تشاء الأقدار بدون تنسيق بيننا أن يُخصِّص الأستاذ الكبير عبد الباري طاهر مقاله عن المطرفية في كتاب (تيارات المعتزلة) للدكتور علي محمد زيد، والحقُّ أنَّ أستاذنا قد انتقى كتاباً ليلخصه فأحسن الاختيار، وعرضه للقراء فأحسن العرض، وألمَّ بأغراض الكتاب فتوفق، حتى ليمكن القول بأنه لم يترك نقطة هامَّة إلَّا وعرضها بأسلوبه الشيِّق المتميز. وأنَّ القارئ يخرج من مقاله وقد ألمَّ بشجونٍ للمطرفية وما لاقت وعانت وكيف وُئدت، وبدون ذنب قتلت.
وكتاب د. علي محمد الآنف الذكر يُعتبر في رأيي من خيرة الكتب عن المطرفية، وأكثرها إلماماً بأفكارها ومعتقداتها، واطلاعه الواسع على كتب المخترعة وكتاب المطرفية (البرهان الرائق) الوحيد الباقي من كتبهم حتى اليوم، فقام بدراسته دراسة موضوعية وقارنه بالفكر المخترعي بموضوعية عالم رشيد. ولعل ممَّا طرحه د. علي محمد أنَّ كُتب القاضي المخترعي الكبير جعفر بن عبد السلام كانت بمثابة فتوى بكفر المطرفية، للإمام ابن حمزة وإباحة قتلها وسبي نسائها وحز رقاب قوم مؤمنين.
وأُضيف هنا أنَّ القاضي العلامة المخترعي عبد الله بن زيد العنسي (ت 677ه/64-1365م) بعد إبادة المطرفية بحوالي 66 عاماً، يحمل نفس المسؤولية الأخلاقية، حيث صال وجال في ميدان ليس فيه أحد من فرسان المطرفية يجادله ويقارعه، فكان كمن جال أمام جثث مدفونة، لقد كانت تلك الكتب بمثابة التبرير لما حصل؛ بل وإبقاء نار الكراهية مشتعلة ضد أناس أبادهم سيفٍ قاسٍ. عن معظم هذا كلِّه تحدث الأستاذ الكبير عبد الباري طاهر بحيادية تامَّة، فأنجز صورة عامة واضحة المعالم.