وتختتم “المسار” -والختامُ مسكٌ- هذا العدد بمقال الدكتور “عبد النور أيت بعزيز”: «قراءة في ألقاب عائلات بني ورتلان دلالات وأبعاد».
لا مبالغة إذا قلتُ إنَّ الدكتور بمقاله هذا يفتتح أفقاً جديداً في حقل الأبحاث الجديدة، فهو به يُطلُّ على حقلٍ جديدٍ لم يطرقه كُتَّاب العرب الشرقيين فيما أعلم إلَّا في النادر، ولم يعطوه من الأهمية ما أعطاه الدكتور، وإنني أرجو أن يُتابعه الكُتَّاب العرب بأبحاثهم ومقالاتهم، لا لأهميته كتاريخ يجب أن يُنشر فحسب، وإنما من أجل أن تُفهم تقاليد وعادات المجتمعات والمكونات في الوطن الواحد، من أجل تفكيك ما يجلبه الجهل بها من احتقانات مُتفجِّرة يولِّدها الجهل. والحق أنَّ مثل هذه الأبحاث تفيد أيضاً في معرفة سلوك المناطق المتباعدة والتعارف فيما بينها على امتداد منطقة اللغة العربية، وإذابة أيَّ خلافٍ ينجم بسبب عدم معرفة تلك التقاليد.
وقد عانى الدكتور المشاق والصعاب في بحثه عن موطنه هذا، لأنه اقتحم حقلا غامضاً لا ينابيع له إلَّا وَشْلَ جداولٍ شحيحة لا تُروي ظمأً، ولنا أنَّ نتفهم قوله وهو يقتحم هذا الحقل المجهول: «المحاولة تُعتبر الأولى من نوعها حيث لا توجد أيُّ دراسة عن المنطقة لحدِّ الآن حسب علمنا».
وذلك بسبب قلَّة المصادر، مع أنَّ الكاتب لم يتحدث إلَّا عن «ألقاب بلدية بني ورتلان فقط، والتي يبلغ مجموعها 540 لقبا».
ومن المؤكد أن اليمنيين يدينون بالشكر بصفة خاصة للسيد الدكتور “عبد النور” الذي نوَّر صفحات “المسار” بماكتبه عن الزعيم الإسلامي الكبير السيد “الفضيل الورتلاني”، والآن ينوِّرهم بما تجيش به منطقته من ألقابٍ في أرضٍ ظَهَر فيها ذلك المصلح الكبير رضوان الله عليه.
ويختم الدكتور مقاله بدعوته إلى المزيد من البحث والدراسة لهذا الحقل: «وما هذه المحاولة إلَّا لبنة أولى في صرح هذا البناء الشامخ الذي اندثرت معالمه وكادت أن تزول نهائياً، والذي يتطلَّب منَّا جهوداً معتبرة لإبرازه والتعريف به والاعتزاز بصموده وتحدِّيه وإفشاله لمشاريع المحتل الفرنسي».
وهي لفتة مهمة لمعرفة محاولات الاحتلال الغربي كلِّه لطمس معالم سلوك أممٍ حَكَمَتْها. إنه لبحثٌ شاقٌّ بالفعل، ولكن الدكتور تمكَّن بحقٍّ من تسهيل معرفة طرقه وشعبه ومنعرجاته.
وبهذه الأبحاث التي احتواها هذا العدد فإنَّ “المسار” تسير على طريق الانفتاح والتلاقي، لقد بَدَأتْ بالحديث عن رجلٍ نبغ في “الشرق الإسلامي”، وختمته عن ألقاب رجال في “الغرب الإسلامي”، لإيمانها بوحدة “الأمة الإسلامية”، وبهدف التلاقي بعد الفراق، والتوحُّد بعد الانشقاق، وامتزاج الأفكار بعد الانقطاع، وتمحو ما ارتكب من جرائر التمزُّق المُعيب لتعيد الثمر الذاوي إلى اخضراره، والذابل إلى يانع نضجه، والمنقطع إلى رائع تلاقيه. والله الموفق للصواب.