نخرج من تلك الأجواء إلى عالم الشعر كما يخرج الرحالة من الصحراء الغامضة المترامية إلى واحة فيها ظلال ظليلة، وأشجار وغدير جارٍ، ومنظر حسن، فنستقر فيها نستروح أنفاس نسيم عابر. وليس مثل الشعر ما يُريح النفس اللاهثة، ولهذا سنتفيأ مع الآنسة الأديبة “علاء علي” في واحة الشاعر “المُقري” من خلال مقالها «تقنية التناص في الخطاب الشعري عند إسماعيل المقري».
تناولت الكاتبة الحديث عن التناص بمعرفة كاملة به، ملمَّة بأنواعه، شارحة لمعانيها. وقد بدأت بتعريف مصطلحه بأقسامه الثلاثة، وذكرت أنَّ هذا المصطلح جديداً، ولهذا فهو ما يزال يتعرض للتحولات، ولتعدَّد التعريفات الذي لم يكتمل بها بعد أو على حدِّ قول الآنسة الكاتبة «ما يزال مصطلحاً مراوغاً ليس له تعريف محدد؛ إذ يُعدُّ مصطلحاً جديداً لظاهرة نقدية قديمة». ومن خلال طوافها على أراء النقاد الغربيين ومن خلال تقسيمها التناص إلى اقتباسي، وإحالي، وإيحائي خلصت إلى القول «إنَّ التناص تقنية فعَّالة في فهم النص وتحليله من خلال تفاعل النصوص فيما بينها» و«أنَّ الخطاب الشعري لإسماعيل المقري يزخر بالتقاطع النصي مع نصوص أُخَرْ، نجده محكوماً بطابع كلاسيكي تقليدي كما هو الشأن في تلك الفترة». وأنَّ «اللغة الدينية تتمتع بتأثير وحضور في الوعي الجمعي»، و«أنَّ النص القرآني شكَّل مكوناً جوهرياً من مكونات الخطاب الشـعري لدى المقري، حيث استثمر مفردات “القرآن الكريم” ودلالتها ووظفها في النص الشعري محملة بدلالات تنسجم مع النص الشعري وفق رؤياه الذاتية».
وبعد أن تُلم بهذا النص في حالة تطبيقه تتحول إلى التناص الإحالي، وتعرفه بأنه «الفهم العميق وإمعان النظر فيما تختزله مضامين التناص المكثفة، وملاحظة العلاقة بين النص الحاضر والنص الغائب من خلال إحالة التركيب أو المفردة للنص الغائب» وتمضي فتطبِّق عليه ما طبقته مع سالفه، ثم تتناول التناص الإيحائي، الذي يعتمد على الإيماء دون التصريح، والمعنى دون اللفظ. وكما عملت مع الأولين طبقت الثالث على نصوص من شعر المقري.
الخلاصة فما قدمته الآنسة الأستاذة “علاء علي” أنها ناغمت معنى المصطلحات بما عرضته من شعر ووفقت في ذلك خير توفيق وعالجت شعر المقري من خلاله معالجة تقنية التناص بحذق ومهارة.