وعلى أريكة أخرى، وعلى نفس المستوى، يقتعد مقال الأستاذة علا الحوثي» ظاهرة الرفض والتمرد عند شعراء القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين في اليمن»، مكانة ممتازة عالجت من خلاله دوافع الرفض -بمعنى معارضة الحكم- بأسلوب صريح. ويلتقي مقالا الآنستين الكريمتين في مقاومة أعمال مجتمع غير عادل، حيث رأت الأستاذة: (علا) أن الشعر ارتبط «في مضامينه بظاهرة الرفض والتمرد منذ تاريخ وجوده وحتى شعرنا المعاصر، وشاعت هذه الظاهرة بسبب ما تكتنفه الحياة من صراع وهموم وتناقضات، جعلت الشعراء يعبرون عن آمالهم وآلامهم بكل غضب وسخط، فتولدت تلك الإبداعات الشعرية المتأججة بنيران الرفض والتمرد».
ثم مضت تفسر دلالة الرفض في اللغة والاصطلاح، بتوسع ومتابعة، لتنطلق منه، كما عودتنا في أبحاثها القيمة، إلى توثيق ما تحدثت عنه، فضربت مثلاً بقصيدة الشاعر العلامة: عبد القادر بن أحمد الكوكباني، ضد الظلم، وما أثارت من ردود فعل، وكذلك وقفت مع قصيدتي العلامة المجتهد: محمد بن إسماعيل الأمير الهائية والرائية اللتين اشتهرتا، وكان لهما ردود فعل عالية، كما وقفت مستشهدة بقصيدة العلامة الشاعر: الحسين بن علي بن المتوكل العينية العنيفة. وعبر عنه الشاعر العلامة: علي بن أبي الرجال، في أبياته الدالية، والشاعر: أحمد الآنسي، في قصيدتيه البائية والعينية.
ومن نباهة الكاتبة أنها تعرضت لظاهرة من ظواهر الرفض، قادرة على تحويل المعطيات السلبية إلى إيجابية، وقد وجدت هذه الظاهرة واضحة عند الشاعر صلاح بن الحسن الأخفش، في قصيدته الحائية التي تجلت على صورة مغايرة.
أخلص من هذا الحديث عن هذا المقال الكثير الخصب، إلى ملاحظة أن شعراء الرفض الذين استشهدت بهم الأستاذة الفاضلة، هم من العلماء الكبار ومن الأسر الحاكمة وأبناء عمهم المعارضين ومن المقربين إلى الحكم، ولم يتعرض المقال إلى شعراء الرفض من غير هذه الفئات، كالإمام المجتهد الطلق: صالح المقبلي (ت1108هـ/1696م)، وغيره ممن لم يرتبط بحكم، وليس قريباً من السلطة، فمعارضتهم صافية من أي لبس، ومن ثم فهي أصدق تعبيراً من معظم المذكورين أنفاً.
ومما تحسن الإشارة إليه، أن الشعراء يتنوعون في طرق رفضهم، إلا أنهم يلتقون عند نقطة واحدة، هي الظلم وفقدان العدل، وبطبيعة الحال فليس كل الولاة ظلمة، ففيهم العادل وفيهم الجائر، وفيهم التقي وفيهم المتهتك، وليس كل من عارض على صواب، فالدوافع كامنة المشارب، والأسباب خفية، مما يقتضي دراسة تلك الدوافع لمعرفة حلة الناقد والمنقود. ولعل الشاعر: أحمد الآنسي، قد دلنا على وجود ولاة عدول وأخرين ظلمة في قصيدتيه البائية والعينية.