وتناول الأستاذ الباحث والمتخصص في التراث اليمني القديم بوجه خاص، جمال الشامي، زاد الله أبحاثه جمالًا، موضوعًا مهمًا أيضًا يكشف ما نحن عنه غافلون، وبعضنا معادون، هو «حقوق الإنسان في تراث الإمام محمد المرتضى». والحق أن ما يقوم به هذا الباحث القدير لهو ربط الماضي المشرق بالحاضر الضبابي، لمساعدة هذا الحاضر في إزالة الأتربة والغبار من عليه. ذلك أن الماضي العلمي يحمل في طياته من الفكر والإبداع ما يثري به غائم الحاضر، وينقيه من الأوهام والظنون، وما فيه من حيوية تضيء مدلهم تلك الأوهام والظنون، لكي تنار السبيل لمستقبل علمي يتبلور.
وقد كان الناس في غفلة من ذلك الفكر الحي حتى لظنه البعض عقيمًا، وفي ما قام به الأستاذ جمال الشامي من نشر كتب الماضي، هو في الحقيقة إحياء لتراث مساعد في بداية اليقظة الحاضرة التي ما يزال العمى التاريخي يطنب مضاربه. ومما لا شك فيه أن الجهد الذي قام به أستاذنا الكريم، لهو من الأعمال المباركة التي تستخرج الجيد من التراث حتى ندخل فيه ونقرأه قراءة منصفة، وهو إلى جانب ذلك تنشيط لحاضر متعثر لولا بعض المنارات المضيئة.
بدأ الأستاذ جمال بحثه بالتعريف بنصوص الإمام، ثم بالتعريف بالإمام، والإمام المرتضى من خيرة الأئمة سيرة وسلوكًا وعلمًا، لا يختلف من عرفوه في فضله وعلمه وحسن خلقه وسمو تدينه في ما أعلم، وسيتعرف القارئ على بعض أفكار هذا الإمام العظيم من هذا البحث العلمي الرصين.
ثم بعد ذلك حدد موضوعه بثلاثة عناوين رئيسية تتفرع إلى عناوين جانبية، وتلك العناوين الرئيسية هي: 1- أصل خلق الإنسان وحقيقته؛ 2- الحقوق الأساسية والعامة؛ 3- الحقوق الخاصة بالمرأة والطفل.
وفي العنوان الأول تناول حقوق الإنسان في التعاملات الدينية والدنيوية، وما فيها من تسهيل وتيسير، ومن أهم ما تعرض له دفع الإنسان عن نفسه أي ضرر يلحق به كالأوبئة الفتاكة وغيرها، وعن النظر والتفكير، وحق العيش بكرامة، وحق الإنصاف والعدل.
ثم تحدث عن الحقوق الاقتصادية من مثل توريث ذوي الأرحام، وحق حماية الملكية، وحق التكافل الاجتماعي، وحق رعاية الأيتام، وحق الوصية.
وفي مجال الحقوق الاجتماعية، تحدث عن حق الزواج والأسرة، وحق اختيار الزوج، وحقها في ألا يعقد عليها إلا بإذنها، وعقد أبيها عليها بدون موافقتها مفسوخ، وحق الهجرة والتنقل، وحق الأولاد في المساواة بينهم.
ثم تناول الحقوق السياسية: فتحدث عن الحق في رفض شرعية الظالمين ومقاطعتهم، والحق في التصدي للظلمة، وحق النظر في من يستحق الإمامة، والحق في إقامة العلاقات مع غير الأعداء.
ثم تناول الحقوق الخاصة: فشرح حقوق المرأة، ومنع التزوج بالصغيرة، حق التصرف في مالها؛ إذ الزوجة سمحت به، حق المعاملة الحسنة، حق الدفاع عن نفسها، حق مراعاة أرحام المرأة، حقها في ميراث دية زوجها، وحقها في اختيار زوجها، وألا يجوز أن يعقد لها أبوها بدون رضاها إطلاقًا، وإذا ما فعل فالعقد باطل ومفسوخ. وهذه النقطة بالذات من الأهمية في التعامل بين الجنسين، فالقول بعدم المساواة كإلقاء اللوم على حواء في المعصية، يؤدي بالنظر إلى الانتقاص منها ومن جنسها.
وكم هي المظالم التي ترتكب بحقوق النساء، حيث تغلبت العادة على الدين، وللعادات قوة صارعة صرعت حقوقًا وأماتت واجبات.
ثم تناول حقوق الطفل: الكف عن إيذائه، الحفاظ على أمواله، المساواة بين الأطفال.
وكل ما ذكره من الحقوق هو محور مقاصد الشريعة، وما شُرعت الشرائع إلا لمصالحه، لكونها ألطافًا، والمندوبات لكونها مسهلات للواجبات، والمحرمات لكونها مفاسد، ولا شك أن دفع المفاسد كالمصلحة، والمكروهات كونها مسهلة لتجنب المحرمات.
ثم تحدث الأستاذ جمال عن حقوق الإنسان في تراث الإمام المرتضى، بما أجمله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عندما قال في مصالح الشرائع في قوله: «فرض الله الإيمان تطهيرًا من الشرك، والصلاة تنزيهًا عن الكبر، والزكاة تسبيبًا للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحج تقوية للدين، والجهاد عزًا للإسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعًا للسفهاء، وصلة الرحم منماة للعدد، والقصاص حقنًا للدماء، وإقامة الحدود إعظامًا للمحارم، وترك شرب الخمر تحصينًا للعقل، ومجانبة السرقة إيجابًا للعفة، وترك الزنا تحصينًا للنسب، وترك اللواط تكثيرًا للنسل، والشهادات استظهارًا على المجاحدات، وترك الكذب تشريفًا للصدق، والسلام أمانًا من المخاوف، والأمانة نظامًا للأمة».