أسهم الأستاذ العلامة «عبد الله بن يحي السريحي» بمقال تاريخي عن الملك المسعود الأيوبي وفترة حكمه في اليمن، وهو مقال تاريخي صرف وشجاع أيضاً، إذ أنّ العصبيات السياسية المتناحرة في هذا الزمن تتخذ من هذه الدولة أو تلك نماذج منيرة تسند بها عرقيتها أو تمذهبها أو حزبيتها، ومن ثم أفسدت عملياً التاريخ وكتابة التاريخ بما تلقي عليهما من أوبئة توجهاتها.
لكن العلامة «السريحي» لم ينح هذا المنحى، ولم يتأثر بهذه الأجواء، بل نظر إليها نظرة بحث مدقق لا يهمه منها إلا حقيقة وقائعها وصحتها، سواء وصمت الوقائع التاريخية توجها معيناً أو زينت توجهاً آخر فهو لم يقصد هذا أو ذاك، وإنما نقب عن حجار البيت التاريخي المدفون في الزمن، فأعاد بناءه كما كان أو قريباً مما كان، وعرضه على الناس بألوانه وحجارته وترابه، وترك للمشاهدين أن يقولوا فيه ما يريدون من قول، أما هو كمؤرخ فقد أقام ما يجب عليه القيام به، وقدم لنا بيت السلاطين الأيوبيين كما عمروه هم لاكما يراه أشياعهم؟. ونحن نعلم أنّ دراسة التاريخ مسؤولية عظيمة، وأنها ليست مسرحاً للمدح، ولا ملعباً للذم، وإنما هي تقويم لما حدث، وتشخيص لما وقع، ومن هنا تتم الاستفادة من إيجابيات التاريخ بتبنيها، والاستفادة من سلبياتها بنبذها، وإذا لم ندرس التاريخ وننظفه من عوائقه التي أصبحت سلوكا ثقافياً فلا سبيل لاستعادة تاريخ الحضارة الإسلامية أو الدخول في الحضارة المعاصرة وسنظل نحمل تاريخا مشوهاً يعيقنا تماماً عن اللحاق بالحضارة المعاصرة، أو إحياء الحضارة القديمة وسنظل جرما تائهاً في فلك كبير.