وسأبقى أحلق في أجواء القديم، مع د. أحمد زيدان الحديدي، وهذه المرة، وفي أجواء بعيدة جغرافياً عن اليمن، متصلة به فكرياً، وأجد نفسي سابحاً بين «العلاقات الآشورية البابلية (ما بين 911 و745 ق. م)». متمتعاً بما أرى، منتشياً بما أسمع. شاكراً باسم «مجلة المسار» مقاله، مرحباً به وبما لديه من علم ليست اليمن ببعيدة عنه، فالعلاقات القديمة والحميمية بين اليمن والعراق، وعلى مختلف العصور، ومنذ ما قبل الهجرة النبوية وما بعدها حتى اليوم، ضاربة جذورها في التاريخ، ولم تنقطع، ولم يكدر صفو الإخاء بينهما في أي مجال حتى مجرد سحابة صيف، فأهلاً به وسهلاً على صفحات مجلته المسار.
حدد الدكتور الحديدي مجال مقاله بأنه يدرس «العلاقات السياسية والعسكرية لشمال العراق القديم مع جنوبه إبان النصف الأول من العصر الآشوري الحديث، أي ابتداءً من السنة الأولى لاعتلاء الملك آدد- نيراري (الثاني) العرش الآشوري، في العام (911 قبل الميلاد)، وحتى العام الأخير من حكم الملك آشور- نيراري (الخامس)، الذي صادف (745 قبل الميلاد)، بهدف إخضاع بلاد بابل بصورة خاصة والمدن العراقية الجنوبية القديمة بصورة عامة، سياسياً وعسكرياً، للتاج الآشوري».
وفي ظلال هذا المجال تحدث الدكتور عن نوعين من مصادر بحثه كانا دليله ليضرب في عمق التاريخ باحثاً في ميادين حضارة واحدة كبرى عاشت في ظلالها دول متتابعة منذ أول حضارة عُرفت في التاريخ هي الحضارة السومرية، ومع أن ما كشف عنها حتى الآن ليروع الإنسان المعاصر مما وصلت إليه تلك الحضارة من تطورات في حقول شتى، فإنها ماتزال تخفي الكثير من كنوزها، والكثير من أسرارها، فالنقوش الثمانية التي استشهد بها الدكتور ترينا كما لو أن وروداً وزهوراً متنوعة نثرت خلف سور مرتفع يدل على وجود حديقة غنّاء خلفه.
في ظل تلك الحضارة نشأت دولتان معاصرتان دولة آشور ودولة بابل، وكان بينهما من التقارب والتباعد والسلام والاقتتال، ما نراه اليوم بين دول الحضارة الغربية، مما يدل على أن الحضارة لا تتجزأ بتجزؤ الدول، فالحضارة ثابتة والدول متغيرة.
وهذ المقال أخيراً، تحدث عن موضوعه حديث عليم به ملم بجوانبه، مزوداً بخرائط فنية وجغرافية وممرات وطرق، الأمر الذي يفتح شهية البحث للمزيد.