استقرأ الأستاذ أحمد سعد يحيى، جانبًا من صور العنف التي تضمنتها القصص الشعبية التي تُحكى للأطفال في اليمن. وتحدث عن العنف كظاهرة بشرية وإسهام ثقافة المجتمعات في ترسيخها، واختار نماذج من القصص الشعبية المتداولة في اليمن، مبينا آثارها النفسية والتربوية على الأطفال.

مجلة المسار

أصل إلى ختام هذه الافتتاحية بالحديث عن موضوع خطير للغاية، ومهم للغاية، لأنه يتناول معضلة تنمو مع الإنسان، وتسبب له كوارث نفسية تسيل عنفًا على من حوله، بدون أن يوجد لها حل بقدر ما يوجد لها تشجيع. تلك هي: خطاب العنف في قصص الأطفال (الحكايات الشعبية في اليمن). حيث قام الأستاذ أحمد سعد يحيى مشكورًا بتقديم بحث موضوعي وشيق ومفيد، كاشفًا عن بداية داء مضر، وعن نتائج مدمرة، وذلك من خلال: تعريف العنف وذكر مراتبه وأشكاله، ثم وثق ذلك باقتباسات من القصص الشعبية الخاصة بالأطفال، ثم كنتيجة لذلك تحدث عن صور العنف وأثرها النفسي والتربوي على الأطفال.

كلنا نعرف أن كل مولد يولد على الفطرة، وأن مجتمعه يهذبه أو يعقده، يسعده أو يشقيه، وليست صور العنف الذي نراه في العالم إلا انعكاس للتربية الضارة، ولعل أفلام العنف التي تتدفق على مسامع الأطفال وأبصارهم، لخليقة أن تولد مجتمعًا عنيفًا وضاريًا في أكثر بلدان العالم. وليس تعليم العنف إلا إحياء لغريزة التوحش الغابي، الذي هذبته الأديان السماوية والحكماء والفلاسفة. وليس العنف نفسه إلا مقت للمجتمع وتخريب للإنسان، وهناك فرق شاسع بين الشجاعة والعنف، فالشجاعة يزينها الحلم والرفق وسمو الفعل، بينما العنف يركبه الطيش وسوء العمل.

وأتفق مع الكاتب أن العنف موجود منذ وجود الإنسان، أي منذ كان في الغابات يفرض عليه مجتمعه العنف والأعمال الوحشية من أجل البقاء، لكن ما لبث أن طور نفسه، ثم جاء الأنبياء يقلمون أظافر الشر، وكذلك فعل الفلاسفة والحكماء، فخففوا من ضرره، لكنه في هذا العصر بالذات انبعثت حياة الغاب من جديد، كما لم تكن من قبل، وما قنبلتي «هيروشيما» و«ناجازاكي» وضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية إلا العنف نفسه، وما نراه من تعذيب الإنسان في السجون المظلمة تأكيد على روح الغاب بأقوى مما كان في الغاب، وإذا كان رجل الغاب يدافع عن نفسه، فإن رجل الغاب المعاصر يعتدي على غيره بكل أنواع الدمار، ويلاحظ الكاتب بحق أن المشكلة ليست في وجود العنف، ولكن في تبريره واتساع مساحته وازدياد حجم جرائمه.

وقد تمكن الكاتب من أن يستعرض صورًا من صور العنف في القصص والحزاوي، ما يجعله يملأ المشهد بحيث «لا يترك في ذهن المتلقي أدنى مساحة لتخيل عالم وردي جميل آمن من حوله، سوى عالم مليءٍ بالمخاوف، والرعب، تحيط به مخلوقات متوحشة تصطاد البشر وتتغذى على لحومهم، مشهد عززته قسوة اللغة التي تجلت في ألفاظها الموحية بالعنف والفزع (شبحًا، الجرجوف، شم رائحتها، تتبع مصدر الرائحة، با اقرطه على ضرسي وأسناني، أنا جرجوف بعدي جرجوف دلالة على الكثرة، بطني معطوف، قبة الصوف)، والتي كان لها وقعها وأثرها النفسي على المتلقي».

لا شك أن هذا المقال وصفة علاجية، من قرأه بإمكانه أن ينظر إلى مواقع الداء فيتجنبه ويجنبه، وأن يسعى إلى معرفة العلاج فيعتمده ويمارسه.