فبحث «مساهمة أسرة بني الوزير السياسية والعلمية والاجتماعية من خلال كتاب (ثبت بني الوزير) للهادي بن إبراهيم» جمع ما ليس مجموعاً وما هو متناثر في كتب التراجم التي تقوم على الأبجدية فتتباعد زماناً، وتتفرق مكاناً، وتنفصل تاريخاً، لذا رأيت أن أجمع تلك التراجم كتاريخ متسلسل مترابط، لتظهر مساهمتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتقرأ تاريخاً، وليس لوامع برقٍ هنا أو هناك.
وكما قلت في نفس المقال أنه إذا ذُكر الأمير العفيف محمد ذُكِرت المطرفية تلقائياً، ومن هنا تحدثت عن المطرفية من زوايا لم يذكرها محاورو كتاب (حوار عن المطرفية.. الفكر والمأساة) الثلاثة، إلَّا ما لا يمكن تجاوزه، لأسرة اتخذت من تحصيل العلوم هدفها، ومن ثم لم تؤازر إلَّا عادلاً، ولم تنابذ إلَّا ظالماً، لم يكن لها حظٌ مرموق في عالم السياسية منذ جدها الإمام يحيى بن الناصر والإمام يوسف بن يحيى اللذين أخفقا في هذا المجال، فكان درساً استوعبه الأبناء استيعاباً فانصرفوا عن السياسة إلى العلوم فنجحوا فيها، ويجسد هذه الظاهرة الأمير محمد بن المفضل، التي عرضت عليه الإمامة، وكان الوحيد المرشح لها، فعافها فلُقِّب العفيف، ثم استمر هذا التباعد إلى القرن الثاني عشر الهجري، حيث قام الإمام محمد بن عبد الله الوزير وفي القرن الرابع عشر الهجري، حيث قامت الثورة الدستورية برياسة الإمام عبد الله، وكلا التجربتين السياسيتين أخفقتا، ومن ثمَّ لم يكن لدي هذه الأسرة تراكم الخبرة بالإمامة السياسية من نهاية تجربة الإمام يوسف بن يحيى؛ لأنها انصرفت في طلب العلوم واستقت من ينابيعها الوفر الكثير، وألَّفت وأبدعت في فنون مختلفة.