والآن، أشد الرحال إلى الجزائر الرفيعة الخصال، فأقوم بزيارة الدكتور الوقور، والباحث الرشيد آيت بعزير عبد النور، فأسلم عليه تسليمًا، وأسمع منه ما كتبه عن “مساهمة الحسين الورتلاني في التاريخ”، وإنه لبحث مهم جدًا بما احتواه من معلومات تصل الماضي بالحاضر، وتوشج صلات القربي الفكرية بين الجزائر واليمن.
في بحثه تناول الدكتور الوقور التعريف: بشخصية الحسين الورتلاني، ثم باهتمام الورتلاني بتاريخ الجزائر، ثم مضمون كتاب الرحلة الورتلانية.
وتحت تلك العناوين الثلاثة، قام الدكتور بسياحة تأريخية إلى حقبة العهد العثماني، ليلتقي بشخصية تاريخية فذة طافت بلدانًا كثيرة داخل الجزائر وخارجها، وأسمح لنفسي أن أرافق رحلته لزيارة ذلك الشيخ المؤرخ الجليل.
سأبدأ بما بدأ الدكتور “آيت بعزيز” بملخص بحثه، حيث أعطانا صورة مختصرة عن حياة الشيخ الجليل ودراسته ومشايخه في الدين، وإسهام الحسين الورتلاني في كتابة تاريخ الجزائر الحديث، من خلال رحلته “نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار”.
وأعرف منه أن شيخنا الجليل تلقى علومه في الجزائر، وأن علماء مصر الكبار منحوه إجازاتهم عندما استقر فيها لبعض الوقت. وعرفت منه أنه كان شاعرًا وأديبًا متصوفًا ورحالة منقبًا؛ طاف أكثر المناطق الجزائرية، ورحل إلى مكة المكرمة ثلاث مرات، وبهذه العدة والعتاد كتب الرحلة الورتلانية.
وقد تساءل الدكتور آيت بعزيز: هل حظيت كتبه باهتمام المؤرخين من بعده؟ وما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها الرحلة الورتلانية في كتابة تاريخ الجزائر في العهد العثماني؟ وقد أجاب هو على تساؤله في آخر بحثه، حيث تجده هناك.
ثم تحدث عن مضمون كتاب الرحلة “نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار”، فأحاط به خبرًا. فرافقه -وبالأحرى رافقته- في رحلته من زمورة فقصر الطير فخنقة سيدي جابر ومنها إلى إيالة تونس من جنوبها، ثم إلى القاهرة حيث توقف في الأزهر واجتمع بمشايخه ونال إجازاتهم وشاهد خروج موكب كسوة الكعبة المهيب، ثم واصل رحلته إلى مكة المكرمة، عاد من مكة متخذًا -من بعد مصر طريقًا أخرى، واستمرت هذه الرحلة أربع سنوات مليئة بالمشاهدات واللقطات الملفتة للنظر.
بعد هذه الجولة، عرج دكتورنا -وعرجت معه- إلى قراءة مصادر الورتلاني فـ تضمين تاريخ الجزائر الحديث، فأوفاهما بحثًا.
وانتهى به البحث القيِّم والمفيد إلى خاتمة لخص فيها:
1. خصائص أسلوب الحسين الورتلاني في تاريخ سرد الأحداث التاريخية.
2. التزامه الصدق والورع والتصوف.
3. تحريه الحقيقة.
4. ابتعاده عن الخرافات.
5. تميزه بالمحسنات اللفظية.
6. اعتباره التاريخ وسيلة علمية تهذيبية.
وبعد، فقد خرجت من هذا البحث بصورة واضحة المعالم عن شيخ جليل القدر رحمه الله وحفظ الدكتور.