العدد 54

30/12/2017

هذا هو المقال السادس في سلسة المقالات عن «اتفاقية الدَّعان»، قارن فيه رئيس التحرير بين نسخ الاتفاقية التي عثر عليها، منبها على أن الاختلاف في نسخها أدى إلى اختلاف واسع في تقييم مواقف المشاركين فيها فضلا عن اختلاف قراءة تاريخ الأحداث المتعلقة بها. معتبراً هذا المقال إقفالاً لمقالاته عن اتفاقية الدعان، بعد أن كشف بالمقارنة عن مواضع اختلاف النسخ واتفاقها واختلاف مضامينها.

وصل مقال: «وأقفل ملف مواد الدّعان» إلى نهاية خُطاه بعد بحث طويل، كان حصاده أن المواد العشرين التي وُقِّع عليها في «الدَّعَّان» يقول الكاتب: قد وجدت أصولها – أو نسخة طبق الأصل من أصولها – في الوثائق المحفوظة في «الأرشيف العثماني» التي عثر عليها كلٌّ من الدكتور “فؤاد الشامي” والدكتور “عبد الكريم العزير”، ومع ذلك فإن بقية من حديث – ليس عن المواد فقد أنجز القول فيها – عن غياب اسم المشير “أحمد عزت” وتوقيعه، وغياب توقيع الإمام “يحيى” وحضور اسمه في الوثيقتين “المعلنة” و”السرّيّة”؛ فهذا الغياب بحاجة إلى بحث تحليلي يكشف أسبابه. وقد أذهبُ إلى القول: إنه ربما تكون التواقيع والأسماء موجودة في “النسخة الأم” التي لم يعثر عليها بعد، إذ إنما ما وجد هو نسخة طبق الأصل عنها.

إن أهمية دراسة اتفاقية الدعان – بالإضافة إلى أنها تحمل مؤشرات ملامح “الحكم المتوكلي” القادم – أنها شكلت بداية طيبة، ونهاية غير مريحة، فأما البداية فأنها أوقفت سيل الدم وساد بموجبها السلام، وأما النهاية غير المريحة فقد أفضت إلى حكم استفاد من تعاونه مع العثمانيين لمدة ثمان سنوات لترسيخ حكم مُنغلق، كان الحكم العثماني أكثر تطوراً وأوسع خدمات، مما يحتم القول إنها كانت سلاحاً ذا حدين، ومن ثم يوجب الاهتمام العميق بدراستها بروح منصفة.

وفي هذا المقال كتب مدير التحرير الأستاذ محمد عزان عن (ميراث التركات التشريعات والضوابط)، ركز فيه على طبيعة التملك عن طريق الميراث وكيف قدم القرآن مسألة المواريث، مناقشا بعض المدخلات التي فُرضت على نظام الميراث وعطلت دور الوصية وقيّدتها.

نقرأ في مقال «ميراث التّركات.. التشريعات والضوابط» وإذا بنا نجد أنفسنا ضمن الصراع الحادّ بين «المتجدد والمتأسّن»، فهو كعادته ينشر ما توصل إليه واقتنع به، مهما كانت المصاعب، ومهما اختلف مع الأخرين. وهو في هذا المقال تناول قضية الإرث والوصايا، من خلال منظار نصوص القرآن الكريم، مناقشاً ما اعتمد عليه الفقهاء من حديث يقيدّها ويخصصها، وإلى جانب آيات القرآن التي اعتمد عليها ناقشهم بحجج عقلية تنطبق تماماً مع آيات الكتاب الكريم.

يرى الكاتب أن القرآن الكريم – الذي هو مرجعية التّشريع الديني في الإسلام – يعتبر الميراث «بمثابة مَغنم غالباً ما يؤول إلى الورثة دون جهدٍ منهم ولا عناء، فهو في الواقع حقّ المُورِّث تفضّل به على الورثة، ويحق له في حال حياته أن يتصرف فيما يملك ويصرفه لمن يشاء وكيفما يشاء ومتى ما يشاء، وليس لمن يفترض أنه وارث بعد الموت أن يشترط على المورث مقداراً محدداً أو كيفية معينة». ويؤكد على أن القرآن: «شدّد على وجوب تنفيذ وصية الموصي كما هي، وحذر من أي تلاعب بها أو التفاف عليها» ومن ثم ناقش حديث «لا وصية لوارث» بعمق فقال: «نص آية الميراث صريحة في أن الوصية للوالدين والاقربين ولم تفرق بين وارث وغير وارث، ثم ظهر حديث يروى عن النبي جاء فيه أنه «لا وصية لوارث». وبسببه أخرج أكثر الفقهاء كل وارث من الاقربين من دائرة الوصية، بحجة نسخ الحديث لآية الوصية، وأن آية المواريث قد أعطت كلَ ذي حق حَقّه. وهذا الحديث من الأحاديث التي بدأت برواية مرسلة ضعيفة، ثم انتهى له المطاف إلى دعوى تواتره». وسترى في بحثه الممتع والشجاع أدلته القوية وشجاعته الفكرية

وفي هذا المقال ترجم الدكتور حميد العواضي مقال (التاريخ والترجمة) للكاتب الغربي “لين لونغ”، وأوضح – كما ذكر المقال – أن المترجم بحاجة للتّعمق في عدد من الاختصاصات ذات العلاقة، ودراسة حالات نظيرة في سياقات أخرى.

إلى مقال “التاريخ والترجمة” للكاتب الغربي “لين لونغ” ترجمة الدكتور العربي “حميد العواضي”، حيث أشهد أن الكاتب جمع فأوعى، وأن المترجم أحسن الترجمة، وأجاد العرض، ولا غرو فالمترجم هو أستاذ اللسانيات، ومن المعلوم أن بين اللغة وترجمتها اتصال عضوي لا ينفصم، وهو فيهما متمكن حتى أنني لمّا قرأته، لم أحسُّ أنه مترجم، وإنما كتبه الدكتور العواضي  بأسلوب عربي محض، لكأنه تقمصه فصاغه صياغة عربية لا تحس أنه مترجم قط، وتلك ميزة لا يقدر عليها إلا من أعطي بسطة في اللغة وقدرة على كل ما تتطلب الترجمة من إحاطة وشروط ومقومات ومع ذلك فقد قال: «إن جِدَّة موضوع علم الـتّـرجمة نسبيّاً، وطبيعتَه متعدّدة الاختصاصات تعنيان أنّ البحث في تاريخ الـتّـرجمة مازال في مراحله المبكِّرة ولـمّـا تجتمع أشتاتُه بمعنى من المعاني. 

 ويقول: «وفي الأخير لا بُدّ من التّذكير أنّه لكي يتم البحث في تاريخ الـتّـرجمة بشكل ناجح فإنّ المرء بحاجة للتّعمق في عدد من الاختصاصات ذات العلاقة، ودراسة حالات نظيرة في سياقات أخرى. فالتّاريخ، أو اللّغات الحديثة، أو اللسّانيات، أو علم الكلام، أو التّربية، أو الفلسفة، أو دراسات الحضارات القديمة هي مساحات تحتاج أن تُسْتَكشف من منظور مقارن. قد يكون ذلك أمراً عسيراً ولكنّه أيضاً مناسبةٌ ممتازة للمشاريع التّعاونيّة الّتي يجب أنْ تجعل علمَ الـتّـرجمة متميزاً تميزاً إيجابياً عن الاختصاصات الإنسانيّة الأخرى».

قدّم الدكتور أحمد محمد الدغشي دراسة عن (مسوغات الخلافات الدينية وانعكاساتها التربوية)، وخلص إلى أنه لا بد من وجود توجه جاد نحو دراسة طبيعة الخلافات للتخفيف من غلواء الصراعات، وتقديم ذلك عبر مقرّرات المؤسسات التربوية المتعددة.

قدّم الدكتور “أحمد محمد الدغشي” مقالا هاما عن: «مسوغات الخلافات الدينية وانعكاساتها التربوية»، وهو والحق يقال بحث علمي موضوعي حلّق فيه بين أودية تتحطم فيه الأجنحة، لما فيها من شعاب ومهاوي ومنعرجات حفرتها أزمنة طوال حتى غيرت معالمها وبدلت أشكالها، ومع ذلك فقد مضى شارحاً مفتشاً منقباً حتى تمكن من إبراز الأخاديد والمهاوي والمنعرجات وطرحها أمام القاري واضحة ليرى هول التغيير والتبديل والمسوغات والتبريرات، المنهٍكة والمنهَكة. لقد بذل فيه من الجهد ما يبذله المخلص في أبحاثه.

وخرج منها بنتيجة: «لو أن ثمّة توجّهاً جادّاً واستيعاباً تربوياً  جيّداً من قبل القيادات التربوية – بمختلف مستوياتها- لجملة المعاني السابقة ودلالاتها، وانعكس ذلك عبر المقرّرات ذات العلاقة المدرسية العامة والخاصة، الرسمية وغير الرسمية، وعبر المؤسسات التربوية المتعددة الأخرى من أسرة ومسجد وإعلام وأجهزة معلوماتية وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وسواها؛ لما حدث ذلك الاحتراب الديني البغيض بين أصحاب المذاهب والطوائف والجماعات والاتجاهات الإسلامية بكل عناوينها، سواء أكانت أغلبية أم أقلية، ذات جذور قديمة، أم طارئة حديثة، على نحو ما نشهده اليوم… ويمكن الإفادة من جوانب مشرقة في تاريخنا الإسلامي، حيث تعايشت جموع الفرق والمذاهب، وإن حدث بينها من التباين والاختلاف ما حدث”.

وهذا المقال لـ”وليفرد ماديلونغ”، عن كتاب (الأكلّة وحقائق الأدّلة) للعلامة قاضي عمان في سحار «محمد نجاد بن موسى بن مجاد» فعرّف الكاتب بالمؤلف ولخص مضامين الكتاب بأحسن عرض وأنسب إيجاز، والمقال من ترجمة الأستاذ المبدع على حسن القباني.

نقرأ مقال البروفيسور الكبير شيخنا وأستاذنا “وليفرد ماديلونغ، في حديثه الممتع عن كتاب (الأكلّة وحقائق الأدّلة) للعلامة قاضي عمان في سحار «محمد نجاد بن موسى بن مجاد (توفى 1119م /513هـ» الذي عرف – كما يقول “ماديلونغ”- منذ فترة، وقد ذكره “كاسترز” Custers في فهرس المراجع الإباضية.

ويكشف البرفسور عن أهمية هذا الكتاب بقوله: «والسؤال الهامّ الذي جرت مناقشته في هذا الجزء كان القُدرة المطلقة للعقل البشري والمنطق لتمييز الحقيقة المطلقة التي يؤكدها العقل، في مقابل رأي أهل الحديث الذي يدّعي أن الوحي وحده -ممثل في القرآن والسُنَّة النبوية – هو القادر فقط أن يُثبت اليقين في الدين. وقد شذّ ابن فورَك هنا عن الأشعري في تأكيد ما ذهب إليه المذهب العقلاني من حيث أن العقل هو المرجع النهائي لإقرار الحقيقة كلها».

من هذا العرض الموجز من مقال البرفيسور يتضح لنا أهمية الكتاب، ومن ثم تتضح لنا الاستفادة من قراءة مقاله، أو من قراءة الكتاب نفسه. ثم إن موضوع هذا الكتاب يزيدنا معرفة بـ “الإباضية” التي سكنت أعالي الشمال اليمني من خلال ما تعرض له المقال من آراء “عبد الله بن يزيد الفزاري” مؤسس الإباضية في أعالي شمال اليمن. كما أوضحته في كتابي على أطلال الإباضية”.

عن (موقف أمريكا ومخاوف السعودية من ثورة 1962م في اليمن) إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين، كتاب لطفي نعمان من وحي بعض الوثائق الأمريكية، ومنها تلك التي تعرضت للقاء الملك فيصل مع الرئيس الأمريكي كيندي وما دار بينهما بشأن اليمن.

وإلى حقل تسوده دائماً الحيل والتلاعب بالكلمات لتشكل موحيات متناقضة يستغلها من يريد أن يخرج من تعهداته، نقرأ معاً مقال الأستاذ الباحث “لطفي نعمان” في مقاله المسمى «موقف أمريكا ومخاوف السعودية من ثورة 1962م في اليمن» وذلك إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين، أو بين فيصل وناصر.

وقد وقف الأستاذ “لطفي” بلطفه المعروف وقلمه الأديب والمؤدب مع بعض الوثائق الأمريكية، ومنها تلك التي تعرضت للقاء الملك فيصل مع الرئيس الأمريكي كيندي-وكلاهما اغتيلا بالرصاص- إبّان قيام الحركة العسكرية وإعلان الجمهورية، ومع أن «المسار» بدأت بنشر «الوثائق البريطانية» عن يمن الإمامين المنصور وابنه المتوكل، إلا أن الأستاذ هو أول من قام بدراسة وثيقة – بهذا القدر من الأهمية- على صفحاتها، وكان تحليله موضوعياً أخلص فيها لما فهمه منها، واستنبطه، في أسلوب جميل عُرف به. وبهذه المناسبة ترحب «المسار» بمن يريد أن يخوض في هذا الحقل ترحيباً غير مشروط إلّا شرط الموضوعية وطلب الحق، لأني اعتبر الوثائق هو الوجه الآخر للتاريخ، أو القرارات الخفيّة التي تسهم في صنع الأحداث المستجدة، وسوف يقدم الباحثون على هذا الحقل ما يستفيد منه المطلعون.

وفي هذا المقال قدم الدكتور عبد ربه طاهر الحميقاني موجزا حول: (الزراعة في لهجة البيضاء دراسة دلالية)، ضمنه كلمات من المسند المتعلقة بأسماء المواسم، وتحديد مواعيد النجوم الموسمية، والتنبؤ بـالأمطار، والذاريات، والرياح وأدوات الزراعة والري، ومقيل في ذاك وعنه.

إلى مدينة “البيضاء” تحملنا أشواق البحث لنقرأ مقال الدكتور عبد ربه طاهر الحميقاني: «الزراعة في لهجة البيضاء دراسة دلالية»، فنطل على أودية فساح من الخضرة اليانعة المتنوعة اختلطت لغة المسند بالعربية اختلاط التاريخ القديم بالحديث، واختلط العلم بالشعر الفصيح والحميني اختلاط نوعين من الزهور العاطرة فعبق مقاله بفوح أخّاذ.

الذي يلفت النظر أن المقال استخدم بعض كلمات المسند الزراعية التي مازالت حية مستخدمة، وهذا بذاته يستدعي البحث عن الحضارة الزراعية اليمنية من طريق المفردات الزراعية، ومن المعلوم أن الحضارة اليمنية عرفت واشتهرت بالزراعة، ومن الأهمية بمكان أن يعكف الدارسون على هذا الحقل الخصب ليكشفوا عن نظام زراعي متطور تمثل في السدود، وتصريف مياه السيول، ومياه الأنهار والغيول، وأسماء المناشر، والرزوم، وأسماء المواسم، وتحديد مواعيد النجوم الموسمية، والتنبؤ بـالأمطار، والذاريات، والرياح، مما لا يزال معمولاً بمعظمها. ودكتورنا قد استهل هذا الحقل بالنسبة للمسار لأول مرة على أمل مرجو باستمراره لإثراء هذا الحقل الحضاري المتميز.

الأمر الثاني الذي أحب أن أشير إليه، والذي خرجت منه من هذا البحث الجيد هو أن القارئ سيعرف أن “اللهجات اليمنية” متقاربة جداً، فإذا حذفنا أداة التعريف المدغمة (أم) من “لهجة البيضاء” وجدنا أنّ لهجة وسط الشمال، تستخدم (أل) المنطوقة، وإذ خلت لهجة الوسط من (أم) واستخدمت (ال) فإنّ أعالي الشمال تستخدم (أم)، وهي ظاهرة بذاتها تستحق الدراسة ومعرفة لماذا قطع الوسط لهجة الجنوب الشرقي من لهجة الشمال، وهل يعود ذلك بسبب تنقل الهجرات القبلية وسكونها هنا وهناك حاملةً معها لهجتها؟  إن البحث في هذا المواضيع يعتبر كشفاً للحضارة الزراعية اليمنية، وتنقل الهجرات الداخلية عن طريق اللهجات.

وفي آخر المقالات كتب الأستاذ الباحث علي مغربي الأهدل تحت عنوان (الآراميّون في مهدهم القديم)، معتبرا اليمن الموطن الأول لتلك الحضارة، باعتباره ينبوع “الهجرات العربية” إلى أعالي الشمال منذ أزمنة قديمة.

نقرأ في هذا المقال بحثاً، كتبه الأستاذ الباحث “علي مغربي الاهدل” تحت عنوان الآراميّون في مهدهم القديم، وقد اخترت أن أجعله خاتمة هذا العدد لأن ختامه مسك، ثم إنه بحث لأهميته قد يثير نقاشاً صاخباً كأيِّ جديدٍ يتناقض مع طرح قديم، أو استخراج جديد لم يتطرّق اليه أحد، ومن ثم سوف يستقبله البعض بداية مشوار جديد لإثبات وجود غائب، وقد يرفضه البعض، هو يشبه إلى حدٍّ مّا كتاب الدكتور “كمال سليمان صليبي” : التوراة جاءت من الجزيرة العربية، من حيث استخدامه تشابه المسميات اللغوية بين أسماء “عسير” وأخبار “التوراة”، مستدلاً ببعض الحفريات والمسميات، فلقي من أمره عنتاً، ومع الفارق بينهما فصديقنا “الأهدل” لم يناقض ما تعارف عليه الناس، بل سيجد عضداً من القائلين بأن “اليمن” هو ينبوع “الهجرات العربية” إلى أعالي الشمال منذ أزمنة قديمة، فكاتبنا من هذه الناحية لن يجد ارتداداً غاضباً لما ذهب اليه، ولكنه سيحتاج إلى المزيد من الاثبات، إذ أن المقارنة بالأسماء والآثار لا تكفي لإثبات ما ذهب إليه، لكنها الخطوة الأولى في الطريق الطويل.

 لقد فتح باباً عليه المُضيّ في دروبه حتى يصل إلى غايته، ويبدو لي أنه قادر عليه، والحق يقال -والفضل له- أنه أول من اقتحم مغلقاً، وكسر أقفالاً، وسيكون له فضل الريادة في هذا الباب. كما أنه استطاع بأسلوب سهل عرض أفكاره وتناول شاهقاته.