موقف أمريكا ومخاوف السعودية من ثورة 1962م في اليمن

عن (موقف أمريكا ومخاوف السعودية من ثورة 1962م في اليمن) إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين، كتاب لطفي نعمان من وحي بعض الوثائق الأمريكية، ومنها تلك التي تعرضت للقاء الملك فيصل مع الرئيس الأمريكي كيندي وما دار بينهما بشأن اليمن.
  • وإلى حقل تسوده دائماً الحيل والتلاعب بالكلمات لتشكل موحيات متناقضة يستغلها من يريد أن يخرج من تعهداته، نقرأ معاً مقال الأستاذ الباحث “لطفي نعمان” في مقاله المسمى «موقف أمريكا ومخاوف السعودية من ثورة 1962م في اليمن» وذلك إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين، أو بين فيصل وناصر.

وقد وقف الأستاذ “لطفي” بلطفه المعروف وقلمه الأديب والمؤدب مع بعض الوثائق الأمريكية، ومنها تلك التي تعرضت للقاء الملك فيصل مع الرئيس الأمريكي كيندي-وكلاهما اغتيلا بالرصاص- إبّان قيام الحركة العسكرية وإعلان الجمهورية، ومع أن «المسار» بدأت بنشر «الوثائق البريطانية» عن يمن الإمامين المنصور وابنه المتوكل، إلا أن الأستاذ هو أول من قام بدراسة وثيقة – بهذا القدر من الأهمية- على صفحاتها، وكان تحليله موضوعياً أخلص فيها لما فهمه منها، واستنبطه، في أسلوب جميل عُرف به. وبهذه المناسبة ترحب «المسار» بمن يريد أن يخوض في هذا الحقل ترحيباً غير مشروط إلّا شرط الموضوعية وطلب الحق، لأني اعتبر الوثائق هو الوجه الآخر للتاريخ، أو القرارات الخفيّة التي تسهم في صنع الأحداث المستجدة، وسوف يقدم الباحثون على هذا الحقل ما يستفيد منه المطلعون.

وقد أشار الأستاذ الباحث إليّ مرتين في حاشيتين.

المرة الأولى:

عندما قال: «سبق للباحث ترجمة ونشر بعض التقارير الأميركية عن احتمال حدوث تغيير في اليمن، بصحيفة 26 سبتمبر، في سبتمبر 2012 م، يؤكد مضمون إحداها صحة ظنّ المفكر الأستاذ زيد بن علي الوزير والمدون في كتابه المهم “محاولة لفهم المشكلة اليمنية” ص 220 من الطبعة الثالثة، بشأن “علم الولايات المتحدة بالتخطيط للانقلاب والتخطيط كذلك لحمايته مع تشجيع تامّ للمنفذين أو توفير لمنهجية تعاطي الحماية”، لكن تلك التقارير تشير بـ “العلم” دون “التخطيط”، ثم “عدم التدخل”. تبعاً لمنهجية تعاطي أميركا مع الشأن اليمني حسب إشارة “كومر” إلى ذلك ضمن تقريره». والثانية عندما استدعاني شاهداً: «ويحدونا الأمل في أن تضم صفحات أعداد مقبلة من المسار شذرات من ذكريات رئيس تحرير المسار الوالد الأستاذ المفكر زيد بن علي الوزير، حول تلكم الفترة، كونه شاهداً وقريباً ومعاصراً من بعض الدوائر التي تأثرت بالحدث اليمني وما تفاعل معه جواره القريب».

فأما ما قاله عن المرة الأولى فأحب أن أوضح أنه على حق لو اعتمدنا على الوثيقتين أو أكثر، بدون استقراء التجارب المتوفرة عن التخطيطات الماكرة التي يقوم بها الأقوى حفاظاً على مصالحه، واستغلالاً للأضعف لاستنزافه، ولا أظن أحداً ينكر ما قامت بها السياسة الأمريكية والأوروبية في العالم العربي وغيره من تخطيطات  حتى ليمكن القول أنه ما من انقلابٍ ناجح أو فاشل  إلا وأصابعهم خلفها، تنسج إخراجاً مختلفاً بحسب الحالة تشجيعاً لمغامرة، تلويحاً بمنفعة، اغراءً مالياً، تعددت الأسباب والتخطيط واحد،  ومن المعلوم أنني لا أعني بالتخطيطات أبداً وضع التفاصيل، أو طريقة تنفيذه وإخراجه، فهذا موضوع متروك للقوى الداخلية التي تدار بالريموت عن بعد. وقد تُكبِّر كلمة التخطيط – في بعض الأحداث- وتضخم من أمر التدخل حتى يستدعي الأمر إنكاره، مع أن التشجيعات والتوريطات والإغراءات موجودة حاضرة، وغزو “العراق” للكويت” كان بتوريط أمريكي إن لم نقل تخطيطاً، ثم إن كثيراً من الوثائق لم تنشر كلها حتى تُستكمل الرؤية، وبالنسبة لقضية “اليمن، فقد يكون رأي الصديق الباحث على حقّ لأننا لم نعثر على وثيقة تفصح به، ولكن الاستقراء يميل بقوة إلى وجود مثل ذلك، وخاصة إذا عرفنا ميول الرئيس “كندي” وتأييده للحركة العسكرية بالرغم من صداقته الوثيقة بالمملكة، وأما التدخل الأمريكي فلم يكن بالقوة وإنما بالسياسة ولم يعد سراً أن أمريكا كانت وراء الاعتراف بالجمهورية في الأمم المتحدة، الأمر الذي يؤيد وجود كلما يمت إلى التخطيط بصلة. ومن المعلوم أن حالة القابلية للتغير في البلدان التي لم تستكمل نضجها السياسي تكون مستعدة بدون تبصر للوقوع في أي تخطيط خفي أو علني.

الأمر الثاني:

هو استدعائي كشاهد، والشاهد كالرائد لا يكذب أهله، وأنا أشهد أني سمعت رواية مخالفة للوثيقة في بعض النقاط، عن الأمير متعب بن عبد العزيز، وهو يحدثنا مع لفيف من الأخوة اليمنيين في وقت متأخر من قيام الجمهورية أثناء الحرب الجمهورية الملكية (في فندق بلازا في بيروت)، إذ قال: إنه كان مع الأمير فيصل في أمريكا، وأن الأمير استدعاه عقب خروجه من مقابلة الرئيس كندي، وطلب منه سرعة السفر إلى الرياض لمقابلة الملك سعود، وقال له: قل لسعود: قاتل حتى لو بعت العباءة، وبلغه أن الموقف الأمريكي متعاطف مع الحركة العسكرية؛ لأنه -أي الرئيس- يعتقد أن الثورة اليمنية قامت نتيجة تخلّف مريع، وأنه – أي الرئيس – لن يقدر أن يقف مع حكم متخلّف، وقال: إن رد الأمير فيصل، كان حازماً ومنذراً، فقال للرئيس بما معناه: أنا رجل بدوي، ما زلت بدوياً معتاداً علي ركوب الجمل وشظف العيش، وعلى استعداد لأستغني عن السيارة وأحرق آبار البترول كلها، وأعود إلى الصحراء بدوياً مقاتلاً، وإزاء هذا الموقف طلب الرئيس منه أن يقوم هو بإصلاحات في السعودية ليدعم موقفه الأمريكي الضاغط عليه من قبل حزبه، وقال حجزت في أول طائرة إلى بيروت، حيث لم يكن ثمة خط مباشر ومنها إلى الرياض، وأبلغت الملك سعود بما أخبرني به فيصل. هذا ما سمعته بأذني، وما كنت للحقيقة عالماً.

وبمثل هذا الحديث تقريباً سمعته من الصحفي السوري المشهور المرحوم أحمد عسة عن المرحوم رشاد فرعون مستشار الملك فيصل الأكثر من مقرب.

وأخيراً أضيف معلومتين لهما صلة، عرفتهما من المرحوم أحمد الشامي، إذ قال: إن السيف “الحسن” لما وصل مطار لندن سأله عن موقف أمريكا، ومن قابل من المسؤولين، وما هي وجهة نظرهم؟ قال: إنه لا يعرف رأيهم، ولم يقابل أحداً منهم، فذهل أحمد الشامي؛ لأن الأخبار آنذاك كان تصوّر السيف “الحسن” أنه رجل أمريكا ضد الأمير الأحمر “البدر”، وقال أيضاً: إنهما كانا ينويان الذهاب إلى عدن ومنها إلى اليمن، لكن الخارجية البريطانية نصحتهم بحزم بالتوجه إلى السعودية. وهكذا كان.