أهمية هذا القاضي وهذا الكتاب أن العلوم الإباضية في فقه علم الكلام وصلت على يديه إلى قمتها. إذ «كانت “الإباضية” في مراحلها المبكرة في “عُمان” – كما هو معروف – تعارض المنحى الفكري النظري لـ “علم الكلام”، وتميل إلى التقليدية والالتزام بالنص، حسب مذهب “الربيع بن حبيب الفراهيدي” في القرن الثاني الهجري /الثامن الميلادي. وفي أواخر القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، قام أبو المنذر “بشير بن محمد بن محبوب (ت 908 م/ 290 ه) بوضع رسالتين صغيرتين في علم الكلام طرحتا وعكستا فكر العالم البصري المعتزلي المعاصر “أبي علي الجبائي” (ت 915 – 916م/ 303 ه). وهناك أدلة على استمرار مدرسة صغيرة في علم الكلام في تدريس فكر “أبي المنذر” في سُحار خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. والقاضي نجاد، على الرغم من احترامه بعض وجوه من مدرسة المعتزلة في “علم الكلام” التي أسسها “أبو المنذر”، إلا أنه وضع “علم الكلام الإباضي” على قواعد مختلفة، «شافعية أشعرية”. ويتضمن كتاب “الأكلّة” بشكل كبير نصوصاً منقولة عن كتب “الأشعرية” في “أصول الفقه” و”علم الكلام”. وهناك العديد أيضاً من النصوص المنقولة عن كتب “المعتزلة” ولكن معظمها نصوص ثانوية منقولة عن كتب “الأشعرية” التي كانت تهدف إلى تفنيدها ودحضها».
ويكشف البرفسور عن أهمية هذا الكتاب بقوله: «والسؤال الهامّ الذي جرت مناقشته في هذا الجزء كان القُدرة المطلقة للعقل البشري والمنطق لتمييز الحقيقة المطلقة التي يؤكدها العقل، في مقابل رأي أهل الحديث الذي يدّعي أن الوحي وحده -ممثل في القرآن والسُنَّة النبوية – هو القادر فقط أن يُثبت اليقين في الدين. وقد شذّ ابن فورَك هنا عن الأشعري في تأكيد ما ذهب إليه المذهب العقلاني من حيث أن العقل هو المرجع النهائي لإقرار الحقيقة كلها».
من هذا العرض الموجز من مقال البرفيسور يتضح لنا أهمية الكتاب، ومن ثم تتضح لنا الاستفادة من قراءة مقاله، أو من قراءة الكتاب نفسه. ثم إن موضوع هذا الكتاب يزيدنا معرفة بـ “الإباضية” التي سكنت أعالي الشمال اليمني من خلال ما تعرض له المقال من آراء “عبد الله بن يزيد الفزاري” مؤسس الإباضية في أعالي شمال اليمن. كما أوضحته في كتابي على أطلال الإباضية”.