إلى مدينة “البيضاء” تحملنا أشواق البحث لنقرأ مقال الدكتور عبد ربه طاهر الحميقاني: «الزراعة في لهجة البيضاء دراسة دلالية»، فنطل على أودية فساح من الخضرة اليانعة المتنوعة اختلطت لغة المسند بالعربية اختلاط التاريخ القديم بالحديث، واختلط العلم بالشعر الفصيح والحميني اختلاط نوعين من الزهور العاطرة فعبق مقاله بفوح أخّاذ.
الذي يلفت النظر أن المقال استخدم بعض كلمات المسند الزراعية التي مازالت حية مستخدمة، وهذا بذاته يستدعي البحث عن الحضارة الزراعية اليمنية من طريق المفردات الزراعية، ومن المعلوم أن الحضارة اليمنية عرفت واشتهرت بالزراعة، ومن الأهمية بمكان أن يعكف الدارسون على هذا الحقل الخصب ليكشفوا عن نظام زراعي متطور تمثل في السدود، وتصريف مياه السيول، ومياه الأنهار والغيول، وأسماء المناشر، والرزوم، وأسماء المواسم، وتحديد مواعيد النجوم الموسمية، والتنبؤ بـالأمطار، والذاريات، والرياح، مما لا يزال معمولاً بمعظمها. ودكتورنا قد استهل هذا الحقل بالنسبة للمسار لأول مرة على أمل مرجو باستمراره لإثراء هذا الحقل الحضاري المتميز.
الأمر الثاني الذي أحب أن أشير إليه، والذي خرجت منه من هذا البحث الجيد هو أن القارئ سيعرف أن “اللهجات اليمنية” متقاربة جداً، فإذا حذفنا أداة التعريف المدغمة (أم) من “لهجة البيضاء” وجدنا أنّ لهجة وسط الشمال، تستخدم (أل) المنطوقة، وإذ خلت لهجة الوسط من (أم) واستخدمت (ال) فإنّ أعالي الشمال تستخدم (أم)، وهي ظاهرة بذاتها تستحق الدراسة ومعرفة لماذا قطع الوسط لهجة الجنوب الشرقي من لهجة الشمال، وهل يعود ذلك بسبب تنقل الهجرات القبلية وسكونها هنا وهناك حاملةً معها لهجتها؟ إن البحث في هذا المواضيع يعتبر كشفاً للحضارة الزراعية اليمنية، وتنقل الهجرات الداخلية عن طريق اللهجات.