الأجواء الشعرية؛ إلى بحث الأستاذ الأديب الباحث «محمد الوريث» عن الشاعر «أبو دهبل الجمحي شاعر الحنين والوجد» حيث قدمهّ في إطار من المتعة الفنية الخالصة وحيث ينقلنا من صحراء الأبحاث العلمية إلى واحة ظليلة ذات شجر خضر وماء سلسبيل يشبه ماء «وادي آش» الأندلسي التي مرت به الشاعرة “حمدونة” الأندلسية فتعنتّ تحت ظلال دوحه:
وقانا لفحة الرمضاء واد * سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا * حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأٍ زلالا * ألذ من المدامة والنديم
يصد الشمس أنى واجهتنا * فيحجبها ويأذن للنسـيم
يروع حصاه حالية العذارى * فتلمس جانب العقد النظيم
ومع أن البحث الذي قدمه أديبنا يركز على الحنين والوجد إلا أنه ألم بحياة الشاعر وظروفه السياسية وانتمائه العقدي، وطوف بنا معه في معظم مراحله بما فيه من حرب وحب وسلام وصراع، وجعلنا نتنفس انسامه، ونشرق بعواصفه، وأخيراً ننوح معه على حبيب، ونبكي على مغرم، وليس شعر الحنين إلا صرخة قلب مفجوع، وعويل وجدان جريح، وخفق صبابة باكية.
ولقد أجاد أديبنا وأفاد فيما صوره ورسمه، حتى أننا نكاد نلتقي بالشاعر وجهاً لوجه؛ تقرأه أيدينا، ونسمع منه، ونصغي إليه، ونشاركه فرحته، ونتفجع معه لوعنه ووجده وحنينه، ثم يبقى ظلهّ في نفوسنا طويلاً