراسة الى تقديم مصدر جديد يساعد على ضبط المحطات التاريخية لبعض ألفاظ اللغة العربية من خلال النقوش المكتوبة التي ثبتت علمياً فترات كتابتها في اليمن. الى جانب التأصيل لفهم بعض الألفاظ العربية والتطور الدلالي والصرفي لها بالرجوع إلى أصولها في اللغة اليمنية القديمة.
ولا شك أن هذه المقاربة تحتاج إلى بيان العلاقة بين الدراسات المعجمية، ودراسات النقوش القديمة، وتحديد كيفية الاستفادة المتبادلة بينهما لبناء ما نحن بصدد الحديث عنه، أي المعجم التاريخي العربي.

تناول الأستاذ «محمد عبد السلام منصور» الحديث عن «المؤسسات الثقافية العربية، البنى الهيكلية والتحديات» ومدى قدرتها على استيعاب تحديات المستقبل وكفاءتها في التعامل مع التحديات بعيداً عن تأثير القطرية التي أثقلتها لعقود.

تحدث الأستاذ الكاتب الأديب «محمد عبد السلام منصور» عن «المؤسسات الثقافية العربية.. البنى الهيكلية والتحديات» ومنذ البدء حددّ هدفه فقال: «الحديث عن البنية الهيكلية للمؤسسات الثقافية والإعلامية العربية والنظر في مدى قدرتها على استيعاب تحديات المستقبل ومستوى كفاءتها في التعامل مع هذ التحديات تعاملا حضاريا معاصراً، يقتضي منا أولا أن نضع تصورا شاملاً لجميع المؤسسات المعنية بالعمل الثقافي والإعلامي».

وفي ظل هذا التحديد سار في بحثه ثابت الخطى، وجميل أن يقدم بحثه هذا في هذا الوقت الذي تنوء فيه الثقافة العربية الخلاقة تحت مناخ غائم من ناحية، ولما للثقافة من أهمية كبرى في بناء حضارة ماٍّ من ناحية ثانية، ونحن نعرف أنّ الثقافة بجدح ذاتها مرآة كبيرة ترى شعوبها مستواها فيها، وترى ما فيها من نقصٍ فتكمله، وما فيها من كمالٍ فتزيده، وكذاك يرى فيها الآخرون درجة رقيها فتكبرها، أو تهملها. فالأستاذ ببحثه هذا يتحدث عن أحد أهم المواضيع المعاصرة، التي إن لم تأخذ حظها من التطور فستظل تقتات ذاتها.

وإذا ألقينا نظرة على الثقافة العربية في هذا الزمن نجدها ليست في مستواها المطلوب مع الأسف مع أنها من أهم مرادم الحضارة، وبالقياس بــالعلوم والتكنولوجيا -ذات الأهمية القصوى في تطور الحضارة وبقائها- فإن حقل الاهتمام الرسمي بـالثقافة العربية يفوق اهتمامها بـالعلوم والتكنولوجيا.. فعسى أن يوقظ مقال الأستاذ محمد عبد السلام منصور أقلام النخبة لتكون ضمن مطالبهم الإصلاحية، والعمل من أجلها، وعلى نفس المستوى من المطالبة بـالديمقراطية والمساوة وحرية المعتقد الخ؛ لأن الحضارة كـالديمقراطية – منظومة واحدة ذات مرافق متعددة لابد من تكاملها.

أسهم الأستاذ «عبد الله بن يحيى السريحي» بمقال عن الملك المسعود الأيوبي وفترة حكمه في اليمن، لا ليمدح أو يذم أو ينقل الماضي إلى الحاضر، ولكن ليبحث عن عبرة تاريخية يمكن التعلم من حسناتها وتجاوز سيئاتها.

أسهم الأستاذ العلامة «عبد الله بن يحي السريحي» بمقال تاريخي عن الملك المسعود الأيوبي وفترة حكمه في اليمن، وهو مقال تاريخي صرف وشجاع أيضاً، إذ أنّ العصبيات السياسية المتناحرة في هذا الزمن تتخذ من هذه الدولة أو تلك نماذج منيرة تسند بها عرقيتها أو تمذهبها أو حزبيتها، ومن ثم أفسدت عملياً التاريخ وكتابة التاريخ بما تلقي عليهما من أوبئة توجهاتها.

لكن العلامة «السريحي» لم ينح هذا المنحى، ولم يتأثر بهذه الأجواء، بل نظر إليها نظرة بحث مدقق لا يهمه منها إلا حقيقة وقائعها وصحتها، سواء وصمت الوقائع التاريخية توجها معيناً أو زينت توجهاً آخر فهو لم يقصد هذا أو ذاك، وإنما نقب عن حجار البيت التاريخي المدفون في الزمن، فأعاد بناءه كما كان أو قريباً مما كان، وعرضه على الناس بألوانه وحجارته وترابه، وترك للمشاهدين أن يقولوا فيه ما يريدون من قول، أما هو كمؤرخ فقد أقام ما يجب عليه القيام به، وقدم لنا بيت السلاطين الأيوبيين كما عمروه هم لاكما يراه أشياعهم؟. ونحن نعلم أنّ دراسة التاريخ مسؤولية عظيمة، وأنها ليست مسرحاً للمدح، ولا ملعباً للذم، وإنما هي تقويم لما حدث، وتشخيص لما وقع، ومن هنا تتم الاستفادة من إيجابيات التاريخ بتبنيها، والاستفادة من سلبياتها بنبذها، وإذا لم ندرس التاريخ وننظفه من عوائقه التي أصبحت سلوكا ثقافياً فلا سبيل لاستعادة تاريخ الحضارة الإسلامية أو الدخول في الحضارة المعاصرة وسنظل نحمل تاريخا مشوهاً يعيقنا تماماً عن اللحاق بالحضارة المعاصرة، أو إحياء الحضارة القديمة وسنظل جرما تائهاً في فلك كبير.

كتب الدكتور «عبد النور آيت بعزيز» الجزائري مقالاً عن «بني ورتلان من خلال الرحلة الورتلانية» كجانب من الإضاءة على حياة الشيخ الفضيل الورتلاني، والأرض التي ينتمي إليها والأسر التي ينحدر منها.

قام الدكتور «عبد النور آيت بعزيز» بكتابة مقال ممتع سماه «بني ورتلان من خلال الورتلاني» وتتشرف «مجلة المسار» بنشره عرفاناً بما سلفت يداه من خير على اليمن وتشكر الدكتور عبد النور بما أضاء من نور عن جانب من حياة هذا الزعيم العملاق. وتعتقد «مجلة المسار» أنما تقوم به من نشر ما يكتبه الدكتور «نور» هو تسديد يسير لبعض الدين، وإلا فالواجب أن يقوم ورثة الثورة الدستورية نحو السيد الفصيل بما يجب القيام به جنباً إلى جنب مع الدكتور «نور» ليتم تسديد الدين من البلدين فالفضل لم يخص بجهاده اليمن فقط بل حلقّ بجناحيه القويين في الأفق الإسلامي الواسع، وكان سفير الجزائر لدى كل معارضة إصلاحية مما أعطى الجزائر مكانة في نصرة المظلومين. وكذلك كان موقف المفكر الكبير «مالك بن نبي» الذي تتحمل «مجلة المسار» مسؤولية تسديد الدين وستفي به وعدا مكتوباً.

نشرت المجلة بحثاً للأديب «محمد الوريث» عن الشاعر «أبو دهبل الجمحي شاعر الحنين والوجد» جعلتنا نتنفس أنسامه، ونشرق بعواصفه، وننوح معه على حبيب ونبكي على مغرم.

الأجواء الشعرية؛ إلى بحث الأستاذ الأديب الباحث «محمد الوريث» عن الشاعر «أبو دهبل الجمحي شاعر الحنين والوجد» حيث قدمهّ في إطار من المتعة الفنية الخالصة وحيث ينقلنا من صحراء الأبحاث العلمية إلى واحة ظليلة ذات شجر خضر وماء سلسبيل يشبه ماء «وادي آش» الأندلسي التي مرت به الشاعرة “حمدونة” الأندلسية فتعنتّ تحت ظلال دوحه:

وقانا لفحة الرمضاء واد * سقاه مضاعف الغيث العميم

نزلنا دوحه فحنا علينا * حنو المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظمأٍ زلالا * ألذ من المدامة والنديم

يصد الشمس أنى واجهتنا * فيحجبها ويأذن للنسـيم

يروع حصاه حالية العذارى * فتلمس جانب العقد النظيم

ومع أن البحث الذي قدمه أديبنا يركز على الحنين والوجد إلا أنه ألم بحياة الشاعر وظروفه السياسية وانتمائه العقدي، وطوف بنا معه في معظم مراحله بما فيه من حرب وحب وسلام وصراع، وجعلنا نتنفس انسامه، ونشرق بعواصفه، وأخيراً ننوح معه على حبيب، ونبكي على مغرم، وليس شعر الحنين إلا صرخة قلب مفجوع، وعويل وجدان جريح، وخفق صبابة باكية.

ولقد أجاد أديبنا وأفاد فيما صوره ورسمه، حتى أننا نكاد نلتقي بالشاعر وجهاً لوجه؛ تقرأه أيدينا، ونسمع منه، ونصغي إليه، ونشاركه فرحته، ونتفجع معه لوعنه ووجده وحنينه، ثم يبقى ظلهّ في نفوسنا طويلاً

ختم العدد بنصوص من «الوثائق البريطانية» التي ترجمها المرحوم «تيسير كاملة» عن أحداث عام 1905م 1323هـ وهو عام الصراع بين الإمام يحيى والإمبراطورية العثمانية تحت حكم السلطان عبد الحميد

ينتهي بنا المطاف إلى «الوثائق البريطانية» التي ترجمها المرحوم «تيسير كاملة» عن أحداث عام 1905م 1323هـ وهو عام حافل بالصراع بين الإمام يحيى والإمبراطورية العثمانية تحت حكم السلطان الكبير عبد الحميد وذلك بعد قيام الإمام بعام واحد، إذ تبدأ 17 مايو 1905م/ 12 ربيع الأول 1323هـ وتنتهي وثائق هذا العدد بتاريخ 1 أغسطس 1905م/ 29 جمادى الأولى 1323 هـ وسأترك الحديث عنها لتعبر عن وجهة النظر البريطانية حول الإمبراطورية العثمانية والمقاومة اليمنية بقيادة الإمام يحيى.